Skip to main content

Full text of "علم النفس والمخابرات عمر هارون الخليفة"

See other formats







الأستاذ الدكتور 





اسجبتةا 





وز.بالء.مموطعل. كير 


علم النفس وامخابرات 


رقم التصنيف: 150 

المؤلف ومن هو في حكمه: د. عمر هارون الخليفة 
عنوان الكتاب: علم النفس والمخابرات 

رقم الإيداع: 2009/4/1436 

الترقيم الدولي: 3 - 62 - 454 -995/7 - 978 :1581 


الموضوع الرئيسي: علم النفس/ المخابرات 
بيانات النشر: دار ديبونو للنشر والتوزيع- عمّان - الأردن 


* ثم إعداد بياناث الفهرست والتصنيفف الأوليت من قبل دائرة المكتبث الوطنيت 





حقوق الطبع تحفوظة للناش 
الطبعة الثانية 
0م 


ديبونو للطباعة والنشر والتوزيع 
عضواتحاد الناشرين الأردنيين 
عضواتحاد الناشرين العرب 


حقوق الطبع والنشر محفوظة لمركز ديبونو لتعليم التفكير, ولا يجوز إنتاج أي جزء من هذه المادة أو 
تخزينه على أي جهاز أو وسيلة تخزين أو نقله بأي شكل أو وسيلة سواء كانت إلكترونية أو آلية أو بالنسخ 
والتصوير أو بالتسجيل وأي طريقة أخرى إلا بموافقة خطية مسبقة من مركز ديبونو لتعليم التفكير. 


يطلب هذا الكتاب مباشرة من مركز ديبونو لتعليم التفكير 
عمّان- شارع الملكة رانيا- مجمع العيد التجاري 
مقابل مفروشات لبنى- ط4 
هاتف: 962-65337003 5خ 9626533/029 


فاكس: 962-6-533/00/7 
ص. ب: 831 الجبيهة 11941 المملكة الأردنية الهاشمية 


1-1211: 0 
1.10.0 





علم النفس وامخابرات 


ع 


تاليف 


الدكتور . عمر هارون الخليفة 
الناثشر 


ديبونو للطباعة والنشر والتوزيع 





بسم الله الرحمن الرحيم 


" وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (13) " 


صدق الله العظيم 


( الجاثية : 13) 


الموضوع الصفحة 
الفصل الأول : مغرمة حك مووي 9 
التجسس بين الحقيقة والخيال م م ع 2 9 
حروب المعلومات والجواسيس ال ا 1 1 11[ 000771 
منع نشر كتب التجسس د-0000010 0 اا 
علم النفس والتجسس بين القشور واللباب م م م سي )18 
صعوبات البحث السيكولوجي في مجال التجسس اذ 1 1 
مفارقات في تطبيقات علم النفس 24 
خلاصة 0000011 0 000 
الفصل الثاني : علم النفس والتحكم بأكملث : الاستعمار وكيب .... 31 
العلوم الاجتماعية والهيمنة اذا 00 
علم النفس والاستعمار في ألمانيا مما اااي ااا 
علم النفس والاستعار والمخابرات في بريطانيا 3[ | ز|ز|ز[ز ز ز ز زذز ز زذ 30900 
التطور الائل لعلم النفس في أمريكا 1 ا 
علم النفس والبلاد البوتقة 4 
علم النفس والحرب في ألمانيا 5 
علم النفس وال حرب في الاتحاد السوفيتي 1 1 100001 
علم النفس والحرب في أمريكا لس سس سس سمس جمد موصت 928 
علم النفس السوفيتي والأمريكي: الشبه والاختلاف ممه م م 000 


المحتويات 


اسكنر وتدريب الحمام لتوجيه القنابل ا 00 


علماء النفس ومكتب الخدمات الإستراتيجية في أمريكا 


الفصل الثالث : تطبيقاث علم النفس في المخابراث الامريكيث 


علم النفس والمخابرات الأمريكية 23213011110100 
غسيل الدماغ والمخابرات الأمريكية 10 |[ | |[ ز ز ز ”2130 
ضحايا الحرمان الحسي في «غرفة النوم» ال 2010 
الباراسيكولوجيا والمخابرات م ب ا 
مقياس وكسلر للذكاء: العضلة التحتية للمخابرات اطغ 
سيكو لوجيا | لجنس والمخابرات 0010 1[ 1[ 1[ 1 1111 111[ 1غ 
التنويم المغناطيس والمخابرات 1303307 | [|[|ؤز ز ز ز 0 0 ز 200 
علم النفس المخابراتي وتقييم العقول الخطيرة 227 
تقانة التجسس وتعزيز استقبال الحواس 11111111111111111111120ذ3غ2 
دعم المخابرات الأمريكية للبحث السيكولوجي 8 000*ظ5 
علماء نفس جواسيس وعلاء نفس في خدمة المخابرات 20 
البحث السيكولوجى وتجاوز الحدود الأخلاقية 353111111 


خلاصة 


0001 


علم النفس والحرب الباردة ”طغض 


/4 
77 


55 


585 
52 
58 
106 
111 
119 
125 
131 


141 
146 
156 
103 


165 
100 
1/4 


158 


المحتويات 


سيكولوجيا الإرهاب: الإمبراطور واللص ا 1غ 
ابعخلال نات الببيكر لوس من فل الرسناة 1ك 
الشخصية العربية في الدعاية الإسرائيلية 31011111110« 
عدو عدوي صديقي أو فرق تسد 2321111111« 
الموساد والعلاقات السودانية الإسرائيلية 250011 
«عملية موسى» و «عملية سبأ» لنقل اليهود الفلاشا 1111 
الرئيس النميري وجرعة الدواء اا 000 
الاغتباللات المروعة بواسطة كيدون الموساد 0 21 


الموساد واغتيال الفيزيائيين العرب ل 321111111111ظ2 
مخالب الموساد في اغتيال الأميرة ديانا ودودي ”كط 


حرب الخليج النفسية ما بين الدباغ والرشيدي 0 
الموساد: الأسطورة التي تتقهقر آز ز ز 0 0[ 0 0 000 
علم نفس السلام والمخابرات 9-9« « < < ه ه121 
علم النفس والدبلوماسية 0 
المخابرات الإسرائيلية ونوايا السلام العربية ”2 


ورش علم النفس ومفوضات السلام العربية-الإسرائيلية كص 


الفصل السادس : علماء النفس العررب والتحكم بالقطاعي 


مفهوم التحكم عند علماء النفس العرب 231111111111011 
التأسيس التربوي لا الدفاعي لعلم النفس دا ا 0 
بعض قضايا علم النفس في العالم العربي ع مك 


المحتويات 


معوقات وتوطين علم النفس في العالم العربي ل 
البحث السيكولوجي والتجزئة ا531111كظإغ 
لاعلم نفس في العالم العربي من غير علم نف :نراقي ا 
لماذا لا يستقيل أو ينتحر علماء النفس العرب 09989 20خ 
لا مخابرات من غير علم نفس 225070ظ1<1 


تخالب علم النفس | 6 #1ؤ [ظ ظ [ [ [ [ [ [|[|ز|ز|ز[ز ز ز زذز 0[ 0 0 0[ 0 


أولاً- المراجع العربية 9 225 
ثانياً- المراجع الأجنبية و إن عد باد برعاي وسسوايتة بسي بسي بم سياد 


التجسس بين الحقيقة والخيال 

تهدف المحاولة البحثية بصورة محددة إلى دراسة العام السري لتطبيقات علم النفس الكبرى في أجهزة المخابرات. 
وأنه لأمر مشروع بالإدلاء بشهادة عن حسن أو سوء توظيف علم النفس. إن البحث في هذا المجال الغامض أو 
السري قد يثير تساؤل البعض: ما هي علاقة الباحث با لمخابرات؟ يحملني هذا السؤال للقول بصورة واضحة بأني 
لست عميلا أو جاسوسا أو متعاونا مع أي من ال مخابرات من قريب أو بعيد. ولكني أدرك الدور الهام الذي يقوم 
به علم النفس في مجال الاستخبارات خاصة في أجراء التجارب بقصد التحكم. وجمع المعلومات, والحبر النفسية, 
فضلا عن اختيار وتدريب أفضل الجواسيس. 

صحيح جدا بأن هناك غموض وعقبات كبيرة أمام دراسة موضوع مستور ومحجوب يرتبط بتطبيقات 
علم النفس الميدانية أو العملية في عمل الجواسيس ولكن مع ذلك الستر والاحتجاب هناك أهمية لمحاولة المغامرة 
في دراسة هذا الموضوع الشائك. فهناك غياب لهذه العينة من الدراسات التطبيقية في المكتبة العربية. وهناك بعض 


الكتب عن الحرب النفسية» وبعض الأفلام أو المسلسلات عن الجاسوسية, وبعض 


' نشرت مقالة أولية من هذه الدراسة بعنوان "علم النفس والتحكم: نظرة للحرب الباردة" بمجلة "عاط الفكر", 28 (3), 365-295 
(يناي ر/مارس 2000) 
9 





الروايات عن الجواسيس.ء وبعض التغطيات الصحفية عن موضوعات شتى عن عام 
المخابرات. ولكن في حدود علم الباحث ليس هناك بحثا عربيا موضوعيا يعالج تطبيقات علم النفس 
في مجال المخابرات. 

يقع عام التجسس بين الحقيقة الصعبة والخيال الغريب كما في شخصية لورنس العرب 
المحيرة والغامضة. وكذلك في شخصيات جون فيليبي وإيليا كوهين» ورأفت الهجان . وفي هذا المجال 
أخذتنا روايات أغاثا كريستي إلى عام بوليسي ملن بالأعمال القذرة يتجلى فيها بطل خارق يكشف 
عن المجرمين» ويعمل كمحقق وعميل وجاسوس في آن واحد . وجاءت روايات الجاسوس أرسين لوبين 
لتظهر شخصية الجاسوس المحببة والذكية.» وكذلك روايات جيمس بوند التي انتقلت إلى السينما 
وذاع صيتها في جميع أنحاء العالمء وبات العميل رقم 007 مثلا للصغار والمراهقين وموضع اهتمام 
الكبار وإعجابهم (بوستء 1990). 

لقد نتج عن النزاع العربي الإسرائيلي أبطال يعود ظهورهم إلى الخيال وليس إلى الواقع. 
وبذلك تصعب مقارنة العالم الحقيقي الواقعي مع هذه الروايات. ومع ذلك فإن الحقيقة ليست 
أغرب من الواقع؛ ولكنها أكثر تعقيدا. فلكل عميل سري شخص يشرف عليه. ولكل مشريف رئيسء 
ورؤساء الاستخبارات مسئولون أمام الوزراء الذين يفكرون بالموازنة والرأي العام والانتخابات. 
ويتكرر في تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية موضوع: كيف يتدخل السياسيون في العام السري. وكيف 
يمارسون سلطاتهم, ثم كيف يتهربون من المسئولية عندما تسير الأمور باتجاه خاطن (أنظر بلاك 
وموريس, 1992). 

وإذا وددنا بصورة محددة الإشارة لأشهر النماذج التي تناولت أنشطة المخابرات المصرية, 
مثلاء في الداخل وصراعها مع الموساد تشمل القائمة. كتاب "جواسيس وخونة", و"قصة جاسوس” 
و"حرب بلا قتال, و"عملاء في القاهرة”. و"المفاجأة". و"كنت صديقا لديان". و"حوار الثعالب”, 
وأفضل الأفلام هو "الصعود إلى الهاوية" وأفضل الدراما التلفزيونية كانت "رأفت الهجان" (أبو 
ستيت, 2000). وتبرز المعالجة الكتابية أو السينمائية أو الروائية الممتازة للشخصيات المتناولة 


وتوضح من غير شك 


الدور الكبير لعام التجسس عامة. ولكن ما هو حجم الخيال في بناء هذه الشخصيات وما هو حجم 
الواقع منها. عموما كانت هناك زيادة في مساحة حرية المعالجة للأعمال السينمائية والروائية 
ا مرتبطة بموضوع التجسس وذلك لأن هذه الأعمال تقدم الحقيقة بلغة أدبية وربما بقدر من 
الغموض والتمويه والإثارة. وبذلك تزداد مساحة الخيال لعاطم التجسس. ولكن عندما يعالج موضوع 
الاستخبارات بصورة علنية من خلال أعمال أكادممية أو مذكرات صارخة تقل مساحة الحرية المتاحة. 
وتبعا لتلك المساحة القليلة يقل حجم المعلومات المكشوفة. 

هناك تسميات متشابهة لكلمة "جاسوس" في اللغات الأجنبية. فهي بالفرنسية "ايسبيون"”, 


وبالإنجليزية "سباي" وبالإيطالية "سبيوني". وبالأسبانية "ايسبيون". وبالروسية "شبيون"” وبالأمانية 
"سبيون" (مجموعة من ال مؤلفين. 1991). وفي اللغة العربية قد تستخدم كلمة "الجاسوس" أو 
"المخبر" أو "العميل" أو "رجل الاستخبارات" أو "رجل المخابرات" وهم كلهم جواسيس. ويأقٍ هذا 
"الجاسوس" من كل أوساط المجتمع بمختلف طبقاته الاجتماعية ومستوياته التعليمية والمهنية 
والأخلاقية. قد يكون "الجاسوس" طالبا أو بروفسورا في جامعة, جنديا أو ضابطا في الشرطة. مراسلا 
أو وزيرا في وزارة ممرضا أو طبيبا في مستشفى. نادلا أو مديرا لمطعم. مضيفا أو قبطانا في طائرة, 
عاملا أو مالكا لفندق, محررا أو مالكا لصحيفةء مذيعا أو رئيسا للتلفزيونء حارسا أو سفيرا في سفارة. 
قد يكون "الجاسوس" رئيسا لدولة وعميلا في الوقت نفسه لمخابرات أجنبية . 

قد يأت "الجاسوس" من أسرة مفككة مصدعة. وقد يأقٍِ من أسرة متماسكة ومحافظة 
اجتماعيا. قد يكون الجاسوس بدوام كلي أو جزثي وقد يكون عميل مزدوج. جاسوس مع بلده 
وجاسوس ضد بلده في الوقت نفسه. وقد يكون "الجاسوس" ملحدا كافراء وقد يكون مؤمنا ورعا. قد 
تكون "الجاسوسة" سكرتيرة حسناء فائقة الجمالء وقد تكون قبيحة لا تلفت الانتباه إلا بقبحها ربما 
تنفع لأعمال الستر أو التغطية. وقد تكون "الجاسوسة" مومس فاضلة تنفع لأعمال "المناكحة 


ا معلوماتية" وببراعة فائقة تصطاد 


فريستها. وقد يكون "الجاسوس" أبوك أو أمك, أخوك أو أختك: زوجك أو زوجتكء. خالك أو 
عمك. صديقك أو زميلك, جارك أو رئيسكء وقد تدري أو لا تدري بأنه "جاسوس" شيطانا أو ملاكا. 
وقد يكون "الجاسوس" أنت الذي يقرأ هذا الكتاب فما بميزك من الصفات أعلاه ويا ترى اذا 
أصبحت "جاسوسا"؟ 

ومع تشابه تسميات "جاسوس" في اللغات ال مختلفة هناك تشابه في ردود الأفعال نحو 
الجواسيس بالرغم من اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والمهنية والعلمية والأخلاقية. إن كلمة 
"جاسوس" ليست كلمة محببة الذكر. ولهذا السبب فإن أجهزة التجسس تفضل أن يطلق عليها وكالة 
استخبارات» أو مؤسسات الأمن القوميء أو مكاتب التحقيقات. وفي عالم التجسسء كما نعلم: يبقى 
هناك عام ضبابي كثيف ما بين الحقائق الصارمة وبين عاط الخيال» وفي كثير من الأحايين قد تكون بين 
الاثنين مساحة من العتمة يصعب التكهن بمساحتها. 


حروب ال معلومات والجواسيس 


من ناحية تاريخية» يعتبر التجسس ثاني أقدم مهنة بعد الدعارة ولا أدري اذا كانتا أقدم مهنتين على 
وجه الأرض. ويعتقد البعضء مثلاء فولكمان (1999) بأنها ثالث مهنة. وتكتسب السمعة السيئة 
الرديئة نفسها التي اكتسبتها المهنتان التاريخيتان السابقتان عليهماء كما قال أحد ال مؤرخين. فإن 
التجسس كان إحدى ثلاثة مهن بدائية ظهرت في بداية التجربة الإنسانية على هذا الكوكب: 
الشامان» والجاسوسء والعاهرة. وتختلف مسألة تحديد أي من تلك مهن التي اكتسبت سمعة 
رديئة أكثر من غيرها باختلاف الآراء وليس هناك اختلاف في الرأيء مع ذلك. حول أي من المهن التي 
اكتسب سمعة أشد غموضا. ومع اكتساب التجسس سمعة سيئة في نظر البعض. خاصة عندما 
يرتبط نشاطه بالمواطنين وليس الأعداءء إلا أنه يظل بالنسبة للكثيرين أفضل مهنة ترتبط باستخدام 
الذكاء الإنساني أحسن استخدام و أشرف مهنة ساهرة على حماية الدولة والجيوش. 


في القرن العشرين جرى نشر جيوش من الجواسيس خلال فترة من التاريخ 


تميزت بحروب مستمرة إلى حد كبير. وكلما كانت هناك حروب كان هناك جواسيس أيضا. 
و استخدم الاتحاد السوفيتي أكثر من 300000 جاسوس في ذروة قوته. وأن الولايات المتحدة 
استخدمت جيشا من الجواسيس أقل من هذا الرقم بقليل» فربما يمكننا أن نعرف مدى عمق جذور 
التجسس في بنية الحضارة الحديثة. وأطلق على هذا القرن في بعض الأحيان "قرن الجواسيس" 
والسبب في ذلك هو أن الرغبة الدائمة في الحصول على ال معلومات عند الدول الصناعية الحديثة 
أوجدت جيوشا من الجواسيس الذين قاموا بمثل هذا الدور الحاسم في مجرى تاريخ العالم. وهناك 
بعض الجواسيس من كانت لأفعالهم تأثيرات دراماتيكية على التاريخ وهؤلاء هم الرجال والنساء 
الذين أثروا على نحو مباشر على مصير الإمبراطوريات والشعوب وحتى التاريخ نفسه (انظر 
فولكمان. 1999). 

في تقديريء إن الحرب الحالية بين الأمم. خاصة المتقدمة أو الصناعية ستكون حرب 
معلومات أو حرب جواسيسء وليس حرب اقتتال وبندقية وكلاشنكوف في كل الأوقات. فكيف يا ترى 
يمكننا فهم هذه الحلقة الهامة من حلقات الصر.ع الدولي؟ وكيف ممكننا فهم عواصم أو مراكز 
المخابرات العالمية والإقليمية والقرارات التي تتخذها في مصائر الشعوب. فواشنطون هي المكان 
المفضل للجاسوس الروسيء وموسكو هي المكان المفضل للجاسوس الأمريكيء وباريس هي المكن 
المفضل للجاسوس الإسرائيليء وقبرص أو كما يطلق عليها "جنة الجواسيس" هي المكان المفضل 
للتجسس على الشريق الأوسط وعاصمة لدولة خليجية يطلق عليها وكر الجواسيس. وفي عاط 
المخابرات تتجسس أمريكا على بريطانياء وتتجسس بريطانيا على فرنسا. وما يشتريه العرب من 
أمريكا يتجسس عليه البريطانيون لسرقة الصفقاتء وما تتخذه الدول العربية من علاقات اقتصادية 
مع الصين تتجسس عليه أمريكا. 

إن علماء النفس في السي آي ايه والام آي 6 والموساد يتجسسون على الأفراد والجماعات في 
العالم العربي في حالات الحرب والسلم: قيادة وشعباء قطاعا عاما وخاصاه الممواطنين والمقيمين منهم 


ولهم معلومات غزيرة أكثر مما يعرف علماء النفس 


العرب عن أقطارهم. وتقتضي المصالح القومية التجسس على الآخر. ولعلنا نتساءل إذا كنا نجهل ما 
يجري للأفراد والجماعات في العام العربي فكيف بممكننا معرفة ما يدور في الولايات المتحدة وبريطانيا 
وإسرائيل. وبوسعنا التساؤل أين علماء النفس في المخابرات العربية مقابل علماء النفس في "الموساد" 
وهي الذراع الخارجية القوية لإسرائيلء و"الشين بيت" الذراع الداخلية الباطشة؛ و"أمان" الذراع 
العسكرية المؤمنة لإسرائيل؟ ماذا لا نسمع كثيرا بالمخابرات العربية إلا ضد المواطنين العرب في 
الداخل والخارج بينما المخابرات الحقيقية هي ضد الأعداء أو الجيوش الأجنبية. 

وبوسعنا التساؤل كم من الجواسيس العرب من كان له دورا حاسما في مجرى تاريخ أو 
حروب العام العربي؟ وما هي ال مخابرات العربية ذات الأذرع الخارجية والداخلية القوية والباطشة 
ضد الجيوش الأجنبية؟ وكيف توظف المخابرات العربية جواسيسها في جمع ال معلومات؟ ربما لا 
يمكننا معرفة ذلك نتيجة لصعوبات البحث في العام السري للمخابرات من جهة ومن جهة ثانية 
عزوف أو لا مبالاة أو رفض علماء النفس العرب البحث السيكولوجي في هذا المجال الاستراتيجي. 
وبالرغم من إستراتيجية هذا المجال و جوهريته أو لبابيته ينظر أحد علماء النفس العرب أنه من 
"القشور". وسوف نتطرق لتلك النقطة لاحقا في هذا الفصل من الكتاب. 

بالرغم من التطورات التقنية الهائلة في السنوات الأخيرة تبقي المهمة الأساسية للاستخبارات 
هي جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات الخام من الأعداء والأصدقاء في أوقات الحرب والسلم 
والعمل على تصنيفها. وعادة ما تتم عملية الجمع والتصنيف في سلسلة من المراحل وتعتبر كل 
مرحلة أساس للمرحلة التي تأتي بعدها. وربما يمكن النظر بالنسبة لهذه العملية المرتبطة بالجمع 
والتصنيف بكيفية وضع الطوب في المبني وتركيبه ويقدم ذلك الوضع فهم أفضل للوضع العسكري 
أو الاقتصادي أو السياسي للدول المختلفة. وبكلمات أخرىء يمكن النظر لهذه السلسلة من الجمع 
والتركيب كعملية فهم وحل متاهة الجكسو. ويرتبط كل من الفهم والحل بالتوقعات وتحديد النوايا. 


وفي كثير من الأحايين تكون المعلومات المجموعة والمصنفة: مخابراتياء مرتبطة 


بنوع من الضجة وقد تصعب حينها عملية التمييز بين الاثنين. وفي هذه الحالة يجب 
تحديد درجة الشك أو هامش الغلط أو الخطأ في مصداقية المعلومات ومدى غموضها. 

من ناحية سيكولوجية» إن الخبير الاستخباري يميل دانما إلى إعطاء أهمية تشخيصية عالية 
للمعلومات التي تتلاءم مع افتراضاته. أما المعلومات التي تتناقض أو تدحض افتراضاته فإنه قد بيميل 
إلى التقليل من أهميتها. وبالنسبة للمعلومات الغامضة فإن الخبير قد يفسرها بالشكل الذي يتلاءم 
مع افتراضاته هو. وإن "الغلط" في تفسير الحدث المفاجئ ضروري من وجهة نظر تطوير التفكير 
النظريء لأنه يتوقف على القدرة في رؤية إمكانيات أخرى. وبالنسبة لمسائل التقدير على المستوى 
الأماسي يجب عدم الافتراض بأنه كلما زادت المعلومات. تحسن مستوى ال معلومة: إذ من المحتمل قد 
تؤدي فيها كثرة المعلومات إلى وقوع أخطاء فادحة في التقدير (لنين 1986). 

يتخذ رجال ال مخابرات أو الجواسيس بفضل معلوماتهم في كثير من الأحيان أخطر القرارات 
التي تحدد مصائر الشعوب السياسية والاقتصادية وفوق كل ذلك الحربية. وتحتاج هذه القرارات 
الخطيرة للبحث من قبل مؤرخي علم النفس فضلا عن كتاب الجاسوسية أو المخابرات. ولكنء كما 
يعبر المرصفي (1995). عادة ما يتم تجاهل هذه القرارات وعن عمد ولسبب بسيط يتمثل في 
إدراكهم طبيعة السرية والخصوصية التي تتسم بها المعلومات الواردة في ملفات وسجلات أجهزة 
المخابرات مهما كانت أهميتها في نسيج الأحداث التاريخية التي يتناولونهاء فضلا عن تجنبهم الوقوع 
تحت طائلة قوانين إفشاء الأسرار الرسمية, أو سلطات الرقيب العسكريء أو الحظر ال مفروض على 
نشر المعلومات حول قضايا تتعلق بأمن الدول ومصالحها العليا. وتبقى جميع هذه المحاذير دستورا 
واضحا وسيفا مسلطا على رقاب ا مؤرخين العسكريين أو الكتاب المتخصصين وبذلك تظل دنيا عام 
المخابرات أشبه بالتابو المحظور النشر. ولهذا السبب تكثر الحملات الرقابية على منع نشر الكتب 


والمقالات والتقارير الاستخبارية التي تحتوى على المعلومات الهامة خاصة المصنفة منها. 


منع نشر كتب التجسس 

ربما تكون الرغبة غير العادية في التخلص من الشحنات ال معلوماتية أو الأسرار الدفينة في ذاكرة بعض 
الجواسيس أو تطهير الصدر من الخطايا وربما التوبة النهائية من عام التجسس جعلت البعض يدلي 
بحجم هائل من ا معلومات للرأي العام والذي عادة ما تتلهفه دور أو حيتان النشر الكبرى والصغرى 
منها. وكثير من الجواسيس لسبب أو آخر فصلوا من المخابرات وعملوا ككتاب أو كصحافيين أحرار 
وحينها بمقدورهم التعبير عن تجاربهم السابقة بصورة أكثر حرية. ومن مهام اللمؤرخينء وليس 
الجواسيسء في المجالات العسكرية والعلوم الأمنية الكتابة عن عام المخابرات المحفوف بالمخاطر. 

عموما قد أدى انكشاف أجهزة الاستخبارات إلى اهتمام الرأي العام بهاء وقد حاولت 
الحكومة البريطانية عبثا منع نشر كتاب "صائد الجواسيس". وهو يتحدث عن مذكرات ضابط سابق 
من جهاز الاستخبارات يدعى بيتر رايت (بلاك وموريسء 1992)., واستنفرت أجهزة الجمارك في 
المطارات والمواني البريطانية وبدأت عملية تفتيش لا مثيل لها للقادمين» وخاصة من أمريكا. فقد 
خرجت لندن عن وقارها المزعوم ودبمقراطيتها العريقة لتشن حملة واسعة لكتاب "صائد 
الجواسيس" (القسوس.ء 1988). كما شنت حملات أخرى لكتب ومقالات وأحاديث تلفزيونية 
وإذاعية عن عاط التجسس. 

كذلك وقفت ستيلا ريمنغتون الرئيسة السابقة لجهاز الاستخبارات الداخلي في بريطانيا آم 
آي 5 في قفص الاتهام وذلك لإخراجها كتاب بعنوان "حياة المفاجآت" يحكي تجربتها الاستخبارية على 
امتداد 40 سنة. وقادت ستيلا خلال توليها رئاسة المخابرات 1996-1992 جهازا محليا قويا وبنت 
أمجادها الاستخبارية في الميدان البريطاني وعرفت قصة تفجير السفارة الإسرائيلية ومهاجمة أهداف 
يهودية في لندن عام 1994 وهي على علم بالعلاقة المتقلبة بين الاستخبارات الإسرائيلية والبريطانية, 
كما هي على علم باغتيال الفنان الفلسطيني ناجي العلي وقضية سلمان رشدي وأبعادها الإيرانية. 


وأعرب رئيس "لجنة الاستخبارات والأمن" عن معارضته للكتاب (الجنديء 2001). 


وفي الولايات المتحدة. رفضت السي آي ايه السماح لبوب بايرء الموظف السابق بالوكالة, 
بنشر جزء من وثيقة حول عمله في الوكالة الذي استمر أكثر من 14 سنة ضمن كتاب وذكر أن 
العديد من فقرات الكتاب تتضمن معلومات سرية لم يكن من الجائز توزيعها خارج المرافق 
الحكومية الآمنة . ويتعلق جزء من هذه المعلومات بتفجير طائرة "الجامبو" التابعة لشركة "بان 
أمريكان" فوق بلدة لوكربي الاسكندينافية عام 1988 وانفجار الخبر في السعودية عام 1997 (لويب» 
2)0. 

وتجاهلت إسرائيل هذه الدروس البريطانية والأمريكية وحاولت عام 1990 وقف نشر 
كتاب لضابط سابق في الموساد هو فيكتور أوستروفسكي في الولايات المتحدة وكندا وفشلت أيضا 
(بلاك وموريس, 1992). كما رفضت إسرائيل كذلك منع نشر كتاب الدكتور افنير كوهين عن 
"إسرائيل والقنبلة" والذي يتحدث فيه عن الترسانة النووية الإسرائيلية. ومنع المؤلف من المجيء إلى 
إسرائيل للاشتراك في حفلة أقيمت على شرفه لمناسبة صدور الكتاب من دار "شوكن" للنشر في تل 
أبيب. ويقول الدكتور كوهين أن هؤلاء البيروقراطيين وعلى رأسهم جهاز "ملماب" المسئول أمنيا في 
إسرائيل عن منع تسريب معلومات عن أي تكنولوجيا عسكرية إلى الخارج حاولوا بكل الوسائل 
القانونية منع نشر الكتاب كونهم مولعين بسياسة الغموض والسرية التي رسمها في أوائل السبعينات 
هنري كسنجر كمسئول عن ملف الأمن القومي في إدارة نيكسون والسفير الإسرائيلي إسحاق رابين 
بهدف إيقاف الضغوط على إسرائيل ولكنهم في الواقع فشلوا فشلا ذريعا في منع نشر الكتاب. 

وأشار بعض ال مؤرخين من أمثال كريستوفر أندرو أنه ممكن أن تحاط الأبحاث العميقة 
والأعمال الجادة ببعض القيود السخيفة والتافهة بحجة الأمن القومي. عموما لا تستطيع ا مجتمعات 
الدبممقراطية أن تصمد بثبات في وجه الضغوط من أجل محاسبة ومراقبة أجهزتها السرية» ويعتبر هذا 
صحيحا عندما تتوجه جهود الاستخبارات نحو مواطني الدولة وليس نحو الجيوش الأجنبية أو 
الجواسيس (بلاك وموريس 1992). ولكن مع كل هذه الضغوط الموجهة نحو الاستخبارات والعيون 


الثقيلة المفتوحة أمام 


تسريب الأسرار قام ماركس (1979) بنشر أهم كتاب على الإطلاق عن استخدام المخابرات المركزية 
الأمريكية لعلم النفس وهو كتاب "مرشح إنسان منشوريا" وذلك في حدود المباح أو الحرية المقيدة 
في مراجعة بعض وثائق المخابرات. ولقد ذكرنا "بعض" لأنه تم رفض مراجعة البعض الآخر من 
الوثائق السرية. 

وفي العالم العربي تم نشر الطبعة الأولى من كتاب "علم النفس والمخابرات" عام 2000. 


وكتبت بعض الصحف وال مجلات والنشرات العربية عن الكتاب في ا مغرب ولبنان والأردن والإمارات 
والبحرين. ولكن في ذات الوقت رفضت بعض الصحف والمجلات المتخصصة في بعض الدول العربية 
نشر أي معلومات عن الكتاب بالرغم من أنه أول كتاب في المكتبة العربية يعالج تطبيقات علم 
النفس في المخابرات. كما م يتم السماح لتوزيع الكتاب في بعض الدول العربية مع العلم بأن الكتاب 
لا يتطرق إلا قليلا لموضوعات تخص العام العربي. 

علم النفس والتجسس بين القشور واللباب 

في محاضرة ألقيتها في جامعة العلوم والتكنولوجيا بالأردن ضمن فعاليات الفائزين بجوائز عبد 
الحميد شومان للباحثين العرب الشبان لعالم 1996 تحدثت عن تاريخ علم النفس وعلاقته 
بالاستعمارء والحرب الساخنة والباردة» والمخابرات كمقدمة أساسية للمحاضرة تبرز مخالب علم 
النفس. وقد تم توجيه الدعوة إلى نخبة من علماء النفس في الأردن لحضور هذه المحاضرة. وكان 
رئيس الجلسة ومقدمي في المحاضرة هو أ. د. عبد الرحمن عدس., أحد علماء النفس الكبار في العام 
العربيء وأقوم أنا شخصيا بتدريس كتبه لطلابي في علم النفس بالجامعة. وقد قرأ عبد الرحمن عدس 
ورقتي الموسومة "مأزق علم النفس في العالمم العربي" قبل المحاضرة. وقدمني لهذه النخبة المختارة 
من علماء النفس بالأردن بنبرة بدت عندي غاضبة قائلا " إذا جاز لي في عجالة بسيطة. الدكتور - 


عمر الخليفة - يري أن علم النفس في العام العربي في مأزق فهو خرج عن الأصول واهتم بالقشور". 


وفهمت من قول عدس أن الحديث عن الاستعمارء والحرب الساخنة والباردة» والمخابرات 
وعلاقة ذلك بعلم النفس أنه من "القشور". والسؤال الذي تبادر إلى ذهني منذ تلك المحاضرة وإلى 
الآن هو : أين "اللباب" في علم النفس ؟ هل يا ترى هي الاكتفاء بكتابة "مداخل إلى علم النفس" ؟ 
والحديث المكرور لدرجة الرتابة» والملل؛ والسأم. والضجر في هذه "ال مداخل" و "المقدمات"”. 
و"الأسس " عن ماهية علم النفس, والأسس البيولوجية للسلوك, وعلم النفس التطوريء وطبيعة 
التعلم, والتذكر والنسيانء والإدراك» والدافعية: والتفكير واللغة, والذكاء والقدرات الخاصة. 
والشخصية» وفهم النفس أو الذاتء وعلم النفس الاجتماعيء والعلاج النفسي. في تقديريء إن الحصر 
الضيق لعلم النفس سيئ بالنسبة لتطوره وللنظرة الإستراتيجية لتطبيقاته بمخالب حادة. 

قد يرفض بعض علماء النفس العرب تقبل الفكرة القائلة بالتزاوج بين الاستعمار وعلم 
النفسء وبين الحرب وعلم النفسء وبين ال مخابرات وعلم النفس . ولكن مهما كان الرفض فهناك 
علاقات شائكة التداخلء ومعقدة التفاعل بين هذه القوى . إذ تحتاج هذه العلاقات بللاحظة 
فاحصة لتحديد مخالب علم النفس وتحتاج لقراءة ناقدة لكشف الحسابء ولشحن أو لتعزيز فيض 
من الذكريات لأخذ الدروس والعبر منها . ويمكن القول بأن روح الاستعمار والإمبريالية ذات ا لمخالب 
الحادة قد سرت في أوردة وشرايين علم النفس» وأن عظمة وعملقة علم النفس تقف من خلفها 
المخابرات بدعمها السخي لتطور مفاهيمه. ونظرياته. ومناهجه. وتقانته لكي يكون أكثر حدة في 
مخالبه. فيا تري متى يصل علماء النفس العرب إلى تلك النقطة المحددة التي يقبلون فيها سوء 
استخدام علمهم بواسطة رفقائهم من علماء النفس في جزء آخر من العام ؟ والسؤال المحير هو 
كيف نقرأ وندرس ونبحث في علم النفس دون الإحساس بهذه السيطرة ؟ مع العلم بأن "الإحساس" 
باب هام من أبواب علم النفس العام ! أو دون الإحساس بعملية "التحكم" مع العلم بأن هناك 
ثلاثة أهداف مركزية لعلم النفس من بينها "الضبط" أو "التحكم". 

وإنه لأمر عجبء إذ أن كبرياء بعض علماء النفس العرب مثل عدس لا تود أن تجرح علم 


النفس الغربي بأي مخالبء مع أن اسكنر نفسه عبر عن تجريح مخالب علم 


النفس لحرية وكرامة الإنسان» وحسب تعبيره "أن الناس قد تم التلاعب بهم" . ويعترف 
عام الإنسان مالينوسكي قائلا وبعد عشرين عاما من العمل الانتروبولوجي وجد نفسه كما كانت, في 
موقفها الخاصء بمحاولة لدراسة الإنسان بطريقة تسئ للإنسان. تجرح إنسانيته. تماما كما جرحت 
الفيزياء والكيمياء والطبيعيات الطبيعة في السنوات السابقة (لكلرك. 1990). إن المحاولة الهروبية 
لدفن الرؤوس في الرمال من عدم اللواجهة» أو النظرة البريئة الوديعة لتطبيقات علم النفسء والقول 
بأنه علم طاهرء وعفيف. ونقيء وتقيء هي من العوامل التي حولت علم النفس في العام العربي لكي 
يكون "بلا لونء وبلا رائحة. وبلا طعم" وفوق كل ذلك بلا مخالب. 

يقول عبد الرحمن عدس وتوق في كتابهما الموسوم "المدخل إلى علم النفس" في بعض 
الحالات التي يكون همنا فيها موجها إلى اختبار أفراد لملئ وظائف من نوع معينء فإننا نحتاج إلى 
أكبر قدر من المعلومات عن شخصياتهم وتصرفاتهم حتى يصبح بمقدورنا اختيار الأشخاص اللائمين 
والأكفاء لذلك ما أمكن. ومن بين الوسائل التي نستخدمها في هذا المعيار عدة اختبارات تدعى باسم 
"اختبارات المواقف" وفي حالة هذا النوع من الاختبارات يوضع المرشح أمام مواقف حياتية تشبه إلى 
حد كبير المواقف التي ينتظر أن تصادفه في العمل ونلاحظ طريقة معالجة لهاء وكذلك سلوكه العام 
أثناء قيامه بها ويحكم على ذلك على درجة كفايته لها. وقد استخدم هذا النوع من الاختبارات 
بكثرة في مكتب الخدمات الإستراتيجية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية 
لاختبار الأفراد الذين كانت توكل لهم مهام خطيرة في المجهود الحربي (عدس وتوقء, 1986). لقد 
رفض عدس فكرة تزاوج علم النفس بالمخابرات فيا ترى هل يعلم بأن مكتب الخدمات الإستراتيجية 
الذي يستخدم "اختبارات المواقف" والتي تحدث عنها عدس هو نفس المكتب الذي تطورت من 
خلاله مباشرة وكالة المخابرات الأمريكية التي جرحت بممخالبها الحادة الإنسان العربي؟ إن هذه 
العينة من الرفض هي التي تزيد من حجم العقبات التي تواجه تطوير البحث السيكولوجي في 


مجال المخابرات. 


20 


صعوبات البحث السيكولوجي في مجال التجسس 

هناك عددا من الصعوبات التي تواجه الباحث في دراسة موضوع شائك ومستور مثل "علم النفس 
والمخابرات" ويرجع السبب بصورة أساسية لسرية عمل الاستخبارات. فهذه الصعوبة ليست في العالم 
العربي فحسب وإنما في الغرب كذلك. فمساحة المكشوف من عام المخابرات» كما ذكرناء هو ضئيل 
تحت القيود الأمنية الصارمة في أجهزة المخابرات. وربما تكون تطبيقات علم النفس في مؤسسات 
الدفاع والأمن بعيدا عن الأجواء الأكاديمية التقليدية في الجامعات. وغالبا لا تنشر تقارير أنشطة علم 
النفس في الأغراض الدفاعية. مثلاء في إسرائيل هناك قسم خاص وهام للأبحاث السيكولوجية في 
قوات الدفاع الإسرائيلية قام بإجراء أبحاث واسعة عن كثير من الجوانب السيكولوجية للجيش 
الإسرائيلي والجيوش العربية. وتشبه هذه الوحدة في أنشطتها المؤسسات الشبيهة للقوات المسلحة في 
الولايات المتحدة الأمريكية. و"أنه لأسباب واضحة. ليس من الممكن توضيح نوعية الأبحاث 
السيكولوجية التي تجرى في هذه الوحدة" على حسب تعبير عاما النفس الإسرائيليين بن عري وعمير 
(1986).: أو كما يضيف مائير هاميت رئيس الموساد "هناك أمور من الأفضل أن تظل سرا كما كانت". 

عندما بدأت الشروع في كتابة هذه المحاولة البحثية شعرت بأن هناك جوانب معاصرة 
هامة لتطبيقات علم النفس في المخابرات أريد أن أعالجها ولكن م أجد المادة الكافية لذلك. لقد 
اتصلت بعدة أقسام في الرابطة النفسية الأمريكية وبعدة علماء نفس عن توجيهي ببعض ال مراجع أو 
الأبحاث المتعلقة بتطبيقات علم النفس في مجال المخابرات. وم يستجيب إلا واحد من هؤلاء 
العلماء من جامعة القديس جون بنيويورك قائلا : "لا أعرف أي مصدر لتطبيقات علم النفس في 
المخابرات". وكررت عملية الاتصال كذلك بمجموعة أخرى من علماء النفس ولكن لم أجد رد. وربما 
يرجع السبب لسرية هذه التطبيقات وعدم التحدث عنها جهرا أو طلبها بصورة مكشوفة كما 
فعلت. أو ربما مم تكن لهؤلاء معلومات عن تطبيقات علم النفس في المخابرات وتبعا لذلك ربما أكون 


اتصلت بالأفراد الخطأ. 


21 


واتصلت كذلك ببعض علماء النفس في بريطانيا ولقد استجاب أحد أساتذة علم النفس 
المتقاعدين في رسالة مختصرة. لقد تخرج هذا الأستاذ من جامعة كمبردج وعمل في معملها الشهير 
الذي أجريت فيه بعض الأبحاث في ا مستعمرات البريطانية. وكان مجموعة من طلاب هذه الجامعة 
خاصة الموهوبين منهم من تم تعينهم في أجهزة المخابرات البريطانية. ويشتهر هؤلاء باسم 
"جواسيس كمبردج" كما في التقارير الاستخبارية والصحفية. 

يقول بروفسور ماركس.ء الرئيس السابق لقسم علم النفس في جامعة نيوكاسيل ببريطانياء 
في رسالته لي بأن هناك كتب و أوراق بحثية كثيرة تعالج جوانب مختلفة في مجال الاستخبارات 
والتجسس. ولكن لا أعرف أي مصدر يمكن أن يقدم تغطية شاملة للموضوع الذي طلبته. وربما 
يكون اقرب كتاب هو " "انعكاسات عن المخابرات" لمؤلفه ر. جونس. وبالنسبة للدول المفتوحة 
كدولتنا- بريطانيا- من المدهش بأن الجزء الذي يمكن التقاطه من الدراسات الموجودة في المصادر 
المفتوحة هو المطبوعات التقنية والعامة. ومعظم هذه الموضوعات تم تلخيصها في دورية "عروض 
الدفاع العالمي" و"أسبوع الطيران" والثانية مجلة أمريكية. ولكن الموضوع الذي تسأل عنه وهو 
"المخابرات السرية" إنه شيء آخر يمتد من أخذ ميزات من اللامبالاة أو الإهمال العام للبشرية- وهي 
سمة عالمية. وفك الشفرات وهي من تخصص الخبراء. 

ومن الصعوبات الأخرى في دراسة موضوع علم النفس وال مخابرات ليست هناك أقسام علم 
نفس في الجامعات الغربية تدرس "علم النفس الاستخباراتي" كما ليست هناك مراجع تتضمن 
تطبيقات علم النفس في المخابرات وليس هناك متخصصين معروفين لهم اهتمام بهذا المجال في 
الجامعات, كما لا تنشر ‏ مقالات أو أبحاث عن علم النفس والمخابرات في الدوريات العالمية أو 
الإقليمية. ولكن أحيانا تنشر بعض المواد المقيدة في النشرات الإخبارية التي تصدرها بعض الجمعيات 
والروابط السيكولوجية مثل نشرة "مونتار" التي تصدرها الرابطة النفسية الأمريكية. كما تنشر بعض 


الموضوعات ليست ذات الصلة الكبيرة بالموضوع في "عروض الدفاع العالمي" أو في 


22 


الصحف اليومية والمجلات غير المتخصصة. وربما يكون هدف الأخيرة هو الإثارة أكثر من 
عملية عرض أبحاث جادة أو تطبيقات عملية. كما لا تعرض أبحاث عن علم النفس والاستخبارات 
بصورة مباشرة في ال مؤتمرات العالمية لعلم النفس. وليس هناك قسم خاص عن "علم النفس 
المخابراق" في الرابطة النفسية الأمريكية, إنما هناك أقسام يتوقع أن تكون قريبة من هذا المجال مثل 
"قسم علم النفس الحربي" و"علم نفس السلام", و"علم النفس السياسي". 

ومن الصعوبات الأخرى التي تواجه الباحث في دراسة الاستخبارات فإن الإثباتات التاريخية 
الأخرى» على حد قول بلاك وموريس (1992). فهي إما جزئية أو لا يتكل عليهاء مثل الل مذكرات 
الشخصية التي تعاني من الرقابة الذاتية ومن طبيعة الإنسان في خدمة ذاته. إن الرجال المسنين 
ينسون كثيراء أما الشباب الذين يتمتعون بذاكرة جيدة فتقف لهم الرقابة الرسمية بالمرصاد. تعتبر 
رحلة جون لوكاريه القصيرة إلى الشيق الأوسط في رواية "البائعة المتجولة" أفضل معالجة 
للاستخبارات الإسرائيلية وحربها المستمرة ضد الفلسطينيين. وكذلك رواية "عملاء البراءة" للكاتب 
الأمريي ديفيد اغناطيوس التي تتحدث عن الموضوع نفسه أيضا. لكن هذه الروايات الناجحة 
وغيرها من الكتابات العبرية» الأقل شيوعاء والتي م تترجم إلى اللغات الأخرىء تعتبر استثناءات. لقد 
اعتبرت رواية "عملية سفينة اليورانيوم" مثلا عن قصة حقيقية كيف تمكن فريق من العملاء 
الإسرائيليين من خطف سفينة محملة باليورانيوم عام 1968 وذلك لاستخدامها في البرامج النووي 
السري في بلادهمء. ويظهر غلاف الكتاب بتشويق ظاهر أن الفريق يضم "عميلا وسيما قديرا قاسياء 
وامرأة جميلة بمهارات جنسية ظاهرة وقاتلا محترفاء وقبطانا بحرياء وميكانيكيا متمرسا وعبقريا 
باستطاعته صنع المعجزات من كل ما هو معدني» وغيرهم من نخبة العلماء والجواسيس الإسرائيليين» 
وشبكة واسعة من العملاء في سائر أنحاء العام". 

ووجه آخر من أوجه صعوبات دراسة تطبيقات علم النفس في المخابرات عدم سهولة إجراء 


مقابلات علنية مكشوفة مع علماء النفس الذين تعاونوا بصورة كاملة أو 


23 


جزثئية مع المخابرات. وربما يدلي البعض بعد سن التقاعد بمعلومات جزئية في حدود الرقابة 
المتاحة ويرجع ذلك كما ذكرنا سابقا لطبيعة المهنة التي تتطلب "السررية" و"الوحدة". يقول رايت 
(1988) تتصف مهنة المخابرات بالعزلة. ولاشك بأن هناك صداقات حميمة: ولكن في النهايات تبقى 
وحيدا مع أسرارك. تعيش وتعمل في قمة مموهة من الإثارة. بالاعتماد داتئما على زملائك. وعليك أن 
تتحرك دائماء أما نحو فرع جديد أم قسم جديد, أو حتى نحو عملية جديدة. وكلما تحركت من 
جديد فإنك ترث أسرارا جديدة تؤدي إلى فصلك عن أولئك الذين عملوا معك في السابق. أما 
الاتصال. خاصة مع العام الخارجيء فإنه يكون عادة عرضياء طاما أن جزء من نفسك لا يمكن أن 
تشارك به الآخرين. ولهذا السبب فإن أجهزة الاستخبارات هي أكثر الأجهزة قدرة على استغلال 
الإنسان. وهذه الصفة ملازمة لطبيعة المهنة ذاتهاء وكل من ينضم للعمل يعرفها. 

لا بد من القول كباحث مغامر لموضوع غامض بأني قد اصطدمت بكتب المخابرات كما 
اصطدمت بكتب علم النفس كذلك . فلم أجد في كتب علم النفس ما يشفي ظمئي تماما للبحث 
عن تطبيقاته في المخابرات كما لم أجد في كتب المخابرات المختلفة فصولا ثرة عن تطبيقات علم 
النفس فيها. وتبعا لهذا الاصطدام أحاول أن اسعي كالنملة أحيانا وأخرى كالنحلة أبحث ما 
بالدوريات والمجلات والصحف والتقارير وأوراق المؤتمرات والمقابلات ورسائل الدراسات العليا فضلا 
مفارقات في تطبيقات علم النفس 
يعتمد البحث الحالي على النظرة القائلة بأن واحدا من أهم جوانب التطبيقات العالمية لعلم النفس 
وضوحا هو المفارقة بين عملية "التطبيق بالجملة” و"التطبيق بالقطاعي" . وتعني العملية الأولى» 
الاستخدام الأشمل أو الأوسع أو الأكبر لعلم النفس في السياسة الدولية. وخاصة في الاستعمار والحرب 
الباردة بقصد التحكم: واستخدامه في المخابرات بصورة خفية ومستورة» بينما تعني الثانية الاستخدام 


الأضيق 


24 


أو الأصغر لعلم النفس في الحالات الفردية وخاصة في المجال التربويء والعلاجيء والمهني . وتبعا 
لهذا التعريف يبدو أن علماء النفس في الغرب في حالة من الاستعداد المهني لتطبيق علم النفس 
بفعالية بالجملة (ا ماكرو). وبالقطاعي (ال مايكرو) على السواء . وبتعبير آخر. فآنه استخدام مزدوج 
يقوم بكلا الدورينء أو يلعب على الحبلين بصورة واعية وهادفة . لذلك كانت نتائج علم النفس في 
الغرب أكبر من طموحاته لأنه يقوم بأداء كل من "الفرائضء والنوافل" بجدة . وبالمقابل ربما يمكن 
القول بأن هناك عدم تهيئة نفسية لعلماء النفس في العام العربي بتطبيق علم النفس بفعالية حتى 
على مستوى القطاعي (المايكرو). أو لا يقوم علم النفس بأداء حتى "النوافل" بوجهها الأكمل . وتبعا 
لعدم التهيئة النفسية هذه لم ينجح علم النفس في العالم العربي بتحقيق طموحاته ال ممذكورة في 
مقدمات كتبه وهي: الفهم, والتنبؤء والتحكم . 

وجانب ثاني من جوانب اطفارقة هو محاولة علماء النفس العرب شرنقة علم النفس داخل 
قوقعة صغيرة لا تسمن ولا تغني من جوع. وهذه الشرنقة جعلت علماء النفس العرب يتعرضون 
أكثر من أي مجموعة أخرى من علماء النفس في العام لعملية غسيل الدماغ بعلم النفس نفسه. مما 
عزز زيادة التهميش وتعميق الهزائم النفسية في العالم العربي . ومن جهة أخرىء ساعدت هذه 
الرؤية الضيقة والتقليصية لعلم النفس على حصول انتصارات لصالح قوى تعرف كيف تطبق علم 
النفس بصورة فائقة الفائدة . 

وجانب ثالث من جوانب المفارقة في تأسيس علم النفس بأن وزارات الدفاع وأجهزة 
المخابرات في الدول الغربية هي التي تصدر القرارات أو تبادر بتطور علم النفس وتطبيقاته في مجال 
الاختيار والتدريب وتمول الأبحاث للأغراض الدفاعية الكبرى ويختار لها أكفاء علماء النفس وأعرق 
الجامعات ومراكز البحوث بينما لا علاقة واضحة لعلم النفس في العالم العربي بأغراض الدفاع ولا 
ندري إذا كانت هناك مخابرات عربية واحدة تقدم بحثا لتطور علم النفس أو لتطبيقاته. أو حتى 


تعين علماء نفس كاملي الدوام أو تستقطب علماء وجواسيس من أقسام علم النفس. 


25 


وجانب رابع من جوانب المفارقة هو ممائعة علماء النفس في الغرب من الالتزام بالمعابير 
الأخلاقية لتطبيقات علم النفس وتبعا لذلك يتم تطبيقه في كثير من الأحيان بصورة "إجرامية", 
وتسامح علماء النفس العرب بمراعاة هذه ال معايير وتطبيق علم النفس ربما بصورة "قديسيه" . وفي 
هذا الجانب أقتبس ما عبر عنه اسكنر بقوله "إن تكنولوجيا السلوك تعتبر من الناحية الأخلاقية 
محايدة ويمكن استخدامها من جانب المجرمين أو القديسين" . وبكلمات أخرىء إن رؤية الشفقة 
والرحمة لدى علماء النفس العرب تقابلها في أحايين كثيرة رؤية القسوة والعدوانية عند علماء النفس 
في الغرب . ولكي نفهم طبيعة العلاقة بين التطبيق بالجملة» والتطبيق بالقطاعي هناك أهمية لتتبع 
تاريخ علم النفس الضارب بجذوره العميقة في الاستعمارء خاصة ارتباطه بالإمبراطوريتين : الأطانية, 
والبريطانية . 

ويعتمد البحث على النظرة القائلة بأن مفاهيم ونظريات ومناهج علم النفس بلغة 
أنثروبولوجية. هي عبارة عن أسلاف غائرة في الاستعمارء وبلغة نباتية» أن زهرة علم النفس المعاصرة 
تقف على جذور شجرة عميقة في الإمبريالية . وهناك أهمية بأن ندرس طبيعة الحلف بين علم 
النفس وعلم الإنسان وتهليلهما للتحكم والسيطرة وزيادة قبضة الغرب على اللاغرب . إن هذا 
التهليل ساعد على تعزيز مخالب علم النفس بصورة حادة ومبرمجة وإستراتيجية لكيما "يستعمر"” 
و"يأمبر" بصورة غائرة . لذلك لا بد من سبر هذه الأغوار الاستعمارية والجذور الامبريالية لمخالب 
علم النفس. 

أولا: بوسعنا القول أنه من غير قراءة عميقة غائصة في تاريخ علم النفس وتأسيسه "البحت" 
في أمانياء وتأسيسه "التطبيقي" في بريطانياء وتطوره "التعلمي الكلاسيكي" في روسياء وارتقائه 
"الإمبريالي" لقمة إفرست في أمريكاء سوف نفشل في تحديد علاقة علم النفس الإستراتيجية بالحرب 
الباردة. وهو هدف مركزي للدراسة الحالية. 

وثانيا: بوسعنا القول كذلك بأنه من غير قراءة ذكية لعلاقة علم النفس بالمخابرات 


البريطانية والأمريكية, ولأبحاث غسيل الدماغ, والقياس النفسيء والتنويم اللغناطيسي» 


26 


والباراسيكولوجياء وتقانة التجسس., والحرب النفسية. ومعرفة القوة الخفية وراء تمويل 
هذه الأبحاث سوف نفشل في "فك شفرة من شفرات" مخالب علم النفس في استخدامه المستور في 
امخابرات. 

وثالثا: بوسعنا القول كذلك انه من غير قراءة موسوعية لمعرفة دور مخالب علم النفس في 
إطار العلاقات العربية الإسرائيلية من خلال كيفية اختيار وتدريب الجواسيسء وكيفية صياغة الحرب 
النفسية. وتنظيم العمليات الإرهابيةء واستغلال الجمعيات العاطية السيكولوجية» وتنميط الشخصية 
العربية. والاغتيالات بواسطة الموساد سوف نفشل في وعي أو تشخيص بعض أسباب الهزائم النفسية 
أمام إسرائيل بمخالب حادة. 

ورابعا: بوسعنا القول أنه من غير قراءة دقيقة لأهداف علم النفس كما هي في كتب 
المقدمات: ومعرفة بعض قضايا البحث السيكولوجي في العالم العربي سوف نفشل في تحديد ما 
لمقصود ب "التحكم بالقطاعي" في علم النفس وهو هدف مركزي للدراسة الحالية. وسوف تكون 
رؤيتنا في هذا الكتاب رؤية تاريخية في مجملها ترتبط ب" تاريخ علم النفس" لكي نؤكد لعبد الرحمن 
عدس ونحدد كما نفصل الإثباتات التاريخية لعلاقة علم النفس بالاستعمار والحرب الساخنة والباردة 
وفوق كل ذلك بالمخابرات. 
إن عنوان هذه المحاولة البحثية هو "علم النفس والمخابرات" وسوف تكون المشكلة التي أمامنا هي 
مشكلة "واو العطف" ولكن سوف نعالج طبيعة العلاقة بين ما هو "علم نفس" من جهة وما هو 
"مخابرات" من جهة ثانية مع محاولة الربط بين الموضوعين. لعلنا نتساءل هل أثر علم النفس في 
المخابرات أم أثرت المخابرات في علم النفس؟ فيا ترى ما هو السبب وما هو العرض؟ وقد يتداخل في 
هذه الدراسة ما هو علم نفس وما هو مخابرات مع السياسة أحيانا وأحيانا أخرى مع العلاقات 


الدولية أو الإعلام أو الطب النفسي... الخ. ويرجع سبب التداخل لتعقيد الموضوع المدروس 


27 


وعلاقته الشائكة مع كثير من العلوم. ومشكلة أخرى تواجهنا في الدراسة هي مشكلة نوعية اللغة 
ا مستخدمة, فربما نستخدم لغة علمية صارمة عندما نتحدث عن "علم النفس" ولكن في بعض 
الأحيان ربما نستخدم لغة أقل صرامة تنسجم مع عام ال مخابرات أو التجسس. وإن طبيعة بعض 
المصادر التى اعتمدنا عليها ربمما تحدد نوعية اللغة ال مستخدمة. 

هناك نقطة هامة لقارئ الكتاب لابد من ذكرها. إن بعض الاقتباسات الواردة في متن هذا 


الكتاب لا تعبر إلا عن أصحابها ولا دخل للمؤلف فيها إلا من باب الاستشهاد ما ورد في النص. ونقطة 
أخرى بأن الكتاب هو محاولة لتغطية موضوع "علم النفس والمخابرات" في المكتبة العربية. وبذلك لا 
أدعي أي بطولات مخابراتية وإنما هي محاولة متواضعة قد تكون من عينات المحاولات المحفوفة 
بالمخاطر. وتبعا لعدم الإدعاء قد تكون بعض الجوانب المعالجة في هذا الكتاب ضعيفة وبعض 
الجوانب ثمينة وربما تكون العبرة أكثر بالجوانب الثمينة. ومهما يكن فارمحاولة البحثية مجرد اجتهاد 
قابلة للصواب كما قابلة للخطأ أيضا. 

كما ينبغي لقارئ الكتاب أن يدرك طبيعة الموضوع المدروس وبهذا الإدراك قد تكون بعض 
ا معلومات ال مقتبسة محاطة بالشكوك وعلى القارئ أن يميل للتكذيب في هذه الحالة. كما عليه أن 
يدرك حجم الضباب الموجود بين الحقائق والخيال في عام المخابرات. فما الفروق بين الجواسيس 
والخونة أو المقاتلين في حركات التحرر وأعضاء ال منظمات الإرهابية. وفي كثير من الأحيان لا اصدر 
أحكاما أخلاقية في هذا الكتاب تتعلق بتطبيقات علم النفس في المخابرات ربما أكتفي بطرح 
التساؤلات بصورة مكررة. ولكن الشيء الذي راقني أكثر هو عرض المعلومات عن تطبيقات علم 
النفس في عوالم الصمت المخابراتية ومحاولة تصنيفها فضلا عن تحليل بعضها واستخلاص العبر منها. 
وقد تكون لغتي استفزازية بعض الشيء في طرح التساؤلات وخاصة في الفصل الأخير. 

هدف يحاول الكتاب تحقيقه هو اهتمام الباحث الرئيس بموضع دراسة الذكاء والإبداع 


ومحاولة معرفة تطبيقاتهما ليس لاختيار وتصنيف التلاميذ الموهوبين في 


28 


المدارس وإنما بالنسبة للجواسيس الموهوبين في أجهزة ال مخابرات. وهدف آخر يرتبط 
بمناقشة مشكلات أو معضلات أو أزمات علم النفس في العام العربي من خلال موضوع تطبيقات 
علم النفس في المخابرات. وهدف ثالث يحاول الكتاب تحقيقه هو معالجة الكيفية التي يتم بها 
التحكم في دهاليز علم النفس وفي متاهات المخابرات. إذ يطالع طالب علم النفس في كتب المقدمات 
والمبادئ والأسس بأنه يهدف للتحكم في السلوك الفردي كما تهدف المخابرات كذلك للتحكم في 
السلوك الفردي والجمعي على السواء. وعندما يندمج عام النفس في عاط المخابرات يكون التحكم في 
أعلى مستوياته» وبلغة الإحصاء "مرفوع الأس 2". وواحدة من التطبيقات الباهرة: وربما السلبية في 
نظر البعضء التي يتوقع أن يقوم بها "عام النفس الجاسوس" أو "الجاسوس عام النفس" المساهمة 
في تثبيت أركان الأمن القومي هو كيفية إحداث أو صياغة المخابرات الذاتية أو الرقابة الداخلية 
للفرد أو المجموعة من خلال الوسوسة في العقول والتي تعمل على التحكم في السلوك من بعد ومن 
غير كبير جهد يذكر من مخابى أو أوكار علماء النفس الجواسيس. 

يبقى أن تستخلص مما سبق بأن هناك عدة تساؤلات تتعلق بدراسة تطبيقات علم النفس 
في الاستخبارات: ما هي أكثر جوانب علم النفس المطبقة في مجال المخابرات؟ ومن يصدر القرارات 
بخصوص تطور أو تطبيق علم النفس للأغراض الدفاعية أو المخابراتية؟ و هل هناك تدخل حقيقي 
لعلم النفس أو علماء النفس في عمل أجهزة المخابرات؟ وما هو دور علم النفس في الصراع العربي 
الإسرائيلي؟ ومن هم علماء النفس المتعاونين مع المخابرات في المجالات الاستشارية أو البحثية؟ 
وكيف يتم اختيار هؤلاء العلماء العملاء أو الجواسيس؟ وما هي الجامعات ومراكز الأبحاث المتعاونة 
مع المخابرات؟ وما هي مصادر التمويل بالنسبة للأبحاث المطبقة في العمليات السررية أو الميدانية 
للمخابرات؟ وما هي الحدود الأخلاقية لتطبيقات علم النفس؟ وما هي علاقة تمويل البحث في مجال 


تطبيقات علم لنفس في الاستخبارات وبين تطور علم النفس كعلم نطري وتطبيقي؟ 


29 


وبوسعنا التساؤل كذلك: كيف يتم الحصول على المعلومات السيكولوجية الدقيقة والهامة 
من قبل أجهزة المخابرات في العمليات الميدانية المتعلقة بالاغتيالات. أو التخريب أو الاختطاف» 
والتغلغل في مراكز القرارات الحساسة في الدول المختلفة؟ وهل فعلا هناك تأثير قوي لعلم النفس في 
هذا العام السري المرتبط بالسياسة والدبلوماسية والعلاقات الدولية؟ أم لا يتجاوز تأثير علم النفس 
مجرد مشاهدة مثيرة في السينما لأفلام العميل ذائع الصيت "جيمس بوند". أم أن موضوع "علم 
النفس وامخابرات" هو من "القشور" على حسب تعبير عبد الرحمن عدس؟ وهل إدراك عدس كان 


إدراكا صحيحا أم إدراكا خاطثا؟ 


30 


الفصل الثاني 


علم النفس والتحكم بالجملة: 
الاستعمار والحرب 


العلوم الاجتماعية والهيمنة 
لا تكاد الفروع الدراسية التي يطلق عليها الغرب "العلوم الاجتماعية" تبلغ من العمر قرنا من 
الزمانء وتشمل تلك العلوم في معظم الجامعات خمسة فروع تتمثل في علم الاجتماع. وعلم 
الإنسانء و علم النفسء والعلوم السياسية. وعلم الاقتصاد, والتاريخ, ويوجد فرعان آخران من 
الدراسة يتمتعان بمرتبة مزدوجة هما: الجغرافيا وعلم النفس . فحين يعني علم النفس بدراسة 
الأشخاص يتم تصنيفه ضمن العلوم الطبيعية» ولكنه إذا عنى بدراسة الجماعة يصبح حينئذ علما 
اجتماعيا (الفاروقي. 1979) . 

وعندما تأسست العلوم الاجتماعية في القرن التاسع عشر كانت عبارة عن ممارسات توجد 
في دول قليلة وهي بالتحديد بريطانياء وفرنساء وأمانياء وإيطالياء والولايات المتحدة . وإن ظهور هذه 
العلوم وبصورة خاصة التاريخ, والاقتصاد. والعلوم السياسيةء وعلم الاجتماع كان اهتمامها بصورة 
أساسية بالحقيقة التجريبية لهذه الدول الخمس وبصورة أكبر كانت تهتم بالغرب . وفي ذلك الوقت 
انتبه علماء العلوم الاجتماعية إلى أن "الغرب" ليس هو الكل في العالم» وانتبهوا إلى أن "اللاغرب" هو 
"اللاحديث" ولذلك فهو مختلف بصورة جذرية عن الغرب . ولقد طرح حينها السؤال كيف تتم 
دراسة "اللاغرب"؟ وللإجابة عن هذا السؤال فقد تم تأسيس علوم خاصة وهي "علم 


31 


الإنسان" لدراسة الشعوب المدعوة بالبداتية» و"الاستشراق" لدراسة المدعوة بالحضارات 
العليا مثل الصين والهند والعالم العربي (وللرستينء 1997). 

ولا ينبغي أن نخطئ عملية الإدراك: إذ أن معظم العلوم الاجتماعية هي انعكاس للحقيقة 
الاجتماعية والثقافية في الدول الغربية التي أنتجتها (سعيد. 1991؛ الفاروقي, 1979؛ مزروعي» 
8 الخليفة. وعشرية. 1995) . ولقد تأسست الانثروبولوجيا والاستشراق لدراسة ال مجتمعات غير 
الغربية (لكلرك, 1990 ؛ وللرستين» 1997) والتي من بينها العالم العربي (الحبابيء 1987) . وتأسس 
هذان العلمان على علاقة وثيقة مع الاستعمار والإمبريالية . وانتهاء الاستشرراق. وتحول حضارات 
الشرق من موضوع إلى ذات وتصحيح الأحكام التي ألقاها الوعي الأوربي وهو في عنفوانه عن 
حضارات الشرق . فالاستشراق يكشف عن طبيعة العقلية الأوربية ونظرتها إلى الآخر أكثر مما 
يكشف عن الموضوع المدروس فهو موضوع دراسة وليس دراسة موضوع (حنفي. 1985), وهو يعبر 
عن مصالح الغرب ورؤيته لمجتمع الشريق أكثر مما يكشف الحقيقة الاجتماعية والثقافية 
والسيكولوجية في الشرق . كما يعكس صورة الشرق في ذهن الغرب . 

وبين إدوارد سعيدء في دراسته الشاملة حول الاستشراق. بوضوح أن الشرق كما يعرف به 
المستشرقون "هو اختراع أوري" فهو لا يتكلم عن نفسه بل يتم الكلام حوله بالنيابة عنه وليس 
بمموجب واقعه بل بموجب مصالح الغرب ورغباته في تسويق سياسته الاستعمارية . لذلك جاء 
الاستشراق في جوهره ممارسة في السيطرة ورؤية سياسية تصر على التفوق الغربي (بركات. 1984) . 
يقول أبوديب في تقديمه لكتاب الاستشراق لإدوارد سعيد (1991) أن الكتاب يمثل ثورة جديدة في 
الدراسات الإنسانية وتتكثف في هذه الثورة منطلقات متعددة لعل أهمها تكون مفهوم جديد للقوة 
والشبكة الخفية من علاقات القوة التي تنسجها المعرفة متجسدة في الإنشاء الكتابي ومفهوم سياسة 
العلاقات الإنسانية بكل أشكالها وسياسة المعرفة وسياسة البحث ... وينصب هذا التصوير للمعرفة 


حتى الآن على رج الثقافة الغربية وكشف آلية السلطة والسيطرة والقوة والتلاعب التحكمي فيها . 


352 


أما بالنسبة لعلم الإنسان فقد ركزت التحليلات النقدية المبكرة كالدراسات التي اهتمت 
بالخطاب المستعمل في الأنثروبولوجيا والتاريخ والميادين المعرفية المتصلة بهماء على موضوعات عامة, 
كالعلاقة مثلا بين السيطرة الاستعمارية أو الهيمنة السياسية وتمثل المجتمعات المهيمن عليها 
(أيكلمان» 1990). وكان علم الإنسان. وهو أكثر العلوم جرأة نظرا لأن موضوع دراسته -وهو 
المجتمعات "البدائية" المنتمية للعالم غير الغربي - حقيقة جامدة. غير قادرة على رفع إصبع واحد 
بالانتقاد لأساتذتهاء ولقد تم تكوين النظرية تلو الأخرى لإيجاد صياغة لتلك الحقائق التي كانت تعد 
جزءا لا يتجزأ من الرأي الغربي عن العام (الفاروقي. 1979) . إن مجال علم الإنسان ظلء وكما هو 
معروف إلى الآن» محصورا بماضي المجتمعات التي أطلق عليها المجتمعات "المتوحشة"”, أو"البدائية" 
أو "التقليدية" أو "غير الغربية" أو "العام الثالث" . ولقد وصفت المجتمعات بتلك الأوصاف لأنها 
ببساطة كانت صالحة للخضوع لسيطرة الاستعمار. 

وفي علم النفس المعاصر كثيرا ما تستخدم مصطلحات "التثاقف". و"المثاقفة"”, و "التمثيل 
الثقافي" سواء في علم النفس عبر الثقافيء أو علم النفس الاجتماعيء أو في القياس النفسي- . وترتبط 
الجذور التاريخية لهذه المصطلحات بالفترة الاستعمارية . وظهرت كلمة "التثاقف" عام 1880 على 
أيدي الانتروبولوجيين الأمريكيينء أي في قمة سيطرة الغرب. ويشير المفهوم إلى انتقال مؤسسات أو 
ممارسات أو عقائد ثقافية ما (أو مجتمع) إلى أخرى. وتحت هذا ا معني المجرد والعام يختبئ المعني 
الحقيقيء الذي ليس شيئا آخر سوى الاستعمار . وكل الدراسات المختصة بالتثاقف ليست سوى 
دراسات لبعض مظاهر الاستعمار . وتعني في الواقع دراسة الاحتكاك الثقافي الغربي بسائر الثقافات . 
إن مجال مفهوم التثاقف مساو تماماء بل يتماهى كليا مع مجال مفهوم الاستعمار . 

لقد لاحظ سوسير في كتابه "علم نفس الاستعمار" بثقابة نظره أن سياسة التمائل إنما تستند 
إلى مبادئ التطورية الخطية فهو يقول "تقوم سياسة التماثل على حجج مغرية . ولكن " حتى نتمكن 


من تحقيق التماثل مع أعراق تختلف عن أعراقنا علينا لأن 


33 


نكون مقتنعين بقابلية تلك الأعراق للتماثل أي علينا الاعتقاد بالوحدة التكوينية للطبيعة 
الإنسانية". واعتبر سوسير الطبيعة الإنسانية "تكوينا عقليا ذهنيا" ورأى في الجذع التطوري الوحيد 
عددا من التشعبات المتميزة (لكلرك. 1990) . 

بوسعنا القول بأن المثاقفة أو التثاقف ترتبط بالجذور التاريخية لتأسيس علم الإنسان وعلم 
النفس . وتتعزز هذه المثاقفة التي تمثل وترسم صورة الآخرين بتصدير المفاهيم والمناهج والنظريات 
الخاصة بهذه العلوم . إن استيراد علم النفس إلى العام العربي يمثل نوع من المثاقفة تجاه الغرب . 
والمأساة أن هذه المثاقفة, كما يقول الزغل (1991). تتم في ظروف يبدو فيها التبادل غير متكافئ 
وغير متبادل إنها نمط من المثاقفة الشبيهة بتلك القائمة بين النموذج والتلميذ في وضع يفرض فيه 
النموذج على التلميذ قاعدة سماها علماء النفس "القيد المزدوج" أي الإلزامية المزدوجة والمتناقضة, 
إنه مثل الأب الذي يطلب من ابنه أن يقتدي بمثله في الحياة لكنه يعاقبه عندما يشر.ع الابن في 
التدخين أو في إطلاق شاربيه ليشعر برجولته . يمكن تجاوز وضع الإلزامية المزدوجة دون أضرار 
جسيمة: لكن الإبقاء عليها قد يؤدي إلى حالات من العصاب أو ردود فعل عنيفة.ء يصعب السيطرة 
عليهاء إن الذين يفلحون في تجاوز هذه الوضعية المزدوجة هم الذين تمكنوا من تطبيق الالتزامين 
المتناقضين للقيد المزدوج "كن مثل النموذج ولا تكن مثله" في مجالين مختلفين . وفي هذا الصدد 
يبدو أن الآسيويينء وخاصة اليابانيين يتمتعون بملكة التمييز بين المجالات التطبيقية لمختلف النماذج 
الثقافية التي تبثها الحضارة الغربية . كيف بمكننا إذن فهم الصعوبة التي يلاقيها العرب في التفريق 
بين مجالات التطبيق لمختلف النماذج الثقافية التي يبثها الغرب . 


علم النفس والاستعمار في أطانيا 
يعتبر فونت الأعلى مقاما في تاريخ علم النفسء وهو أول شخصء من غير تحفظ يمكن أن يطلق عليه 
"عام نفس" فقد قام بإنشاء أول معمل لعلم النفس في مدينة لايبزج بأمانيا عام 1879 وهو ذات 


العام الذي يؤرخ به انفصال علم النفس عن 


34 


الفلسفة. وكتب فونت في بداية اهتماماته البحثية: علم النفس التجريبي. ومن ثم علم النفس 
الاجتماعيء وما وراء الطبيعة العلمية . وأكد فونت أن العمليات العقلية العليا إنما تدرس عن طريق 
دراسة الإنسان الطبيعي وذلك عن طريق علم النفس الشعبي (بورنج» 1957)» ونتيجة لذلك كتب 
في السنوات الأخيرة من حياته عدة مجلدات عن علم النفس الشعبي أو الفلكلوري . ويذكر فونت 
أن العمليات النفسية الفردية يمكن دراستها في ا معمل بينما النماذج الثقافية لا يمكن أن تدرس 
بذات الكيفية في المعمل ( كيم وبريء 1993) . 

وتبعا لذلك الفهم أدرك فونت أن المنهج التجريبي في علم النفس مناسب لبحث العمليات 
العقلية الأساسية. ولكنه غير مناسب لدراسة الظواهر التي تتأثر بالثقافة (بريء 1993): وبين بهذه 
الطريقة أوجه قصور المنهج التجريبي (دانزقا. 1983). ومن ثم أشار إلى أن التفكير يتأثر بصورة 
كبيرة بمجال اللغة, والعادات, والأساطيرء وهي مجالات لعلم النفس الثقافي أو الفلكلوري (دانزقار, 
79). وفي أثناء الحرب العاطية الأولى عبر فونت بأن العقل الجمعي في أطانيا هو أرفع مقاما من 
العقل الجمعي للأعداء. وحسب كلماته بأن المجتمع الألماني يؤكد على البطولة: والواجباتء والمثل 
الروحية (كندلرء 1987) . ومن ناحية تاريخية» فقد ارتبط إنشاء علم النفس الشعبيء أو علم 
النفس الفلكلوري الذي يهتم بدراسة المجتمعات البدائية ارتباطا وثيقا بإنشاء الانثروبولوجيا . وبهذا 
يعتبر الأول امتدادا للثاني. 

عرفت الانثروبولوجيا حوالي عام 1860 طفرة جديدة, تعتبر في الواقع بداية هذا العلم 
(لكلرك. 1990) . فبين عامي 1860 - 1880 ظهرت معظم مؤلفات المدرسة التطورية : ومنها "حق 
الأمومة" لباخ أوفنء و"القانون القديم" لماين عام 1861 كما ظهر عام 1865 كتاب لتيلور بعنوان 
"أبحاث في التاريخ المبكر للجنس البشري '. اتبعه عام 1871 بكتابه "المجتمع البدائي". هذا إلى 
جانب كتاب مورغان عن "نظم القرابة" عام 1869 وكتابه عن "المجتمع القديم" عام 1877. 


وعلم الإنسانء على حسب قول ادوارد سعيد (1997).: هو أكثر العلوم الاجتماعية 


35 


تواشجا بالاستعمار, إذ كثيرا ما قدم علماء الإنسان والأصول العرقية المشورة والنصح 
للحكام الاستعماريين حول عادات الشعوب الأصلانية وأعرافها ومسالكها . وتنتمي مجموعة المقالات 
الممتازة التي حررها طلال أسد عام 1973 وعنوانها "علم الإنسان والمواجهة الاستعمارية", الصلات 
إلى ما هو أبعد من ذلك . ويتحدث معظم مؤرخي الإمبراطورية عن "عصر الإمبراطورية" بوصفه 
يبدأ رسميا حوالي عام 1878» مع "التزاحم بالمناكب لامتلاك أفريقيا" . وازدهر علم الاجتماع (بإلهام 
من لو بون). وعلم النفس (الذي دشنه ليوبولد دو سوسور). والتاريخ» وعلم الإنسان طبعاء في 
العقود التالية لعام 1880. وتوج العديد منها بمؤتمرات استعمارية عالمية (1889. 1894.: الخ) أو 
بجماعات محددة (كالمؤتمر العالمي لعلم الاجتماع الاستعماري عام 1890: ومؤتمر علوم الأعراق 
الوصفية في باريس عام 1902) . ولم يكن علماء الإنسان وحدهم من قدم المشورة للحكام في 
المستعمرات وإنما علماء النفس كذلك. ويمكننا أن نقارن تاريخ تأسيس معمل لايبزج عام 1879 
وبداية عصر الإمبراطورية قبل عام واحد من ذلك 1878. 

وفي أطانياء تمت دراسة علم النفس المناسب والذي يتطابق مع المشاريع الاستعمارية مباشرة 
بعد انفصال علم النفس عن الفلسفة عام 1879. وركزت بعض الأبحاث السيكولوجية المبكرة على 
توظيف الإمبراطورية الألمانية لعلم النفس وخاصة علم نفس الأعراق البشررية (برويست,. 1996) . 
وعندما انتقدت سياسة أئانيا في ا لمستعمراتء, حاول السكرتير الاستعماري للدولة إحداث إصلاح من 
خلال استخدام "وسائل محافظة أكثر من الوسائل المدمرة " (قروندرء 1985). وتبعا لذلك الفهم تم 
اعتبار العلوم. وخاصة علم النفس أدوات صالحة للتحكم "لا يستطيع الفرد عمل أي شيء من غير أن 
يدرس خصوصية اللغات في المستعمرات. أو يدرس سيكولوجية السكان المحليين " (ديرنبيرج» 1912) 
. وقد أريد هنا لعلم نفس أعراق الشعوب أن يكون جزءا من مناهج المعهد الاستعماري في مدينة 
هامبورج الذي تم تأسيسه عام 1908 والذي يقوم بتدريب رجال الخدمة المدنية ورجال الأعمال 
الذين يعملون في المستعمرات (هاملتون. 1911) . 

واستخدم مفهوما "علم النفس الشعبي” و"علم نفس الأعراق البشرية" تكرارا 


36 


ومرارا في هذه الفترة الزمنية» أما مجال اهتمام هذين العلمين هما "علم النفس" و "علم 
الأعراق". وكلاهما تأسسا في النصف الثاني من القرن التاسع عشرء وهي فترة متزامنة تماما مع بداية 
الاستعمار . وهناك عامان نفسيان ساهما مساهمة كبيرة في تأسيس وتطوير علم الأعراق البشر_ية 
هما فونت وثورنديك. واعتبرت مساهمة فونت في علم النفس الشعبي بأنها تمثل خلفية معرفية 
تساعد رجال الخدمة المدنية في فهم أفضل لعقلية السكان المحليين في المستعمرات . أما علم نفس 
الأعراق البشرية الذي أسسه ثورنديك فإنه يهتم بدراسة العلاقات الوظيفية بين الفرد وإطاره الثقافي 
الاجتماعي. واعتمد ذلك العلم على منهج الملاحظة والمسوح التي أجريت في الثقافات الأجنبية 
(المستعمرات) . وتبعا لذلك فقد تم تطوير مجموعة كبيرة من المقاييس النفسية في معهد برلين 
لعلم النفس التطبيقي لاستخدامها في دراسة الشعوب البدائية. 

وصمم مشروع دراسة الشعوب البدائية أساسا لأغراض البحث التي يقوم بها المكتشفون 
وكذلك بالنسبة للمبشرين والمعلمين ورجال الخدمة المدنية والأطباء الذين يعملون في المستعمرات. 
وشملت مقاييس الشعوب البدائية مجالات واسعة من الوظائف السيكولوجية مثل الإدراك» والذكاء 
والعلاقات الاجتماعية» والقيم وغيرها . وتبعا لتلك المقاييس فقد تم توظيف علم النفس كأداة فعالة 
لتوظيف طاقة العمال في ا مستعمرات. وقاد ذلك التوظيف الفعال إلى الاستفادة من قوة كل عرق 
بشري حسب قدرته وهذه هي المنظومة الجديدة التي أدخلها الاقتصاد الأوربي من خلال التحكم في 
عضلات السكان المحليين في المستعمرات (برويست, 1996) . وصورة السكان المحليين في المخيال 
الغربي هي صورة الإنسان الكسول الذي يحتاج لعملية تعزيز أكبر لتفجير طاقته العضلية . وتعبر 
دراسة العطاس (1977. سعيد. 1997) الممتازة عن : "أسطورة الأصلاني الكسول : وهي دراسة لصورة 
اماليزيينء والفليبينيينء والجاويين من القرن السادس عشر_ إلى القرن العشرين ووظيفتها في عقائد 
الرأسمالية الاستعمارية" وهي تعبر عن صورة الإنسان في المخيال الغربي. 


وبعد ذلك العرض التاريخي بإمكان قارئ الكتاب أو عام النفس المتخصص أن 


37 


يلاحظ الآن بأن هناك علمين للنفس تأسسا في أطانيا وانعكسا في معملين متقابلين : "معمل 
حديث" أنشأ في مدينة لايبزج عام 1879 في السنة التي انفصل فيها علم النفس عن الفلسفة 
واختص هذا المعمل باللمساهمة الأولى لفونت في علم النفس التجريبي أو علم النفس البحت . 
وأرجو ألا يفهم بشكل خاطئ إذا قلت أن هذا المعمل ارتبط بالإنسان الغربي أو الإنسان في أوربا أو 
الإنسان "المتحضر" . وربما يتوجب علي أن أضيف بأن هناك معملا آخر لعلم النفس الشعبيء أو علم 
الفلكلوريء أو علم نفس أعراق الشعوب الذي تأسس ف المعهد الاستعماري في هامبورج عام 1908. 
واختص هذا المعمل بالمساهمة الأخيرة لفونت في علم النفس الشعبيء التي تم توظيفها بفعالية 
لخدمة الأهداف الاستعمارية . واختص هذا المعهد بالشعوب "البدائية" في المجتمعات غير الغربية . 

وبوسعنا القول بأن علم النفس قد ساهم مساهمة كبيرة في إشعال وقود الاستعمار وفيما 
بعد الإمبريالية أو"التلاعب التحكمي" كما يعبر ادوارد سعيد. ويفهم من ذلك القول بأن علم النفس 
كانت بواعثه استعمارية منذ مرحلة تاريخية مبكرة من تأسيسه. ويمكن التساؤل هل علم النفس 
مهد لتدعيم الاستعمار؟ أم أن الاستعمار مهد لتدعيم علم النفس؟ فيا ترى أيهما السبب؟ وأيهما 
العرض؟ ومهما كانت الإجابة لهذه الأسئلة فإن فونت ليس هو أول من قام ببناء معمل لعلم النفس 
في تاريخ علم النفس كافة فحسب إنما هو أول من سن مخالب حادة لعلم النفس. وذلك لكي 


يستخدم بفعالية في إطار الماكرو الاستعماري. 


علم النفس والاستعمار والمخابرات في بريطانيا 
وربما كان من الأنسب القول بأن أمانيا كمؤسس لعلم النفس "البحت" أو "التجريبي" لعبت دورها 
الريادي في سياسة ارتباط علم النفس بالاستعمارء وذلك لأن علم النفس تم اعتباره "أداة صالحة 
للتحكم" حسب تعبير ديرنبيرج» وأن بريطانيا كمؤسس ل"علم النفس الفارق" أو "التطبيقي" لعبت 


دورها الريادي كذلك كقوة 


38 


عظمى في سياسة توظيف علم النفس في ا مستعمرات التي لا تغيب عنها الشمس . ويتجلى هذا 
الدور من خلال إسهامات معمل جامعة كمبردج العريق الذي قام علماء النفس فيه بإجراء 
القياسات وتسجيل الملاحظات السيكولوجية عن الشعوب البدائية. وكما يتجلى الدور كذلك من 
خلال المعهد الأفريقي العالمي والذي كان يقدم النصح بالنسبة للإداريين البريطانيين في المستعمرات . 
كما يمكن التعبير بصورة اتهامية في هذا الجزء من الدراسة أن بعض علماء النفس هم باحثون 
واستعماريونء أو علماء وامبرياليون فيما بعد وقد يصعب في هذه الحالة الفصل بين الوظيفتين . 

وتبعا لبورنج (1957). قام هادون عام الإنسان بجامعة كمبردج: بوضع خطة لحملة 
انثروبولوجية واشترك معه فيها عاما النفس ميرز وماكدوجال لعمل بعض القياسات الانثروبولوجية 
والسيكولوجية وال ملاحظات عن الشعوب البدائية. وبالفعل قاما بقياس الحواس والإدراك. وكانا على 
وعي بأنهما يؤديان عملا أكثر كمالا مما قام به جالتون . وفيما بعد شارك علماء النفس في بريطانيا 
بفعالية كعلماء نفس في الحرب العالمية الأولى وكان معمل علم النفس في جامعة كمبردج رائدا في 
ذلك المجال ولا سيما من خلال التقارير السيكولوجية التي لا تحصى والتي تم إصدارها ونشرها . 

إن الحملة الاستكشافية التي قامت بها جامعة كمبردج إلى منطقة توريس استريتز (ريفرزء 
1) تعتبر من ناحية تاريخية واحدة من ال محاولات عبر الثقافية الباكرة . وكان هدفها جمع 
معلومات منظمة عن ثقافات غير غربية فضلا عن مقارنة هذه المعلومات المجموعة بال معلومات 
الموجودة لعدة موضوعات والتي م يسبق أن تم تماثلها من وجهة نظر علم النفس عبر الثقافي . 
وتضمنت هذه الحملة الاستكشافية بعض الأسماء والتي أصبحت فيما بعد مثارا للنقاش 
السيكولوجي مثل ريفرزء وسليقمان» وميرزء. وماكدوجال . وفي هذا الشأن درس كل من ريفرز 
وسليقمان موضوع الخداع البصري وذلك عن طريق تطبيق الخداع الأفقي-الرأسي وخداع مللر لاير 
. وم يكن لدى الباحثين أي فكرة عما إذا كانت الخداعات البصرية التي توجد عند السكان في الغرب 


لها وجود كذلك عند السكان المحليين في الأماكن النائية من العام وما هو مدى 


39 


قوتها في حالة وجودها؟ وبخصوص نتائج دراسة الخداع البصري اقترح ريفرز أن استجابة 
الأفراد في الغرب للأشكال الهندسية تمثل نظرة كلية بينما يركز الأفراد في الأماكن النائية على الانتباه 
كعامل مهم . وفيما بعد مدد ريفرز (1905) أبحاثه عن الخداع البصرري للسكان "التداس" الذين 
يسكنون في جنوب الهند. وأظهرت نتائج دراسته أن التداس كانوا أكثر عرضة للخداع مقارنة بالرجال 
الإنجليزء والنساءء والأطفال. وعموما أظهرت الأحوال الفسيولوجية: وآثار الحياة المتحضية أن 
الخبرات المستمدة من دراسة الأشكال الهندسية والرسومات تؤثر على تقليل وإضعاف الخداع 
(ديريقووسكيء 1980). 

ويمكن القول بأن هذه الحملات الاستكشافية التي انطلقت من جامعة كيمبردج كانت 
تخدم بعض الأهداف الاستعمارية. ويمكن أن نتلمس المركزية العرقية البريطانية من خلال تعبير مثل 
"الأماكن النائية", أي نائية من ال مركز البريطانيء وأن نتلمس النظرة الاستعلائية في عملية "تماثل 
ا معلومات في الغرب وفي غير الغرب" . وكان من بين أهداف الدراسة معرفة قوة الخداعات في هذه 
ا مجتمعات البدائية. وربمما كانت هناك أهداف خفية غير الأهداف العلمية في معرفة نقاط الضعف 
في هذه المجتمعات لأنها مجتمعات تنظر بصورة جزيئية للموضوعات بينما ينظر الأفراد في بريطانيا 
بصورة كلية . إن النتائج التي تم التوصل إليها هي أن الأفراد في الأماكن النائية "أكثر عرضة 
للخداعات ". وبالرغم من أن تعبير "خداع" يقصد به من ناحية سيكولوجية بحتة "الخداع البصري" 
في رؤية الأشياء لكن ربما يمكن تأويل هذا التعبير بصورة أخرى . أي إحكام عملية السيطرة على هذه 
المجتمعات البدائية عن طريق خداعها . 

لقد تأسس علم النفس أولا في بريطانيا بصورة "تطبيقية" من خلال إسهام فرنسيس جالتون 
خلافا لتأسيسه الأولي في ألمانيا بصورة بحتة من خلال إسهام فونت . وكان علم النفس التطبيقي على 
علاقة وثيقة بالانثروبولوجيا والمشاريع البريطانية الاستعمارية كما كان علم النفس الشعبي كذلك 
على علاقة وثيقة بالاستعمار في بريطانيا . ويعتبر المعهد الأفريقي العالمي الذي أسس عام 1926 في 


بريطانيا من أنشط 


40 


الأجهزة وأكثرها أهمية من بين الأجهزة العالمية - الإدارية التي تأسست أثناء قيام 
الانتروبولوجيا التطبيقية . ولقد جاء في بيان المعهد التأسيسي أن أهم أهدافه "القيام بتقريب كامل 
بين المعرفة والبحث العلمي من جهة» وبين الأمور التطبيقية من جهة ثانية" . ثم بدأت قطاعات 
استعمارية جديدة بدورها الاهتمام بالانتروبولوجياء ففي عام 1944 أنشئ المجلس البريطاني للبحث 
الاجتماعي في شؤون المستعمرات . وعهد إليه إسداء النصح إلى سكرتارية الدولة في ا لمستعمرات 
بخصوص "المسائل التي تتعلق بالعلوم الإنسانية» وتكون في خدمة الإمبراطورة الاستعمارية" (لكلرك, 
0) . وبوسعنا أن نقارن ما بين تأسيس معهد برلين لعلم النفس التطبيقي الذي طور مجموعة 
من المقاييس النفسية للشعوب البدائية وتأسيس المجلس البريطاني للبحث الاجتماعي وكلاهما ارتبطا 
بالسياسات الاستعمارية. 

تأسست المخابرات البريطانية (رايت. 1998) أم آي 5 تحت رئاسة الكابتن فيرنون كيل عام 
9 في وقت رأت فيه وزارة الحربية أن الصراع الأوربي ال مستمر يتطلب وجود التجسس المضاد. 
وقد أثبتت أم آي 5 فائدتها بسرعة من خلال تطويق كافة الجواسيس الألمان بعد وقت قصير من 
اندلاع الحرب. واستطاع كيل أن يبني منظمة متميزة من بدايات متواضعة بالاعتماد على قوة 
شخصيته. وكانت نقطة انطلاق امتياز أم آي 5 بعد الحرب العالية الأولى في نجاح غارة اركوس عام 
7. فقد تعرض الوفد التجاري السوفيتي في لندن لغارة من قبل الشرطة بتعليمات وتوجيهات من 
أم آي 5 مما أدى إلى اكتشاف كميات هائلة من النشاط التجسسي. وقد كرست هذه الغارة الاعتقاد 
السائد داخل أم آي 5 أن الدولة السوفيتية الفتية هي العدو الرئيسي وأنه يجب وضع كافة 
الإمكانيات ملحاربتها. وفيما بعد تمت عملية تجنيد واسعة للمثقفين الموهوبين. كان المتخرجون من 
جامعة أكسفورد أو كيميردج يعملون في الغالب في أم آي 5 أو أم آي 6 . وينطبق ذلك القول على 
المخابرات الأمريكية والسوفيتية والإسرائيلية التي تختار أميز العقولء خاصة من علماء النفس . 


إن أكثر العمليات إثارة التي قامت بها المخابرات البريطانية كانت في مبنى 


41 


لانكسترء الذي تعقد فيه مؤتمرات ا مستعمرات في الخمسينات والستينات. فعندما أصبح 
ماكميلان رئيسا للوزراء بدأت عملية التغيير الواسعة في قضايا ا لمستعمرات. ولما كانت أم آي 5 
مسئولة عن الأمن وجمع ا معلومات الاستخبارية في كافة مناطق التاج البريطاني وقعت تحت ضغط 
متزايد لجمع المعلومات المناسبة أثناء المفاوضات التي كانت تجرى حول مسائل الاستقلال. وأثبنتت 
الحرب بأن العلماء يستطيعون حل قضايا ا مخابرات بدون الحاحة إلى عدد هائل من الأفراد. ولا شك 
بأن هناك حاجة ماسة لبعض هؤلاء الأفراد. ولكن الأهم من ذلك هو استخدام المتوفر بطرق مبتكرة. 
لعل في زمن الحرب يتطلب تطوير الأدوات المتوفرة وحل القضايا بسرعة فائقة وفي الوقت المناسب» 
ولا يعتمد على الخطط طويلة الأمد لأنها تكون في وقت غير مناسب تماما (رايت, 1988). 

وفي المخابرات البريطانية لا يجري رجال الاستخبارات العسكرية بشكل كثيف في العمليات 
المستورة. وتتلاءم العمليات الهجومية المستورة أكثر مع وحدات "خدمات الطيران الخاصة" وتقوم 
وحدات "العمليات النفسية" أو بسايوبس (5م2970 ) بتنظيم الدعاية لدعم الحملات العسكرية . 
وفي العام 2.1971 كان للجيش البريطاني فرع للحرب النفسية يضم 30 شخصا. وكان رجال العمليات 
النفسية موزعين على ثلاثة مقرات عبر البحان وكانت هناك وحدة أخرى مقرها في وزارة الدفاع . 
ويجري التدريب على العمليات النفسية في "مؤسسة الحرب ال مشتركة" . وتميز المؤسسة بين نوعين 
من الدورات. أحدهما لضباط الإدارة والآخر لضباط الوحدات التي سيكون عليهم تخطيط العمليات 
النفسية وتنفيذها . وتشمل الدورات محاضرات حول ممارسة الدعاية الشيوعية. وحول عصابات 
المدن» وتقنيات الإعلان الحديث, والخبرات التي اكتسبت من العمليات النفسية الأخيرة . وفي عام 
6, أكدت وزارة الدفاع البريطانية أنه كان قد تم تدريب 1858 ضابط جيش و 262 من كبار 
الموظفين المدنيين خلال السنوات الثلاث السابقة. على استخدام التقنيات النفسية لأغراض الأمن 


الداخلي. وفي المخابرات البريطانية كانت مهمة الاستنطاق قد أوكلت إلى أربع "فرق جنائية 


12 


إقليمية" تابعة ل "شرطة ألستر الملكية" في العام 1976, وكان رجال هذه الفرق البالغ 
عددهم 89 رجلا قد تلقوا تدريبا على استخدام هذه التقنيات من ضباط الاستخبارات العسكرية 
(بلوش وجيرالد, 1987) . 

وبالرغم من أن الوحدات القتالية للحرب النفسية قد تكون صغيرة من حيث العدد. فإن 
الجيش البريطاني يتوقع لنفوذها أن يكون واسع النطاق إلى حد بعيد. وبالعمليات النفسية, اكتسبت 
القوات المسلحة ومؤسسة الدفاع: أو هي ستكسب سريعاء القدرة على شن حملات سياسية لملاحقة 
أهداف عسكرية كلياء بشكل مستقل عن النظام السياسيء أي من دون الإشارة إليه. وفي تقرير 
معنون "الرأي العام والخدمات المسلحة" نشر في أل "سن دي تايمز" بتاريخ 22 أكتوبر 1978 أكد 
بالمر أن قدرة بريطانيا على الدفاع عن نفسها قد تعتمد على كيفية تأثر الرأي العام بالإعلام أكثر مما 
تعتمد على قوتها من حيث عدد الجنود وكميات السلاح والعتاد العسكري . إن الاستخدام الأكثر 
فعالية واتساعا للعمليات النفسية سوف يكن العسكريين من الغلبة السياسية في أحيان أكثر. 
وتعمل هذه العمليات النفسية على فهم طبيعة التحكم المراد تطبيقه في الأصقاع الواسعة بلا حدود 
والتي استعمرتها بريطانيا . ولعبت الصراعات البريطانية والسوفيتية في الحرب الساخنة والباردة دورا 
كبيرا في تطور تقانة وتطبيقات علم النفس. 

إن الهدف النظري لعلم النفس هو عملية الفهم والتنبؤ والتحكم في السلوك . وهناك 
اعتقاد بآن القوانين والمبادئ التي اكتشفها علماء النفس يمكن أن تستخدم في التلاعب بالإنسان . و 
لقد تبلور اهتمام كبير في الخمسينات والستينات بتطور الأبحاث والتقنيات السيكولوجية بالجملة في 
مجال التحكم في السلوك وكان ذلك لخدمة أهداف الحرب الباردة . وكانت الحرب العالمية الثانية 
مؤشرا لنهاية العزلة الأمريكية ووجدت الولايات المتحدة أن هناك فجوة كبيرة بينها وبين أعدائها 
يتمثل في تطبيقات تكتيكات الحرب والعمليات الخفية. واستخدمت بريطانيا العمليات السر-ية 


ممئات السنوات لربط الإمبراطورية مع بعض ... أما الألمان والفرنسيون والروس فلهم استخدامات 


13 


واسعة لهذه اللعبة السريةء ولكن ليس هناك من يجيدها مثل البريطانيين . وتكمن الفكرة 
في حشد وتحريك العلم لخدمة الدفاع» ونتيجة لذلك تم تشكيل شبكة للبحث تهتم بمجالات واسعة 
من تشطير الذرة» إلى منع الانهيار العقلي أثناء المعركة (ماركسء:1979). 

وللاستخبارات البريطانية دور عريق في "العمليات اللمستورة". بل ربما كان الأعرق بين 
أجهزة الاستخبارات الإمبريالية والاستعمارية الأخرى كافة» وإن كان هذا الدور قد تراجع في السنوات 
الأخيرة» بعد أن تعملق دور الاستخبارات الأمريكية وتضخم حجم عملياتها المستورة إلى حدود شبه 
خيالية. وأصبحت عمليات الاستخبارات البريطانية» في حالات كثيرة» جزءا من عمليات الاستخبارات 
الأمريكية» أو تابعا لها مع أن الاستخبارات البريطانية هي التي رعت ولادة وترعرع الاستخبارات 
الأمريكية في مرحلة ما بعد نهاية الحرب العاطية الثانية مباشرة (الرزازء 1987) . ويستنتج مما سبق 
بأن هناك قدرا كبيرا من التآخي ما بين الاستخبارات في بريطانيا وفي أمريكا في تطبيقات علم النفس 
في مجال التحكم عن طريق العمليات الخفية أو المستورة . 
التطور الهائل لعلم النفس في أمريكا 
ويتوجب علي الآن أن أضيف إلى ما كتبته عن ارتباط علم النفس بالإمبريالية العالمية المساهمة 
الأمريكية في هذا المجال وهي امتداد طبيعي للمساهمة الألمانية والبريطانية المرتبطة بالاستعمار. 
وقد يكون من المناسب معرفة علاقة علم النفس في أمريكا بعلم النفس الجديد في جامعات أمانيا 
وتأسيس الجامعات الأمريكية وهجرة علماء النفس من أوروبا لأمريكا وزراعة مدارس علم النفس 
الجديدة حسب نظرية التطور. فقد بدأ وليم جيمس علم النفس في أمريكا مع إدراكه بأهمية علم 
النفس الفسيولوجي الجديد في أمانيا. وجيمس م يكن بطبعه شخصا تجريبيا ولكنه كان يؤمن 
بالتجريبية وقدمها إلى أمريكا بعد أن وضع عليها الختم الأمريكي وذلك من خلال تأكيده على 


المعنى الوظيفي للعقل . كما عمل جيمس على تفسير علم النفس الجديد في 


44 


أمانيا ونقده وإدانته» وكان متسقا داتئما مع الروح الوظيفية لعلم النفس الأمريي. وحسب تعبير 
بورنج (1957) يصعب القول ما إذا كان جيمس قد قام بتجديد هذه الروح أم هو مجرد انعكاس لها 
؟ 

يؤرخ سوكال (1992) أن مؤسسي الجامعات الأمريكية نظروا إلى أوربا ومن ثم تبنوا 
النموذج الأمطاني كقاعدة للبحث في جامعة كورنيل (1865).: و جامعة جون هوبكنز (1876)» 
وجامعة كلارك (1887). وجامعة شيكاجو (1891). وجامعة استانفورد (1892) . وعندما أسس 
فونت معمله في ليبزج عام 1879 سرعان ما توافد عليه الطلاب ليدرسوا في المعمل وينالوا درجة 
الدكتوراه في هذا الفرع الجديد من العلم. وضم معمله خلال العشرين عاما الأولى أسماء برزت بعد 
ذلك في تاريخ علم النفسء وكان أبرز ما يميز هذه القائمة من الأسماء تضمنها لعدد كبير من 
الأمريكيين الذين عادوا جميعا ليدرسوا علم النفس في بلادهم.: وقام الكثيرون منهم بتأسيس وتوجيه 
معامل علم النفس (فلوجلء 1988 ) . وكان التدريب المنهجي الذي لقنه فونت إلى تلاميذه 
الأمريكان للإجابة عن أسئلة العقل حوله هؤلاء وترجموه إلي تقنيات جديدة لأسئلتهم الخاصة في 
داخل وخارج ا ممعملء وتبعا لذلك قام طلبة فونت بنشر الاتجاهات العلمية في علم النفس في 
أمريكا وربما نجحوا في ذلك أكثر من أي محاولة أخري في العام (بنجامين وآخرون. 1992). كما 
نجحوا في عملية الارتباط اللاحق بين علم النفس والحرب الساخنة والباردة على حد سواء. 

ومن المناسب الآن أن نتتبع التطور الهائل لعلم النفس في أمريكا التي قامت بأكبر مساهمة 
في إنتاج وتصدير علم النفس للعالم ومن بينه للعالم العربي . لقد نال هول أول دكتوراه في علم 
النفس عام 1875من جامعة هارفارد. وكانت "المجلة الأمريكية لعلم النفس" التي أسسها هول عام 
7 أول دورية لعلم النفس باللغة الإنجليزية . وفي عام 1886 ألف جون ديوي أول كتاب مدرسي 
"علم النفس" وهو أول محاولة لمؤلف أمريي لكتابة كتاب لعلم النفس الجديد كما أنه الأول من 
نوعه باللغة الإنجليزية . وقامت الرابطة النفسية الأمريكية بتنظيم أول اجتماع سنوي لها عام 1892 


في جامعة 


15 


بنسلفانيا (كاتل 1894). ولقد حضر هذا الاجتماع 18 من بين 31 عضو وتم تقديم 12 ورقة 
علمية عن تطور علم النفس . ومنذ عام 1895 تعقد الرابطة اجتماعاتها بانتظام مع جمعيات أخري 
منتسبة وذلك بمساعدة الجمعية الأمريكية للطبيعيين (سوكال. 1992). وقامت الرابطة فيما بعد 
بدور أساسي في رسم سياسية علم النفس وتطبيقاته الدولية. 

وبحلول عام 1900 وذلك بعد مرور 17 سنة من إنشاء معمل علم النفس في جامعة 
جونزهوبكنز بواسطة هول تم افتتاح 42 معملا في الجامعات الأمريكية الأخرى وجميعها استخدمت 
المناهج العلمية لعلم النفس الجديد. إن 13 من بين هذه المعامل تم افتتاحها بواسطة طلبة فونت 
من جامعة لايبزج ( بنجامين وآخرونء 1992).: وقد بحثت هذه المعامل الجديدة علم النفس الذي 
بدأ عملية التكيف مع البيئة الجديدة (سوكال. 1992) . ويمكن القول بأن علم النفس الأمريي قد 
ورث خصائصه الجسدية من التجريبية الأمانية ولكنه أخذ عقله من داروين حيث تعامل علم 
النفس الأمريي مع العقل في حالة استخدام . وفي عام 1900 تقبل علم النفس الأمريي كلا من علم 
النفس التجريبي للإنسان وعلم نفس الحيوان والقياس العقاي وبدأ يكتشف فرويد . وفي ذلك 
الوقت كان بعض ال محافظين يعتبرون من الفونتيين وبعض الرادكاليين يصنفون من الوظيفيين أما 
غالبية علماء النفس في أمريكا كانوا في منتصف الطريق . وفي تلك الفترة كان الجو مهيئا تماما 
لواطسن الذي أوجد السلوكية في جامعة هوبكينز في ربيع عام 1913 بورقته المعنونة "علم النفس 
كما يراه السلوي" والتي أصبحت فيما بعد "علم نفس امثير والاستجابة" (بورنج» 1957). 

ومن التطورات الأخرى في علم النفس هجرة مجموعة من علماء النفس من أوربا إلى 
أمريكا مثل ماكدوجالء وكوفكا . وعموما كان تأثير المدرسة الفونتية والفرويدية والجشطية 
والبياجيتية قويا في الولايات المتحدة . وأثناء الفترة النازية هاجرت مجموعة أخرى من علماء النفس 
الأوربيين إلى أمريكا وكذلك مجموعة من علماء النفس من أسيا للتدريب العالي في علم النفس 
(روزونزويجء 1994) . ثم اندفع علماء النفس أفواجا إلى الولايات المتحدة من كل أرجاء العام 


وخاصة من غرب أورباء بنفس الطريقة ولذات 


46 


السبب الذي دفع الرسامين أسرابا إلي إيطاليا في القرن السابع عشر وإلى فرنسا في بداية 
القرن العشرين . وفي الحقيقة إن عام النفس الأوربي لا يشعر تماما بأنه أكمل دراساته أو امتلك 
الحق في التحدث بصورة رسمية وموثوقة في الشؤون السيكولوجية إلا إذا قضى زمنا في إحدى 
الجامعات الأمريكية (بيرلاين. 1968) . 

ومنذ عام 1980تمنح حوالي 3000 شهادة في علم النفس سنويا في الولايات المتحدة. وهي 
أكثر من أعداد الدكتوراة في بقية أجزاء العام . وللولايات المتحدة أكثر عملية تطور في علوم النفس م 
تتأثر بالاضطرابات مقارنة مع الدول الأخرى . ففي هذه الولايات هناك حوالي 580 عام نفس و 140 
باحث في علم النفس لكل مليون نسمة . وفي الدول الصناعية الأخرى غير الولايات المتحدة هناك 
7 عام نفس و 82 باحث في علم النفس لكل مليون نسمة. أما في الدول النامية فهناك 84 عاط 
نفس و6, 3 من باحثي علم النفس لكل مليون نسمة . وللدول الصناعية حوالي أربعة أضعاف علماء 
النفس مقارنة بالدول النامية . وبالنسبة لأعداد باحثي علم النفس فهم يشكلون عشرين ضعفا من 
الباحثين في هذا المجال بالدول النامية . وتعتبر العلاقة بين القوة الاقتصادية والصناعية للدولة وتطور 
علم النفس علاقة قوية على ال مستوى العالمي (روزونزويج. 1994) . 

وبمرور عام 1930 انفتحت العلاقة بين علم النفس والوضعية النمساوية الجديدة وتحول 
حينها علم النفس الوضعي إلى سلوكية أو إجرائية . وتم استزراع علم نفس الجشطلت في أمريكا 
وذلك لعدم تسامح النازية في أطانيا. وعندما سافر الأمريكان إلى لايبزج لتعلم علم النفس الجديد 
من فونت رجع هؤلاء بكمية من الحماس لعلم النفس الفسيولوجي وعلم النفس المعملي . ولكنهم 
في أمريكا حوروا نموذج النشاط في علم النفس من الوصف والتعميم إلى تقييم القدرة أو الطاقة 
الشخصية في حالة من التوافق الناجح للفرد مع بيئته . ويمكن القول أن أدوات علم النفس ترجع إلى 
فونت ولكن الإلهام يرجع إلى جالتون . وهنا يطرح السؤال وبلاذا ؟ والإجابة بكل بساطة أن نظرية 


التطور هي التي حتمت هذا التغيير (بورنج» 1957) . 


417 


علم النفس والبلاد البوتقة 

حسب نظرية التطور فإن البيئة تعمل بطريقة غير جلية. فهي لا تدفع أو تسحب. إنها تختار 
وتصطفي . ولقد ظلت عملية الاصطفاء الطبيعي, طيلة آلاف السنين من تاريخ الفكر الإنسانيء تجري 
وتسير هي غير مرئية رغم أهميتها غير العادية وحينما تم اكتشافها في النهاية أصبحت. بالطبع. 
المفتاح لنظرية التطور (اسكنر. 1980). و لقد قبلت أمريكا نظرية التطور بشراهة وتبعا لذلك يمكن 
القول بأن علم نفس التوافق وقيم البقاء كان النتيجة . إن أمريكا أصبحت مستعدة للنشؤية أو 
نظرية الارتقاء أكثر من أمانيا وإنجلترا . وتعتبر أمريكا هي الدولة الرائدة الجديدة: لذ فإن البقاء عن 
طريق التوافق مع البيئة هو المفتاح بالنسبة لثقافة العام الجديد. وتبعا لهذا الفهم تعتمد فلسفة 
أمريكا الجديدة على الفرص والطموحات الفردية وهي ذات الفلسفة المسؤولة عن تطور الذرائعية 
والوظيفية في داخل علم النفس وخارجه. وتتطلب روح العصر ذلك (بورنج. 1957 ) . 

وفيما بعد لعب الاستقبال الهائل لنظرية التطور والبقاء للأصلح وتطور علم نفس التوافق 
في أمريكا أدوارا كبيرة في عمليات التمثيل الثقافي للبلاد البوتقة . وإن فكرة "البلاد البوتقة" وبالإضافة 
لفلسفة السياسية بالنسبة لعمليات التمثيل الثقافي تتطابق تماما مع نظرية علم النفس الاجتماعي 
في التشابه والتجاذب (بايرن» 1971) . ولقد أظهرت أبحاث علم النفس الاجتماعي أنه كلما كان 
هناك فردان متشابهان في ناحية الاتجاهات والنشاطات والمعتقدات والمجموعة العرقية صارا بميلان 
ويحبان بعضهما (كاندل. 1978). وبالنسبة لاسكنر فإنه من الممكن إحداث تغيير ثقافي بل أكثر 
تحديدا تصميم الثقافة التي نريد . وبنفس كيفية التحكم في الفرد يمكن التحكم كذلك في كل البيئة 
الثقافية . وقد عبر بقوله "وبالنظر إلى أن علم السلوك وتكنولوجيا السلوك يعملان على وضع تصميم 
أو تخطيط أفضلء فهما "تغييران" هامان في تطور الثقافة . وإذا كان هناك غاية أو اتجاه في تطور 
الثقافة. فإن ذلك لا بد أن يكون له علاقة بوضع الناس تحت تحكم المزيد من نتائج سلوكهم" 


(اسكنر. 1980). 


418 


وساهم علم النفس الاجتماعي المرتبط بعلم النفس الشعبي أو الفلكلوري أو الثقافيء في 
فهم وإحداث عمليات التمثيل الثقافي للمجموعات العرقية المختلفة. وتم التعبير عن المنهج 
التاريخي للاتصال عبر الثقافي بين المجموعات ال مختلفة من خلال الصورة الرومانسية "للبلاد البوتقة" 
التي ينصهر فيها المهاجرون . إن الفكرة الأساسية من وراء ذلك هي أن الأقليات الثقافية يجب أن 
تهجر وتتخلى عن "طرقها القديمة" وموروثاتها الثقافية وأن تتبنى "الطريقة الأمريكية". إذا تم توجيه 
وتعريض حرارة كافية للبوتقة فأن الفروق الثقافية بين المجموعات سوف "تنصهر" وكل فرد يصبح 
من ناحية ثقافية "أمريكيا" (مقدم. تيلر ورايت. 1993). 

يمكن أن نخلص في هذا الجزء من الدراسة للقول بأن أمريكا قامت بتكييف علم النفس 
الجديد في تربتها وذلك لإيمانها بشراهة بنظرية البقاء للأصلح في الداخل للأفراد والجماعات المكونة 
للمجتمع الأمريكي والبقاء للأصلح في الداخل يرتبط بالبقاء للأصلح في الخارج بالنسبة للبلاد البوتقة. 
ولقد تم تكييف عدة نماذج مختلفة ومحاولة الممزج بينها مثل علم النفس التجريبي من أطانيا 
والقياس النفسي من بريطانياء والوضعية من النمسا وتعززت هذه المدارس المستوردة وامتبناة ولكن 
ا موطنة وا مكيفة مع السلوكية والوظيفية والذرائعية وبذلك تم ختم ما هو مستورد بالدمغة 
الأمريكية . وم تكن استجابة علماء النفس الأمريكان لعلم النفس في أوربا استجابة حرفية نقليه بل 
كانت استجابة ناقدة إذ تعلم هؤلاء الطلاب التقنيات العلمية في ألمانيا لكن روح العلم الجديد 
كانت روحا أمريكية . 

وتبعا للتطورات أعلاه تحولت قبلة علم النفس من لايبزج إلى البلاد البوتقة وأصبحت 
أمريكا وفقا لذلك التحول مركز الكون لعلم النفس وأصبحت الجامعات الأمريكية هي الأماكن التي 
يحج إليها علماء النفس من العالم عامة والعاط العربي خاصة . و أصبح النموذج الأمريي لعلم 
النفس هو الأكثر تأثيرا في العام . فالكم الهائل من المصادرء وأمهات الكتبء والدوريات. والمجلات, 
والبرامج» والمؤتمرات, والجمعيات وال منظمات. والأدوات والتقانة المتعلقة بعلم النفس منتوجا أمريكيا 


يصدر للعامم أجمع 


49 


ومن بينه العام العربي ٠‏ وتم تعليب المفاهيم وتغليف النظريات وتصميم ال مناهج بصورة 
تسلب العواطف وتأسر العقول وتغسل الأدمغة وتجعل علماء النفس. خاصة العرب». منهم في حالة 
من اللاوعي . وبوسعنا الافتراض بأن الحرب الساخنة والحرب الباردة هي أكثر العوامل التي حتمت 


هذا التطور الهائل لعلم النفس . وهناك أهمية من التحقق من صحة هذا الافتراض . 


علم النفس والحرب في أطانيا 

كانت أمانيا أولا دولة سباقة في تأسيس أول معمل لعلم النفسء وثانيا سباقة في ارتباط علم النفس 
بالاستعمار, وثالثا سباقة في تأسيس علاقة علم النفس بالحرب الساخنة. وعندما خرج الألمان من 
الحرب العالية الأولى منهزمين فكروا في بحث سبل الهزيمة وتعبئة الشعب الألماني تعبئة نفسية 
للقتال والأخذ بالثأر مرة أخرى وبذلك اتجهت الأنظار إلى علم النفس (فرج وعطية, 1987) . ولذلك 
نشأ الاهتمام بعلم النفس الحربي خاصة كجزء من خطة عامة أقامها النازيون لتعبئة الدولة كلها 
تعبئة نفسية للقتال. وبذلك اتجهت أبحاث الأمان إلى دراسة عميقة لكثير من الظواهر النفسية 
والاجتماعية وخاصة ما تعلق منها بفن القيادة (السياسية والعسكرية). والروح ال معنوية (المدنية 
والعسكرية أيضا) وسيكولوجية القتال والدعاية . كما استطاعت أطانيا أن تستفيد من نشاط علم 
النفس المهني على أوسع نطاق في بناء قواتها المسلحة . وفضلا عن ذلك قدمت العديد من الأبحاث 
في مجالات متعددة مثل : الاختبارات النفسية للانتقاءء الروح المعنوية الدفاعية. الروح المعنوية 
الهجومية. وشؤون التعبئة وسيكولوجية الحياة العسكرية (السعيد. 1959). 

ويعتبر علم النفس العسكري أحد الأفرع التطبيقية لعلم النفسء وهو يعني بتطبيق مبادئ 
علم النفس في مجال الجيش بغرض رفع مستوى كفاءة أفراده وذلك بعدة وسائل مثل انتقاء وتوزيع 
الأفراد على التخصصات والمهن العسكرية المختلفة مستخدما في ذلك أساليب القياس النفسي . ويهتم 


هذا العلم أيضا بتطبيق مبادئ التعلم على برامج 


50 


التدريب العسكري لضمان نجاح هذه البرامج وتحقيق أهدافها . كم يهتم كذلك بدراسة 
سيكولوجية الحواس. و التأثير المتبادل بين الفرد ومجتمعه العسكري وتشخيص وعلاج المصابين 
بصدمات نفسية ناشئة عن أهوال القتال وبإرشاد وتوجيه العائدين من القتال وبخاصة المشوهين 
منهم وتأهيلهم للحياة المدنية (فرج وعطيةء 1987). وساعد علم النفس العسكري بمهارة فائقة في 
تشكيل وتصور جديد بالنسبة للحرب وكيفية إخضاع الشعوب. فمن المناسب أن نتابع في هذا الجزء 
من الدراسة كيفية تأسيس علم النفس الحربي في ألمانيا وكيفية اختيار علماء النفسء ونوعية 
الاختبارات المستخدمة وما مدى تأثير وانتشار ال منهج الأل ماني في عمليات الاختيار والتدريب 
العسكري. 

هناك عدة مسوح عن إجراءات الاختيار السيكولوجي ومنهج الشخصية الشمولي أو الكلي 
المستخدم بواسطة علماء النفس الأمان (أنسباشرء 1941؛ أنسباشر ونيكولسء 1941؛ برات» 1941). 
ويؤرخ لبداية مساهمات علم النفس في الحربية الأمانية أثناء الحرب العامية الأولى. وتم تأسيس أول 
مركز للقياس السيكولوجي عام 1915 لعملية اختيار الطيارين وبقية المهنيين المرتبطين بالحرب. وتم 
استخدام تقانة علم النفس مباشرة بعد بداية أمانيا في مشروعها لبناء التراسانات والمعدات الحربية. 
وتم إصدار أول قرار لتطور علم النفس العسكري بواسطة وزارة الحربية عام 1920) كما تم تأسيس 
أول مركز لتوجيه الأبحاث السيكولوجية في السنة نفسها برئاسة بروفسر ريفيارت وذلك في جامعة 
برلين. وعموما استخدمت هذه الجامعة كأول مركز لاختيار وتدريب الضباط الألمان. وبعد ذلك تم 
تأسيس عدة مراكز سيكولوجية أخرى في مناطق مختلفة من أطانيا. وتعتمد الاختبارات السيكولوجية 
المطبقة قبل عام 1927 الجانب التجريبي. وأصدرت وزارة الحربية الألمانية في يناير 1927 قرارا 
توجيهيا يتطلب من كل الضباط ال مرشحين أن تطبق عليهم بعض الاختبارات السيكولوجية. 
وبالإضافة لذلك لقد طورت الحربية الأمانية برنامجا آخر للاختيار السيكولوجي عام 1928(فيتسء 
46). 

ويتم اختيار علماء النفس الألمان للعمل بالجيش بصورة صارمة وكانت هناك معايير مهنية 


عالية للاختيار أثناء السنوات الأولى من مشروع علم النفس الحربي. 


51 


وعادة ما يتطلب ذلك درجة الدكتوراه وسنة من التدريب في مركز من مراكز القياس السيكولوجي. 
وبعد أن أصدرت الجامعات الأطانية مرسوما بمنح دبلومة في علم النفس تم قبول هذه الدبلومة 
لعلماء النفس الحربيين. ومعظم هؤلاء العلماء من الضباط المدنيين والذين كانت لهم رتب عسكرية 
عالية. وقامت مراكز الاختيار السيكولوجي في مدن برلين وهانوفر وميونخ وفينا باختبار طلاب 
ا مدارس الراغبين في الالتحاق كضباط بقوات الدفاع الجوي. ويعتمد التأكيد في عملية الاختبار على 
نوعية الضابطء كما تم تقديم اختبارات خاصة عن الاستعداد للملاحين الجويين وغيرهم. 

وتأخذ عملية الاختيار بالنسبة لكل ضابط مرشح بين يوم وثلاثة أيام وذلك حسب نوعية 
التخصص المطلوب. وعادة ما يقدم اختبارا سيكولوجيا جماعيا بغرض التصفية الأولية قبل تقديم 
الاختبار الفردي. ويختبر عام النفس الواحد فرد أو فردين من ال مرشحين في اليوم الواحد وبعدها 
يقوم عدة علماء نفس مراجعة الحالة المختبرة قبل اتخاذ القرار النهائي. ويؤكد علماء النفس الأ مان 
في منهجهم بأن ملاحظات سلوك المفحوص أثناء تطبيق الاختبار أهم من الدرجات التي ينالها في 
الاختبار. ولقد تم التأكيد على هذه النقطة الهامة في عدة تقارير أمانية وإنجليزية عن علم النفس 
الحربي في أطانيا (أنسباشرء 1941؛ انسباشر ونيكولسء, 1941؛ برات. 1941؛ هوبكينز 1944). 

تم تطبيق عدة اختبارات عن القدرة اللفظية والعددية والذاكرة والاستدلال بالنسبة 
للضباط ا مرشحين. وعادة ما يطلب من المرشح كتابة مقالة في حدود 20 دقيقة لحل مسائل عقلية 
وحسابية» أو مشاهدة صورة متحركة أو رسم لجهاز ميكانيي معقد ومن ثم كتابة وصف مفصل عن 
كيفية عمل هذا الجهاز. وواحدا من الاختبارات الهامة التي تطورت بواسطة علماء النفس الألمان هو 
اختبار الحكم الموقفي أو العملي. ففي هذا الاختبار تقدم أسئلة مطبوعة في كتيب تصف مشكلة ما 
تتطلب حكما عمليا لحلها. مثلاء تصف أحد الأسئلة مشكلة تواجه ضابطا عليه أن يصل هدفا ما وفي 
نفس الوقت أن يختار بين ثلاثة طرق للوصول لفرقته العسكرية: (أ) طريق مباشر لكنه يقع تحت 


نيران الأعداء (ب) طريق طويل عبر جسر مهدم جزئيا و(ج) طريق عبر بحيرة ولكن ليس هناك 


52 


قوارب لعبورها. وعلى المرشح أن يكتب تقريرا عن ماذا يمكن أن يعمل في كل موقف وأن 
يقدم أسبابا واضحة للموقف المختار. وفي تقدير درجات اختبار الحكم الموقفي أو العملي ليست 
هناك إجابة واحدة صحيحة ولكن تتم عملية دراسة الأسباب لاختيار أي من المواقف المختلفة 
ويعتبر ذلك مقياسا للقدرة على التخطيط والحكم الجيد (فيتسء 1946). 

وطور علم النفس الحربي في أطانيا عدة اختبارات أخرى لعملية الاختيار منها اختبار القدرة 
الإدراكية» و اختبار التوازن الحسي الحري واختبار السمات الشخصية والقيادة. وعادة ما يتم تقديم 
كشف نهائي بالنسبة للضابط ا مرشح من خلال مقابلة شخصية. وتمكن هذه اللمقابلة عام النفس من 
اعتبار نتائج الاختبارات ونتائج ا ملاحظات ويسهل كل ذلك معرفة الانطباع النهائي عن شمولية 
الشخصية وكليتها. و لا يتبع في هذه المقابلة نموذج ثابت ولكنها تلمس بعض النقاط الهامة مثل 
ماذا تحبء ماذا تكرهء وأسئلة بيوغرافية أخرى. وعندما يتم اختبار الضباط تعطى كذلك أهمية 
للثقافة المرجعية» والوضع الاقتصادي الاجتماعيء ومعرفة الآداب: والفن والفلسفة. وتأخذ المقابلة 
قبل سنوات الحرب حوالي ساعة وعادة ما يحضرها طبيب وعدة علماء نفس فضلا عن ضباط 
الحربية. ولكن أثناء الحرب يقلل زمن هذه المقابلة كما يحضرها المرشح مع عاط النفس لوحده . 
وأثناء الاختبار تعطى أهمية خاصة للجهد والدافعية أكثر من النتائج المتحصلة, وتعتبر السمات 
الشخصية الطرفية أو الحادة غير مقنعة. ويجب على الطيار, مثلاء أن يكون منتبهاء و ذكياء ومتوازناء 
وله دافعية عالية» وله قدرة كبيرة للتوجيه. وفي نهاية المطاف يعطى المرشح واحد من التقديرات 


التالية: مؤهل بصورة كلية. مؤهلء مؤهل للحد الأدنى» وغير مؤهل (فيتسء. 1946). 


وغير الجانب المتعلق بتطبيقات نتائج الاختبارات السيكولوجية هناك توظيف للبعد 
السيكولوجي للصورة المتحركة (تايلورء 2000). فمثلاء كانت الأفلام الألمانية التي تصور الحرب مثيرة 
تؤدي إلى تصريف الانفعالات المحبوسة. وقد استخدم النازيون الجرائد المصورة والأفلام التسجيلية لا 


شراك الشعب الألماني في المجهود 


53 


الحربي ولإرهاب الخصوم المحتملين. وقد رصد جهاز "الجستابو" الرأي العام وردود أفعاله إزاء كل 
فلم. وعقب عرض جريدة سينمائية تصور النجاحات الألمانية في الدنمارك والنرويج ذكرت قوات الأمن 
في تقرير لها "إن الجريدة لا شك قد زادت من الثقة في الانتصار". 

وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية كانت أمانيا هي الدولة الوحيدة المتفوقة في التقانة 


الحربية. ومن الأهمية بمكان معرفة سيكولوجيا الأفراد الذين يقومون بتشغيل هذه التقانة 
العسكرية من الدبابات» والطائرات والسفن. وقام علماء النفس الأمان باختيار هؤلاء الضباط حسب 
مبادئ علم النفس الإكلينيي. وتقوم عملية الاختيار على تعرض الضباط المرشحين لبعض ال مواقف 
المشابهة للحياة بدقة, ومن ثم تقدر استجابات وأداء هؤلاء الضباط بواسطة مجموعة من المراقبين. 
ولقد شكلت هذه الأداة فيما بعد قاعدة الاختيار بالنسبة للضباط في المخابرات الأمريكية. وعموما 
يمكن القول بأن أكثر ميزات علم النفس الحربي في ألمانيا هو (أ) الإدراك الصحيح للأهمية الأسمى 
لشخصية الضابط وفعاليتها في الوحدة العسكرية (ب) تطوير كم هائل من الاختبارات السيكولوجية 
للاختيار بالنسبة للضباط المرشحين والتي تمثل اليوم أمثل و ربما المنهج السيكولوجي العملي الوحيد 
لاختيار القادة. 

ونتيجة لسبق وقوة منهج الاختيار عند علماء النفس في أطانيا لقد انتشر ذلك في بقية أنحاء 
العام الغربي. فمثلاء استخدمه البريطانيون عام 1942 كما اتبعوا نفس التفاصيل الموجودة في ال منهج 
الألماني. وأخذ الإستراليون كذلك المنهج الأطاني من الحربية البريطانية في عام 1943. كما تبنى الجيش 
الكندي فكرة الاختبار الموقفي من علم النفس الحربي في أمانيا لاختيار الضباط. واستخدم الجيش 
الأمريي ال منهج الألماني في مكتب الخدمات الاستراتيجية عام 1943 والذي تحول لاحقا لوكالة 
ال مخابرات الأمريكية. ويقتصر تطبيق المنهج في أمريكا على بعض الفئات الخاصة مثل الجواسيس 
ولقد تم بالفعل تقييم 5000 مرشح للجاسوسية. وكان بمكتب الخدمات الاستراتيجية مجموعة كبيرة 


وممتازة من علماء النفس الذين كتبوا عن خبراتهم في واحد من أهم الكتب اليوم 


54 


عن تقييم الشخصية الشمولية أو المتكاملة (أنظر موراي وماكنون. 1946). وفي مقدمة 
هذا الكتاب تم شكر علم نفس الجشطلت بصورة عامة وعلم النفس الحريي الألماني بصورة خاصة. 
ويشكل موراي القيادة الروحية في مكتب الخدمات الاستراتيجية فضلا مع60 من الأعضاء الآخرين 
وكانوا جميعهم من أصحاب النظرة الشمولية أو المتكاملة للشخصية كما كانوا من الظاهراتيين كذلك 
(انسباشي 1949). 

وم يقتصر انتشار المنهج الألماني في الاختيار في المجال الحربي فقط إنما انتشر كذلك في سائر 
أفرع علم النفس الأخرىء خاصة علم النفس التطبيقي. فمثلاء في بريطانيا لقد تم استخدام الاختبار 
الموقفي لاختيار المشرفين في أحد شركات الفحم الحجري (فريزرء 1946)» واستخدم الاختبار الموقفي 
في اختيار مدراء الإنتاج في استراليا (تراف. 1948). وفي أمريكا استخدم منهج مورينو ولوين في 
الصناعة خاصة في مجال تدريب المشرفين. وأسست جامعة كاليفورنيا "معهد تقييم الشخصية 
والبحث" تحت قيادة ماكنون والذي يعتبر شخصية رئيسية في ا مخابرات. وشمل أعضاء المعهد بعض 
علماء النفس السابقين بمكتب الخدمات الاستراتيجية. ويخدم هذا المعهد الأهداف العملية لتقييم 
امرشحين لكليات الهندسة والطب. واصبح مؤخرا معهدا استشاريا عاما لتقييم الأفراد في كل 
المجالات. ويعيش المرشحون مع علماء النفس لمدة ثلاثة أيام مع بعض ويوضعون تحت تجربة 
سيكولوجية ضاغطة. وتستخدم في عملية الاختيار اختبارات مقننة فضلا عن الاختبارات الموقفية 
لضمان معرفة استجابة الفرد للبيئة وا لمجتمع والعمل(انسباشرء 1949). وتم تمويل معهد تقييم 
الشخصية بممبلغ 100000 دولار من مؤسسة روكيفيلر (التاهمزء 1949). وعموما يمكن القول بأن 
التقييم الشمولي للشخصية بالاختبارات الموقفية وفقا للطريقة الألمانية لقد ساعد على انتشاره عالياء 
ووجد مساحة في كتب علم النفس الصناعي (هاريلء 1949). وفي الاختبار السيكولوجي (كرونباخ» 


9 ) وحتى ف علم النفس العام (بورنج» ولانقفيلد وويلد. 1948). 


55 


علم النفس والحرب في الاتحاد السوفيتي 

انتهت الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وبذلك انتهت أكثر الحروب قسوة ودموية وأكثر 
صراعا ووسعا في تاريخ الإنسانية. وعموما تعتبر الحروب مقياسا حقيقيا لقوة ومقدرات الأمم 
المتحاربة. وتتطلب الحرب تعبئة مادية وروحية وعقلية ضخمة تسيطر على الحياة اليومية 
للمجوعات والأفراد. وواحدا من العوامل المعتبرة في هذه الحرب هو الدور الذي لعبه علم النفس في 
تعزيز الاستجابة للعدوان وترقية الأداء في المعركة و دعم الروح المعنوية في الجبهة الداخلية. لقد أثر 
الصراع في علماء النفس السوفيت وذلك بتنشيط دوافع جديدة للأفراد والجماعات. وتعزيز أشكال 
مختلفة من النشاط الاجتماعيء وتوسيع قدرات الأفراد المحدودة والمهارات المطهنية. وتصميم 
وتوظيف وسائل مبدعة للبحث الميداني. وأدت عملية حلول المشاكل العملية والعلمية الفريدة إلى 
اكتشاف مناهج غير تقليدية وفي بعض الحالات الأخرى أدت إلى إعادة تشكيل ال مغامرة العلمية. 
ولقد وفرت الحرب العالية الثانية نموذج مفيد للتطور العلمي في القرن العشر.ين تحت وطأة 
الظروف الشديدة. وأوضح التحليل الممتاز الذي قام به جلجين وآخرون (1996) عن فاعلية وإنتاجية 
البحث العلمي عندما يطبق في مهمات اجتماعية بطريقة تستقطب الدعم الشعبي. ووضحت هذه 
النتائج نقد وجهة النظر التي تشك في دور علم النفس في المجتمع. 

انعكس أثر التغيير الجذري في النظام الاجتماعي الذي أعقب الثورة الروسية عام 1917 على 
النظرة العلمية. إن ظهور النظام العالمي شمل أوجه الحياة المختلفة بما في ذلك العلم. ورحبت 
مجموعة من علماء النفس بحماس التغيير الجديد الحادث تحت شعارات مثل "العدالة الاجتماعية" 
و"المساواة", و"الحرية". و"الأخاء" "والطبقة العاملة". وكان هناك إحساس قوي بأن روسيا تمر بمرحلة 
إعادة بعث اجتماعي وروحي وبذلك فتحت الثورة آفاقا جديدة للتقدم. لقد تكثف عمل علماء 
النفس السوفيت لسببين أولهما يحتاج القطاع العام للخبرات السيكولوجية لأسباب سياسية 
واقتصادية» وثانيها فإن تغيير الحالة الاجتماعية يحتاج لإعادة اختبار للأسس النظرية والفلسفية 


واطنهجية 


56 


الجديدة لعلم النفس. وهناك فائدة أخرى لعلم النفس في الحملة ضد الأمية وإعادة تشكيل 
التعليم» وخلق ثقافة البروليتارياء وقولبة المواطن السوفيتي. وبذلك كان لعلم النفس دور ومعنى في 
تأثير الحياة الثقافية العامة. واستفادت التطبيقات التخصصية المختلفة لعلم النفس من هذه 
السياسات. وشملت هذه التخصصات الهامة تقانة علم النفسء وسيكولوجيا الإدارةء والصحة 
النفسية. وعلم نفس الطفل. وكان البحث مثيرا في مجمله عن التطبيقات الجديدة لعلم النفس. 

ثم يكن هناك فرع منفصل لعلم النفس الحربي في الاتحاد السوفيتي قبل فترة الحرب 
العالمية الثانية. كما لم تظهر أي مقالة أو دراسة في هذا الفرع قبل فترة الخمسينات. ومن ثم ظهرت 
تقاليد ثرة لموضوعات حربية (بوديلوفا. 1983). وأجري البحث في تخصصات السيكوتكنولوجيا أو 
تقانة علم النفسء وعلم النفس الطبيء وعلم النفس العام: والبيداغوجيا أو علم أصول التدريس. 
وفي فترة ما قبل الحرب شمل الاهتمام عدة موضوعات في علم النفس الحربي مثل تدريب الأفراد. 
واختيار الأفراد وتنظيم الخبرات الطبية النفسية» وتحسين وإتقان التعليم السياسي بالنسبة للعمال 
والفلاحين في الجيش الأحمرء وكشف البروفيل السيكولوجي والخصائص الشخصية لرجال الخدمة في 
المتطلبات العسكرية المختلفة. ودراسة جوانب الخبرة العسكرية الفريدة: ودراسة الإدراك البصري في 
مجال التمويه والخداع أثناء الحرب. وكانت أكثر المساهمات في كشف البروفيل السيكولوجي في 
مجال الخدمة في الطيران. وانعكست تلك الحاجة في تحديث سريع للطائرات أثناء الثلاثينات 
والأربعينات. 

أبرزت الحرب العابلية الثانية السؤال المرتبط بكيفية مساهمة علماء النفس في الانتصار على 
الأعداء. وبصورة عامة كانت مسئولية علماء النفس السوفيت هي تطبيق المعرفة السيكولوجية 
للمشاكل الناتجة من الحرب. ومات من جراء الحرب عدة علماء نفس سوفيت كما عانى علم النفس 
من هذا الفقد الكبير ومن بين من مات منهم عام النفس بولتنوفء وفولكوف وجوسيف» 
ويارمولينكوء ولوسيفء ولايوبيموفء وموزايوفء وشفارتسء وشبلرينء وايفروسي. وفي مذكراته التي 


اعتمدت على عمله 


57 


في المخابرات العسكرية.ء وصف شيمياكين المشاكل النفسية الناتجة عن استجواب السجناء. ويوظف 
منهجه في الاستجواب استراتيجية "التواصل" بين الذي يقوم بالاستجواب وا مستجوب. ويعني 
بالتواصل تأسيس علاقة بينهما حتى تتأسس الفوقية الأخلاقية للذي يقوم بالاستجواب على 
المستجوب. وناقش شيمياكين خطأ كل من "استخدام القوة" أو "استخدام الكلام الحلو" في منهج 
الاستجواب (جلجين وآخرون. 1996). 

وعملت الحرب على هجرة علماء النفس السوفيت للأقسام الجديدة الناشئة في المناطق 
النائية. مثلاء لعب أنانيف. أحد علماء النفس الكبار في لينينجراد. دورا كبيرا في أعمال المركز 
النيورولوجي الجديد في تبليسي بجورجيا. ومثال آخر لإعادة تنظيم علم النفس أثناء الحرب هو 
الحاجة لوحدة جديدة لحل المشاكل النفسية للجرحى في الجبهة. تبعا لذلك قام ليوريا بتنظيم 
مستشفى بعيدا عن جبهة القتالء كما قاد مجموعة من ثلاثين باحثا إلى جنوب أولالس. وعندما 
بدأت الحرب كانت تعقد الاجتماعات لتقرير الأعمال الهامة التي يجب أن يقوم بها العلماء. وكان 
من بين التطبيقات الهامة لعلم النفس هو إعادة تأهيل الجنود الجرحى وذلك بإرجاع قدراتهم لكي 
يحاربوا بصورة جيدة. وبسبب الحرب تحول علم النفس من المركز لهوامش أصبحت فيما بعد 
مراكز هامة لتطور علم النفس في الاتحاد السوفيتي. وعموما لعبت الهجرة الداخلية أو الخارجية 
لعلماء النفس دورا كبيرا في نمو علم النفس ليس في الاتحاد السوفيتي فحسب وإنما في العاط. 

أجرى بوريس تيبلوف (1985). علم نفس فارقي وفسيولوجيء, سلسلة من الأبحاث الهامة 
أثناء وبعد الحرب. وانصب اهتمامه على السمات الشخصية لكبار الضباط. بالإضافة لذلك يعتبر هو 
رائد البحث السوفيتي في مجال الذكاء العملي. وكان ملهما في أبحاثه برغبته الكبيرة في مساعدة 
شعبه في الكفاح كما كان لأعماله أهمية نظرية أيضا. ويرتبط منهجه ببعض المسائل النفسية الهامة 
مثل طبيعة القدرات العقلية و التفكير العملي. وحدد تيبلوف بأن عمله يرتبط "بدراسة مشكلة 
الاستعدادات”. ويعد عقل القائد العسكري مثال نموذجي "للذكاء العملي". وفي اعتقاده بأن دراسة 


عقلية القائد 


58 


العسكري لا تؤدي فقط لمعلومات مفيدة لأهداف عملية» بل لها قيمة علمية ترتبط 
بدراسة الوظيفة العقلية. 

وحسب دراسات تيبلوف. فإن القائد العسكري الفعال له هذه السمات: عقلية مستقرة 
وكفاية لاتخاذ قرار جيد في مواقف صعبة والقدرة على إظهار إنتاجية عقلية قصوى تحت وطأه 
أقصى ظروف خطرة: والقدرة على التحليل النظامي على إجراء تقييم متزامن صلب ومجرد 
للمواقف, والموهبة في تبني قرارات سهلة ومحددة ترتكز على معلومات معقدة وشاملة: والمهارة 
على اتخاذ قرار في مواقف غير ثابتة وغير مرئيةء والقوة على المخاطرة. والشجاعة في التفكير, 
والبسالة العقلية في تجاوز الشكوك وفي نفس الوقت توخي الاهتمامء, والحصافة والحذرء ونقد 
الذات» والتخطيط الاستراتيجي و مرحليء والقدرة على الاستجابة للمواقف سريعة التغير وفي نفس 
الوقت المواظبة على تطبيق الخططء والقدرة على التنبؤ بالتقدم ول مردود وأثر المعركة: والتفكير 
السريع الذي يقوم على الفطنة والخبرات الثرة . 

أجريت بعض الأبحاث السوفيتية الهامة في مجال عمليات الإدراك الحسي.. وم تجر هذه 
الأبحاث فقط لحاجات الحرب ولكن كمنطق داخلي لعلم النفس السوفيتي الذي يرتكز على نظرية 
لينين عن الانعكاس. وحسب قول لينين ينتج الإحساس من تأثير الحقيقة الموضوعية (البيئة المادية) 
على النظام الإنساني للحواس. وتم اعتبار الإحساس كنقطة بداية وأساس بالنسبة للمعرفة. فعبر هذا 
الإحساس فقط يتعرف الفرد على العامم. وتركزت معظم الأبحاث السيكولوجية أثناء الحرب على 
السمع» واللمسء والإحساس البصريء وارتبط مشر.وع الأبحاث في مجال السمع بالأصوات العالية 
والمنخفضة. وتم بحث العمليات المرتبطة بمواقع الصوت والإدراك الموسيقيء وأظهر البحث بأن 
الحساسية السمعية تعتمد على عدة حالات تتضمن التدريب المهني في تمييز الأصوات, وكانت نتائج 
هذه الأبحاث مفيدة في المجال العسكري. وتم التوصل إلى أن الطيارين لهم وعي بتغيير جزثي في 


صوت ماكينة الطائرة وتم تدريب الأفراد للسماع للأصوات التي ربما تكون مرتبطة بنشاط للأعداء. 


59 


لقد تخرج عاط النفس الروسي تبلوف من امدرسة الحربية لتمويه المباني بجامعة موسكو 
عام 1921. وعمل في عدة مراكز بحثية في الجيش الأحمر في الفترة بين 1965-1929. ونشر أبحاثا 
ممتازة عن استخدام الألوان في مويه المباني في عدد من دوريات علم النفس الحري. كما مدد أبحاثه 
عن مشكلات الضوء والبصر في المعمار . فضلا عن ذلك قام بأبحاث أصيلة عن علم النفس الحربي في 
الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب العاءلية الثانية (سوزن» 1984). إن واحدا من التحديات التي جابهت 
علماء النفس السوفيت بعد الدخول في الحرب هو تحديد الجوانب السيكولوجية لاستخدام اللون 
لوضوعات تتعلق بتمويه المباني. وارتبط واحدا من المشروعات الرئيسية بالبحث عن وسائل تخفى 
أو تنكر مباني مدينة لينينجراد. وعمل مجموعة من علماء النفس وا معماريين في هذا المشروع. 
ولكن من ناحية سيكولوجية لكي تتم عملية تمويه مباني المدينة يجب الأخذ في الاعتبار جوانب 
الإدراك البصري الذي يمكن استخدامه في مويه المباني من عيون الأعداء. 

وبدأ برنامج بحثي تجريبي عن التمويه بنهاية أغسطس 1941. وتم الحصول على معلومات 
تجريبية في فصل الخريف والشتاء التالي بالرغم من مشكلة الزمن وتعقيد ال مشروع. وتم توظيف 
المعلومات المجموعة لتمويه امباني العالية وناطحات السحاب في لينينجراد. وكان العمل في المشروع 
يسير ليل نهارء وأحرزت عملية التقدم التطبيق الإبداعي للمعلومات المجموعة في المشاريع الأخرى 
التي سبقت فترة الحرب. وكان الافتراض النظري للبحث هو أن اللون المدرك للموضوع لا يكون 
مستقلا من ارتباطه بعوامل أخرى مثل بعد الجسم. وزاوية النظرء وتركيز اللون. ودرجة اللون 
المسيطر الذي بدل بآخرء والتقلبية التي ترتبط بإدراك لون محدد. بالإضافة لذلكء فإن اللون تحت 
الظروف الطبيعية يرجع لتأثير الجهد على نظر المشاهد بواسطة موضوعات نوعية مثل الشكل, 
والملمس, والحجم, والكمية: وترتيب الموضوعات, بالإضافة للخصائص الطبوغرافية العامة التي 
تشكل المجال البصري. وتم التوصل إلى أن اللون الرمادي له قدرة كبيرة في التمويه بالرغم من أن 


الموضوع لا يختفي كلية من مجال الإدراك فاللون 


60 


الرمادي يتلاثى تدريجيا. وتم التوصل كذلك إلى أنه في مسافة بعيدة فإن المظهر الطبيعي 
للون الرمادي يتزايد بينما يقل تركيز اللون الأخضر (أنظر جيلجينء 1996). 

نتيجة للتوصيات الهامة التي قدمها علماء النفس في عملية تمويه مباني لينينجراد من نظر 
العدو قامت الهيئة العاملة في معهد الاقتصاد المحلي بتشكيل طلاء يتطابق مع الخلفية الطبيعية 
لموضوعات العام الحقيقي. وفي نفس الوقت اقترح علماء الأحياء وسائل لإحداث تمويه للعدو من 
خلال زرع نباتات مناسبة» وابتكر المعماريون وسائل لحجب النصب التذكارية بحيث لا تكون عارية» 
كما قام فنيوا الكهرباء بتقليل الشرر البصري للترام المتحرك أو البصات (أنظر. سوبوليف, 1966: في 
جيلين وآخرون, 1996). وعموما كانت عملية تمويه المباني من نظر العدو فعالة وكانت المسألة 
واضحة حتى بالنسبة للمقيمين في لينيجراد لفترة طويلة من الزمن. ولقد أوضح هؤلاء بأن مظاهر 
كثيرة من المدينة قد اختفت عن الأنظار مثل قبة كاتدرائية إسحاق. في تقديريء يعتبر ذلك التمويه 
الحادث تطبيقا رائعا مهام علم النفس في الحرب. 

برهن علماء النفس السوفيت بصورة واضحة بأن يأخذ الفرد المسألة السيكولوجية في 
حسابه من أجل إخفاء المظاهر المميزة لمدينة أو لإقليم ما. ولم يعمل علماء النفس فقط على 
الحفاظ على باطيارا الشمالية كمدينة جميلة من لينينجراد لقد اقترحوا كذلك عملية تركيب الألوان 
لإخفاء وتمويه الأهداف الأولية من طائرات ومدفعية العدو مثل تجمع الأسلحة العسكرية: وطائرات 
المجابهة. وقام هؤلاء العلماء كذلك بكشف جديد في التنظيمات السيكولوجية العامة وقوانين إدراك 
الألوان. وقيم أنانيف (1943) هذه المساهمات البحثية قائلا "نحن نقوم بهذا العمل ليس لأهميته 
التطبيقية العاجلة بالنسبة للمدينة ولكن له أهمية نظرية لسيكولوجية إدراك الفضاء". و لا يفوتنا 
معرفة بالمساهمة العملاقة للاتحاد السوفيتي في الكشوف الفضائية وسبق العام في هذا المجال. 
وسبوتنيك خير دليل على ذلك فإنها مثال ممتاز للإبداع الإنساني الرفيع الذي أثار اهتمام علماء 
النفس في أمريكا من خلال خطاب جيلفورد الشهير لرابطة علم النفس الأمريكية بتجاهل دراسة 
الإبداع في أمريكا مقارنة بالاتحاد السوفيتي. 


61 


علم النفس والحرب في أمريكا 

تم توثيق تاريخ مساهمة علم النفس في الحرب. خاصة في أمريكاء في عدة كتابات منها المصدر 
الذي كتبه بري (1948) وفلاناجان (1952). ومايار (1943): والعرض الشامل في المجلة السيكولوجية 
التي حررت بواسطة برات (1941). وعرض البحث التربوي الذي حرره فلاناجان (1948): ومن 
التغطيات الأخرى أعمال أهلانار (1977)» وأربما (1980). ومسوح علم النفس الحربي بواسطة بري 
(1962): وكرافورد (1970) وبريان (1972) التي ظهرت في عاط النفس الأمريي. وتوضح هذه 
الكتابات الدور الفعال الذي قام به علماء النفس في تحسين وترقية طرق الاختيار للمشاركين في 
الحرب ليس من البشر فحسب و إنما التقانة كذلك. 

دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى في السادس من أبريل 1917. واجتمع حينها 
عدد من علماء النفس المشاهير آنذاك في جامعة هارفارد لمناقشة كيف يمكن أن يساهم علم النفس 
في جهود الحرب مثل عمليات الاختيار والتدريب والدافعية في المجالات الحربية المختلفة. وكان 
تاريخ علم النفس حينها في أمريكا حوالي 25 سنة وكان عدد أعضاء الرابطة النفسية الأمريكية آنذاك 
6 عضو. وتمثل مجهودات علماء النفس في الحرب العالمية الأولي أول محاولة حديثة لتطبيق علم 
النفس لمشاكل الحرب. وفي عام 1916 قامت الأكاديمية القومية للعلوم بإنشاء المجلس القومي 
للبحث لتنظيم الدعم للجهود الحربية. وبالفعل تم تشكيل لجنة علم النفس برئاسة روبرت 
ياركيس. وبعدها تم تشكيل عدة لجان لبحث قضايا الحرب وكان أولها لجنة مناهج الاختيار. وبناءا 
على ذلك تم اختبار واختيار 4000 مجند للجيش وللبحرية وضمت اللجنة في عضويتها علماء نفس 
مرموقين أمثال ثرنديك وثيرستون وأوتيس. 

وفي الحرب العاطية الثانية تم وضع عدة معالم لخدمات علم النفس ال مقدمة في الحرب. 
مثلاء ففي عام 1939 تم إنشاء قسم الاختبار لتطوير عملية التصنيف العام للجيوش المشاركة في 
الحرب. وفي نفس الوقت أسس مجلس البحث القومي لجنة الطوارئ لعلم النفس . وفي عام 1943 


تم إعادة تنظيم اللجنة كهيئة لعلم النفس التطبيقي والتي 


62 


أشرفت على 21 مشروعا بحثيا للجيش و للبحرية أثناء الحرب. كما تم تأسيس برنامج لعلم النفس 
في قوات الدفاع الجوية للمساعدة في اختيار وتدريب ملاحي الجو وذلك في عام 1941. وكان واحدا 
من المشروعات البحثية الكبيرة التي اكتملت في هذه الفترة هو مشرروع دراسة الجندي والذي تم 
تلخيصه في سلسلة من أربع مجلدات تحت عنوان "دراسات في علم النفس الاجتماعي في الحرب 
العالمية الثانية". ووفر هذا المشروع معلومات قيمة للجيش عن اتجاهات الجنود مما ساعد على 
رسم السياسيات الحربية. ومن الملاحظ أنه في عام 1943 فإن نصف عدد صفحات "المجلة 
السيكولوجية" قد غطت موضوعات عن علم النفس العسكري. وبين عام 1945-1943 فإن واحد من 
4 علماء نفس في الدولة كان يرتبط بصورة أو بأخرى بعلم النفس العسكري (أنظر دريسكويل 
وأومستيد. 1989). 

هناك عدة عوامل تميز المؤسسة العسكرية من بقية المؤسسات الأخرى. أولا إن المؤسسة 
العسكرية ذات رسالة موجهة وهي حماية الدولة والقدرة على الحرب وكسب الحرب. وإن أي شيء 
لا يساهم في هذه الرسالة يعد ثانويا. وعامل ثاني يميز المؤسسة العسكرية هو طبيعة السياق 
العسكري . فالبيئة العسكرية أكثر جدية من البيئة المدنية لأن أفراد المؤسسة العسكرية يجب أن 
يكونوا مهيئين للحرب وللموت من أجل الدفاع لحماية الدولة. وتبعا لذلك الفهم فإن عدم الاختيار 
المناسب وإجراءات التصنيفء وفقر التدريب وسوء تصميم المعدات العسكرية يعتبر مهلكا ومميتا. 
وعامل ثالث بميز المؤسسة العسكرية هو الحجم الكلي من برنامج العلوم السلوكية العسكرية 
المطبقة. ولقد وصلت ميزانية أبحاث الاختيار والتدريب حوالي 400 مليون دولار (ألليويسي. 1987). 
واستخدمت المؤسسة العسكرية أكثر من 600 من باحثي علم النفس المدنيين الذين التحقوا بالجيش 
والبحرية ومعامل القوات الجوية كما دعمت مجموعة كبيرة من علماء النفس عبر اتفاقيات بحثية 
في الجامعات الأمريكية وفي الصناعة. ونتيجة لذلك نما علم النفس الحربي واتسع ليصبح جزء مؤسسا 
للمجتمع الحربي (دريسكويل وأولمستيد. 1989). 


يقول ساراسون (1981) اصبح العلم وكذلك علم النفس موضوعا للسياسية 


63 


العامة وذلك لأن صناع القرار يتوقعون فوائد عظيمة من المحاولات العلمية ولأن العلماء 
وعدوا بهذه الفوائد. بينما يقول كابشيو (1986) كانت الحرب العامية الثانية أهم حادث في التاريخ 
الاجتماعي لعلم النفس الأمريي. وعملت هذه الحرب على مهنية وتوحيد علم النفس وعلى الاعتقاد 
في المنهج العلمي. ويعبر هلقارد (1987) بأن هذه الحرب وفرت الفرص لعلماء النفس للعمل مع 
بعض وإنشاء منظمات بحثية مستقلة مع نهاية الحرب بينما قام آخرون بإنشاء معاهد مشابهة في 
الجامعات. ويعبر هوفمان وديفنباشر (1992) وفرت الحرب القوة الدافعة لعلم نفس معالجة 
ا لمعلومات. والنماذج الرياضية للوظائف السيكولوجية. وعلم النفس ال معرفي بصورة عامة. ولعبت 
الحرب العاطية الثانية دورا أساسيا في تشكيل علم النفس من الأربعينات حتى الآن. ومقارنة بعلم 
نفس ما قبل الحرب» فإن علم نفس ما بعد الحرب كان أكثر توحدا واحتراماء ومهنية. موجها 
لاحتياجات ا مجتمع: وكان سياسيا (جيلين وآخرون.1996). 

لقد حولت أجواء الحرب العايلية الثانية الرابطة النفسية الأمريكية من جمعية تنظيمية 
تقوم بنشر مجلات علمية قليلة وتعقد اجتماعها السنوي إلى منظمة نشيطة لها مكتب مركزي كبير 
تمثل وتخدم الاهتمامات المهنية لأعضائها. ومسحت الحرب العاطية التمييز بين علم النفس الأكاديمي 
وعلم النفس التطبيقي كما برهنت على أهمية تطبيقات علم النفس. وظهرت الرابطة النفسية 
الأمريكية بقدرات عظيمة لترقية علم النفس التطبيقي (كابشيو وهلقارد. 1992). وكتب ماركيوس 
تقريرا عام 1944 قدر فيه علماء النفس في الولايات المتحدة بأنه يتراوح بين 3500 - 8000 عام. 
وحصل على الماجستير من هذا العدد 1908: ويبلغ عدد من حصل على الدكتوراه 2645 . وكان عدد 
الرجال 3191 بينما عدد النساء 1362. ومن بين هذا العدد عمل 1006 في القوات المسلحة. 
وواحدة من امجالات الهامة لتطبيقات علم النفس في تعزيز الحرب واختيار وتدريب الكفاءات هو 
مجال الطيران. 

من ناحية تاريخية» يرجع تأسيس علم نفس الطيران للحرب العالمية الأولى. وقامت 


المبادرات البحثية في هذا المجال بواسطة لجنة المشاكل السيكولوجية للطيران 


64 


والتابعة للمجلس القومي للبحث والتي كانت برئاسة ثرنديك. وتركزت أعمال هذه اللجنة بصورة 
جوهرية حول الاختيار السيكولوجي للطيارين وذلك (1) بالرغم من المعايير الجسمية الصارمة 
للطيارين المرشحين فإن أكثر من نصف المجموعة المرشحة يتم إبعادها أو في حالة الفشل في 
التدريب (2) يتطلب بعض الطيارين تدريبا مضاعفا مقارنة بالآخرين (يتراوح التدريب بين 100-50 
ساعة) و (3) هناك أعداد كبيرة من الحوادث حتى بالنسبة للطيارين المؤهلين (لجنة اختيار وتدريب 
ملاحي الج 1942). 

وتتضمن عملية الاختيار للطيارين الاختبارات النفسحركية للأجهزة. مثل موجه رقيلن و 
قياس ردود الفعل والتي تتضمن قياس النبض والخفقانء ومعدل التنفس أثناء طلق أعيرة نارية من 
المسدس من الخلف عندما يكون الطيار جالسا في الكبينة. وعادة وما يتم إبعاد الذين لهم انفعالات 
مفرطة أو زائدة. وتوقفت هذه المجهودات في نهاية الحرب العالمية الأولي» ولكن عندما أوشكت 
الحرب العامية الثانية كان هناك برنامج سيكولوجي بحثي صغير عن الطيران. ولكن كان الاستثناء 
الوحيد هو مجهود عام النفس دوكاري والذي كان طيارا في الحرب العالمية الأولى والذي أسس 
معمل علم نفس الطيران في جامعة أوهايو أثناء 1920. 

في عام 1939 كونت سلطات الطيران الممدني "لجنة اختيار وتدريب الطيارين" ضمن 
المجلس القومي للأبحاث وذلك لدراسة الطيران المدني كما امتدت هذه الدراسات لتشمل الطيران 
العسكري. وكانت قوات الدفاع الأمريكية تدرب حوالي 30000 طيار في السنة في الفترة الممتدة بين 
1940-9. ويدار برنامج علم نفس الطيران بواسطة عام النفس جون فلاناجان. وقام هذا البرنامج 
باختيار الطيارين وطاقم الملاحة وتدريب قاذفي المدافع, والملاحينء ومراقبي الرادارء ومهندسي 
الطيران» كما امتد ذلك البرنامج لعلم النفس الهندسي. 

وتطورت الأبحاث الفسيولوجية وأبحاث الأداء الإنساني ذات العلاقة بالطيران في الحرب 
العالمية الأولى. ولقد أسس ارمسترونج معمل الأبحاث الفسيولوجية عام 1935. وتم تأسيس فرع علم 


النفس ضمن المعمل الطبي للطيران عام 1945. وكان 


65 


الطيارون يطيرون في الحرب العالمية الأولى بمعدل 100 ميل في الساعة بينما تزيد سرعة 
طيران الطائرات المعاصرة على 2000 ميل في الساعة. وأصبح الطيارون حاليا جزءا من نظام طيراني 
معقد ومتكامل. ويرجع ذلك لتكاليف التدريب العالية وللطبيعة المعقدة لبيئة الطيران ولذلك كان 
اختيار وتدريب الطيارين من الأولويات. ففي قوات الدفاع الجوي يتم تدريب 1600 من الطيارين 
و750 من اطلاحين الجدد في كل سنة بتكاليف باهظة. مثلاء يكلف تدريب طيار ف.ب-111 وملاح 
حوالي 1.3 مليون دولار و 700000 دولار بالتوالي. لذلك فإن عملية الاختيار والتدريب الفعالين 
ضرورية بالنسبة للطيارين. 

بالإضافة لذلك أجريت الأبحاث السيكولوجية والفسيولوجية المرتبطة بالطيران منذ الحرب 
العالمية الأولى. وعرض جريجوري و رازران وبروان 92 مرجعا ترجع لعام 1918 وحددوا 626 دراسة 
ترجع لعلم نفس الطيران (رازران وبروان» 1941). وبحلول عام 1942 هناك حوالي 50 عام نفس 
يرتبطون بممشروع برنامج الاختيار في الطيران. وفي عام 1943 هناك 85 عام نفس طيران في القوات 
الجوية بالإضافة إلى 300 من مساعدي علم النفس. وفي نهاية الحرب شمل برنامج علم نفس الطيران 
على 200 ضابط و750 مجند 500 مدني (لانيان 1949). 

ويجب أن يمر كل فرد تقدم كطالب عسكري للطيران بالاختبار الجسديء ومن ثم الإنجاز 
الدراسي وأخيرا الاختبارات السيكولوجية ومن ثم يتخذ القرار النهائي بدخوله لمجال الطيران. إذا تم 
قبوله تحدد نتائج الاختبارات ما إذا كان مناسبا للتدريب كطيار أو كملاح أو قاذف قنابل. 

وتشمل الاختبارات السيكولوجية حوالي 20 اختبارا تغطي (1) الذكاء. والحكم., والكفاءة 

(2) اليقظة؛ وا لمشاهدة, والسرعة الإدراكية (3) الشخصية. والمزاج والاهتمامات (4) التوازن البصري - 
الحري. بالإضافة لذلك تجرى هذه الاختبارات: درجات الاستعداد للطيارء ودرجات الاستعداد لقاذف 


القنايل» ودرجات الاستعداد 


66 


للملاح الجوي. واستمرت عملية تحسين وترقية هذه الاختبارات طيلة سنوات الحرب. وط 
تتم عمليات التدريب في مجال الطيران بالنسبة للطيارين والملاحين فحسب وإنما أيضا لتدريب 
الحمام لتوجيه القنابل. 

وواحدا من الموضوعات الهامة التي تطورت في أمريكا من خلال الحرب حسب وجهة نظر 
جيلجين وآخرون هو نظرية جيبسون عن الإدراك والتي ظهرت في كتابه الموسوم "إدراك العام 
البصري" عام 1950. وحسب وجيهة نظر زوجته الينور جيبسون إن الأفكار النظرية التي تم التعبير 
عنها في العام البصري تأثرت تأثيرا كبيرا بخبرة الحرب. وطلب من جيبسون أن يقوم باختبار للأفراد 
في الطاقم الجوي (طيارينء وملاحين» وقاذفي قنابل) وخاصة تطبيق اختبار إدراك المسافة. وكانت 
الاختبارات المتوفرة آنذاك تفترض وضع ثابتء وإدراك ثابت للأشياء المرئية. وقضى- جيبسون وقتا 
طويلا في تحليل نوع النشاط الادراي للنظر من الطائرات المتحركة. ولقد تغيرت آراءه بصورة كلية 
وكذلك آراء علماء نفس آخرون عن فكرة البصر وأكد على أهمية الحركة وفكرة الأشياء الثابتة تحت 
عملية التحول. وم تعتبر هذه الفكرة جديدة تمام الجدة فقط في علم النفس بل كانت ثورة حقيقية 
في عالم الإدراك البصري في سنوات ما بعد الحرب. 
علم النفس السوفيتي والأمريكي: الشبه والاختلاف 
بوسعنا التساؤل ما هو وجه الشبه والاختلاف بين علم النفس المرتبط بالحرب الذي تطور في الاتحاد 
السوفيتي وذلك الذي تطور في أمريكا من حيث الأهداف والوظائف؟ تعتبر محاولة جلجين وآخرون 
(1996) أول محاولة تاريخية عبر ثقافية تقارن بين علم النفس في الأمتين أثناء سنوات الحرب. وهما 
متضادتا اجتماعيا وآيديولوجيا وسياسيا. وكانت هناك اختلافات بين علم النفس في فترة ما قبل 
الحرب بين الأمتين في عدة مجالات. ونتيجة لذلك واجه علماء النفس السوفيت والأمريكان المهام 


المعقدة للحرب من زوايا مختلفة. وإنها لمفارقة. فإن بحث جيلجين وآخرون توصل للحقيقة 


67 


القائلة بآن علم النفس السوفيتي والأمريي كان مختلفا بالنسبة للقيم والأهداف ولكن تم توظيفه 
بصورة واحدة تحت وطأة الأزمات المتشابهة. 

يختلف علم النفس في الاتحاد السوفيتي وفي أمريكا اختلافا كبيرا عندما قامت الحرب. 
وكانت هذه الفروق تعكس الدينامية الداخلية لتطور علم النفس في كل أمة بالإضافة للعوامل 
الاجتماعية والثقافية التي تحدد المحتوىء والبنية» والاتجاهات الرئيسية للبحث. أولاه سيطر على 
علم النفس السوفيتي خلال الثلاثينيات النظرية والمنهجية الماركسية والعقائدية وكانت هناك حدودا 
صارمة للبحث. بينما كان علم النفس الأمريي حرا في اعتقاد أي نظرية ومنهج تجريبي. ثانياء بالرغم 
من الاختلافات في فترة ما قبل الحرب. هناك عناصر مشتركة بين علم النفس في الاتحاد السوفيتي 
وعلم النفس الأمريكي أثناء الحرب العابلية الأولى. ذلك لأن علم النفس في البلدين يجب أن يوظف 
تحت ظروف حادة وتبني عملية انفتاح في الأهداف. وتتضمن هذه الخصائص المشتركة الارتباط 
النشيط في المشاريع التطبيقية التي خلقت بواسطة متطلبات الحرب. ثالثاء عمل العامل الجيوسياسي 
والاجتماعي- الاقتصادي مع العامل العسكري على تشكيل علم النفس في البلدين. ومع ذلك هناك 
بعض الفروق مثلاء هناك تأكيد أكبر في الاتحاد السوفيتي على علم النفس الطبيء والتمدرسيء 
والتأريخيء بينما هناك تأكيد أكثر في علم النفس الأمريي على علم النفس الفارقء والتشخيص 
النفسي, واختيار الأفراد. وهناك اختلافات كذلك في تمويل البحث السيكولوجي. ليست هنالك مصادر 
خاصة في الاتحاد السوفيتي لتمويل البحثء إنما يعتمد التمويل كلية على الدعم الحكومي. وكان كل 
النشاط العلمي يجرى في مؤسسات الدولة. بينما في الولايات المتحدة كانت تجرى حتى بعض 
مشاريع الأبحاث العسكرية في هيئات خاصة أو في أقسام علم النفس بالجامعات. 

إن التقدم التكنولوجي السريع في الأمتين خاصة في مجال الطيران والإلكترونات خلق فرصا 
لعلماء النفس في تخصصات معينة: مثلا السيكوفيزيقا والسيكوفسيولوجيا واختيار الأفراد. كما أصبح 


علم النفس العسكري حقلا منفصلا. وفوق كل ذلك أدرك 


68 


قادة الأمتين أهمية اعتبار العامل الإنساني في عملية انتصار الحرب وبذلك يمكن أن يساهم 
علماء النفس في التوازن الفعال للأفراد والمصادر والاستراتيجيات. ويمكننا التساؤل ما هي اللساهمة 
الكبيرة التي قام بها علماء النفس في كل دولة بالنسبة للحرب؟ لقد وظف علماء النفس في الاتحاد 
السوفيتي خبرتهم في إعادة تأهيل جرحى الحربء خاصة الذي يعانون من جرح في الرأس وذلك 
بالتأكيد على أبعاد الإعاقة الدماغية والعلاج. وفي هذا المجال تكمن أهمية الأعمال التي قام بها كل 
من لوريا وليونيف وأنانيف. فضلا عن مساهمات بافلوف وفيجوتسكي وأنوكهين وبيرنستين. إن 
التطور اللاحق واستخدام بطارية نيورا- نبراسكا للنيوروسيكولوجيا عام 1970 أدى لظهور علم النفس 
النيورولوجي كتخصص في علم النفس الأمريي. بينما كانت المساهمة الرئيسية لعلماء النفس في 
أمريكا نحو الحرب هو استخدام المهارات السيكوميترية والإحصائية لإعداد أدوات للاختيار 
والتدريب لآلاف الأفراد بالنسبة للحرب. وتعتمد هذه الخبرات على تراكمات بحثية ترجع لجالتون 
في إنجلترا. وبينيه في فرنساء ورورشاخ في سويسراء وثرنديك وكاتل في الولايات المتحدة. 

يمكن أن نخلص في هذا الجزء من الدراسة بأن أمانيا كانت رائدة في مجال توظيف علم 
النفس لخدمة الأهداف الاستعمارية وفي تطبيقه لاحقا في الحرب الساخنة. ولعب علماء النفس 
الألمان دورا فعالا في تطور الاختبارات الموقفية بهدف الاختيار والتدريب. وعندما بدأت شرارة 
الحرب العالمية كانت أمانيا أكثر تفوقا في مجال التقانة الحربية وفي عمليات التدريب السيكولوجي 
الفعال للطيارين وقاذفي القنابل والملاحين وللضباط. كما لعب علم النفس في الاتحاد السوفيتي دورا 
كبيرا في التعبئة الروحية والمادية والعقلية وذلك بغية الانتصار في الحرب. وأجريت العديد من 
المشاريع البحثية الرائعة في الذكاء العملي والذكاء الحسي واستخدام سيكولوجيا الألوان بغرض تمويه 
المباني والتي كانت لها تطبيقات لاحقة في سيكولوجيا الفضاء. أما في أمريكا فقد لعبت ال مؤسسة 
العسكرية دورا جوهريا في تطوير وتوظيف نماذج التطبيقات الأمانية والبريطانية والسوفيتية لعلم 


النفس. وتأسست مجالس الأبحاث السيكولوجية لتنظيم الدعم للجهود الحربية. إن 


69 


تطبيقات علم النفس في مكتب الخدمات الاستراتيجية في جمع وتحليل المعلومات والتنبؤ بفائدة 
المرشحين من الضباط والعملاء تبعا لنظام موراي أو جتنقر م يكن معلما أساسيا في تطبيقات علم 
النفس في الحرب الساخنة فحسب إنما كان كذلك إيذانا لتطبيقات جديدة لعلم النفس في الحرب 
الباردة وهي حرب سيكولوجية في المقام الأول. 
اسكنر وتدريب الحمام لتوجيه القنابل 

قام عالم النفس الأمريي اسكنر وتلاميذه بعدة تجارب أوضح فيها مفهوم السلوك الإجرائي. إن الجزء 
الأكبر من سلوك الإنسان يمكن تصنيفه على أنه إجرائي- إدارة الممفتاح في اللقاط. سياقة السيارة. كتابة 
رسالة» القيام بمحادثة الآخرينء وهكذا. إن هذه الأنواع من السلوك لا ينتزعها مثير غير شرطي كما 
في حالة الاشراط البابلوفيء و لكن حاما يقع الإجراء أو السلوك ال مطلوب فإنه من الممكن تقويته وفقا 
بدأ السلوك الإجراي» لقد كانت هذه التجربة البسيطة فتحا للمزيد من الدراسات حول اثر البيئة 
على السلوك التي توصل من جرائها اسكنر إلى عبارته الشهيرة "السلوك محكوم بنتائجه"” أي النتائج 
البيئية تتبع قيام الفرد بسلوك معين (عدس وتوقء 1986). بناءا على نتائج دراسة اسكنر السابقة 
سوف نتحدث في هذه الجزء من الدراسة عن فكرة غريبة الأطوار وربما تكون فكرة جنونية على 
حسب تعبير اسكنر نفسه. إنها فكرة أقرب لأن تكون من الخيال السيكولوجي. 

حاول اسكنر (1960). أشهر عالم سلوي في تاريخ علم النفس على الإطلاق: بتوظيف سلوك 
الاهتداء عند الحمام وتدريبه لتوجيه القنابل في الحرب العاممية الثانية من خلال المشروع البحثي 
المسمى "مشروع الحمامة" والذي أجري في "معمل البحرية البحثي". وقد لعب اسكنر دورا كبيرا في 
علم النفس من خلال درسته الكلاسيكية لسلوك الحمام في صندوقه الشهير. وكان الإنسان دانما 
يحاول استخدام الطاقة الحسية للحيوانات وذلك لأنها أقوى من حواس الإنسان أو لأنها أكثر إقناعا. 


ربما يسمع 


70 


الكلب الحارس أفضل من سيده وفي كل حال يسمع عندما يكون السيد نائما. وقيل بأنه تم 
استخدام طائر النورس لكشف الغواصات في القنال الإنجليزي في الحرب العامية الأولى. وأرسل 
البريطانيون غواصاتهم عبر القنال بينما تتابع طيور النورس الغواصات وتتعلم بأن تتابعها ما إذا 
كانت بريطانية أو أطانية. وعمل الروس على تدريب الكلاب لتفجير الدبابات كما قاموا كذلك 
بتدريب كلب البحر لقطع كابلات أو أسلاك الألغام الأرضية . وشرع السويديون في تدريب عجل 
البحر بتفجير الغواصات. هناك ميزة خاصة لأنظمة الكشف أو الإشارة عند الحيوانات الدنيا عندما 
تستخدم مع المتفجرات في أهداف يراد تدميرها ما إذا كانت أهدافا في الأرض أو الجو أو البحر. 
وتطورت أنظمة توجيه القنابل بواسطة الحيوانات باستخدام الحواس والإشارات نحو الأهداف وذلك 
بالاستجابة للإشعاع المري وغير المرقء والضوضاء. وانعكاسات الرادار وغير ذلك. 

تم الشروع في مشروع تدريب الحمام في الحرب العالمية الثانية. ففي عام 1939 تم تدمير 
مدينة وارسو بواسطة القنابل وبرزت الطائرات كأدوات جديدة ومرعبة للحرب . لذلك يجب إدراك 
"مشروع الحمامة" في ضوء هذه الخلفية. وبدأ كمحاولة بحثية عن تدريب الحمام لاستخدامه في 
السطح والجو لتوجيه القنابل كوسيلة دفاعية ضد الطائرات. وعندما تغير التوازن بين الأسلحة 
الهجومية والدفاعية تم اختبار النظام أولا من قنابل الجو للأرض وسمي ذلك رمزيا ب"البجع" تيمنا 
بطائر البجع وهو طائر مائي كبير. تم في ربيع عام 1940 في جامعة مينسوتا اختبار قدرة الحمام على 
التوجيه نحو الأهداف بواسطة الرافعة المتحركة. وتم وضع الحمام في سترة ويمكنها أن تأكل الحبوب 
من الطبق الذي بقربها وتشغل نظام التحكم بواسطة حركة الرأس في الاتجاه المناسب. وتم تدريب 
الحمام على الوصول لأي هدف كما تم تدريبه كذلك على متابعة مجوعات مختلفة من الأهداف 
الأرضية والبحرية وكيفية تتجاهل الرقع الكبيرة والتي تم وضعها لتمثل السحب أو نيران المدفعية 
وذلك للتركيز نحو الهدف المحدد بينما تشاهد هدفا آخر . ولقد تم التوصل من جراء ذلك إلى أن 


الحمام يمكنه أن يحمل القنبلة في تقاطع لشارع محدد في خريطة جوية للمدينة. 


711 


يقول اسكنر (1960) نسبة للقيود الأمنية تم إعطاءهم أوصاف عامة جدا للإشارة التي يزود 
بها نظام التحكم في "مشروع البجع". وهناك مكان كافي في أنف البجع لثلاثة حمامات كل واحدة 
بعدستها وطبقها. وعندما تقع القنبلة في اتجاه سفينتين في البحر ليس هناك ضمان أن تتجه 
الحمامات الثلاث لنفس السفن. ولكن ربا تتفق أثنين من الحمام وتبعا لذلك تعاقب الثالثة لهذه 
الفكرة القاصرة. وتحت طاولة التدعيم الطارئ المناسب تستطيع الحمامة المعاقبة أن تتحرك نحو 
فكرة الغالبية. وعندما تعمل الحمامات الثلاث في سفينة واحدة فإن أي قصور يمكن أن يعاقب 
ويصحح مباشرة. وعندما تم اكتشاف إنجاز الألمان في مجال توجيه القنابل اصبح مشروع اسكنر في 
تدريب الحمام مهما للأغراض الدفاعية. وتم دراسة استجابة الحمام في معمل البحرية للبحث في 
واشنطون بتفاصيل دقيقة. مثلاء تمت دراسة ا معدل المتوسط للنقرء ومعدل الخطأء ومعدل ضرب 
الهدف وتم تسجيل ذلك في حالات مختلفة. كما تم تحليل سلوك اقتفاء الأثر عند الحمام بمناهج 
تشبه تلك التي تستخدم مع العامل الميكانيي. كما تمت دراسة نماذج الإدراك الذي يتضمن التعميم 
من نموذج لآخر. 

نحاول في هذا الجزء من الدراسة أن نجري مقارنة "لعينة" بين اسكنر وبين علماء النفس 
العرب. حاول علماء النفس في الغرب تدريب الحيوانات في القرن العشر_ين مثل الكلب وطائر 
النورس وكلب البحر وعجل البحر ومحاولة استخدام ذكائها وطاقتها الحسية لأنه أقوى من حواس 
الإنسان. ويحدثنا التراث العربي الإسلامي بفهم سيكولوجيا وذكاء الحيوان من عشرات القرون. مثلاء 
يقول الجاحظ في تعريف المعرفة والفطرة في الحيوان " لقد أودع الله صدور سائر الحيوان من 
ضروب المعارف و فطرها عليه من غريب الهدايا و سخر حناجرها من ضروب النغم الموزونة و 
الأصوات ال ملحنة وا مخارج الشجية و الأغاني ا مطربة» وكيف فتح لها باب المعرفة على قدر ما هيأ 
لها من الآلة» و كيف أعطى لها كثيرا من الحس اللطيف و الصنعة البديعة من غير تأديب و تثقيف 
و من غير تقويم و تلقينء و من غير تدريب و تمرين". 


لعل اسكنر أراد أن يوظف عملية الذكاء بالنسبة للحمام, وخاصة تدريب وتمرين 


72 


سلوك الاهتداء الذي يتصف به الحمام. وسجل الجاحظ ملاحظات قيمة في هذا الجانب . 
يقول مثلا "ولو كان الحمام مما يرسل بالليلء لكان مما يستدل بالنجوم. لأنا رأيناه يلزم بطن الفرات» 
أو بطن دجلة, أو بطون الأودية التي مر بهاء و هو يرى و يبصر و يفهم انحدار الماء. و يعلم بعد 
طول الجولان و بعد الزجالء و إذا هو أشرف علي الفرات أو دجلة. أن طريقه و طريق الماء واحدء و 
أنه ينبغي أن ينحدر معه" (ج 3, ص 216) . ويقول الحاحظ "وللحمام من حسن الاهتداء. و جودة 
الاستدلال. و ثبات الحفظ و الذكرء و قوة النزاع إلي أربابه» و الآلفة لوطنه ....و أنه يهتدي بطيرانه 
بالأنهار و الأودية و انحدار الماء ومصدر الريح و موضع قرص الشمس في السماء .... ثم الدليل على 
أنه يستدل بالعقل و ا معرفة و الفكرة و العناية» إنه إنما يجئْ من الغاية على تدريج و تدريب و 
تنزيل" (ج 3 ص 215-214) . ويؤكد الدميري ملاحظات الجاحظ بقوله عن ذكاء الحمام "الحمام هو 
المشهور من الطيور و الهادي إلى أوطانه من المسافات البعيدة. و هو أشد الطيور ذكاءء. و هو 
يتعرف إلى علامات قبل طيرانه ليعود إلى موطنه" . 

يقول بروفسر مالك بدري (1979) أن قدماء العرب كانوا اسكناريين (سلوكيين) قبل آلاف 
السنوات قبل أن يولد اسكنر نفسه. إن مقولة بدري هذه تصدق فيما نسميه ب "علم نفس البيزرة" 
(الخليفة 2001). وهو من أكثر جوانب علم نفس الحيوان تقدما لمعرفة إسهام التراث العربي 
الإسلامي في دراسة سلوك الحيوان . نريد أن نقول من عرضنا لمساهمة التراث العربي الإسلامي في علم 
نفس الحيوان إن علماء النفس في الغرب قد دربوا الحيوانات ومحاولة الاستفادة من طاقتها الحسية 
في القرن العشرين. وبينما كان علماء التراث سباقين في دراسة سلوك الحيوان ومعرفة خاصية سلوك 
الاهتداء عند الحمام وحدة بصر الكلاب لكن م يتم توظيف ذلك في علم النفس المعاصر في العاط 
العربي. لماذا حاول اسكنر تدريب الحمام لتوجيه القنابل في الحرب العالمية الثانية وم يحاول علماء 
النفس العرب تدريب الحمام أو الصقور لتوجيه القنابل للأعداء؟ ولماذا اكتفى العرب بتدريب 
الصقور والجوارح للصيد وم يتم استخدامها في أهداف أكثر استراتيجية؟ ورماذا حاول اسكنر بتطوير 


"مخالب" للحمام رمز السلام ولم يحاول علماء 


03 


النفس العرب توظيف "مخالب" الجوارح الحادة؟ هل بمقدورنا الآن أن نعي الدرس وأن 
نفهم عمليات "التحكم بالجملة" في محاولة علماء النفس في الغرب وعمليات "التحكم بالقطاعي" في 
محاولة علماء النفس في العام العربي؟ 

إن مشروع "الحمام في مشروع البجع" هو مشروع عن الخيال السيكولوجي في سنوات 
الحرب العالمية الثانية. وقبل عدة أعوام من هذا المشروع كتب اسكنر عن الصورة اليوتوبية 
للمجتمع المصمم أو المهندس بواسطة تكنولوجيا السلوك. وربما يعلل بعض المعالجين النفسيين بأن 
اسكنر يعاني من عملية رفض شخصي ومن ثم انسحب للعام الخيالي الذي يكون فيه كل شيء يسير 
وفقا لعملية تخطيطية وليس به إحباطات. ولكن هناك تفسير آخر يمكن أن يكون معقولا كما يعبر 
اسكنر. أن قطعة الخيال العلمي هي إعلان للثقة في تكنولوجيا السلوك. يمكن أن تعبر عنها بأنها 
فكرة جنونية» ولكنها واحدة من الأفكار التي لم يشك اسكنر في عملية الإيمان بها. 

علماء النفس ومكتب الخدمات الاستراتيجية في أمريكا 

تم تأسيس مكتب الخدمات الاستراتيجية عام 1941 كوكالة للحرب بواسطة رئيس الولايات 
المتحدة الأمريكية ومجلس الشيوخ وذلك للواجهة الاحتياجات الخاصة للحرب. ويعتبر المكتب الأول 
من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة. وتحول هذا المكتب فيما بعد عام 1947 لوكالة المخابرات 
المركزية. ومن مهام المكتب القيام بالأبحاث في داخل الولايات المتحدة وخارجهاء ووضع شبكة من 
العملاء لجمع وتحليل المعلومات عن نشاط أعداء الأمة. والتخطيط والقيام بعمليات تدميرية 
بالنسبة للأعداء. وتدريب مجموعات المقاومة» ومن مهامه أيضا استخدام الراديو والبيانات» ووسائل 
أخرى لرفع الروح المعنوية للقوات السرية وخفض الروح ال معنوية للعدو. ويختار مكتب الخدمات 
الاستراتيجية في السنة الأولى أفراده من غير تطبيق عمليات نظامية في الاختيارء ولكن استلهم بما كان 
يطبق في بريطانيا. وتم خلق أول وحدة للقياس السيكولوجي بالمكتب والتي أصبحت حقيقة عام 
3. وشمل علماء النفس 


14 


الذين عملوا في هذه الوحدة دونالد فيسكي, وهنري مورايء وروبرت ترايون الذي يعتبر 
أول من أدرك الدور الذي يمكن أن يقوم به علماء النفس في مكتب الخدمات الاستراتيجية أو بلغة 
أدقء في مجال المخابرات. 

وكان الهدف الرئيسي لمكتب الخدمات الاستراتيجية هو تطوير إجراءات لكشف شخصيات 
المختارين في المكتب ولتوفير أرضية كافية وثابتة للتنبؤ بفائدتهم بالنسبة للمنظمة. وإيعاد هؤلاء 
الذين لا يتناسبون مع العمل. وقام علماء النفس با مكتب بتقييم حوالي 300 فرد كل شهر. وكان من 
بين 5500 من الأفراد الذين تتم عملية تقييمهم 9020 منهم لم يوصى بقيامهم بأي واجبات في 
الخارج: و9620 م يرسلوا للخارج لأسباب أخرى. وقضى معظم ال مختارين لهذا البرنامج بين شهر و3 
شهور في مدرسة مكتب الخدمات الاستراتيجية. ويقوم منهج التقييم السيكولوجي على مبادئ كلية, 
ترتبط بتصميم مهمات مختلفة لاختبار فاعلية الفرد في أداء وظائف مشابهة وفي نفس المستوى 
التكاملي وتحت ظروف مشابهة يتطلب القيام بها في الميدان (موراي وماكنون. 1946). وتم نمذجة 
هذا المنهج بعد تطوير إجراءات اختيار الضباط التي قام بها ماكس سيمويت بالنسبة للحربية 
الألمانية وتم نقله وتبنيه بواسطة البريطانيين. وطبقت بالمكتب كذلك اختبارات الذكاء المقننة, 
والقدرات الميكانيكية» بالإضافة للأدوات الإسقاطية مثل اختبار رورشاخ واختبار تفهم الموضوع. 

ويجمع الأفراد الذين يراد تقييمهم في مناطق ريفية وكانوا يعيشون في منازل مريحة تتح 
للزملاء والموظفين فرصة للتفاعل الاجتماعي. وعموما يتميز الجو العام في هذه المنازل بالاسترخاء 
وعدم الرسمية. وتتم عملية التقييم في أربعة أيام ونصف يقوم فيها الفرد بمهمات تشمل التخطيط 
السريع: وتوازن العضلات بواسطة آلات ومن غير آلات» وتوازن الأفكار والكلمات. ومجموعة من 
المهمات الأخرى التي تتطلب أن تنفذ بواسطة التعاون مع الآخرين (موراي وماكنون, 1946). مثلاء 
يجب أن يتعاون المرشح لتحريك جذع شجرة فوق حائطينء وكيف يعبر شارع ملغوم, أو يفتش غرفة 


لعميل في ا مناطق ال محتلة بواسطة العدو. وبصورة فردية يطلب من كل فرد أن يؤدي مهمة 


75 


بنائية تحت حالة منهكة. وتحمل مقابلة ضاغطة. وإظهار مهارات امراقبة والمتابعة. ولعب دور في 
موقف سيكودراميء وإكمال استبيان سوسيوميتريء وكتابة مخطط أو صورة لشخصية تشير في ماذا 
يفكرون في زملائهم. بالإضافة لذلك كانت تؤخذ معلومات مفصلة عن التاريخ الشخصي- لكل فرد. 
واعتمادا على المعلومات المجموعة: يقيم المرشح على المتغيرات التالية: الدافعية للمهمات. والطاقة 
والحماسء والذكاء العمايء والتوازن الانفعالي» والعلاقات الاجتماعية» والقدرة القيادية, والأمن 
(المحافظة على الأسرار)ء والقدرات الجسميةء ومهارات الدعاية. 
قام الجنرال دوفان بتبني فكرة من علماء النفس البريطانيين الذين طوروا برنامج قياسي للتنبؤ 
بأداء ضباط الجيش. ويعتقد بأن هذا البرنامج يصلح كذلك للتطبيق في مكتب الخدمات الاستراتيجية 
بالنسبة للمجندين للتدريب. كما قام دوفان كذلك باستدعاء بروفسر هنري موراي من جامعة 
هارفارد وذلك لتصميم نظام للقياس السيكولوجي بالنسبة للأمريكان. وكتب موراي عام 1938 كتابه 
الشهير "اكتشافات في الشخصية" والذي وضح فيه كيفية قياس شخصية الأفراد ووصف فيه عددا من 
بطاريات الشخصية (ماركسء 1979). واشتهر موراي بنظرية الحاجات والضغوط كما وضع لأول مرة 
مفهوم "علم الشخصية" ليشير إلى محاولاته في تقنين الشخصية. والنهوض بالدراسات فيها على أسس 
علمية. وهو الذي وضع كذلك "اختبار تفهم الموضوع" عام 1943. وكان موراي رئيسيا للعيادة 
النفسية في جامعة هارفارد واسهم في تأسيس جمعية التحليل النفسي في بوسطن. كما ترأس قسم 
تقييم الرجال الملحق بمكتب الخدمات الاستراتيجية خلال الحرب العالية الثانية ونشر ‏ بحوثه أثناء 
رئاسته تحت عنوان "تقويم الرجال" عام 1948. ورغم قلة مؤلفاته إلا أن تأثيره على تلاميذه 
ومساعديه كان تأثيرا كبيرا (الحفني» بلا تاريخ). وعموما كانت لأبحاث موراي تطبيقات خطيرة في 
عاط التجسس. 
تم وضع نظام للتقييم يجمع بين الممنهج البريطاني والأ ماني ومنهج موراي. ويقيس هذا 


النظام قدرة ال مرشح على الوقوف ضد الضغوطء وبأن يكون قائداء ويكذب 


176 


بمهارة» ويقيس شخصية الفرد من خلال ملابسه. وظل موراي بعد أكثر من 30 سنة بعد 
الحرب متواضعا في ادعائاته في نظام القياس الذي طوره ويقول بأن نظامه هو عامل مساعد فقط في 
عملية اختيار المرشحين. وخلافا لذلك القول يعتقد قادة المخابرات في نتائج المقياس. وتبعا لذلك 
اصبح نظام موراي ثابتا في مكتب الخدمات الاستراتيجية لقياس العملاء الأمريكان والأجانب على 
السواء. وكما أصبح النظام معلما بارزا في علم النفس الأمريي. وذلك لأنه يعتبر أول مجهود منظم 
لتقييم شخصية الفرد للتنبؤ بمستقبل سلوكه. وبعد سنوات الحرب أصبح تقييم وقياس الشخصية 
مجالا جديدا في علم النفس وقام مساعدو موراي ببناء مقاييس أخرى. وقاموا كذلك بتأسيس برامج 
في الجامعات بدءا من جامعة كاليفورنيا في بيركلي. وعموما كان مكتب الخدمات الاستراتيجية مبادرا 
وداعما للأبحاث وفي تطور علم النفس نظرية وتطبيقا وينطبق ذلك القول على كل الجهود البحثية 
التي قامت بها وكالة المخابرات الأمريكية في مجال التحكم في العقل (ماركس 1979). 

وكان عام النفس جون جتنقر من أوكلوهوما خليفة لهنري موراي في سنوات ما بعد الحرب 
والذي برز في المخابرات الأمريكية من خلال قوة أفكاره عن إمكانية تطوير علم صلب لتقييم 
الشخصية وكيف يمكن استخدام ذلك العلم في التحكم في الأفراد. وقام جتنقر بتأسيس مكتب في 
وكالة المخابرات الأمريكية لتنقيح نظام موراي لقياس الشخصية. واصبح منهج جتنقر جزءا أساسيا في 
عمليات وكالة المخابرات اليومية. وأصبح مجموعة من علماء النفس الذين ارتبطوا بمكتب الخدمات 
الاستراتيجية والذي تطور فيما بعد للمخابرات المركزية الأمريكية شخصيات أساسية في تطور علم 
النفس ما بعد سنوات الحرب. وكان ادوارد تولمات عضوا في مكتب الخدمات الاستراتيجية وكذلك 
بعض رواد علم النفس الاجتماعي أمثال ديفيد كريشء واجيرتون بالاثي» وثيودور نيوكومب والذين 


لعبوا دورا كبيرا في تطور علم النفس المعرفي الاجتماعي التجريبي بعد الحرب. 


7 


علم النفس والحرب الباردة 

أعاد الغرب النظر في استراتيجيات الحرب الساخنة وخطط لاستراتيجية جديدة تهتم بالعامل 
السيكولوجي وبذلك يمكن القول بأن الحرب الفعلية اليوم هي حرب سيكولوجية (شبلي, 1973). 
وهي خلافا عن الحرب التقليدية أو حرب القتال . ومن أمريكاء يعتقد روزفلت, مثلاء أن الحرب 
العالية الثانية هي مقياس حقيقي لمعركة العلم والتنظيم ؛ وتكمن الفكرة في حشد وتحريك العلم 
لخدمة الدفاع (ماركسء 1979) . ومن بريطانياء يقول تشرشل "كثيرا ما غيرت الحرب النفسية وجه 
التاريخ" . ومن فرنساء يؤكد ديجول "لكي تنتصر دولة ما في حرب فإن عليها أن تشن الحرب النفسية 
قبل أن تتحرك قواتها إلى ميادين القتال" . ومن أطانياء يضيف روميل "أن القائد الناجح هو الذي 
يسيطر على عقول أعدائه قبل أبدانهم" . وتبعا لذلك فقد استخدمت مصطلحات وتقنيات كثيرة 
للحرب النفسية منها حرب الأعصابء حرب ال معنويات» حرب الأفكار. حرب الارادات» حرب الدعاية, 
الحرب الباردة. حرب الإشاعات. غسيل الدماغ أو غسيل ال مخ. حرب الدهاء. الحرب بلا قتال. والحرب 
السيكولوجية (نوفل. 1989) . إن روزفلتء. وتشرشلء وديجولء وروميل كانوا آلهة للحرب يدكون 
المدن بلا رحمة والدول بلا شفقة بحيث لا تبقي ولا تذر وهم قد انتبهوا جميعا إلى أهمية الحرب 
النفسية. وتبعا لذلك أهمية علم النفس في التخطيط الاستراتيجي الحربي . إن الأدلة القوية تثبت بلا 
ريب أن علم النفس قد تم التكهن له بأنه سوف يؤدي لانتصارات لصالح القوى العظمى . 

في عام 1951 أنشأ الرئيس الأمريي "هيئة للاستراتيجية النفسية" من أجل تقديم المشورة 
مجلس الأمن القومي. وفي عام 1953 كان هناك مستشار شخصي في الحرب النفسية يعمل في البيت 
الأبيض لمعاونة الرئيس آيزنهاور. إن الدرجة التي بلغها التعاون بين كل من الدعاية والحرب النفسية 
من جانب والسياسة الأمريكية في أعلى المستويات» إن هذه الدرجة يعكسها اعتقاد آيزنهاور الذي 
تعبر عنه كلماته حيث يقول "إننا نخوض الآن حربا باردة. ولا بد لهذه الحرب الباردة من هدف ماء 


وإلا لكانت بلا 


78 


معنى. إننا نخوضها ونقودها على أساس الاعتقاد بأنه إذا م تكن هناك حربء وإذا سمح 
لنظامين مختلفين من الحكومات أن يعيشا جنبا إلى جنب فإن نظامنا نحن هو من سيفوز في المدى 
الطويل لأنه صاحب الجاذبية الأعظم للناس في كل مكان وللبشرية كلها؛ وإن نظامنا نحن هو من 
سينزل الهزيمة بكل أنواع الحكومات الديكتاتورية لأنه صاحب الجاذبية الأعظم للنفس الإنسانية 
وللقلب الإنساني وللعقل الإنساني" (أنظر تايلورء 2000). 

ولعبت الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي كأهم رمز للحرب النفسية أو 
السيكولوجية دورا كبيرا في تطور أبحاث علم النفس . وتأسست "جمعية البيئة الإنسانية" في أمريكا 
لدعم أبحاث علم النفسء و تتبع هذه الجمعية مباشرة للمخابرات الأمريكية وهي تقدم دعما ماليا 
كبيرا لأبحاث علم النفس لخدمة المخابرات وكانت المظلة لتقديم هذا الدعم وتحديد علماء النفس 
هي الرابطة النفسية الأمريكية (ماركس, 1979) . وهنا يمكن أن نقف قليلا في طبيعة العلاقة بين 
"الرابطة النفسية الأمريكية" و"المخابرات الأمريكية". 

وبوسعنا القول في هذا الجزء من الدراسة بأن علم النفس في حقيقته قد تطور جزء كبير 
منه بواسطة ال مخابرات . فأن هذا التطور قد لعب دورا كبيرا في الحرب الباردة وربما تطرح المسألة 
بصورة معكوسة بأن الحرب الباردة هي التي ساعدت على تطور علم النفس. ربما يصعب علينا 
تحديد أيهما السبب ؟ وأيهما العرض ؟ فهناك تواصل متدرج بين دور الإمبراطوريات الغربية في 
تطبيقات علم النفس واستمرار دور الإمبريالية في هذه التطبيقات بعد الاستقلال . سوف أنتقي في 
الجزء اللاحق من الدراسة بعض أهم محاولات التطبيقات "المخابراتية" لعلم النفس ومحاولة كشف 
جزء من الحجاب لهذا الجانب الاستراتيجي وخاصة في العلاقات الأمريكية السوفيتية. 

عقد في موسكو عام 1931 المؤتمر الدولي السابع لعلم النفس التطبيقي (علم النفس 
التقني). وكان ذلك فرصة للمندوبين الغربيين للإعجاب ببعض المنجزات المهمة في مجال علم النفس 


الفارقء مثل مصلحة الانتقاء المهنى للسكك الحديدية, حيث المختير 


79 


المركزي الذي يحتوي على مجموعة من الأطباء وعلماء النفس التقنيين والإحصائيين 
وا مستخدمين (روكلن, 1983) . ومنذ الحرب العاطية الثانية كان هناك اهتمام كبير من قبل علماء 
النفس الأمريكان بمتابعة تطور علم النفس في الاتحاد السوفيتي . وقام عشرة من هؤلاء العلماء 
بزيارة للاتحاد السوفيتي في صيف 1960 تحت دعم كامل من جمعية البيئة الإنسانية. وكان هدف 
الزيارة كما يقول بوي هو تعزيز التواصل بين علماء النفس في البلدين (بوير. 1962). وم يكن 
لدى تسعة من هؤلاء العلماء فكرة عن علاقة تلك الرحلة بالمخابرات . كما دعمت الجمعية مؤتمرا 
وكتابا عن "بعض الآراء عن علم النفس السوفيتي" الذي نشرته الرابطة النفسية الأمريكية عام 1962 
وقام كل واحد من أولئك العلماء العشرة بكتابة باب عن أحد المجالات في علم النفس (ماركسء. 
79) . 

وشكر علماء النفس الأمريكان الذين قاموا بزيارة الاتحاد السوفيتي جمعية البيئة الإنسانية 
التي وفرت لهم الدعم السخي. وتبعا لقول بوير فأن هدف زيارة علماء النفس الأمريكان للاتحاد 
السوفيتي هو" تعزيز التواصل بين علماء النفس في البلدين" ولكن يبدو أن الأجندة الخفية لهذه 
الزيارة تتمثل في تفكير استراتيجي أمريكي ببداية الحرب الباردة لأنها أكثر مناسبة لروح العصر. وربما 
يكون من ضمن الأجندة تجنيد عملاء من علماء النفس السوفيت لكي يساعدوا علماء النفس 
الأمريكان في عرض الأبحاث النفسية المتقدمة خاصة في مجال تقنيات التحكم في السلوك والتفكير 
التي طورها السوفيت والذكاء العملي وعلم نفس الفضاء وعلم النفس النيورولوجي فضلا عن 
جوانب أخرى خفية. 

بعد هذه الزيارة المكشوفة المستورة في نفس الوقت ظهرت مجموعة كبيرة من المقالات 
والكتب الخاصة بعرض ودراسة علم النفس السوفيتي أو علم النفس في السوفيت خلال الخمسينات 
والستينات . وحدث توثيق أمريكي دقيق لكل أبحاث علم النفس السوفيتي والكيفية التي يتم بها 
فهم سلوك حل المشكلاتء, والصحة العقلية: وتطبيقات علم النفس في الصناعة وطرق التنشتة, 
وعمل علماء النفس الأمريكان بذلك على فهم نقاط القوة والضعف في البناء النفسي للأفراد 


والجماعات والدولة في الاتحاد السوفيتي . 


50 


ومن المسوح الشاملة التي تمت لعلم النفس مثلا : علم النفس الروسي المعاصر (رازران» 
2»27 وعلم النفس السوفيتي وفسيولوجيا النفس (رازران» 1959)» وعلم النفس السوفيتيء» (وينء 
21 وعلم النفس في الاتحاد السوفيتي (سايمونء 1957). والعلاج النفسي في السوفيت (وينء 
1 ب). وبعض وجهات النظر عن علم النفس السوفيتي (بويرء 1962)» وبعض الأبحاث السوفيتية 
في التفكير وحل المشكلات (ريتمان. 1962). و الدراسات السوفيتية لنمو الشخصية والتنشئة 
الاجتماعية (برونفينبرينر. 1962): والبحث والعمل الإكلينيي وسط الأطفال (براكبيل. 1962)» 
وملاحظات حول علم النفس التربوي والصناعي في الاتحاد السوفيتي (فليشمانء. 1962). وجوانب 
حول علم النفس وفسيولوجيا النفس في الاتحاد السوفيتي (ميلر وبفافمان. واسكلسبيرج. 1962)» 
والحياة السوفيتية وعلم النفس السوفيتي (ريتمانء ميرفي وميرفيء 1962). 

وبعد هذه المسوح الدقيقة لعلم النفس تولت وكالة ال مخابرات الأمريكية حملة ضد الاتحاد 
السوفيتي. لقد أشركت رجال الأعمال. والصحافة الأمريكية في أعمال التجسس. وأسست إذاعات 
موجهة إلى الشعوب السوفيتية. وكلفت 170 جامعة ومركز بحث في أمريكا وحدها لدراسة أحوال 
الاتحاد السوفيتي. وفي عهد الرئيس الأمريكي ريغان الذي هاجم "إمبراطورية الشيطان" خططت 
وكالة المخابرات المركزية لمحاصرة الاتحاد السوفيتي اقتصاديا وتكنولوجيا. وراحت تحرك أكثر من 
أربعة آلاف مركز تنصتء موزعة على قواعد برية وغواصات وطائرات» وسفن بحرية. تقع تحت 
سيطرة وكالة الأمن القومي الأمريكية. 

أما الهدف من ذلك فهو تدمير الاتحاد السوفيتي من الداخل والخارج» وشن حرب لا هوادة 
فيها ضده. وم تعمل وكالة المخابرات المركزية وحدها بل جندت معها مخابرات غربية بلمجابهة 
الاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة. تم تجنيد عملاء في كندا وسويسرا والمكسيك وكولومبيا ونيبال 
وغيرها. وشاركت فرنسا في أعمال استخبارية وكذلك المخابرات الإنجليزية الأخطر والأحذق في العاط. 
كما تحركت المخابرات الأمانية الغربية فرصدت ال مواطنين السوفيت المقيمين في أمانيا. وبرزت أنشطة 


تركية 


51 


وسويسرية وإيطالية على الأراضي السوفيتية. أما أقوى أنواع التعاون دار بين الموساد 
وامخابرات الأمريكية (شيرونين. 1998). 

وفي ظل الحرب الباردة لتدمير الاتحاد السوفيتي أصبحت الدعاية استمرارا للسياسة بوسائل 
أخرى (تايلورء 2000): فخلقت الحركة السوفيتية نوعا من الهستيريا في عام السينماء الأمريكية. 
وامتلأت صورة الصحافة الأمريكية والتلفزيون بالجواسيس السوفيت والعناصر الهدامة من 
الأمريكيينء واستغلت هوليود بدورها هذا المزاج الهستيري بأفلام من نوع "امرأة على الرصيفء الرقم 
3 وكان اسمه في الأصل "تزوجت شيوعيا". بل ظهر فيلم من نوع الخيال العلمي يدعى "وهم"! 
الذي دار حول نمل "أحمر" وهو اللون ذو المغزى المهم والموحي يطير فيستقر في شبكة الصرف 
الصحي لمدينة لوس أنجلوس ويستولي عليها. وحينما قام الروس بتجربة أول قنبلة نووية ذرية عام 
9 اتخذ التهديد أبعادا وبائية في وسائل الإعلام الجماهيرية. خاصة مع انتشار الاعتقاد بأن السر 
النووي قد سرقه الجواسيس من أمريكا. 

بدأت الدراسات الأكاديمية, على حسب قول بلاك وموريس (1992). تهتم بما عرف أنه 
"الحلقة المفقودة" التي بدونها لا يمكن فهم السياسة ولا الحرب ولا الدبلوماسية ولا العلاقات 
الدولية بشكل صحيح. وكانت الولايات المتحدة الرائدة في هذا المجال» وذلك على الرغم من انفتاحها 
الواضح في موضوع الاستخبارات. وفي السنوات الأخيرة تزايدت المؤتمرات الدولية والندوات والنشررات 
مثل بيروقراطيات الاستخبارات والأمن. إن نهاية الحرب الباردة مع انهيار الاتحاد السوفيتي قد 
عكست نفسها على عاط المخابرات وذلك في جميع الدول دون استثناء حيث لم يعد هناك كتلتين 
متصارعتين وخطا يفصل بشكل واضح بين من هو صديق ومن هو عدو. لكن في الوقت ذاته م تتغير 
المهام الأساسية للجواسيس وذلك منذ القدم وحتى لم تختلف عن المبادئ الواردة في الكتاب الصيني 
القديم "فن الحرب". 

ذكرت صحيفة "لارازون" الأسبانية (2000) عن تنظيم مدريد لمؤتمر عالمي عن الجاسوسية 


في القرن الواحد والعشرين والذي نظمه المعهد الأسباني العالي لمعلومات 


52 


الدفاع "السيسيد" حول مستقبل الخدمات السرية التي تقدمها أجهزة الاستخبارات بعد 
الحرب الباردة تحت شعار "ضرورات استخباراتية في إطار سياسيات أمنية جديدة. واجتمع في يوليو 
من عام 2000 أثناء عشر مسؤولا كبيرا ينتمون إلى أجهزة الاستخبارات الغربية الرئيسية. ولكن رفض 
البعض المشاركة بحجة أن المسؤولين ممنوعين من الظهور العلني إما بسبب القانون في بعض الدول 
وإما بحكم العادة بالنسبة لدول أخرى. وكانت هناك ثلاثة أهداف للمؤتمر نالت موافقة أجهزة 
الاستخبارات المشاركة وهي تسهيل تبادل الأفكار ووجهات النظر والخبرات فيما بين أعضاء أجهزة 
الخدمات السررية والمؤسسات العامة وممثلي الأوساط الأكادمية والاستشارية ووسائل الإعلام 
والاتصال بهدف إعطاء صور إجمالية دا سيكون عليه وضع هذه الأجهزة في القرن الجديد. 

وأشارت مصادر "السيسيد" إلى أن هدف اللقاء هو تحليل التهديدات الجديدة الناشئة 
حديثا على الصعيد العالمي إثر سقوط الاتحاد السوفيتي وتحليل كيفية تأثير الرأي العام في إعطاء 
شرعية اجتماعية وسياسية للمنظمات الاستخباراتية أو يحرمها هذه الشرعية. ويجمع المسؤولون على 
اعتبار الإرهاب هو التهديد الرئيسي على الصعيد الداخلي لأي من الدول كما تشير بذلك إلى عواقبه 
الأولى المتمثلة بحالة عدم الاستقرار التي يولدها. وإن ما اصطلح علي تسميته "القنبلة الذرية في 
البلدان الفقيرة" تحتل منذ حرب الخليج المكانة المفضلة لدى الولايات المتحدة الأمريكية حيث 
تحققت من وجهة نظرها معادلة الجمع ما بين الإرهاب وإمكانية إنتاج الأسلحة الكيميائية 
والجرثومية الخطيرة مثل غاز "انثراكس" الذي ممكن له أم يبيد ملايين البشر خلال بضعة أسابيع. 
وناقش اللؤتمر مستقبل الجاسوسية في ظل العوطة وجواسيس اليوم يبحثون في ال مشاريع الاقتصادية 
والاستراتيجية ومفاتيح عصابات المافيا أو يبحثون عن أفضل الأنظمة التقنية لوضع يدهم على إرهابي 
ا معلومات والقرصنة الإلكترونية. 

وتوضح الملاحظة الدقيقة تزامن مصطلحات : تشكيل الدماغ, والإنسان الجديد. والقاتل 
المبرمج: والحرمان الحسي- والعزلة الحسية. وسيكولوجيا الاستجواب. وسيكولوجيا الإقناع, 


وسيكولوجيا التعذيب في هذه الفترة من مسوح غلم النفس 


583 


السوفيتي وبداية الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي . ويتوقع لعلم النفس أن 
يلعب دورا كبيرا في فهم سيكولوجيا القيادة السوفيتية. وفهم كيفية صنع القرار السوفيتي. وفهم 
البناء النفسي للروح الجماعية» وذلك إيذانا ببداية الحرب الباردة أو الحرب النفسية بدلا من الحرب 
التقليدية أو حرب الاقتتال أو الحرب النووية أو البيولوجية أو الكيمائية . إن واحدا من أبرز رموز 
الحرب الباردة هو اقترانها السري أو المبهم بأجهزة المخابرات الأمريكية (سي آي آي): والسوفيتية (ي 
جي بي). والبريطانية (أم آي 5) و(أم آي 6)» والإسرائيلية (الشين بيت)» و(أمان) و(الموساد). فالسؤال 
المركزي كيف يا ترى توظف أو تطبق أجهزة المخابرات مفاهيم ونظريات ومناهج علم النفس في 
العمليات المستورة؟ 


54 


الفصل الثالث 


تطبيقات علم النفس في المخابرات الأمريكية 


علم النفس والمخابرات الأمريكية 


وقع الرئيس روزفلت في عام 1941 أمرا يقضي بجمع المعلومات الاستخبارية من الخارج وكلف 
المحامي ويليام دونوفان وال ملقب بسبب حماسه العارم ب "المخلب الكاسر" بتنسيق هذه النشاطات. 
وبعد 11 شهرا تم على هذا الأساس إحداث إدارة الخدمات الاستراتيجية التي تضاعف عدد موظفيها 
بسرعة وبلغ أثناء الحرب 13 ألف إنسان. ولقد حلت الإدارة مع نهاية الحرب. وأسس ترومان مكتب 
الأمن القومي الذي كان من بين عناصره وزير الخارجية» ووزير البحرية والممثل الشخصي- للرئيس. 
كما ألحق بالمكتب جماعات الاستخبارات المركزية التي كانت تقوم بإعداد تقارير إضافية بالإضافة 
إلى تقيبمات للوضع الدولي. وبموجب أمر مجلس الأمن في 14 كانون الثاني 1947 تحتم على الهيئة 
الجديدة ممارسة "الحرب النفسية" أي ممارسة الدعاية بما في ذلك استخدام المطبوعات المغفلة من 
التواقيع المزورة» والنشاطات السياسية مع استدراج المتمردين ودعم الأحزاب السياسية: والأساليب 
شبه العسكرية بما في ذلك مساعدة العصاه والتخريب والأعمال الاقتصادية المرتبطة بالعمليات 
المالية (أنظر مجموعة من المؤلفين. 1990). 


أما مكتب الاستخبارات والتحقيق التابع لوزارة الخارجية والذي له علاقة وثيقة 


55 


جدا مع وكالة الاستخبارات المركزية فيجمع ال معلومات السياسية والعسكرية والعلمية 
التقنية بصورة علنية ويحضر الوثائق السياسية. يهتم مكتب التحقيق الفدرالي الذي أنشأه روزوفلت 
منذ عام 1908 بضمان الأمن الداخلي وبالصراع مع الجاسوسية وبإعداد المناوئين الأجانب الموجودين 
في الولايات المتحدة الأمريكية بهدف الحصول على معلومات استخبارية منهم. وتنتشر دوائر مكتب 
التحقيق الفدرالي غير المركزية في 59 مدينة من مدن الولايات المتحدة الأمريكية. عدا ذلك يوجد 
لدى مكتب التحقيق الفيدرالي أكثر من 500 فرع محلي و16 مفوضية في الخارج. وهناك ملايين من 
سكان الولايات المتحدة ومن سكان العديد من البلدان الأخرى الذي أدرجت اسماؤهم في سجلات 
مكتب التحقيق الفدرالي. 

ويشمل التجمع المخابرات في أمريكا عدة وكالات ومكاتب وإدارات ودوائر وفروع من بينها 
"وكالة الاستخبارات المركزية"”. و"وكالة الأمن القومي. و"إدارة المخابرات التابعة لوزارة الدفاع", 
و"مكتب التحقيقات الفدرالي". و"مكتب الاستخبارات والتحقيق التابع لوزارة الخارجية". و"إدارة 
المخابرات القومية الجوية". و"فروع المخابرات التابعة لوزارت المالية والطاقة". و"دوائر المخابرات 
التابعة لوزارات الجيشء والقوى الجويةء والقوى البحريةء وفيلق مشاة البحرية. ويضم التجمع 
كذلك قوات البنتاغون الخاصة مما في ذلك "الكوماندوس". ووحدات مكافحة انتشار تعاطي 
المخدرات وانتشار الوحدات امناوئة للإرهاب وغيرها. وطبقا لقانون الأمن القومي أوكلت مهمة 
إدارة المخابرات إلى مجلس الأمن القومي الذي يعتبر مسؤولا عن وضع السياسة الاستخبارية 
للولايات المتحدة الأمريكية. ويشمل أعضاء المجلس: الرئيسء ونائب الرئيسء ووزير الخارجية» ووزير 
الدفاع. 

ولتحقيق هذه السياسات تعلن وكالة المخابرات الأمريكية إعلاناتها بصورة مكشوفة وذلك 
للراغبين للعمل لديهاء مثلا ظهر الإعلان التالي باغرائاته المتعددة "نحن لا نقترح عليك عملا ماء بل 
نقدم لك المهنة الفريدة التي ستملأك بشعور الفخر غير العادي. هذه المهنة ذات آفاق جديدة. 


ستتجول وتعيش في الدول الأجنبية 


586 


وستتعرف على أناس من أوساط مختلفة. نحن لا نعدك بيوم عمل ممل أو روتين يومي. 
ستكون مضطرا لتذوق ال مغامرات وتكون في نفس الوقت حازما ونظاميا. المواصفات المطلوبة: القدرة 
على إقامة علاقات مع الناسء والقدرة على تعلم اللغات الأجنبية". هكذا يتم تجنيد موظفي وكالة 
المخابرات المركزية. وطبقا لتقديرات مكتب التجنيد يستجيب لهذه الإعلانات بين 200-150 ألف فرد 
سنويا. ويخضع هؤلاء الأفراد للاختبار القاسي على أجهزة كشف الكذب الذي تكون غايته الأساسية 
الكشف عن أي تردد أو رفض مهما كان نوعه في التفكير والتصرغات عند الفراد الذي يجري 
اختبارهم. فضلا عن ذلك تتم دراسة الميول والاتجاهات والعلاقات الاجتماعية. إن المهمة الأساسية 
لمديرية الكوادر هي انتقاء وتوزيع وتسريح أفراد المخابرات. وبما أن وكالة المخابرات المركزية كانت 
تنشط تحت ستار المؤسسات والمشاريع الخاصة ال مختلفة فقد كانت المخابرات تجتذب عددا كبيرا 
من الاختصاصيين ذوي المهن المختلفة بما في ذلك علماء النفس على أساس عقد لتنفيذ التوصيات. إن 
المصدر الرئيسي للكوادر هو الجامعات بما في ذلك جامعات مميزة مثل جامعة بيلء وهارفارد, 
والمعاهد أيضا مثل معهد كاليفورنياء وماساشوسيتس التقاني وبعض الكليات. 

أحيانا تعلن وكالة المخابرات الأمريكية في نشرة "مونتار" التي تصدرها الرابطة النفسية 
الأمريكية عن وجود أماكن شاغرة كاملة الدوام بالنسبة لعلماء النفس في مكتبها للخدمات الطبية. 
ويتعلق عمل عام النفس الذي يتم ترشيحه بمجالات واسعة منها الغربلة. والتقييم والاختبار 
والاستشارة والتدخل في حالة الأزمات وعمل التدريبات. ويجب أن يكون مقدم الطلب حاملا 
لشهادة الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي أو علم النفس الإرشادي من برامج معترف به من قبل 
الرابطة النفسية الأمريكية مع ثلاث سنوات من الخبرة في برنامج ما فوق الدكتوراه (زمالة) في مجال 
تطبيقي. وأن تكون لعام النفس رخصة مهنية أو قابل للترخيص. ويجب أن يكون مقدم الطلب على 
استعداد كامل لقبول أداء المهمات المختلفة. وهناك ضرورة للخبرة في مجال القياس النفسي والمقابلة 


التشخيصية والاستشارة الإدارية . ويحب أن تكون 


57 


للمرشحين الناجحين القدرة على العمل في بيئة ذات دراسات بينية مع التفاعل المستمر 
والفعال في مستويات الإدارة ولهم في نفس الوقت مهارات ممتازة في كتابة التقارير والاتصال 
الشفاهيء بالإضافة لذلك يكون لديهم اهتمام في علم نفس إدارة شئون الأفراد وعلم النفس 
التنظيمي. ويجب أن يجتاز المرشح الكشف الطبي والعمليات الأمنية بنجاح. وستكون الرواتب 
مغرية ومتكافئة مع فرص التدريب وسوف تكون هذه الوظائف في منطقة واشنطون دي سي. وعلى 
المتقدمين إرسال نسخة من السيرة الذاتية وخطاب يوضح اهتماماتهم ذات الصلة حسب العنوان 
التالي: مكتب شئون الأفراد. مكتب الخدمات الطبية» وكالة المخابرات الأمريكية. واشنطون دي س. 
5 الولايات المتحدة الأمريكية (أنظر نشرة مونتار. 1997). 

يجب أن يجتاز أولئك الأفراد الذين قبلوا للعمل في وكالة المخابرات المركزية فترة اختبار 
مدتها 3 سنوات. ويجري إعدادهم في المدرسة التدريبية كامب-بيري. ويقع هذا المركز التدريبي 
المسمي ب "المزرعة" على بعد 15 دقيقة من وليام زبيرغ في الطريق المؤدي إلى ريتشموند. ويقع هذا 
المعسكر في غابة كثيفة محاط بسور معدني وبلوحات صغيرة كتب عليها "أرض حكومية محجوزة 
والدخول ممنوع للغرباء". وترفض حتى وكالة المخابرات المركزية وجود مركز تدريبي ولكن في 
المراجع وردت كلمة "المزرعة" تحت اسم "مركز التدريب التجريبي للقوات المسلحة". ويوجه 
الاهتمام الأساسي أثناء سير التدريب للإعداد لتنفيذ أشكال مختلفة من العمليات المخابراتية السرية 
في الخارج. كما تعطى دروس تطبيقية حول كيفية جمع كل أنواع الأخبار الإعلامية والتقارير الفعالة 
التي ترسل عن طريق المقرات الفرعية إلى امقر العام لوكالة ا مخابرات الأمريكية. وكذلك دروس في 
تحليل المواقف المفاحتة والمعلومات المجموعة. ويخصص لكل طالب مستشار من الهيئة التدريسية 
الذي تم تكليفه بإجراء محادثات منتظمة مع طالبه في قضايا مختلفة ذات طبيعة شخصية, 
وتعليمية وسياسية. كما يوجه اهتمام كبير لإتقان أساليب ضمان أمن العميل وطرق الدفاع عنه أثناء 
الحجز أو الاعتقال كما تدرس أيضا الوسائل التقنية الفعالة وأساليب اختيار واستخدام المخابئ 


والاتصالات اللاسلكية 


56 


والكتابة السرية. وتنص وصية الكتاب المقدس المدونة على واجهة مبنى اللينغلي "أدركوا 
الحقيقة, لأن الحقيقة تجعلكم أحرارا" (مجموعة مؤلفين. 1990). 

ونفذت الاستخبارات الأمريكية عملية تجنيد كثيفة للعملاء في منطقة الشرق الأوسط خلال 
عامي 2000-1999. وقال جون ماكلافين» نائب رئيس الوكالة أن 625؟ من مصادر الوكالة عن 
الإرهاب هي مصادر محلية في الشرق الأوسط. وذكرت مصادر "جانيس انتلجنس دايجسيت" 
ا متخصصة في الشؤون الدفاعية أن خبراء اف بي آي ومحلليها يعملون حاليا داخل مركز خاص 
للعمليات وا معلومات الاستراتيجية على مدار الساعة قرب ملصق كبير لأسامة بن لادن مكتوب عليه 
"وجه الشيطان" . ويقع هذا المركز داخل مقر الوكالة وممنوع دخوله إلا من قبل أشخاص معينين 
وبموجب تصاريح خاصة. وقد انشأ عام 1998 على شكل رواق ضيق تبلغ مساحته 40 ألف قدم 
مربعة. وهو مجهز بكمبيوترات سريعة جداء وشاشات عرض للؤتمرات الفيديو تغطي العام كله. 
وهواتف سريعة. وبنك معلومات على شكل صور تلفزيونية تتجدد كل دقيقة (الشرق الأوسطء 
نوفمبر 2000). 

ذكرت صحيفة الواشنطون بوست الأمريكية أن حوالي 500 موظف بمكتب التحقيقات 
الفدرالي الأمريي لهم صلاحية الاطلاع على المعلومات الاستخبارية سيخضعون لاختبارات كشف 
الكذب اعتبارا من الأسبوع الأول من أبريل 2001 وذلك في أول إصلاح أمني يحدث منذ إلقاء القبض 
على الجاسوس المزعوم روبرت بي هانسن. وأضافت الصحيفة أن اللموظفين الذين يواجهون أول 
اختبارات لكشف الكذب حوالي 150 مديرا على أعلى مستوي بمقر مكتب التحقيقات الفدرالي في 
واشنطون وعملاء خصوصيين مسئولين عن مكاتب إقليمية علاوة على أي موظفين آخرين لهم 
صلاحية الاطلاع على المواد الاستخبارية الحساسة. ويتزامن هذا القرار مع طرد واشنطون إلى 50 
دبلوماسيا روسيا فيهم 4 ضباط مخابرات روس على خلفية توترات مستمرة منذ فترة طويلة حول 
الدفاع الصاروخي وانتشار الأسلحة والتجسس (الأيام, مارس 2000). الجدير بالذكر في نوفمبر 2000 


لقد أنتجت أحد الشركات الكورية ال متخصصة في 


59 


العاصمة سيول جهازا جديدا لكشف الكذب وتبلغ نسبة الدقة فيه 9082 (الأيام. نوفمبر 
2)0. 

تم تكوين مجموعة عمل بواسطة القوات الجوية تحت قيادة فريد وليامز وتسمى "قسم 
الحرب النفسية في القوات الجوية". وتقع هذه المجموعة في قاعدة ماكسويل الجوية في مونتجمري, 
الباما. وهي جزء من شبكة تحاول أن تفهم موضوع الاعترافات. وارتبطت بعض الأسماء بهذه 
المجموعة المهتمة بالتحكم في العقل مثل الكولونيل جيمس منرو والذي التحق لاحقا بالمخابرات 
الأمريكية, والبرت بيردمانء وهارولد وولف و لورنس هنكل بالإضافة لعام النفس ال مشهور با مخابرات 
الأمريكية جون جتنقر. وكان اهتمام وولف بموضوع "الضغوط" بالإضافة للعلاقة بين الإنسان والبيئة 
ولقد سمى ذلك العلم الناشئ "البيئة الإنسانية". وسأل وولف ال مخابرات الأمريكية بأن توفر له 
المعلومات الكاملة عن الاستجواب والترغيب والتي تتضمن "التهديدات, والإكراه والإجبارء والحبسء 
والحرمانء والإذلال» والتعذيب. وغسيل الدماغ, والتنويم المغناطيسيء وتكامل ذلك مع أو من غير 
وسائل كيميائية. وسوف يقوم وولف بتجميع هذه ال معلومات» ومقارنتها وفحصها وتحليلها 
واستيعابها ومن ثم سوف يجري تجارب بحثية تصمم خصيصا لتطوير تقنيات هجومية ودفاعية 
لخدمة المخابرات. وسوف تختبر بعض الأدوية السرية المفيدة وبعض الإجراءات ال مختلفة لإعاقة 
الدماغ وذلك للتأكد من التأثير الجذري على وظائف الدماغ البشري وعلى مزاج الأفراد. وعندما 
تعمل أي من التجارب على تسبب أذى محتمل للأفراد نتوقع من ال مخابرات الأمريكية أن توفر أفراد 
مناسبين ومكان مناسب لإجراء التجارب اللازمة". 

إن المعطيات حول نفقات وكالة الاستخبارات الأمريكية لتنفيذ الحرب الباردة لمم تنشر كما 
هو الحال تماما بالنسبة للنفقات على أعمالها السرية الأخرى. وتنفق الإدارة على الدعاية السوداء 
حوالي 9040 من الأموال المخصصة لوكالة المخابرات المركزية. ويجب أن يجتاز جميع الموظفين الذين 
يعملون في مديرية العمليات الاستخبارية دورة مسبقا على إدارة الحرب النفسية أما الذين يجيدون 


بحرفية القيام بالتضليل فلا بد من توافر 


590 


خصائص مميزة لهم. يجب أن يكون علماء نفس ناجحين ويتمتعون بتخيل متطور. ويعتبر 
الكذب أو التضليل أحد أهم اتجاهات نشاطات وكالة المخابرات المركزية. وأثناء التحقيق في 
نشاطات الوكالة في أواسط السبعينات اكتشفت لجنة مجلس الشيوخ أن الوكالة تسيطر بشكل كامل 
على أكثر من 200 وكالة إعلامية وصحف ومجلات ودور نشر. وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن 
0 قناة أخرى استخدمتها الوكالة في وسائل الإعلام الجماهيري في الولايات المتحدة وفي الخارج, 
وزيادة على ذلك 12 دار نشر التي قامت بنشر حوالي 1000 كتاب منها 250 باللغة الإنجليزية. 
وكانت الوكالة هي المحرض لخلق هذه الأدوات لصالح "الحرب الباردة". 

سوف يكون حديثنا في الجزء اللاحق من الدراسة مركزا حول بحث تطبيقات علم النفس 
في مجال المخابرات بواسطة وكالة المخابرات الأمريكية بصورة مباشرة وغير مباشرة. ونقصد بالمباشرة 
التطبيقات التي قام بها علماء النفس كاملي الدوام بالمخابرات الأمريكية بينما الصورة غير المباشرة 
بواسطة علماء النفس الذين وجدوا دعما من وكالة ال مخابرات عن طريق الجمعيات البحثية. وسوف 
نحاول أن نبحث عن موضوع غسيل الدماغ أو تشكيل العقول أو السلوك بواسطة التقنيات 
البافلوفية والاسكنارية. ونبحث في كيفية توظيف سيكولوجيا الجنس في المخابرات من خلال مفهوم 
"المناكحة المعلوماتية" وضحايا الحرمان الحسي. كيفية مساهمة علم النفس في مجال القياس النفسي 
خاصة نظام الباص ومقياس وكسلر للذكاء في مجال المخابرات. كما نحاول دراسة تطبيقات التنويم 
المغناطيسي والباراسيكولوجياء وتقييم العقول الخطيرة التي تهدد حياة القادة بواسطة علماء النفس. 
وما هي تطبيقات علم النفس في حرب الخليج الثانية. ويبدو أن هذه التطبيقات لا تكتمل إلا من 
خلال دراسة تقانة التجسس ودعم البحث في العلوم السلوكية عامة وعلم النفس بصورة خاصة من 
قبل المخابرات. ولأي درجة كانت تطبيقات علم النفس تراعي "الخطوط الحمراء" أو بلغة أدق. 


"الحدود الأخلاقية"؟ 


91 


غسيل الدماغ والمخابرات الأمريكية 

إن الدور الخطير لعلم النفس في الفهم والتنبؤ والتحكم في سلوك وتفكير الأفراد والجماعات هو 
الذي قاد المخابرات الأمريكية لدعم وتطوير الأبحاث النفسية ذات الصلة بموضوع الدفاع والحرب 
الباردة. خاصة غسيل الدماغ (أنظر بوير.ء 1962 ؛ بيدرمان وزيمرء 1961؛ كولينز. 1988؛ ماركس» 
9؛ وينستين. 1990) . ويعرف غسيل الدماغ بأنه كل محاولة للسيطرة على العقل البشر.ي 
وتوجيهه لغايات مرسومة بعد أن يجرد من ذخيرته ومعلوماته ومبادئه السابقة (الدباغ, 1970) . 
ويعرف كذلك بأنه عملية إعادة تشكيل أو إعادة تعليم وتحويل الإيمان أو العقيدة إلى كفر بها ثم 
الإيمان بنقيضها (نوفل, 1989). ويشرح اسكنر (1980). العام السلوي الأكثر شهرة. دور بافلوف في 
بناء هذا العلم الجديد. وإمكانية بناء أفعال منعكسة جديدة بواسطة عملية التكييف ولد من ذلك 
علما سيكولوجيا كاملا قائما على المثير والاستجابة أو على المؤثر ورد الفعل . وعلى ضوء هذا العلم 
اعتبر السلوك كله بمثابة ردود أفعال على منبهات أو مثيرات» وإن نجاح الحرب العابمية الثانية 
أعادت الثقة إلى مبادئ بافلوف ومن ثم عاد بافلوف إلى الصورة وأصبح من العلماء المفضلين . 

بدأت المخابرات الأمريكية ببعض الأبحاث ال مبدئية في مجال العقاقير بعد تكوين المخابرات 
مباشرة عام 1947. وفي صيف عام 1949 قام رئيس المخابرات العلمية بزيارة خاصة إلى غرب أوربا 
للبحث عن العمليات التي يقوم بها السوفيت أثناء الاستجواب . وكان هناك خوف بأن السوفيت 
ربما استخدموا العقاقير والتنويم المغناطيسي- بالنسبة للسجناء الأمريكيين. واستخدمت المخابرات 
الأمريكية نفس التقنية بالنسبة للاجئين والسجناء العائدين من شرق أوربا . وبدأ برنامج "العصفور 
الأزرق" التابع للمخابرات الأمريكية للتحكم في العقل عندما كان ستالين حيا في سطوته. وعندما 
كانت ذكرى هتلر حية والخوف من الحرب النووية» وعندما قام السوفيت بإخضاع معظم دول شرق 
أوربا وقام الحزب الشيوعي بالتحكم في الصينء وبدأت الحرب في كوريا . واتصف المزاج الأمريكي 


بجنون البارانويا في السياسة الخارجية والداخلية (ماركس, 


592 


79) . وقامت الأقمار الصناعية الأمريكية وأجهزة التجسس الإلكترونية بجمع كافة 
المعلومات الحربية الضرورية من كل من الاتحاد السوفيتي والصين وهما الدولتان الوحيدتان اللتان 
تشكلان تهديدا للولايات المتحدة. وفي ذات الوقت أجريت الدراسات السيكولوجية السرية عن 
ا مدمنين في أوربا والعصاميين في آسيا ويبدو ذلك كمفارقة تاريخية بالنسبة للحرب الباردة (رولنئق 
استون. 1974) . 

نشرت جريدة " أخبار ميامي" في سبتمبر 1950 مقالا كتبه ادوارد هنتر بعنوان "غسيل 
الدماغ" وهو أول استخدام لهذا المصطلح في كل اللغات وأصبح يستخدم بسرعة في الحرب الباردة . 
ويعتبر هنتر عميل أمريي في مجال الدعاية يعمل تحت مظلة الصحافة . ولقد صاغ المصطلح من 
كلمة صينية معناها "تنظيف الدماغ" وليس للكلمة أي دلالة سياسية في اللغة الصينية. ويعتقد هنتر 
أن للشيوعيين تقنية تستخدم في وضع عقل الفرد في حالة من الضباب تجعله يخطئ ويعتقد بأن ما 
هو"صحيح هو غير صحيح". وما هو "حقيقي هو خطأً” و"ما لم يحصل" قد "حصل" حتى يصبح 
الفرد في نهاية الأمر مجرد ربوط أو إنسان آلي بالنسبة للشيوعية . وهناك اعتقاد بأن التقنية 
السوفيتية السيكولوجية في مجال التحكم في العقل تعتمد اعتمادا كليا على عملية الضغط النفسي 
المكثف والكشف على نقاط الضعف ف الإنسان . ويبدو أن هناك بعض الفوارق بين النظام 
السوفيتي والصيني في عملية غسيل الدماغ ويعتمد ذلك على خصوصية الموروث الثقافي . إذ يعتمد 
السوفيت على إجراء عملية الغسيل في مراحل العزلة ثم الترويض ثم الخضوع والتخفيف. بينما 
يشبه النظام الصيني مجموعة مهرة من خبراء الوخز بالإير يوخزون في بعض اعتمادا على الضغط 
الجماعي والعقيدة والتكرار (ماركس, 1979) . وسوف نفسح المجال في الجزء اللاحق من الدراسة 
لعرض تطبيقات مساهمة بافلوف العملاقة في أبحاث غسيل الدماغ التي ارتكزت على علم النفس 
الفسيولوجيء وكيفية استجابة علماء النفس في أمريكا لهذه الأبحاث الغامضة وال مروعة في نفس 
الوقت . 


وفي أحد الأيام وبعد جهد مضن ولسنين طويلة في حياة شاقة, استدعي بافلوف 


53 


إلى الكرملين بلقابلة لينين كرئيس دولة» واستقبل استقبالا حافلاه وطلب منه لينين فورا أن 
يشرح له بالتفصيل نتيجة أعماله . وقد ذكر له في أثناء الحديث بأنه لم يكن شغوفا بأبحاثه الأولى 
عن الجهاز الهضميء ولا بدراساته عن الدورة الدموية»ء ولكن ما يهتم به هو تجاربه على الكلاب . 
وطلب من بافلوف أن يكتب ملخصا وافيا عن كل أعماله المتصلة بالكلاب وسائر الحيوانات. ولكن 
من ناحية إمكان تطبيقها على الآدميين» وطلب منه أن يكون دقيقا في التفاصيل فيما يختص 
بالأبحاث المتصلة بالجنس البشري . وعندما أتم بافلوف كتابة حوالي أربعمائة صفحة بخطه. قابل 
لينين الذي كان قد قرأ هذه الأبحاث بعناية» وقال له بحماس كبير : " لقد أنقذت الثورة. وان ما 
قمت باكتشافه ليضمن مستقبل الشيوعية الدولية ". ولقد كانت تجارب بافلوف على الإنسان 
والحيوان الركيزة التي أقام عليها الشيوعيون عملية تطويع الإرادة الحرة وتسخيرها لإرادة الحزب 
والثورة . ومع أن الأقدمين استخدموا وسائل ميتافيزيقية وسيكولوجية للسيطرة على عقول الناس 
لتحويل معتقداتهم, فإن الجديد في نظرية بافلوف أنها تعتمد على الوسائل الفسيولوجية أكثر من 
غيرها (نصرء 1988). يبدو أن لينين قد استوعب بصورة متناهية الدور الذي يمكن أن يلعبه علم 
النفس في تشكيل وصياغة السلوك. وتعتبر تجارب بافلوف المثيرة والمحيرة بمثابة "سفر التكوين" 
لأبحاث غسيل الدماغ وأنشطة الكي. جي. بي البالغة الذكاء والخفاء. 

ويقول هنتر, عام النفس بالمخابرات الأمريكيةء بأن السوفيت قاموا بعملية غسيل الدماغ 
بذات طريقة التشريط أو الفعل المنعكس التي قام بها بافلوف في تجاربه على الكلاب . ويفهم من 
قول هنتر التخوف والقلق من التطور الهائل لتطبيقات علم النفس في الاتحاد السوفيتي . ولكن 
الاستجابة الهستيرية لعلماء النفس في أمريكا كانت ذات فائدة في تطور أبحاث علم النفس . ولاحظ 
بافلوف أن الكلاب عندما كانت تتعرض لتوترات تجريبية أو مواقف صدام متشابهة فإن ردود الفعل 
والاستجابات التي كانت تحدث لها تختلف من كلب لآخر حسب اختلاف أمزجتهاء كما كان علاج 


كل كلب من الانهيار يتوقف أولا على نوعه الورائي . وفي الحرب العاطية الثانية ثبتت هذه القاعدة 


94 


بالنسبة للآدميين الذين أصيبوا بانهيار عصبي مؤقت نتيجة المعارك. أو بسبب التوتر 
الناجم عن الغارات الجوية, وقد اختلفت الجرعات التي أعطيت لهم اختلافا كبيرا طبقا لأماطهم 
ا مزاجية (نصرء 1988) . ولقد وجد دليل إضافي على صلاحية اكتشافات بافلوف عن الكلاب في 
تطبيقاتها على المشكلات السيكولوجية للإنسانء إذ استجاب المرضى للعلاج استجابة كاملة . 

ويؤكد سارجنت (1963) بأنه وجد نفس الشيء في المرضى الذين أعطوا مهدئا من مهدئات 
الطوارئ في خط الجبهة الأمامية حينما كانوا يصابون بالانهيار من التوتر الناشئ عن قصف القنابلء 
وقد أمكن تصنيفهم في نفس الفئاتء وظهر أن كمية المهدئ التي يحتاجون إليها تتفاوت تفاوتا كبيرا 
. وتطبيق اكتشافات بافلوف في الكلاب على ميكانيكية أنواع عديدة من التحول الديني والسياسي في 
الكائنات البشرية توحي بأنه لكي يكون التحويل مؤثرا يجب أن تستثار انفعالات الشخص حتى يصل 
إلى درجة شاذة من درجات : الغضبء والخوفء أو النشوة. فإذا أمكن الاحتفاظ بهذه الحالة, أو 
أمكن زيادة حدتها بوسيلة أو بأخرىء فقد ينتهي الأمر بالنسبة للتخلص إلى حالة من حالات 
الهستيرياء وحينئذ يصبح الإنسان اكثر استعدادا لتلقي الإيحاءات التي قد يتقبلها في الظروف العادية 
على الإطلاق» وقد يحدث بديلا لذلك مرحلة من المراحل "المتعادلة" أو "المتناقضة" أو "شديدة 
التناقض" أو قد يحدث " انهيار امتناعي كامل" يقضي على كل المعتقدات السابقة . 

وأثبت بافلوف أن قدرة كلب على مقاومة التوتر الشديد تتذيذب تبعا لحالة جهازه 
العصبي وصحته بصفة عامة ولكن بمجرد أن يحدث لمخه "توقف كامل" فإن تغيرات غريبة للغاية 
تحدث في وظائف مخ الكلب. والواقع أن الجهاز العصبي للإنسان مثل الجهاز العصبي للكلبء. 
يكون في حالة من الاتزان الديناميي بين الإثارة والتوقف الوقايء ولكنه إذا تعرض لاستثارة شديدة 
فإنه يصل إلى نفس الحالات من الاثارة الشديدة أو التوقف الكامل التي وصفها بافلوف. فيصبح المخ 


حينئذ عاجزا مؤقتا عن تأدية وظائفه العادية . ويبدو كذلك أن حالة "الامتناع الوقائي " التي لاحظها 


525 


بافلوف على كلابه تحت وطأة التوتر الحاد ظهرت في جرحى الحربء وكانت تتملكهم حالة 
الاستسلام الهادئ, أو يصابون بفقد الذاكرة. أو بعجز يقعدهم عن استعمال أطرافهم: أو بنوبات من 
الغيبوبة . ولقد نجح بافلوف في تجارب متكررة في إثبات أنه يمكن تكييف الكلب مثل الانسان على 
كراهية من كان يحبهم سابقاء أو حب من كان بمقتهم قبل ذلك (نصرء 1988) . 

يؤكد بافلوف إن الإنسان "كبير الشبه بالكلب". ولكن كان ذلك خطوة إلى الأمام . ورغم أن 
الإنسان أكثر بكثير من الكلبء لكنه مثل الكلب يقع في مجال التحليل العلمي. فالإنسان آلة بمعنى 
أنه نظام معقد يسلك بطرق لها مبادئ وقوانين» غير أن التعقيد فيه تعقيد غير عادي (اسكنر, 1980) 
. والواقع أن الجوع يلعب دورا أساسيا في عملية غسيل ال مخ. لأن الإنسان لا يستطيع أن يستمر في 
حياته العادية دون أحوال بيولوجية معينة: منها الغذاء اللازم لبناء خلايا الجسم وتجديدها . ولقد 
استخدم التجويع بهذا المعنى كعنصر من عناصر غسيل الدماغ, إذ كان يعطى للسجين ما يكفيه من 
أطعمة تمكنه من البقاء على قيد الحياة وليس بالكمية التي يتطلبها الجسم لجعل ذهنه يؤدي 
وظائفه بدرجة كافية (نصر, 1988). ويمكننا القول بثقة بأن مساهمة بافلوف التي ترجع لهذه 
المرحلة الباكرة من تطور علم النفس تصف بدقة متناهية التزاوج الوثيق بين علم النفس والتحكم 
بالجملة؛ والاقتران اللصيق بين علم النفس والتطبيق الأكبر أي بصورة "ماكروية" في السجونء وفي 
الاستجواب أو الاستنطاقء وفي انهيار المقاومة النفسية, وفي المخابرات بقصد "التلاعب التحكمي”, كما 
يعبر ادوارد سعيد. 

فالطعام لا يكون معززا إلا في حالة الحرمانء ومن يحتج شيئا للأكل فقد يحس بأجزاء من 
تلك الحاجة, كوخزات الجوع مثلا . ومن يحتج إلى الدفء فمن المفروض أن يشعر بالبرد . ومن 
الممكن أيضا الشعور بالظروف المرتبطة بالاستجابة القوية الاحتمال إلى جانب الشعور بجوانب من 
المناسبة الحالية الشبيهة بالجوانب التي كانت موجودة في مناسبات ماضية كان السلوك فيها معززا . 
ولكن الرغبة في شيء ليست شعورا به» وليس الشعور هو السبب الذي يجعل المرء يتصرف للحصول 


على ما يريد (اسكنر 


596 


0 ). إن النظرة البافلوفية في مجال التحكم يبدو أنها قد فهمت فهما صحيحا في 
أمريكا وأثرت تأثيرا عملاقا في أبحاث علم النفس بلا ريب . وبمجيء السلوكية. خاصة. مساهمة 
اسكنر. حدث تعديل في المناخ السيكولوجي العام وعلاقته بالتحكم بمزيد من تكنولوجيا السيطرة 
على السلوك بواسطة السيطرة على البيئة» ومهما يكن فإن قدرة بافلوف البحثية الفائقة هي التي 
حتمت هذا التعديلء أو بلغة أصح التغيير . 

وإن النتائج التي توصل لها بافلوف كانت لها تطبيقات في كيفية إحداث انهيار للمقاومة 
النفسية للسجناءء. وكان علماء النفس العسكريون (أنظر بلوش وجيرالد. 1987) يعتقدونء منذ أمد 
طويلء أن الطريقة الأكثر فاعلية في كسر مقاومة السجين للاستنطاق هي إجباره على تسبب الأمم 
لنفسه. ومن هنا جاءت تقنية جعل السجين يقف. وقد باعد بين ساقيهء قبالة حائط يستند إليه - 
منحنيا - على رؤوس أصابع يديه. لفترات طويلة. ولاشك في أن تغطية العينين. ومنع السجين من 
النوم» والتبدلات الكبيرة في حرارة الزنزانةء وإخضاع السجين ل "ضجيج أبيض" بشكل دائم: كلها من 
الأمور التي تسرع في انهيار مقاومته . واستخدمت نتائج أبحاث علم النفس بفعالية في مجال 
الاستجواب . وهناك اعتقاد بأن التقنية السوفيتية في مجال التحكم في العقل تعتمد اعتمادا كليا على 
عملية الضغط النفسي المكثف والكشف على نقاط الضعف في الإنسان . وبعد فترة من القلق 
المستمرء وبتطبيق بعض الأساليب الأخرى يبدأ الاستجواب . ومن المحتمل أن يتحطم الإنسان تلقائيا 
وبدرجة ملموسة نتيجة القلق والتفكير الطويل فيما يعترف بهء ويصبح في حالة يأس وتعاسة . وغالبا 
ما يناله الضعف والوهن نتيجة هذه الآلام الطويلة وما يصاحبها من ضعف فسيولوجي بحيث 
يصبح عقله ملبدا بالغيوم» فلا يستطيع أن بميز أي شيء يهبط إلى قراره نفسه أو أي إيحاء يقدم إليه 
بواسطة الإجبار أو الحيلة . 

إن عملية كسر مقاومة السجين من خلال عملية الضغط النفسي أو الحرمان الحسي كان لها 
دورا في التطبيقات العملية أو الميدانية في حالات الاستنطاق أو الاستجواب. واستخدمت هذه 


التقنيات في المعتقلين والسجناء أو الأسري أو العملاء. 


5297 


لقد وصف بيتر واطسون (1978) في كتابه "الحرب على العقل" تقنية سلوكية وضعت تحت 
الممارسة بواسطة الشرطة والأمن أثناء عملية الاستجواب. بواسطة استخدام تقنية الاشتراط الاستجابي 
يمكن تعديل سلوك المعتقل أو السجين بواسطة العقاب والثواب حسب المبادئ التي وضعها الآسر. 
مثلاء يممكن إعطاء السجين طعام عندما يتحدث عن الموضوعات العامة التي تهم المستجوب. وبهذه 
الكيفية يمكن أن يتحدث عن موضوعات بعينها أكثر من غيرها. وفي كل مرة يقول شيئا يوافق عليه 
المستجوب يقول للسجين "صحيح" أو يعطيه شكلا من أشكال التشجيع. وتدريجيا يتم تضييق مجال 


الاستجواب ويتحدث السجين تبعا لذلك عن الأشياء التي يريدها ا مستجوب (بكسر الواو). 


ضحايا الحرمان الحسي في "غرفة النوم" 

نال دونالد كميرون دبلومة علم النفس الطبي عام 1925. ويعتبر علم النفس الطبي أحد أفرع علم 
النفس الحديث ويرتبط بتطبيقات علم النفس في مجال الطب. وكتب كميرون عن الفصام من حيث 
الأعراض والعلاج؛ وعن زملة الأمراض الذهانية والتي تتسبب بواسطة التغيرات الفيزيائية الحادثة في 
الدماغ. وكان كميرون مبهورا عن الكيفية التي تعمل بها الذاكرة. أين موقع ذلك في الذاكرة ؟ وما 
هي التغيرات الحادثة أثناء هذه العملية؟ وما هي ردود الفعل البيولوجية التي تسمح لنا بإعادة 
تذكر المواد المختزنة؟ وكان لكميرون اهتمام خاص بامنهج الكيميائي أو الكهربائي والذي يستخدم 
لعلاج الاضطراب العقلي الشديد أو يستخدم في العلاج النفسي لإزالة دفاع المريض. ويساعد ذلك 
امنهج المعالج في معرفة ذكريات ومشاعر ال مريض التي لا يستطيع التعبير عنها بصورة طبيعية. 
ووصف كميرون استخدام بعض الأدوية مثل بينزيدرينء والكافيين والكحول وأميتال الصوديام 
والكزكايين. 

كما طور كميرون برنامجا كان هدفه إنتاج "فقدان ذاكرة فارقي". ويعتقد بأنه إذا مسحت 


ذاكرة الفرد كلية وفي حالة رجوعها تكون النماذج المرضية أقل تذكرا مقارنة 


58 


بالأشخاص العاديين. ويتم تشكيل ذلك البرنامج في ثلاثة عمليات ومن خلالها يفقد ال مريض 
تسلسل الأحداث الزمنية والمكانية. ويعتبر ذلك التشكيل اضطرابا شديدا للذاكرة بحيث تصعب 
عملية قياسه. ويعبر كميرون عن النتائج التالية ربما يتعرض ال مريض لفقدان اللغة الثانية أو معرفته 
بحياته الزوجية» ربما لا يمشي من غير مساعدة, أو يأكلء ربما يظهر شهوة جنسية مزدوجة. وتتصف 
اتصالاته بالقصر ونادرا ما تكون عفوية. وتكون الاستجابة للأسئلة غير مشروطة بتذكر الماضي أو 
توقع المستقبل. وهو متحرر كلية من الاضطرابات الانفعالية» وهو يعيش في مساحة ضيقة من الزمن 
وامكان (وينستين, 1990). وعموما تطورت هذه الأبحاث الفظيعة في سلسلة من المراحل. 

بدأت أولآ الأبحاث على المحرومين من أحد الحواس الخمسة ودراسة الإدراك والمعرفة تحت 
تأثير المعمل أو الرقابة» ثم أبحاث عزل الحيوانات والتأثير السلوي عليهم ثم اكتشاف التكوين 
الشبكي في ا مخ وأثره على الانتباه واليقظة في الإنسان وقد أدى تجميع هذه الدراسات إلى نشأة 
نظرية هيب في وظيفة الجهاز العصبي المركزي وأهمية التأثير الحسي الخارجي على تكامل وسلامة 
هذه الوظيفة وأدى ذلك إلى دراسة الحد من التأثير الحسي في معمل هيب في جامعة مكجيل 
بمونتريال وقد ساعد على تهيئة الجو لهذه الدراسة» وانتشار النتائج وتقبلها في دائرة العلماء. أنه 
حدث في هذا الوقت "عهد مكارثر" تقارير غسيل المخ لأسرى الحرب في كورياء والخوف من ظهور 
أساليب جديدة في الحرب لتغيير العقل البشري والتحكم في وظائفه وأن تنبؤات أوريل 1984 عن 
العالم قد تكون حقيقة وانتشرت بعد ذلك معامل الحرمان الحسي في كافة بلاد العالم وظهرت نتائجها 
المذهلة (عكاشة, 1986). 

قام هيبء واحدا من علماء النفس العظامء بدراسة أثر الحرمان الحسي- البصري والصوقٍ 
واللمسي. وتم دفع 20 دولارا للطلاب في اليوم لقضاء جزء من الوقت في كبينة عازلة للصوت. وكان 
الطلاب في حالة من الإنكاءة في سرير بحيث تغمض الأعين بدرع من البلاستيك. ويتم وضع الأيادي 
في أنبوب لعدم استخدامهما في اللمسء. وتغطي الآذان بسماعة الرأس والتي ينبعث منها طنين متكرر 
. ويظل الطلاب في هذه الحالة 


599 


الساكنة ولا يسمح بالتحرك إلا في حالات الأكل أو الذهاب للحمام. وعادة ما يتحمل 
معظم الطلاب هذه الإجراءات ليومين أو ثلاث أيام, وكان أقصي وقت هو ستة أيام. وأظهرت التجربة 
بأن أثر العزلة الحسية كان مروعا بالنسبة ل 22 طالبا. وعمل الملل على عدم الاستقرار وعدم القدرة 
على التركيزن وتم شل القدرة على حل المشاكلء وبدأت عملية الهلاوس البصررية واضطراب عملية 
الوعي بالجسم, وتم تطور الإحساس بانفصال الطلاب من أجسادهم (وينستين, 1990). 

ورفض ستة من المتطوعين الاستمرار في تجربة الحرمان الحسي بعد أن تم وصفها بالنسبة 
لهم وحتى قبل أن يذهبوا للغرفة. وم يستمر 11 من 22 من المتطوعين لمدة 24 ساعة التي وعدوا 
بأن يظلوا كحد أدنى في التجربة. وذكر أربعة من الطلاب بأن بقائهم في الكبينة كان عبارة عن شكل 
من أشكال "التعذيب". وبالنسبة للجزء الخاص بغسيل الدماغ ذكر 14 من المتطوعين بأنهم يفضلون 
السماع لأي شيء بدلا من الصمت الشديد في حالة الوحدة (كولينز. 1988). وتشمل التغيرات 
السلبية الحادثة للحرمان الحسي على عدة جوانب. فعند البدء في التجربة يشعر الفرد بالاسترخاء 
ويتطلع بنشوة للفرصة التي ستتيح له الحرية من المؤثرات الخارجية. ولكن بعد فترة زمنية بسيطة 
يجد الفرد صعوبة شديدة في التفكير الموجه المنطقيء إذ يبدأ في السرحانء وبعد فترة يشعر بالمللء 
وتتناوب فترات من النوم واليقظة. وعندما يفشل في النوم يزيد الملل والريبة» ويشعر بالإثارة 
العصبية, والرغبة في الحركة» والتوتر الشديد. مع الاكتئاب والبحث عن وسيلة لتنبيه ذاته. وأثناء 
بحثه عن منبه خارجيء يبدأ في الإحساس بكل المؤثرات والاحساسات الداخلية في الأحشاء المختلفة, 
مما يجعله يفقد القدرة على الإحساس بصورة وبحدود الجسم ويبدا في المعاناة من أعراض اختلال 
الذات وتبدأ المخاوف في صورة غامضة غريبة وتنتهي بالهلاوس السمعية والبصررية والحسية. وهنا 
يبدأ الفرد المهيأ وراثيا بعدم التكامل أو اضطراب الشخصية في إظهار أعراض عقلية واضحة (عكاشة, 
6). 


فوض هيب بالقيام بتجارب عن الحرمان الحسي لخدمة المؤسسة العسكرية كجزء 


100 


من بحث عن غسيل الدماغ. وكان متكتما في البداية ولا يريد أحد أن يعرف بأمر هذا 
التفويض. ولكن الطلاب الذين أجريت عليهم التجارب ليسوا تحت أي التزام بالصمت عما جرى 
بالنسبة لهم و للخبرات الغريبة التي مروا بها. وعرف بعض الصحافيين بهذه التجارب وكتبوا عنها 
تقارير إخبارية وبدأت عملية التخمين عنها. ولكن قام هيب بنجاح بتغطية هذه التجارب التي قام 
بها من غير أن يذكر النتائج المرعبة عن تغيير الاتجاهات. وبرر بأن التجارب أجريت لدراسة 
الضغوط التي تجابه الأفراد الذين يؤدون أعمال مملة وروتينية لساعات طويلة مثل الذين يتابعون 
شاشة الرادار أو الطيارين الذين يطيرون لساعات طويلة. ولقد عملت هذه القصة المحبكة على منع 
معرفة الحقيقة من الخروج «مدة عامين. ولكن في عام 1958 حاول الدفاع عن نفسه قائلا " لقد 
تعلمنا أشياء لها قيمة من خلال دراسة غسيل الدماغ" (كولينز. 1988). ولكن صحيح جدا بأنه قد 
تم تطوير أعمال أخرى في عملية الحرمان الحسي في الولايات المتحدة. وكان مبعث الاهتمام العالي 
هو معرفة اثر الطيران الفضائي بالنسبة للطيارين وذلك بسبب الخبرات الرتيبة في الكمامة. بالإضافة 
لأهمية الحرمان الحسي في الاستخدام في عمليات الاستجواب. ولقد تم تلخيص هذه الأعمال في ندوة 
عقدت في جامعة هارفارد عام 1958. 

إن هدف علماء العلوم السلوكية والجواسيس هو التأثير على سلوك الأفراد-والتغيير العقلي 
والمتنباً أو التحكم في السلوك الإنسانيء وتقليص عمق الاكتئاب أو برمجة الجاسوس . وبالنسبة لهؤلاء 
العلماء فإن الدماغ عبارة عن "غرفة سوداء" يخفي الأفراد فيها أنفسهم الحقيقية, ولهذا يجب فتح 
هذا الصندوق بقوة. ويبرر هذا الاتجاه عمليات الغزو المتكررة لحياة الأفراد لخدمة الصحة العقلية 
أو الحرب الباردة. إن التكتيكات والتقنيات المستخرجة من علم النفس والطب النفسي- تعتبر أكثر 
تأثيرا. وأكثر قربا للأشياء المخفية, وأكثر علمية. ولقد تم تقديم ورشة متقدمة عن الدماغ بالنسبة 
للأفراد الذي يديرون برنامج "مكولترا" التابع للمخابرات الأمريكية وذلك بالرغبة في استخدام أي نوع 


من المعرفة للقيام ببعض العمليات المخابراتية (كولينز., 


101 


8). وتمت عدة محاولات لكشف "الغرفة السوداء" من خلال العلاج بالنوم في "غرفة 
النوم". 

جاء الدكتور الإيراني حسن عزيمة من فرنسا للمستشفى الذي يعمل فيه كميرون في كندا. 
وأقى معه بتقنيات "العلاج بالنوم" الذي تم تطويره سابقا في الاتحاد السوفيتي وقرر كميرون بأن 
مرضاه يمكن أن يكونوا حقلا جيدا للتجريب. وفي عام 1955 قام عزهة بتكييف هذا العلاج في كندا 
لكيما ينسجم في بيئته الجديدة. ويتكون العلاج من تقديم كمية من الأدوية للمريض في فترات 
متواصلة تؤدي لتطور نمط من النوم شبيه بالنوم الطبيعي. وبهذا يمكن أن ينام المريض من 22-20 
ساعة يوميا لعدة أسابيع. واستخدم عزيمة بعض المرضي كعينة تجريبية لمحاولة فهم العمليات 
الدينامية النفسية وإنتاج صراعات تحتية. وتم عزل ا مرضى في حالة من الحرمان الحسي من يوم إلى 
سبعة أيام, ثم زاد كميرون هذه الفترة لمدة 16 يوم. وفي ملفه الشخصي زاد الفترة إلى 33 يوم. وعرض 
كميرون نتائج مشابهة لتلك التي توصل لها هيب في عملية العزلة الحسية للعينة الاختيارية لفترة 
اقل من الزمن. ويقول كميرون بأنه في حالة إعطاء المريض فترة زمنية محددة معروفة بالنسبة لديه 
في حالة العزلة الحسية غالبا ما يتسامح مع التجربة بصورة أفضل من حالة عدم معرفة طول الفترة 
(وينستين, 1990). 

وعرض كميرون أكثر من 50 شخصا للتجارب الخطيرة جدا عن الحرمان الحسي.. وطبقا 
للملاحظات ال موجودة في الأضابير الطبية والتي بقيت بعد موت كميرون فإن إحدى مريضاته صمدت 
1 يوم من "التأثير الإيجابي عن الوعي". وحبس كميرون مريضة أخرى 35 يوم في حجرة صوتية لا 
ينفذ إليها النور. وبهدف محي كل ما تم تطبيقه من ذاكرة المرضى قام كميرون بتخديرهم معطيا 
إياهم أدوية قوية المفعول ومخدرات. أما ريتا تسيميرمان التي جاءت للمعالجة فقد جعلها تغظ في 
حلم استمر 56 يوما. وأجبر كميرون روبير لوجيتو على النوم بلدة 23 يوما ولا يستطيع لاحقا أن ينام 
أكثر من 3 ساعات في اليوم كما تعرض لحالة من الاكتئاب وكان يعاني من نوبات الخوف الشديدة 


كما فقد الذاكرة نهائيا. وبعد خروجه من المستشفى جاء إلى فانكوفر ونام تحت 


102 


أحد الجسور لأنه نسي نفسه وم يعد قادرا على التعريف بنفسه. كما فقد جان شارل 
الذاكرة والقدرة على تركيز الانتباه والاتصال مع الحياة بشكل كامل. لقد احتفظ فقط بالذكريات 
الدقيقة حول بعض المشاهد من إقامته في المستشفي والشبيهة لحد بعيد بلقطات من أفلام الرعب. 

ومن أجل التأثير على الضحايا أحب كميرون بصورة خاصة استخدام الصدمة الكهربية. 
ولكن بدلا من استخدامها مرة واحدة في اليوم كان يعرض مرضاه للصدمة عدة مرات في اليوم. كما 
رفع النبضات الكهربية إلى 30-20 مرة بالمقارنة مع زمن التأثير المسموح به أما التيار الكهربائي فقد 
استقر على الرقم 150-110 فولت. فالإنسان الذي تعرض لتلك الآلام كان يشعر باختصار أنه يجلس 
على كرسي كهربائي لكنه بقى حيا. بيد أن وقف صراخ المرضى كان مستحيلا حيث كان مسموعا حتى 
من خلال الجدران العزلة والسميكة للغرف الخاصة. وعرضت هذه التجارب السيكولوجية القاسية 
مرضى كميرون إلى ضرر لا يمكن إصلاحه. لقد جاء هؤلاء المرضى للمستشفى للعلاج ولكن أصيبوا بعد 
دخولهم المستشفى بعلل جديدة وغالبا ما كانت أخطر من الأولى (أنظر مجموعة مؤلفين, 1990). 

ألف كولينز (1988) كتابا مثيرا بعنوان "في غرفة النوم" وهو يحي قصة رائعة ومروعة في 
نفس الوقت عن تجارب المخابرات الأمريكية عن غسيل الدماغ الممرتبط بالحرمان الحسي في كندا. 
وبحثت المخابرات الأمريكية عن استخدامات هجومية عن التحكم في السلوك. وتبعا لذلك حاولت 
المخابرات فك رموز الدفاعات العقلية للعملاء من الأعداء حتى تتم عملية برمجتهم والقيام 
بعمليات حتى ولو كان ذلك ضد رغبتهم أو ضد قوانين الطبيعة الأساسية مثل الحفاظ على الذات. 
وتريد المخابرات الأمريكية بذلك الاقتراب من الباحثين في الطب النفسي وعلم الأعصاب. وعلم 
النفس وكل حقل له علاقة بالسلوك الإنساني. ومع عملية الاقتراب يقدم الدعم المالي السخي للقيام 
بالأبحاث المروعة. فيا ترى ماذا يجري في غرفة النوم هذه؟ نحاول أن نعرض بتفاصيل الكيفية التي 


تتم بها عملية النوم وتقنيات الاستيقاظ والأدوية المقدمة للشخص المنوم. 


103 


وتم وصف ذلك بدقة في دفتر إجراءات مستشفى ألان التذكاري بمونتريال في كندا تحت 
عنوان "روتين العلاج-العلاج بالنوم" وذلك في يونيو 1964. قامت لجنة العلاج بالمستشفى بوضع 


برنامج محدد لذلك اشتمل: 


(أ) تقنيات الاستيقاظ الثلاث 

(1) يستيقظ المريض 3 مرات في اليوم الواحد : الساعة 8 صباحاء و2 ظهرا و8 مساءا. 

(2) أثناء فترة الصحو يقاس النبطء وضغط الدم قبل أن يتحرك ال مريض من السررير للنظافة 
أوالتوليت أو إعطائه العلاج. 

(3) يعطى الأكل حسب الرغبة. وكان الحد الأدنى المسموح به للسعرات الحرارية هو 1500 بينما 
كان الحد الأدنى للسوائل 2000 يوميا. 

(4) ويشمل الدواء سيكونال 100 مج. ونيمبيوتال 100 مج. وصوديام أميتال 150 مج. 
وكلوربرومازين 50 مج. ويمكن إضافة فينيرقين 50 مج. ويجب أن تكيف كمية الدواء حسب 
درجة استيقاظ المريض. كما يجب تجنب النوم العميق. 

ب. فيتامين ب وج (كبسولة بيمينال 1 يوميا) وفيتامين ج 100 مج يوميا 

ج. حليب ماقنيسيا 30 سي سي مع تسكين ليلي. 

د. انيما إذا نم تكن هناك حركة للامعاء لمدة ثلاث أيام. 

ه. كاثيتيرايز إذا لم يكن هناك تبول ممدة 12 ساعة. 

و. إذا كان هناك أرق أو قلق للمريض أثناء الليل يعطى 50 مج من الكلوربرومازين أو 100 مج من 

البرومازين. 

ز. يتم تغيير وضع المريض بعد كل 3-2 ساعة كما يعطى أكسجين بنسبة 905 من اكسيد الكربون 

وذلك إذا كان التنفس قليلا. 

ح. ترفع الأرجل في السرير قليلاء وإذا كان هناك نوم عميق ممكن إضافة حركات أو دلك خفيف 


للرجل. 


104 


ط. في حالات ظهور الثرومبوفليبايتز يجب طلب استشارة شعبة الدم (أنظر كولينزء 1988). 

ربما تحكي قصة فتاة برمودا قصة غسيل الدماغ المروعة بالنسبة للإنسانية (كولينز. 1988). 
وأصبحت هذه الفتاة من جراء عملية الحرمان الحسي أكثر طفولية وحاول كميرون تسكينها ولكنها 
عانت من تسمم الباربتيوريت. كما حاول معها الصدمة الكهربية ولكن سلوكها الطفولي أصبح أكثر 
وضوحا. ووصلت الفتاه لمرحلة الإشراف الكلي أي تحتاج لمساعدة مستمرة من حيث لبس الملابس 
والأكل والنظافة وقدت عملية التمييز بين العلاج والتجريب في محاولة كميرون لعلاجها. وحاول 
كميرون ترقية العلاج مع فتاة برمودا بعمل إشارات بالنسبة لها أثناء حالة النوم. ولكن استجابت 
بصورة بطيئة لهذه الإشارات الصوتية. وأصبحت أكثر عدوانية عندما تصحو من النوم وكثيرا حاولت 
أن تدمر مصدر الصوت المنبعث. ووصلت هذه العدوانية ذروتها في ستة أيام من بداية فترة العلاج. 
وبعد نهاية اليوم العاشر من الحرمان الحسي لمم تصبح الفتاه مضطربة فقط بواسطة الصوت إنما 
بدأت تكرر الصوت نفسه. وتم تصحية فتاة برمودا بعد 25 يوم من حالة النوم المتواصل وعندما 
انفجرت غضبا للمرة الثانية تم إرجاعها لحالة النوم لثلاث أيام أخرى. وعندما تم تصحيتها للمرة 
الأخيرة كانت هادئة الأعصاب وأنها تريد الذهاب إلى منزلها في برمودا. ورغم هذه الفظاعة تحدث 
كميرون عن هذه الحالة مبتهجا وعن الحس الباطن كمنهج علمي. وحاول كميرون أن ينهي قصتها 
نهاية سارة ولكن الحقيقة أظهرت العكس. إذ أصبحت الفتاه عدوانية ومعادية لوالدها وفي هذه 
المرة كذلك لأمها والتي بدأت تهددها بالقتل. وبالرغم من كل هذه الفظاعة يقول كميرون "سوف 
نستمر في إجراء هذه العينة من التجارب للاستماع للأسطوانة بواسطة مرضى آخرون في غرفة النوم". 

تساءل "وينستين" ابن "كميرون" عن نوع التجارب التي أجراها والده عن المرضي العاجزين 
في مستشفى ألان التذكاري . وعموما كانت حياة كميرون متمركزة حول النجاح والشهرة» ولقد عقد 


العزم على عملية التميز. ونشأ كشخصية متسلطة. وكان 


105 


طمبتهجا بقوته لاتخاذ كثير من القرارات التي تؤثر على الآخرينء من الزملاء وا مرضى على السواء. 
إن هذه الحاجة للتسلط يجب أن تكون مضبوطة عندما تكون مرتبطة بالرغبة في بالنجاح. وكان 
كميرون غير متسامحا في نقاط الضعف في الآخرين و دفعته أعراض ا مرضى للقيام بإجراءات تعمل 
على تقليص السلوك الهجومي. كيف يمكن تفسير استخدامه للإجراءات القاسية بالنسبة للمرضى 
الذي يعانون من أمراض غير حادة لا تتجاوز ال مرحلة الأخيرة في مرض الفصام. وكثيرا ما عبر كميرون 
بأنه ينوي تسلق الجبل الذي مات من أجله. إن تسلق قمم جديدة كان قوة مسيطرة في حياته. 


ولكن تسلق ذلك الجبل على ظهور الضحايا من مرضاه لخدمة ال مخابرات الأمريكية. 


الباراسيكولوجيا والمخابرات 

عرفت الباراسيكولوجيا بأنها "الدراسة العلمية للظواهر الخارقة" (ثالبورن. 1984).: بينما عدل 
التعريف من جهة ثانية بأن الباراسيكولوجيا هي الدراسة العلمية لظواهر معينة تبدو خارقة أو 
يحتمل أن تكون خارقة (بالمان 1986)» وأصطلح تعبير "بساي" على الظواهر التي يهتم بدراستها 
علم الباراسيكولوجيا من قبل ثوليس (1942) . وأجري أول بحث تجريبي رئيسي- في الباراسيكولوجيا 
عام 1917 من قبل جون كوفر في جامعة ستانفورد الأمريكية. ولكن البحث العلمي في هذا المجال مم 
يبتدئ بشكل متواصل إلا في عام 1927 حين تم تعيين عام نفس الاجتماع وليم مكوجال في جامعة 
ديوك في ولاية كارولاينا الشمالية. رئيسا لقسم علم النفس فيها وانتقال عام بيولوجيا النبات جوزيف 
راين الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للباراسيكولوجيا وزوجته إلى القسم نفسه. إن أحد أسباب دفع 
الباراسيكولوجيين في هذا الاتجاه المختبري هو أن اهتمامهم الرئيسي لم يكن الدراسة العلمية المجردة 
للظواهر الباراسيكولوجية ولكن "السيطرة" على هذه الظواهر لخلق قدرات باراسيكولوجية (حسين 
وفتوحيء. 1995) . 

ويرى الباراسيكولوجيون أن من أفضل أساليب اختبار ظواهر الإدراك الحسي- الفائق حاليا 


هي تلك التي تستخدم ماكينة خاصة اسمها "مولد الحادثة العشوائي" 


106 


التي صممها خصيصا لهذا الغرض الفيزيائي هلموت شمدت حين كان يعمل في مختبرات بوينغ 
للبحث العلمي. وتحتوي هذه الماكينة على أربعة مصابيح يضاء أحدها ويكون على الشخص الذي 
تختبر قابليته أن يحدد المصباح الذي سيضاء بضغط الزر المقابل له. وصمم شمدت هذه الماكينة 
بشكل يضمن أن تكون هناك احتمالية متساوية لكل مصباح بأن يضاء (شمدتء 1969). وكما في 
حالة تجارب التحريك الخارق فإن حصول الشخص على نتائج تزيد عما هو متوقع لأن يحدث 
بالصدفة حسب قوانين الاحتمالية يعتبر مؤشر على حدوث ظاهرة بساي (حسين وفتوحيء 1995). 

تتداخل الباراسيكولوجيا مع علوم راسخة مثل الفيزياء والرياضيات والطب النفسي وعلم 
الأعصاب وغيره من العلوم. وهناك علوم أخرى تحمل مصطلح "ما وراء" أو "خارج" مثل ما وراء 
الفيزياءء وما وراء الأحياء. وما وراء الطب. وهناك بعض المهتمين بهذه العلوم في الجامعات الغربية 
لدراسة هذه الظاهر مثل "معهد الباراسيكولوجيا" في أوترخت بهولنداء و"معهد الباراسيكولوجيا" في 
موسكو. كما تكونت بعض الجمعيات المهتمة مثل "جمعية الباراسيكولوجيا" التي تأسست عام 
7 والتي تعقد مؤتمرات عامة تناقش فيها القضايا الملاحظة أو المدروسة. كما توجد "مؤسسة 
البحث الروحي" المتخصصة في تحقيق الظواهر غير المألوفة. وتنشر بعض الدوريات مثل "المجلة 
الأوربية للباراسيكولوجيا" و"المجلة الدولية للباراسيكولوجيا". وتهتم هذه الجمعيات أو المجلات 
بدراسة ظواهر مختلفة خارج نطاق الإدراك العادي مثل التخاطر والجلاء البصريء والغيبوبة, 
وإسترجاع الماضيء والبعد الرابع أو علم الدالة والإنباء بأحداث المستقبل. وتستخدم مناهج تتلاءم مع 
طبيعة هذه الظواهر المدروسة (أنظر عبيد. 1990). 

ومن أبرز موضوعات الباراسيكولوجيا المدروسة موضوع "التحريك الخارق" وهو تحريك 
أجسام من دون بلسها بشكل مباشر باليد أو بأحد أجزاء الجسم الأخرى ولا باستخدام أية واسطة 
معروفة لنقل التأثير إلى الجسم كالإستعانة بآلة ما . كما درس كذلك الإدراك الحسي- الفائق» 


والاستشعار. والروح الضوضائية, والخروج من الحسد 


107 


والاستجلابء والتكوين (أنظر حسن وفتوحي» 5).. كما درس كذلك موضوع "التخاطر" أو 
"التراسل العقلي" وهي القدرة على معرفة ما يجول بداخل وعي إنسان ما من أفكار أو من مشاعر. 
وأثبتت الدراسات بأن عملية الإدراك في هذه الحالة مستقلة في جانب عن المكانء وفي جانب آخر 
عن الزمان. وهناك ثلاثة حالات للتخاطر وهي: حالات تخاطر متعاصرة. وحالات تخاطر تنبؤية, 
وحالات تخاطر عن الماضي. وجرت بعض الاختبارات لدراسة التخاطر حتى في بعض الجامعات 
العريقة مثل جامعة هارفارد في أمريكاء وكيمبردج في بريطانياء ومعهد الهندسة العسكرية في 
سويسرا. ولقد تبين بأن لها استخدامات حربية لذلك هناك تنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد 
السوفيتي سابقا في دراستها خاصة التخاطر من بعد الذي يرتبط بدراسة القطع الحربية وبعض 
الغواصات. ويتفاءل تشارلي روز عضو اللجنة المختارة لشؤون المخابرات في الكونجرس الأمريكي أن 
احتمال وقوع حرب "الظواهر الخارقة" هي احتمال حقيقيء وقد يستدعي في يوم ما تبني برنامج 
سريع يشبه "برنامج مانهاتن" الذي أدى إلى تصنيع أول قنبلة ذرية في العالم. ولقد توقع تارج 
وهارادي في كتابهما "سباق العقل" أن يرث سباق التسلح (عبيد. 1990). 

وهناك عدد من التجارب المجراة عن الباراسيكولوجيا مثل تجارب الرؤية الثانية وهي التي 
يستطيع بها الأفراد الذين وهبوا قدرات ذهنية خارقة وصف أماكن بعيدة مم يشاهدوها من قبل 
وأن يصفوا أحداثا تجري في مكان آخر يبعد عنهم آلاف الأميال. واستخدمت وزارة الدفاع الأمريكية 
أشخاص يتمتعون بهذه القدرات الخارقة لاكتشاف مخابئ صواريخ إم إكس النووية. و تمكن البعض 
بالفعل من اكتشاف مواقع هذه الصواريخ. وذكر ماكريه أحد المهمتين بذلك بأن التجربة كانت 
حلقة من سلسلة تجارب تقوم بها وكالة المخابرات المركزية» والجيش والبحريةء وسلاح الجى ومشاه 
البحرية» ووكالة الفضاءء ووكالة ا مخابرات الدفاعية التابعة للبنتاجونء ودائرة التحقيق الفدرالي 
وشعبة مكافحة ا مخدرات. وذكر بأن وزارة الدفاع الأمريكية تنفق حوالي 6 مليون دولار سنويا على 


التجارب المتعلقة بالباراسيكولوجيا. أما وكالة المخابرات المركزية 


108 


فتنفق على هذا النوع من التجارب عبر معاهد خاصة تمولها الوكالة. وتقوم إسرائيل 
بتجارب مماثلة في هذا الحقل وبعض منها يستخدم لمعرفة ما يجري في الجيوش العربية. 

في كتابه عن "الحرب الذهنية الخارقة". يتحدث مارتن ايبون على أن السوفيت اضطروا 
لتكثيف أبحاثهم في حقل الباراسيكولوجيا حين رفعت إدارة الكي جي بي إلى الكرملين تقريرا خاصا 
مفاده أن البحرية الأمريكية قامت بإجراء تجارب متقدمة في حقل التخاطر. وذكر ماكريه أن 
السوفيت يتعاملون مع حقل الظواهر الخارجة عن الحواس ممنتهى الجدية والاهتمام وأنهم أحرزوا 
نجاحا في تطبيقات هذا العلم في مجال السيطرة على الإنسان من مسافة بعيدة بطريقة الرموت 
كنترول أو التحكم من بعد. كما جرت محاولات عن ظاهرة التنويم المغناطيسي من بعد ومقتضاها 
حيازة القدرة على تنويم شخص يكون في مكان بعيد. وغير متوقع حدوث التنويم. كما أعلن 
السوفيت عن اختبارات التخاطر التي جرت بين موسكو ونوفوسيبيرسك في سيبيريا على بعد ثلاثة 
آلاف كيلومتر. ولقد نجح نيكولايف في تمييز 12 بطاقة عليها رسوم مختلفة تمييزا صحيحا من بين 20 
بطاقة أثناء إزاحة النقاب عنها. وتمت عملية ملاحظة التغيرات الفسيولوجية والأمواج العقلية 
الحادثة بالنسبة لنيكولايف (عبيد. 1990). 

واهتمت المخابرات الأمريكية بدراسة بعض مجالات الإدراك خارج نطاق الحس منذ عام 
3. ومن بين ذلك ما يعرف بالاستبصار والتخاطر (مجموعة من ال مؤلفين. 1990). ومن التجارب 
التي أجريت اختبارات للتخاطر داخل الغواصة النووية نوتيلوس في سرية تامة وبأمر من ادارة 
البحرية الأمريكية, والتخاطر الذي جري بين سفينة الفضاء أبوللو 14 وبين مركز المراقبة (عبيد. 
20. وكلفت بعض مستخدمي اللمديرية العلمية-التقنية بالتعامل مع مختبرات الأبحاث العلمية 
التي اهتمت بدراسة هذه المسألة وحثهم على إمكانية استخدام هذه الظاهرة للأغراض الاستخبارية. 
ولقد تردد بعض عملاء السي آي أي إلى الحفلات المثيرة التي يقيمها الإسرائيلي أوري هيلير الذي 
أظهر للجمهور قدرته على تحويل ملاعق الطعام والشاي من مسافة بعيدة وتوقيف الساعة عن 


العمل وغير ذلك من الخدع. ولقد اقترح عملاء المخابرات بأنه ما 


109 


دامت النبضات التي يشعها الدماغ تستطيع توقيف عقارب الساعة فمن المحتمل أن تعطل 
أجهزة الكمبيوتر عند العدو. إن تخريب أجهزة الكمبوتر في البلدان الأخرى هو فقط أحد مهام 
التخاطر المحتملة. وعرضت إدارة التخريب والتجسس الآمال المعلقة على التخاطر في العديد من 
المجالات منها اختبار نزعة العملاء للاستمرار في تنفيذ مهام المخابرات الأمريكية, وقراءة الشفرة من 
خلال جدران خزانات الفولاذ. والاطلاع بهذه الطريقة على الوثائق السر-ية والبحث عن المواقع 
العسكرية. 

وعرض الفنان إنغو سوان مواهبه الغريبة. وأطلقوا عليه اسم الاحداثيات الجغرافية-خط 
العرض الجنوبي 49 درجة و20 دقيقة وخط الطول الشرقي 7- درجة و14 دقيقة. أخفى سوان عينيه 
وصمت فترة طويلة مركزا أفكاره. وتزايد التوتر الذي انعكس على وجهه أكثر فأكثر حتى أصبح 
مخيفا. وبعد برهة من الزمن بدأ سوان التكلم وطبقا للاحداثيات المعطاه وصف بدقة وبشكل خارج 
عن نطاق الإدراك الحسي محطة الإرصاد الجوية السوفيتية-الفرنسية التي م يسبق له أن رآها فوق 
جزيرة كيرهيلين في منطقة القطب الجنوبي. حضر هذه الحفلة ممثلون من وكالة المخابرات ال مركزية. 
إن إمكانات كهذه لها مجال كبير في عالم المخابرات حيث تختصر مساحة كبيرة من الوقت والجهد 
والمال. وعموما حاولت الوكالة تكييف كل اكتشاف علمي جيد وذلك للاستفادة منه في عملية جمع 
ا معلومات وتفسيرها وهو هدف الاستخبارات المركزي. 

ودخلت وكالة ا مخابرات في مجال دراسة التخاطر عام 1976 عندما كان جورج بوش مديرا 
للوكالة. دعا بوش ايدغار ميتشل مؤسس معهد العلوم الحديثة في سانفرنسسكو الذي أحدث 
البحث في مجال العلوم النفسية لعقد ندوة بحث في مقر السي أي أي حول موضوع "استخدام 
التخاطر في العمل الاستخباري". وبحضوره تبرعت العديد من المنظمات العلمية بالأموال المخصصة 
للنشاط العلمي في هذا الميدان. ولقد خصص مبلغا لإعداد موضوع "الآلية المجهولة لنقل المعلومات 
البيولوجية". وإن بحث هذه "الآلية المجهولة" هو استخدام بديل لمصطلح التخاطر والذي كان أشبه 


عند بعض العقلانيين بفكرة الغيب. نتيجة لذلك تم استبدال المصطلح. وربما كان 


110 


سبب الخجل لا يكمن في عدم الرغبة بالاعتراف بأن الهيئات الحكومية الجديرة بالاعتبار 
تهتم بالأشياء المريبة والغربية» بل إن الهدف الرئيسي للبحث في ميدان التخاطر يقود إلى زرع الموت 
والدمار بفعالية أكبر. وليس عبثا استخدام هذه الجملة من المصطلحات مثل "السلاح المميت”. 
و"الإيادة". و"القدرة على التدمير" وغير ذلك أثناء وصف القدرات الكامنة للتخاطر في وكالة 


امخابرات الأمريكية. 


مقياس وكسلر للذكاء: العضلة التحتية للمخابرات 
تطور علم النفس كثيرا في الحرب العاءلية الأولى والثانية من خلال حركة القياس النفسي . وصمم 
اختبار ألفا 1917- 1918 وأعقبه اختبار التصنيف العام الذي اعتمد على قدرات ثرستون الأولية 
الأربع والتي يتوقع أن تقيس النجاح العسكري . وطور كل من الجيش والبحرية نسخة منفصلة من 
اختبار التصنيف العام . وأصبحت الخدمات المدنية الأخرى تحتاج لقياس القدرات والاستعداد . وما 
بعد سنوات الحرب احتاجت الصناعة للاختبارات التي أخذتها من علماء النفس, كذلك احتاج لها 
علماء النفس الاكلينيكيون . وصمم المهندسون اماكينات لكيما تتناسب مع مشغليها من الميكانيكيين 
ويتطلب ذلك اختبارهم لمعرفة ماذا يناسبهم وما لا يناسبهمء ويقوم أصحاب العمل باختيار 
المشغلين وذلك بقصد تدريبهم لاستخدام الآلات (بورنج. 1957) . و شرع علماء النفس في استخدام 
مهاراتهم في حل المشكلات العملية الملحة التي خلقتها الحرب العالمية الثانية . فإن تعبئة المدنيين في 
قوة محاربة على درجة عالية من الكفاءة الآلية قد تضمن مهام اختيار الأفراد لما يصلحون له على 
نحو مم يسبق لضخامته مثيل وطلب من الأخصائيين النفسيين اختبار قدرات المجندين وتحديد 
أهليتهم لكافة أنواع المهام ابتداء من طياري المقاتلات إلى الطهاة . كذلك فإن التطورات الهندسية 
الحديثة كحلول عصر السفر في الفضاء والأساليب الجديدة في استكشاف قيعان البحار إنما تتطلب 
اختبارات لقياس الاستجابة للتغيرات في قوة الجاذبية والانعزال الحسي والتوترات الأخرى غير المألوفة 


(فلوجل.1988) . 


111 


وكان لعلماء النفس بوكالة المخابرات الأمريكية دورا كبيرا في تطوير أبحاث القياس النفسي 
(ماركسء 1979). مثلاء قام جتنقر, أحد عباقرة علم النفس الذين يعملون في المخابرات. بخلق نظام 
فريد لقياس الشخصية وللتنبؤ ا مستقبلي بالسلوك. وسمى جتنقر هذا الخلق "نظام قياس الشخصية" 
والمشهور عند ال مخابرات باسم "باص". وتكمن أهمية نظام "الباص" بأنه يتوجه لفهم طبيعة العلاقة 
بين ضابط ال مخابرات الأمريي والعميل الأجنبي وهذا ما يقع في قلب عملية التجسس . واستخدم 
نظام الباص كذلك لمعرفة استجابة الأفراد بعد تناول كمية من الكحول. وتم استدعاء جتنقر أثناء 
أزمة الصواريخ الكوبية من قبل البيت الأبيض لكي يقدم مشورة عن كيفية رد فعل خروشجيف عن 
الضغوط الأمريكية. وكان لجتنقر حب استطلاع غير عادي عن دراسة الشخصية وكان يقضي ساعات 
طويلة في تطوير نظامه. كما كان له وسواس بهذا النظام. 

وبدا جتنقر في عمل هذا النظام قبل أن يلتحق بوكالة المخابرات الأمريكية عام 1950. وكان 
قبلها اموجه للخدمات السيكولوجية في مستشفى نورمان في أوكلوهاما. وحور جتنقر مقياس وكسلر 
لخدمة أهداف المخابرات ولاحظ تفوق الطباخين في اختبار المدى العددي التابع للمقياس والذي 
يقيس قدرتهم على تذكر الأرقام . ويتكون هذا المقياس من سلسلة من الأرقام الطردية والعكسية 
يطلب من ال مفحوص تذكرها وهو مقياس للذاكرة السماعية قصيرة المدى فضلا عن قياس الانتباه. 
كما لاحظ جتنقر فقر أداء غاسلي الصحون في تذكر الأرقام. ولاحظ كذلك بأن للطباخين سمات 
شخصية مختلفة عن تلك التي بالنسبة لغاسلي الصحون. ويمتاز الطباخون بالمحافظة على درجة 
عالية من الفعالية في بيئة مربكة ومشتتة للانتباه أثناء نبيح الزبائن باستمرار لطلبات طعام جديدة. 
ويحافظ هؤلاء الطباخين على هدوئهم بالاعتماد على مصادرهم الداخلية وعموما يقفلون أو يعزلون 
أنفسهم من الفوضى التي حولهم. ولقب جتنقر هذه السمة الشخصية الخاصة ب "التوجيه 
الداخلي" وهي عبارة عن الدمج النفسي بحيث يصبح الفرد هادئا. ومن جهة أخرى ليس لغاسلي 
الصحون القدرة على عزل أنفسهم من البيئة الخارجية وسمى تلك السمة "التوجيه الخارجي" . 


ويقول جتنقر بأنه إذا وجد درجات 


112 


عالية في اختبار المدى العددي لأي فرد يمكنه أن يقوم بحكم أولي عن شخصية ذلك الفرد 
(ماركسء 1979). 

وبجانب سمة التوجيه الخارجي والتوجيه الداخليء قام جتنقر بتحديد نوعين أساسين من 
السمات الشخصية الذين يمكن قياسهما بمقايبس وكسلر الفرعية الأخرى. واعتمادا على نتائج الفرد 
في اختبار رسوم المكعبات يستطيع جتنقر أن يحدد ما إذا كان الشخص "منظم" أو "مرن". وحسب 
وجهة نظره. فلدى الشخص المنظم القدرة على التعلم بالحفظ ولكنه عادة لا يفهم ما تعلمه بينما 
الشخص المرن يفهم الشيء قبل أن يتعلمه. ولكن المساهمة الأصيلة التي قدمها جتنقر ترتبط بالبعد 
الثالث للشخصية والذي يكشف فيه كيف يستطيع الأفراد تكييف سلوكهم الاجتماعي على متطلبات 
الثقافة التي يعيشون فيها. ووجد جتنقر بأنه يستطيع قياس هذا البعد الخاص بالتكيف بمقياس 
ترتيب الصور وهو من الاختبارات العملية أو الأدائية التابعة لمقياس وكسلر للذكاء وسمى هذا البعد 
" الدور التكيفي" أو "الدور التنظيمي". فالأشخاص بصورة طبيعية يميلون للأول ويتجاهلون الثاني. 
إن السؤال الهام ما علاقة النتائج التي توصل لها جتنقر عن أبعاد الشخصية بأعمال المخابرات؟ 

إن أفكار جتنقر الغريبة هذه يبدو أنها تعمل في المخابرات. ويستطيع جتنقر النظر في أداء 
الفرد في أي اختبار فرعي في مقياس وكسلر للذكاء وتبعا ذلك بإمكانه أن يقدم معلومات عن نقاط 
الضعف وكيف ممكن تحويل ذلك الشخص لجاسوس لوكالة ال مخابرات. وتبين لدى بعض ضباط 
ا مخابرات كيف يمكن استخدام نظام الباص في القبض على العملاء. نتيجة لذلك تم إعطاء جتنقر 
الوقت والدعم المالي لتحسين نظامه تحت رعاية جمعية البيئة الإنسانية. وأعتبر ضباط المخابرات بأن 
نظام الباص انتصارا عظيما للمخابرات لذلك يجب أن تستمر عملية تطويره. بالرغم من أن جتنقر 
عامم نفس كامل الدوام في وكالة المخابرات الأمريكية ولكنه عمل تحت تغطية مظلة جمعية البيئة 
الإنسانية. وفي عام 1962 حول جتنقر ومساعديه قاعدتهم من رئاسة جمعية البيئة الانسانية في 


نيويورك إلى مؤسسة تابعة لوكالة المخابرات الأمريكية أنشأت خصيصا 


113 


لهم في واشنطون وسميت "شركاء القياس النفسي". وعمل جتنقر رئيسا لهذه الشركة وتعمل هذه 
التغطية المخابراتية على تقديم خدمات لوكالة المخابرات في الخارج. وافتتح جتنقر شخصيا فرعا 
للشركة في طوكيو والذي تحول مؤخرا إلى هونج كونج وذلك لخدمة محطات المخابرات في الشرق 
الأدنى. بينما يقوم بقية علماء النفس وعددهم 15 في مكتب واشنطون بتغطية بقية أنحاء العالم, 
ومن بينه العام العربي» بواسطة إرسال متخصصين في القياس في فترات قصيرة. 
وتعاونت المخابرات الأمريكية مع الحكومة الكورية لتأسيس وكالة ال مخابرات الكورية, 
وطلبت محطة سيول من رئاسة المخابرات في أمريكا إرسال خبراء قياس نفسي- لاختيار كادر جديد 
من ضباط الشرطة والحربية (ماركسء 1979) . واستخدم مقياس وكسلر الكوري المعدل على 25 - 
0 ضابطا وتمت كتابة تقرير في نصف صفحة عن كل فرد يتضمن نقاط القوة والضعف والقدرة 
على اتباع النظام, والإيداع: والاضطرابات النفسية: والدافعية. وقدمت نتائج الاختبارات 
السيكولوجية للسلطات الكورية التي اختارت المجموعة المناسبة بناء على توصية الخبير النفسي 
التابع للمخابرات الأمريكية. وفي عام 1966 عمل ضباط المخابرات مع أحد علماء النفس في اختيار 
ضباط وحدة الشرطة في ارجواى وفي قسم مكافحة الإرهاب الذي يحارب عصابة حركة تومباردو . 
وطبق مقياس وكسلر على 20 مرشحاء وأوصت الدراسة بتقديم توجيه صارم للمجموعة المرشحة. 
ويبدو أن مساعدة علماء النفس في عملية اختيار ضباط الشرطة السريين في كل من كوريا وأرجواي 
مم يكن القصد منه هو مجرد اختيار رجال المباحث والمستجوبين الممتازين في هاتين الدولتين وإنما 
المقصود منه تحديد عينة الأشخاص الذين يمكن أن يستسلموا في المستقبل للمخابرات الأمريكية. 
وتوضح عملية التعاون هذه نوعية التبادل والاتصالات بين علماء النفس في المركز الأمريكي وفي 
اللاغرب . وقد يتم التساؤل عما إذا كانت هناك علاقة بين علماء النفس في أمريكا وعلماء النفس في 
العالم العربي؟ وبدقة أكبر من غير تحفظ بين سيكولوجيي المخابرات الأمريكية وسيكولوجيي 
المخابرات العربية ؟ 


114 


وتم صرف آلاف الدولارات من قبل جمعية البيئة الإنسانية وهي جمعية بحثية تابعة 
لوكالة المخابرات الأمريكية وأموال أكثر من قبل عقود القياس النفسي وكلها عبارة عن تمويل من 
المخابرات وذلك لتحسين وتمديد نظام الباص. مثلا دفعت الجمعية مبلغ 40000 دولارا بالنسبة 
لديفيد سوندرز من خدمات الاختبار التربوي وذلك لإيجاد علاقة بين نماذج الدماغ ونتائج اختبار 
المدى العددي وبذلك ساعد جتنقر بتطبيق النظام في دول أخرى. وأدرك جتنقر بأن اختبارات وكسلر 
الفرعية لها تحيزات ثقافية وكان لليابانيين توجيها داخيا في شخصياتهم خلافا للتوجيه الخارجي 
لشخصيات الروس. وتبعا لذلك تم تكييف النظام الأمريي أو تصميم نماذج محلية من نظام الباص 
بالنسبة للأمم المختلفة في العلم. ويوضح ذلك التقييم الوعي بالبعد عبر الثقافي في تطبيقات علم 
النفس خارج بلد المنشأ وكما يعبر في ذات الوقت على أعداد أدوات أكثر فعالية لخدمة المخابرات في 
كل الأماكن. 

وجد بعض علماء السلوك دعما من جمعية البيئة الإنسانية خاصة من كان لهم انطباع جيد 
عن نظام الباص. فمثلاء قام عالم النفس روبرت هايد بجعل هذا النظام جزءا رئيسيا من أبحاثه. 
وكان يطبق بصورة روتينة مقياس وكسلر لمفحوصيه قبل أن يقدم لهم الكحول وذلك كجزء من 
جهود وكالة المخابرات الأمريكية في معرفة رد فعل الأفراد عن الكحول. قام هايد ببناء غرفة 
للتجريب في مركز بوتلر الصحي وذلك بدعم من المخابرات الأمريكية. وبهذه الغرفة جهاز لعبة 
الكرة والدبابيسء ولعبة السهام ال مريشة (الدارت). ومن الخلف توجد مرآة يستطيع علماء النفس 
من خلالها ملاحظة ترنح السكرى وكتابة ملاحظات دقيقة عن رد فعلهم للكحول. وجد المراقبون» 
ومن غير غرابة» أن سلوك الأفراد الذين يتسمون بالتوجيه الداخلي يكون أكثر انسحابا بعد شراب 
كمية من الكحول بينما يصبح أصحاب التوجيه الخارجي أكثر ثرثرة ومفرطين في كمية الشراب. 
وبذلك كان جتنقر قادرا بأن يعمل تعميمات عن الكيفية التي يستجيب بها أصحاب التوجيه 
الداخلي وأصحاب التوجيه الخارجي للكحول. يستطيع جتنقر من خلال معرفة أداء الأفراد في اختبار 


المدى العددي في مقياس وكسلر 


115 


أن يتنبأ عن رد فعل الأفراد للكحول. ووجد هايد وهارولد من مستشفى جبل سيناء نفس 
الملاحظات التي سجلها جتنقر (ماركس, 1979). 

وشجع جتنقر علماء النفس الذين استلموا دعما ماليا من جمعية البيئة الإنسانية بأن 
يطبقوا مقياس وكسلر للأفراد وأن يرسلوا له النتائج. وبذلك استطاع جتنقر أن يبني قاعدة معلومات 
فريدة من نوعها عن كل مراحل السلوك الإنساني. مثلاء أرسل له مارتن أورن من جامعة هارفارد 
درجات الأفراد الذين كانوا في حالة من التنويم ال مغناطيسي. ويستطيع جتنقر من خلال هذه 
الدرجات أن مميز بين الأشخاص الذين كانوا في حالة من التنويم من الذين لم يكونوا في حالة تنويم 
مغناطيسي. وجمع جتنقر درجات مقياس وكسلر من مجموعات مختلفة شملت رجال الأعمالء 
والطلابء وعارضي الأزياءء والأطباء. وتبعا لذلك استطاع الحصول على درجات 29000 فرد بحلول 
السبعينات وكان مرفق مع كل نتيجة معلومات بيوغرافية. ووجد جتنقر بأنه ليس هناك نتائج 
متشابهة في مقياس وكسلر لأي فردين في كل العينة ا لمجموعة. 

كما كانت المقاييس النفسية أكثر الأدوات استخداما في المجال العسكري كذلك كانت أكثر 
الأدوات استخداما في مجال المخابرات. واستخدم مقياس وكسلر لذكاء الراشدين بفعالية لخدمة 
أغراض المخابرات في داخل وفي خارج أمريكا. ويعتبر هذا المقياس أحد العضلات التحتية التي تم 
استعراضها بقوة وفعالية في جمع المعلومات للمخابرات من جهةء ومن جهة أخرى جمع المعلومات 
من المخبرين أنفسهم بصورة مستورة . وعندما يتم تجنيد بعض العملاء الأجانب لعمليات التجسس 
لصالح المخابرات الأمريكية وعادة ما يجلس العميل لأداء مقياس وكسلر الكامل ويقوم مكتب 
واشنطون بتحليل نتائج العميل في المقياس وتقارن نتائج وكسلر بمكشاف الكذب ونتائج اختبار 
الشخصية . وأجريت الدراسات الارتباطية بين نتائج مقاييس الذكاء ونتائج مقاييس الشخصية 
بالنسبة لاختيار ضباط وعملاء المخابرات والمجندين في الجيش الأمريي. وفضلا عن ذلك ساعد علماء 
النفس الأمريكان في عملية اختيار الضباط في كثير من الدول غير الغربية. ولقد ازدهرت أبحاث 


116 


دون هوادة. وكذلك كشف علاقتها الارتباطية مع بعض المقاييس الأخرى. خاصة التي 
طورتها ال مخابرات لأغراض الحرب الباردة . 

وكان اهتمام جتنقر منصبا على كل أوجه أو سمات الشخصية. ولأنه يعمل لصالح المخابرات 
الأمريكية كان يؤكد على الأشكال ال منحرفة. وكان مهتما بصورة خاصة بنتائج الأفراد المتمردين الذين 
يرفضون قيم مجتمعاتهم. ويأمل جتنقر بأن يحدد الخصائص العامة للأفراد الذين أصبحوا خائنين 
لحكوماتهم وذلك بواسطة دراسة درجات المرتدين أو المنشقين من المخابرات في دولهم والذين جاءوا 
للغرب. وإذا تم تحديد هذه السمات فإن ذلك يمكن رجال المخابرات من دون شك بأن ينظروا 
لهؤلاء كعملاء مستقبليين لوكالة المخابرات الأمريكية. وقام مشروع جمعية البيئة الإنسانية في 
مستشفى لونيا في متشجان بتطبيق مقياس وكسلر على مجرمي الجنس. وأظهرت نتائج هؤلاء بأن 
الأفراد الذي لهم دوافع جنسية غير قابلة للتحكم لهم نماذج شخصية مختلفة عن الأفراد العاديين. 
ولقد سافر جتنقر للساحل الغربي وذلك لتطبيق مقياس وكسلر للذكاء لمجموعة من الشواذ جنسيا 
واللوايطة والشراميط. (القحبات) تحت رعاية جورج وايت في سانفرانسسكو. 

قدم نظام الباص سواء استخدم مباشرة أو بصورة غير مباشرة أداه سيكولوجية فعالة لوكالة 
المخابرات تساعد على قراءة أفضل بالنسبة للأفراد (الجواسيس) الذين يتعاملون مع المخابرات خارج 
أمريكا. وعادة ما يرسل عملاء الوكالة في المحطات الخارجية نتائج الباص مع نتائج التقييم 
السيكولوجي غير المباشر إلى واشنطونء وتبعا لذلك يقرر قسم شئون الأفراد هل يحاولون أو لا 
يحاولون تجنيد هؤلاء العملاء. وذكر أحد علماء النفس بوكالة المخابرات الأمريكية بأن نظام الباص 
يزود بمعلومات هامة عن كيفية ابتزاز الأفراد. مثلاء إذا كانت نتائج الفرد مشابهة لنتائج مجرمي 
الجنس فإن ذلك يشير لرفع الراية الحمراء لهذا الفرد. وبذلك يقدم نظام الباص أكثر الأسلحة فعالية 
للهجوم على الأفراد الذين يراد ابتزازهم. ويقول عالم نفس آخر بأن أي فرد دانما له شيء ما يريده 


وبواسطة الباص تستطيع أن تعرف ما هو هذا الشيء. وليس بالضرورة 


117 


أن يكون هذا الشيء هو الجنس أو الشراب المسكرء ربما يكون وضع أو اعتبار أو الأمان. ويضيف 
عام نفس آخر بأن الباص يتيح معرفة "النقاط الرخوة في الفرد". 

ومن المجالات الأخرى التي اهتمت بها جمعية البيئة الإنسانية (ماركس. 1979) أبحاث 
خط اليدء وتم توظيف نتائج تلك الأبحاث كملحق بالنسبة لنتائج الباص: وتم دعم بحث عن 
المطبوعات الأمانية في هذا المجال» وهناك اهتمام خاص بهذا الموضوع في أمانيا أكثر من الاهتمام به 
في الولايات المتحدة . وتم توظيف نتائج دراسات خط اليد مع نتائج نظام الباص ونتائج مقياس 
وكسلر . وليس من السهولة إجراء مقياس وكسلر الكامل على دبلوماسي روسي في أمريكا أو أي فرد 
آخر كان هدفا للمخابرات. ولذلك تلجأ المخابرات لدرسات سيكولوجية بصورة غير مباشرة. 

وفي الحرب العالية الثانية واجهت المخابرات الأمريكية مشكلة في دراسة شخصية هتلر 
وطلب من أحد العلماء عمل صفحة نفسية عن القائد الألماني . وتم كذلك توظيف تقنيات التحليل 
النفسي لفهم شخصية هتلر ومعرفة نقاط ضعفه التي يمكن استغلالها . وبرزت فكرة لدى بعض 
علماء النفس بأن هتلر ربما تكون له ميول أنثوية وتم اقتراح محاولة لوضع هرمونات انثوية في 
طعامه . وتم بالفعل عمل تحليل لكل المعلومات ا مجمعة عن هتلر بواسطة ا مخبرين مع عينة من 
خط يده وسلوكه ونماذج تفكيره التي تتطابق مع الخصائص المجمعة لنتائج عينة من 29000 الذين 
اجروا اختبار وكسلر . ويسمى ذلك في علم نفس المخابرات بالقياس غير المباشر. وذكرت الشرق 
الأوسط (2001) نقلا عن الواشنطون بوست أن ملفات وكلة المخابرات المركزية التي تم الكشف 
عنها خلال أبريل 2001 كشفت عن معلومات مثيرة من ملف هتلر اقتباسا من تقرير للدكتور 
فردناند ساوبروتشء أحد المقربين من هتلرءالذي قال في عام 1937 أنه ظهر على الدكتاتور الألماني 
علامات على جنون العظمة وأنه حالة بين العبقرية والجنون ومن المحتمل أن يصبح أكثر المجرمين 
جنونا في العالم. ولكن تلك ا معلومة مم تصل إلى علم الحكومة الأمريكية إلا في ديسمبر 1944 عندما 
أبلغ شخص الواقعة إلى مسؤول في مكتب الخدمات الاستراتيجية وحيث كانت تلك الصفات التي 


أشار إليها الطبيب قد أصبحت واضحة 


115 


سيكولوجيا الجنس والمخابرات 

تعمل بعض الحسناوات اللآقي سخت عليهن الطبيعة بجمال أخاذ ومع ذكاء وقاد و في ظل الأنشطة 
ا مخابراتية السرية على إدارة رؤوس كثير من الرجال حافظي أسرار الدول. ففي الليالي الحمراء إذ 
ترمي الفتيات اللعوبات الصناناير الحادة التي تتخطفها الأدمغة والتي يصعب حينها أن تكون 
حافظة للأسرار. وسوف نقدم في هذا الجزء من الدراسة مصطلح "المناكحة المعلوماتية" والذي نعني 
به تقديم خدمات جنسية مقابل الحصول على ا معلومات. إن الجاسوسة التي تعمل في مجال هذه 
المناكحةء فمن ناحية سيكولوجية» عليها ألا تتورط في علاقة عاطفية مع فريستها كما عليها أن توازي 
بين عملية جمع ا معلومات وبين الاستجابة الجنسية المقيدة لدوافع ضحيتها. وتبعا لهذا الفهم فإن 
الجاسوسة الموهوبة جمالا وذكاءا هي التي تتعلم كيف تعطي مقدار للحصول بلا مقدار من 
المعلومات. ويمكننا أن نعطي مثالا آخر يقرب الفهم بخصوص سيكولوجيا التوازن فمثلاء الجاسوس 
الذي تم غرسه في خلية لتجارة المخدرات فعليه أن يتعامل مع تجار ا مخدرات كتاجر مخدرات ومع 
المخابرات كضابط مخابرات وألا يتورط فعلا في تجارة المخدرات أو استلام رشوة حقيقية إلا بسبب 
جمع المعلومات. كما يوضح ذلك فلم "أرض الخوف" الرائع والذي كان بطله الممثل القدير أحمد 
زي. 

إن علاقة الجنس بعلم النفس أو بصورة معكوسة علاقة علم النفس بالجنس, وعلاقة 
الجنس بالمخابرات علاقة لا يخطئها التمحيص الدقيق» أو حتى الملاحظة العابرة . ويتعزز علم النفس 
المخابراتي بوقود ذكوري قد يكون ساديا لا يجد تنفيسا حقيقيا إلا في أنوثة مازوكية وحينها تتجاذب 
أقطاب المغناطيس المتنافرة في نوع من المناكحة التي تتوفر فيها عناصر التضاد والطباق والمقابلة 
المكمل بعضها للبعض الآخر . قد تقوم بعض المومسات اللآئي تدرين بتكنولوجيا السلوك في الغواية 
ا مستميلة وعلاقتها بالغة التعقيد بالمعرفة وتؤدي إلى مناكحة وحشية باطشة يستخدم فيها العدوان 
النفسي الضاريء والعدوان الجسدي ال مروع في بعض الأحيان بصورة مفترسة وعاتية . ونجدد التساؤل 


كيف تعمل هؤلاء الحسناوات الفاتنات في حفظ التوازن المزدوج والدقيق ما بين العاطفة والمهنة ؟ 


119 


واستخدم الجنسء, ويستخدم بفعالية: في عمل الاستخبارات وعن طريقه يمكن تدجين 
وابتزاز العملاء أنفسهم لحد الانهيار النفسي, وكما عبر غونكورت ( 1960., اسكنرء 1980). "يستطيع 
المرء أن يدجن شعبا كما يدجن الأسود بالاستمناء" . وفي ظل الاستخبارات قد يتساءل أحد بصورة غير 
مستورة كم من حسناء أمانية» أو إنجليزية» أو روسية: أو أمريكية» أو إسرائيلية نذرت جسدها 
وأظهرت شبقها لتقديم خدمات جليلة لبعض العرب في الأماكن أو المناصب الحساسة؟ ولقد اقتضى 
ترتيب الجنسيات تبعا لتطور التراتيب في تطور علم النفس وعلاقته بالمخابرات» وإن "المناكحة 
ا معلوماتية", تقع في قلب عملية التجسس والحرب الباردة . وقد أدت هذه ال مناكحة لعشرات 
الاغتيالات فمثلا صار ضحيتها يحيى المشد. العاط والعبقرية الفذة. الذي كان يعمل في المفاعل 
النووي العراقي والذي سافر لفرنسا لاستلام بعض المواد المشعة . وفي إحدى فنادق باريس العامرة 
باستخباراتها الإسرائيلية زهقت روحه بهدوء وببراعة مع حسناء فرنسية» أو "مومس فاضلة" . 

نحاول في الجزء التالي أن نقدم بعض النماذج عن توظيف النساء أو بلغة أدق توظيف 
الجنس في أعمال التجسس. وسوف نقدم بعض الأمثلة من كوباء والفليبين والعراق والمخابرات 
الأمريكية ونقدم بعض التفاصيل من الأساليب الموسادية في المناكحة المعلوماتية. أوردت مجلة "دير 
شبيجل" الألمانية قصة الحب بين الزعيم الكوبي الثائر فيدل كاسترو وصديقته الألمانية الفاتنة ماريتا 
لورينتز عملية المخابرات الأمريكية. وفقا للمجلة بدأت علاقة كاسترو مع ماريتا في 28 فبراير 1959 
عندما رست الباخرة الأطانية "برلين" في ساحل خليج هافانا بكوبا. ولم يسبق لكاسترو أن كان على 
متن هذه الباخرة الفاخرة فقرر تأدية زيارة لها. وكان القبطان يغظ في نومة القيلولة تاركا قيادة 
الأمور لابنته ماريتا (19 سنة) حينما صعد كاسترو إلى السفينة ورحبت به ماريتا بالقول "أنت الآن 
على الأراضي الأطانية" فأجابها كاسترو بالقول "نعم, لكنك في مياهي الاقليمية". وعرف رئيس حرس 
كاسترو أن شيئا يجري بين رئيسه وابنة القبطان لأنها كانت معجبة بالمقاتلين. وحسب دعواها فإن 


كاسترو عرض عليها العمل لديه كسكرتيرة وأنه سأل عن عنوانها قبل سفرها. 


100 


وأرسل كاسترو فيما بعد رئيس حرسه إلى نيويورك حيث كانت عائلة لورينتز تقيم 
ليصطحب ماريتا. وطلبت الأخيرة ليلة واحدة للتفكير ثم غادرت بعدها إلى هافانا في اليوم الثاني 
لتقضي سبعة اشهر "ساخنة" فيها. ثم حدثت القطيعة عندما كانت ماريتا حاملا من كاسترو في 
الشهر الخامس وأجبرها الحرس الكوبي على الإجهاض. وفي هذا الأثناء حاول طرفان التقرب إلى 
عشيقة كاسترو "السي آي ايه" و"المافيا" بغرض اغتياله. وتولى فراك الضابط با مخابرات والمشرف على 
ماريتا مهمة إقناعها على اغتيال كاسترو. وتم تسليم أقراص السم إلى جون روزيلي من المافيا وذلك 
في فندق فونتين بلو في ميامي والذي سلمها بدوره إلى ماريتا التي كادت أن تنجح في اغتيال كاسترو. 
ولكن اقتادها رجال كاسترو إلى غرف فندق هافانا وهي تحمل الأغراص السامة في علبة مرهم إلا 
أنها قذفت بها في التوليت قبل حضور كاسترو "لأن الحب كان أقوى". وتقول ماريتا أن غرفة فندق 
هافانا شهدت حينها آخر فصل في الحب بدلا من آخر فصل في الجريمة (أنظر الشرق الأوسطء 
سبتمبر 2000). 

كثيرا ما تجند المخابرات بعض الفاتنات من عارضات الأزياء والراقصات وسيدات الجمال 
بقصد المناكحة ال معلوماتية. فمثلاء قامت جماعة أو سياف المشهورة في الفليبين بعدة عمليات 
اختطاف ناجحة دوخ بعضها العالمم. ولعبت هذه الجماعة بأعصاب الكثير من الأفراد والجماعات. 
وقدمت الكثير المجهودات لحل أزمة الرهائن ومن بينها المجهود الكبير لسيف الإسلام القذافي. ومن 
المجهودات الطريفة المقدمة إعلان كبير المفاوضين الفليبينيين روبرتو افتتانوه عن تقديره للعرض 
المقدم من نجمة السينما الفليبينية "مارينيلا موران" على زعيم جماعة أبو سياف الدينية "غالب 
إندانج"”» تمضية أسبوع كامل من اللذة مقابل الإفراج عن الرهائن الفليبينيين الذين تحتجزهم 
المجموعة في جزيرة جولو بجنوب الفليبين. وقالت النجمة موران "أريد المساعدة على إعادة السلام 
إلى بلادناء ولذلك أنا مستعدة لأن أعرض عليه أسبوعا من اللذة يفعل خلاله كل ما يشاء في مقايل 


الإفراج عن جميع الفليبينيين الذي يحتجزهم (الشرق الأوسطء أغسطس 2000). 


121 


واتهمت صحيفة "صندي تلجراف" البريطانية في مقال لها النظام العراقي بإرسال عميلات 
مدربات إلى لندن لاختراق أوساط ال معارضة واغتيال المنشقين. وفي رد فعل على هذه المقالة قالت 
وزارة الخارجية البريطانية "أن أحداثا من هذا النوع وقعت في الماضي في لندن وفي بلدان غربية 
أخرى". وأشارت الصحيفة إلى أن استخدام النساء كعميلات وضع الأجهزة الأمنية في حالة تأهب 
قصوى. وأوضحت الصحيفة أن غالبية النساء اللواتي يتم إرسالهن يمارسن مهنة الرقص أو التمثيل. 
وطبقا للصحيفة فإن العملية التي تحمل اسم "صقر" أطلقت رسميا في السادس من يوليو عام 2000 
أثناء اجتماع للمسؤولين عن الأمن والاستخبارات العراقية (البيان يوليو 2000 ). وفيما بعد اتهمت 
الراقصة الشهيرة ملايين بالتجسس لصالح المخابرات العراقية. 

وفي المخابرات الأمريكية وعن طريق جمعية البيئة الإنسانية تم دعم دراسة سيكولوجية 
تتعلق بمقارنة نتائج خط اليد (القرافولوجي) ونتائج مقياس وكسلر للذكاء على عينة من عارضات 
الأزياءء واللوطية والساحقات. ويذكر أحد علماء النفس المتقاعدين من وكالة المخابرات الأمريكية 
وهو جيمس كيهنر بأنه سافر إلى نيويورك عام 1969 لتطبيق مقياس وكسلر للممرضة أمريكية نذرت 
جسدها لخدمة بلدها. وكان عام النفس بالمخابرات يريدها أن تنام مع عميل روسي. إما أن يقع 
الروسي في غرام هذه الممرضة الأمريكية ومن ثم يرتد من المخابرات السوفيتية أو يمكن ابتزازه 
بفضيحة جنسية. ويريد كيهنر أن يرى ما إذ استطاعت هذه الممرضة أن تنام معه من غير أن تتعلق 
به عاطفيا. ويقول كيهنر بأنه أصبح مشمئزا من تقنيات الوقوع في الشرك وخاصة بعد مشاهدة فيلم 
جنسي عن أحد العميلات تنام في السرير مع مجند مرشح. ويقول بأن مجموعة من ضباط المخابرات 
الميدانيين يجدون بهجتهم من هذه الأعمال المثيرة وباستخدام كمرة خفية لتصوير اللقطات المفضلة 
بالنسبة لهم. إن تقنيات الجنس التي تطورت في البيت الآمن في موكلترا بنيويورك وسان فرانسسكو 
كانت مفيدة في الاستخدام في العمل المخابراق. وبمجرد أن يكشف نظام الباص عن مجند له 


122 


يوضع هذا العميل تحت مظلة الضغط حتى تتم عملية إسقاطه ومن ثم قطع الخيوط 
التي تربطه بدولته. 

إن استخدام النساء شائع في كثير من الأعمال ولكن يبدو أنه ليس هناك من يجيده أكثر من 
المخابرات الإسرائيلية. وتلعب المناكحة المعلوماتية دورا هاما في أعمال الموساد الميدانية والتي على 
درجة عالية من الستر. وعادة ما يتم تدريب ال مرشحين الجدد على كيفية توظيف الجنس في أعمال 
جمع المعلومات أو التجنيد بعد الابتزاز. وفي مبنى قيادة الموساد بإسرائيل هناك ما يسمى ب 
"الحجرة الصامتة". وهناك شبه اتفاق بين رجال الموساد أن يقيموا اتصالات جنسية. ويذكر أحد 
مرشحي الموساد "ما خيب أملي أنني اعتقدت عند حضوري إلى هناك أني أدخل معبد إسرائيل 
اممهيب فإذا بي في سدوم وعمورة". وكان كل شخص في الموساد مرتبط بشخص آخر من خلال الجنس 
والذي يشكل نظاما متبادلا من الخدمات المتبادلة» أنا أدين لك. وأنت تدين لي. أنت تساعدني وأنا 
أساعدك. 

كانت أغلب السكرتيرات في مبنى الموساد على درجة عالية من الجمال. وهذا أحد شروط 
اختيارهن وقد يصل الأمر حد الطلب إليهن أن يكن "جاهزات للاستعمال" يي يتمشى ذلك مع 
العمل. وكان بعض العملاء لهم سطوة غير عادية على النساء فوصف أحدهم "كان جذابا للنساء 
كا مغناطيس". ويصف أحد مشكلات الخيانة الزوجية في الموساد "هذا هو الشخص الذي تأمنه على 
حياتك, لكن يجدر ألا تأمنه على زوجتك. فقد تكون في بلد عري, في الوقت الذي يقوم فيه بإغواء 
زوجتك. واصبح من المألوف جدا إذا ما تقدم شخص للعمل في المتسادا أن يطرح هذا السؤال" لماذا 
أنت من ذوي القرون؟" أي الذي تخدعهم زوجاتهم. وكان لدى بعض رجال الموساد عدد من 
الخليلات وتستخدم شقق هؤلاء الخليلات كبيوت مأمونة: يقيم عملاء الموساد بالمبيت في كل ليلة في 
شقة مختلفة (استروفسكي وهويء. 1990). 

وفي الموساد لا يمكن تصور الأهمية التي يلعبها الجنس في حياة الكاتسا (جامع المعلومات). 


فعامل عدم اليقين يعنى الحرية المطلقة. فإذا ما التقى الكاتسا بمجندة 


123 


وأراد أن يقضي نهاية الأسبوع معهاء فالأمر سهل لأن زوجته اعتادت على حقيقة غيابه عن 
البيت. وهذا النوع من الحرية مرغوب فيه. والطرافة الحقيقية أنك لا تستطيع أن تصبح كاتسا في 
الموساد ما لم تكن متزوجاء و لا يمكنك السفر إلى الخارج» وهم يقولون أن شخصا غير متزوج سوف 
يسعى للعبث مع الفتيات وقد يلتقي بواحدة تكون عميلة مزورة. هذا في حين أن الجميع كانوا 
يعبثونء مما يجعلهم عرضة للابتزاز. وتوجد منطقة على طول الشاطئ الشمالي من تل أبيب اسمها 
تل برباخ. حيث تقف بنات الهوى في انتظار زبائنهن من الرجال الذين يأتون إلى هناك بسياراتهم, 
ويأخذوهن خلف الكثبان الرملية لعمل أشياء معينة. وينطلقوا بعدها بسياراتهم. لذلك قرر أحد 
عملاء الموساد أن يستخدم معدات التصوير الليلية في التقاط بعض الصور الفاضحة. وبالطبع: 
حسب تفكير الموساد» فإن التقاط مثل هذه الصور قد يكون وسيلة إقناع قوية في تجنيد العملاء. 

ففي سيكولوجيا الاستخبارات الإسرائيلية تم تكريس انتباه خاص للأفخاخ الجنسية. حيث 
تلتقط صور لنساء شابات في أوضاع مثيرةء وتستخدم لابتزاز الأشخاص المطلوب منهم التعامل مع 
الجهاز. وتم تحذير النساء بعدم التردد على محلات الألبسة ومؤسسات التجميل التي لا يعرفن 
أصحابها لاحتمال وجود كاميرات مخفية في غرف تغيير الملابس أو مخدرات تستخدم ضد النساء. 
كان التهديد بنشر تلك الصور سلاحا قويا في مجتمع مسلم تقليدي. ويمكن أن يستغل الشين بيت 
الزيارات التي يقوم بها المواطنون العرب إلى مركز الإدارة المدنية لتلقي تصاريح المرور. وكان الشين 
بيت يعتمد طريقة إظهار أن السجين الفلسطيني أو الموقوف قد أصبح مخربراء وذلك بتعريضه 
لانتقام زملائه السجناء (بلاك وموريسء 1992). ولقد تم تركيب بعض الصور الجنسية الفاضحة 
بصورة فائقة بهدف الابتزاز أو المساعدة في جمع المعلومات. ولقد تم تصوير بعض القادة العرب من 
خلال عملية التلاعب بالأفخاخ الجنسية . وتلعب هذه العمليات الابتزازية وفق نشاط رجال 


الكاتساء وتبعا لسيكولوجيا الجنسء دورا مركزيا في الحرب النفسية. 


124 


وهناك رواية عن مسؤول كبير في إحدى الدول العربية تم تصويره في الفراش مع غانية تم 
تجنيدها لهذا الغرضء وطلب منها أن تتخذ أوضاعا معينة بحيث تظهر الصور وجه المسؤول وأكثر ما 
يمكن من التفاصيل. ثم قامت الموساد بعد ذلك بعرض دليل مغامراته الماجنة ووضعوا الصور أمامه 
على منضدة وهم يقولون "قد ترغب في أن تتعاون معنا". لكن بدلا من أن يكون رد فعله الصدمة 
والخوف أعجب المسؤول بالصور وقال "هذا رائع", "سأأخذ صورتين من هذا الوضع وثلاث صور من 
ذاك؟ وأضاف أنه يرغب في عرضها على جميع أصدقائه؟ ولا داعي للقول أن تلك الطريقة في تجنيده 
قد فشلت تماما. 

التنويم المغناطيس وال مخابرات 

استخدم التنويم المغناطيسي في الاستخبارات عند بعض الدول على نطاق واسع (بوست,. 1990؛ 
ماركسء 1979؛ وين» 1983).: وإن احسن الأسرار في بعض الأحيان قد تستحضر عن طريق تنويم 
شخص والطلب إليه الإتيان بالجواب . وليس هناك تقنية في مجال التحكم العقلي جذبت الانتباه 
العام أكثر من التنويم المغناطيسي (عالم الجواسيس, 1991) . وكان أول من توصل إلى إيجاد حالة 
النوم الهادئ "الغيبوبة" وهي الحالة التي تعتبر جانبا أساسيا في التنويم المغناطيس هو المركيز 
بيسجور أحد تلاميذ مسمرء فبينما كان يحاول إحداث الهزة العصبية الهستيرية العادية لشاب راعي 
غنم يدعى فيكتور باستخدام طريقة التنويم بالتأثير ا مغناطيسي, اكتشف الركيز أن فيكتور راح في 
نوم هادي مم يستيقظ منه إلا بعد وقت طويلء وم يستطع فيكتور أن يتذكره بعد أن أفاق لنفسه . 
وحالات فقدان الذاكرة هي حالات شائعة من حالات الغيبوبة العميقة. وهي حالات لا يستلزم 
الإيحاء بها للشخص المنوم؛ ولكنها حالات تعتبر نتيجة تلقائية لحالات الغيبوبة العميقة, فإذا م 
تكن حالة الغيبوبة عميقة بالدرجة الكافية وجب على المنوم أن يوحي إلى الشخص المنوم بضرورة 
نسيان كل ما حدثء وعادة ما تطاع مثل هذه الأوامر بسهولة. ولذلك فإن هناك استمرار بين 


اللحظة الأخيرة قبل أن يروح الشخص المنوم 


125 


في غيبوبة» وبين اللحظة الأولى عندما يستيقظ وهو لا يذكر تماما أي شيء حدث بين اللحظتين (نصرف 
8). 

وهناك طريقة تقليدية ينوم عن طريقها الإنسان مغناطيسيا وذلك عن طريق الأفعال 
ا منعكسة الشرطية التي تحولت في الإنسان منذ أن كان طفلا بالنسبة للنوم وذلك بأن يرقد الشخص 
على ظهره على سرير ومخدة ناعمة منخفضة في حجرة دافئة ومظلمة بعض الشيء. ولا بد من إزالة 
كل أعراض وبواعث القلق التي يحسها الشخص قبل بداية التنويم» وذلك من خلال مناقشة الشخص 
وتهدئته ثم يبدأ التركيز على أي شيء. بأن يثبت عينيه على قلم أو محبرة ويبدأ المنوم المغناطيسي- في 
الإيحاء للشخص بالنوم» وعندما تبدأ العينان في الإغلاق يستمر المنوم المغناطيسي في الإيحاء بنوم 
أعمق كأن يوحي بثقل الجسم والأطراف وهدوء معدل التنفس تماما كما يحدث عندما ينام الإنسان 
نوما طبيعيا. وهناك ثلاثة طرق للإيحاء (أ) الإيحاء المباشر تحت التنويم (ب) الإيحاء غير المباشر 
تحت التنويم (ج) الإيحاء بعد التنويم. وتشمل الظواهر النفسية للتنويم زيادة قابلية الإيحاءء. 
والإلفة مع المنوم المغناطيسي وفقدان الذاكرة المصاحب للتنويم العميق والقدرة على الاتصال 
بالعقل الباطن (عكاشة: 1986). ولكن اختلفت الآراء حول نسبة الأشخاص الذين لهم قابلية للتنويم 

قام هلقارد وزملائه في جامعة استانفورد بتطوير مقياس لإيحاء التنويم المغناطيسي من 
خلال وضع معايير محددة لتقييم استجابة الأفراد لبعض ا مطالب تحت حالة التنويم المغناطيسي 
مثل "لا يمكن أن تفصل يدك" و "لا ممكن أن تقول اسمك". وتوصل هلقارد إلى أنه بين 9010-5 من 
الأفراد لهم قابلية عالية للتنويم المغناطيسيء ونفس النسبة تقاوم بكلية عملية التنويم المغناطيسيهى 
بينما يقع بقية الأفراد بين المجموعتين. وهناك مجموعة من الأقراد يمكن أن تنام مغناطيسيا بكل 
بسهولة. ولكن قال بروفسر باربر من جامعة كاليفورنيا بأن كل فرد قابل للتنويم وأن الأفراد الذين 
يقاومون التنويم مم يقاوموا التنويم نفسه إنما يقاوموا الوسائل التقليدية ا مستخدمة فيه. إذ يرفض 


بعض الأفراد النغمات البطيئة والمتكررة مثل "سوف تشعر بأنك سوف تنوم" و"سوف تقفل 


126 


عينك". وحسب اعتقاده بأنه إذا تبنى الخبير الذي يقوم بعملية التنويم وسائل غير 
تخاطبية وغير تسلطية سوف يكون هناك نجاح للتنويم المغناطيسي- الكامل بنسبة 96100. فقد 
أجري بروفسر باربر نفسه تجربة للتنويم المغناطيسي نوم فيها 27 فردا وعرضهم جميعا لإثارة 
كهربائية مؤللة في الأسنان . ولم يشعر كل ال 27 بأي نوع من الأم كما أوضحت النتائج. 

وفي أواخر الأربعينات اختبرت وكالة المخابرات المركزية المنوم المغناطيسي وجربت اجتماع 
مخدرين مثل سيكونال ونبتوثال الصوديوم ويتبعهما امفتامين قوي مثل دكسرين أو ديزوكسين. 
وكانت الفكرة وراء ذلك هي المحافظة على عام متألق من الشعور واللاشعور. وتم تعليق زجاجات 
تحتوى على مخدرات تدخل عن طريق الأوردة. ولها ساعد وصمامات للتحكم في حجم التدفق 
بحيث يمكن المحافظة على الشخص ف الحالة ا مرغوبة والمطلوبة. وأدى هذا البحث المثير في عملية 
التحكم بالسلوك إلي اختبار الهروين وامورفين والميثادون والكوكايين وحامض اللسيرجيك . وتم بحث 
"مخدر الحقيقة" وهو المخدر الذي يوصل إلى الحقيقة أو إلى اعتراف صريح من قبل ال مستجوب. 
وعندما تستعمل المخدرات مع التنويم المغناطيسي والإكراه. فلن يحفظ الشخص المستجوب بأي سر 
لفترة طويلة (بوستء 1990) . 

وحلم بعض الأفراد باستخدام ساحق لقوة التنويم المغناطيسي- لإجبار الآخرين لتنفيذ 
أوامرهم. وحاولت وكالة المخابرات الأمريكية أخذ هذا الحلم في الأيام الأولى للحرب الباردة مأخذ 
الجد باستخدام التنويم المغناطيسي. وناقش مجموعة من الخبراء المهنيين بأن التنويم المغناطيسي 
يقود لاكتشافات عظيمة في عام التجسس. وأثار التنويم المغناطيسي فضول أول عالم نفس في وكالة 
المخابرات الأمريكية وهو موريس آلان والذي قرأ كل ما وجد عن التنويم المغناطيسي كما ذهب 
لنيويورك لورشة مع أحد خبراء التنويم المغناطيسي. وحى هذا الخبير لألان عدة حكايات كيف أنه 
يستخدم التنويم المغناطيسي في غواية النساء. ومن بين الحكايات التي ذكرها كيف انه اقنع امرأة 


تحت مظلة التنويم المغناطيسي بأنه زوجها وأنها شديدة الحاجة إليه. إن هذه العينة من 


127 


الخداعات لها مكانها في العمليات السرية. وقام آلان بكتابة تقرير لمرؤوسيه عن التنويم 
المغناطيسي وإدعاء الخبير بأنه قضى خمس ليالي في الأسبوع خارج المنزل في حالة من الاتصال 
الجنسي مع هذه المرأة المنومة مغناطيسيا (ماركس. 1979). 

وتعمق آلآن في دراساته عن التنويم المغناطيسي في مكتبه بوكالة المخابرات الأمريكية. 
وطلب من السكرتيرات صغار السن في وكالة المخابرات للبقاء بعد الدوام وذلك بهدف القيام 
بالتنويم المغناطيسي هادفا بذلك أن يقمن بما يريده منهن. وكانت له بعض السكرتيرات اللائي 
يسرقن الملفات ويقمن بتسليمها للغرباء كلية وبذلك نقضن أهم قاعدة أمنية أساسية في وكالة 
المخابرات الأمريكية. وبعملية التنويم اللغناطيسي جعل هؤلاء السكرتيرات يسرقن من بعض البعض 
ويحرقن الملفات. وجعل إحداهن تحضر لغرفة نوم أحد الغرباء ومن ثم كانت في حالة من النوم 
العميق. وتؤكد هذه العينة من الأنشطة السيكولوجية بأن الأفراد تحت حالة التنويم المغناطيسي- 
يمكن استمالتهم وابتزازهم من قبل المخابرات. وغالبا ما تكون هؤلاء السكرتيرات على أهبة 
الاستعداد لتقديم خدمات للزبائن بغرض جمع المعلومات في حالات الصحو وحالات الغيبوبة على 
حد السواء. 

قام عالم النفس جوتيب وزملائه بمواصلة جهود آلان وعمل تجارب عن التنويم المغناطيسي- 
طدة عامين لخدمة المخابرات الأمريكية. وقاموا ببعض التجارب الأساسية في المكتب كما كان يفعل 
مورس آلان ولكنهم فيما بعد تركوا معظم العمل لمرشحي الدكتوراه في جامعة مينسوتا. فمثلاء حول 
سيرس مشروع دراسته التابعة للمخابرات الأمريكية لجامعة دينفر وذلك للعمل مع الطلاب لمعرفة 
طبيعة التنويم المغناطيسي. وكان من بين الأشياء التي يبحث عنها هل يمكن للمنوم أن يخلق 
شخصية منفصلة تماما؟ هل بمقدور الشخص الذي أرسل في مهمة سرية لا يتذكر عنها شيئا إلا إذا 
تم تصحيته من النوم بواسطة خبير التنويم المغناطيسي؟ وقام جوتيب باستدعاء سيرس بعمل تجربة 
عن التنويم ا مغناطيسي للمجموعة مختارة من ضباط وكالة المخابرات الأمريكية. وكان مورس آلان 


يريد أن يؤدي "التجربة الإنتهائية” ربمما يقصد بها تجربة 


128 


حتى الموتء ليعرف ما إذا كان الفرد الذي حدثت له عملية فقدان ذاكرة في التنويم 
المغناطيسي يمكنه أن يتحمل العذاب. وناقشت وكالة المخابرات الأمريكية أعمالا مشتركة في التنويم 
ا مغناطيسي مع أحد الاستخبارات خارج أمريكا. وتحت مظلة حرية الحصول على المعلومات حاول 
ماركس (1979) تتبع عملية قيام تجارب التنويم المغناطيسي واختبار العقاقير بالتعاون مع المخابرات 
الأجنبية ولكن رفضت وكالة المخابرات الحصول على هذه الوثائق. وكان تبرير المخابرات بأن معرفة 
هذه الوثائق ربما يكشف عن مصادر ومناهج وكالة المخابرات الأمريكية وذلك معفى بواسطة 
القانون. 

وسأل مكتب مكافحة التجسس في واشنطون محطة ال مخابرات الأمريكية في مدينة مكسكو 
للبحث عن مرشح مناسب لتجربة تنويم مغناطيسي سريع. وقام المكتب بترشيح أحد العملاء والذي 
عمل السوفيت على أن يكون عميلا مزدوجا بصورة واضحة. وبالفعل سافر أحد خبراء مكافحة 
التجسس من مكتب واشنطون وكذلك مستشار في التنويم المغناطيسي من كاليفورنيا وذلك للقيام 
بتجربة التنويم المغناطيسي.. وأوصي مسئولو مشروع مكولترا. ومن بينهم عالم النفس جتنقرء 
بإستخدام التنويم المغناطيسي في تجارب عمليات الاستخبارات. فمثلاء كان هناك عميل هام مزدوج 
يعمل في الخارج ذكر لرئيسه في المخابرات بأنه خائف من الرجوع لبلده ثانية وبأنه لا يتحمل عملية 
الاستجواب العنيفة من قبل حكومته والتي تتم عادة عند عودة رجال المخابرات من الخارج. وطبق 
عليه رجال المخابرات في واشنطون تقنية التنويم المغناطيسي مع بعض العقاقير وذلك لتغيير اتجاه 
العميل. ويأملون بذلك بأن يعطوا العميل حصانة تمكنه من تحمل الأسئلة العنيفة في حالات 
الاستجواب. وكانت هناك ثلاث أهداف لمشروع مكافحة التجسس وهي (1) إحداث التنويم 
ا مغناطيسي بصورة سريعة بالنسبة لأشخاص غير عابلين بذلك (2) خلق حالة من فقدان الذاكرة 
ا لمحتملة (3) زرع إيحاء متحمل وخلق بعد تنويمي مفيد عمليا في الفترة التي تلي حالة التنويم 
المغناطيسي. ولم تسمح وكالة المخابرات الأمريكية بالحصول على الوثائق الخاصة عن "التجارب 


الحقلية" عن الهدفين الآخرين وهما مدماكان رئيسيان في مشروع "مرشح منشوريا". 


129 


أشارت عدة كتب عن محاولة تطبيقات المخابرات الأمريكية لتقنية التنويم المغناطيسي- 
كوسيلة لبرمجة القتلة أو في إرسال رسائل سرية للغاية والتي تنسى بمجرد استلامها (وينء 1983). 
ومن بين هذه الكتب "المتحكمون في العقل" لسشيلفين وابتونء و"عملية التحكم في العقل" بواسطة 
بوارت» و"البحث عن إنسان منشوريا" لماركس. وتم التساؤل هل من الممكن إقناع الأشخاص تحت 
تأثير التنويم المغناطيسي بارتكاب الجرائم بما يتعارض مع أخلاقهم ومعتقداتهم ؟ وفي إحدى التجارب 
التي أجريت على جندي أمريكي وضع في حالة غيبوبة كاملة في حضور ضباط برتب كبيرة من 
الجيش. ووقف ضابط برتبة عقيد أمام الجندي وعلى مسافة 10 أقدام منه ثم وضع الجندي حينئذ 
في حالة غيبوبة» ووجه إليه هذا الإيحاء : "سوف تفتتح عينك بعد دقيقة . سوف ترى أمامك جنديا 
يابانيه إنه يممسك بالسونكيء وهو يستعد لقتلك إذا م تبدأ بقتله. عليك أن تخنقه بيدك" وفتح 
الجندي عينيه» وبدأ يزحف للأمام ببط وأخيرا قفز قفزة سريعة وأوقع الضابطء وبدأ يضرب رأسه 
ويخنقه بيديه. وتطلب الأمر ثلاثة رجال من المخابرات لشده وإبعاده عن الضابطء وم يعد إلى 
هدوئه إلا بعد أن استطاع المنوم أن يرسله في سبات عميق . وقال الضابط أن هجوم الجندي عليه م 
يكن تمثيلاء وأنه كان من الممكن أن يقتله أو يصيبه بإصابات خطيرة لولا أن هب الآخرون لإنقاذه . 
وما كان ضرب ضابط في الجيش مخالفة خطيرة فإنه يتضح لنا أن خبير التنويم المغناطيسي- اللماهر 
يستطيع بسهولة أن يؤثر على الفود المنوم ويحثه على الإتيان بأعمال خطيرة (نصر, 1988). يبدو أن 
علماء النفس بال مخابرات يحلمون أو يبحثون عن مقدار أكبر وأروع من التحكم وتشكيل سلوك 
الإنسان كسلوك الآلة . وتوضح التجربة التالية حالات الغيبوبة التي يمكن أن توظف بصورة درامية 
في أعمال المخابرات . 

وتنب بعض الخبراء بأن تقنية التنويم المغناطيسي- سوف تقود إلى تقدم هائل في مجال 
التجسس . ووضح بأن الأفراد تحت عملية التنويم المغناطيسي يمكن أن يتعرضوا لحالات من الشبهة 
والفضيحة والابتزاز . وتم إجراء إحدى التجارب المروعة عن التنويم المغناطيسي ‏ سميت ب"مرشح 


منشوريا" أو "القاتل المبرمج" . وقام خبير التنويم 


1130 


المغناطيسي في المخابرات بعملية تنويم لإحدى السكرتيرات في حالة من الغيبوبة العميقة 
وطلب منها الاستمرار في النوم حتى يأمرها بطريقة أخرىء ثم قام في نفس الوقت بتنويم سكرتيرة 
ثانية وأوحى لها بأنها لا يجب أن تتردد في القيام بعملية قتلء وترك مسدسا بالقرب منها فما كان 
من هذه السكرتيرة إلا أن أخذت المسدس وأطلقت النار على صديقتها النائمة مغناطيسيا . وعندما 
قام الخبير بإيقاظ القاتلة من غيبوبتها كانت قد أصيبت بحالة من فقدان الذاكرة وأنكرت أنها م 
تفتل أحد . 

وتم التساؤل من قبل الخبير النفسي إلى أي حد يمكن أن يقوم التنويم المغناطيسي بنفس 
النتائج المذهلة والدراماتيكية في عمل المخابرات ؟ وهل يمكن أن يحدث خبير التنويم المغناطيسي- 
شخصية منفصلة تماما بالنسبة للعميل ؟ وإلى أي حد يمكن إرسال العميل في مهمة لا يتذكر عنها 
شيئا حتى يرجع ويوحي إليه المنوم بأن دوره قد انتهى ؟ وإلى أي حد يمكن خلق "مرشح منشوريا" 
الذي يقوم بعملية قتل مبرمج في أي مكان في العام ثم لا يعرف من أمره بذلك في حالة انتهاء 
مهمته؟ 

علم النفس المخابراتي وتقييم العقول الخطيرة 

تعين وكالة المخابرات الأمريكية بعض علماء النفس وذلك لدراسة وتقييم بعض الشخصيات الخطرة 
التي تهدد سلامة الرؤساء وكبار المسئولين (أنظر موراي. 1998). مثلاء لقد تخرجت مارجريت 
كوجينس بشهادة الدكتوراه في علم النفس الإرشادي من الجامعة الكاثوليكية الأمريكية, واتصلت 
بوكالة المخابرات الأمريكية بغرض الحصول على عمل. وبعد عدة اجتماعات معها منحت وظيفة 
إرشادية في وكالة المخابرات. وتبعا لذلك وجدت كوجينس في عمر 30 سنة. على حد تعبيرهاء نوع 
العمل السيكولوجي الذي أحست بأن مقنع بالنسبة لها. ويقع على عاتق كوجينسء وهي رئيسة 
الأبحاث السلوكية في المخابرات الأمريكيةء مع زملائها مسئولية كبيرة في حماية سلامة رؤساء الولايات 
المتحدة والرؤساء الزائرين للولايات المتحدة. مثلاء لقد قتل ضابطان أمريكيان من الشرطة بواسطة 


متهم سابق وبعد أن تمت دراسته والتحقيق معه بواسطة المخابرات 


131 


اتضح بأنه شخصية خطيرة . ويحاول مكتب الأبحاث السلوكية في ا مخابرات من منع وقوع هذه 
العينة من الحالات المأساوية. وتقول كوجينس أنها تستلم آلافا من الحالات في السنة وذلك للتحقيق 
السيكولوجي وعادة ما تؤخذ أي حالة بصورة جادة» من فرد يكتب رسالة حب هانمة. ولفرد تم 
إيقافه في المطار لأنه يحمل أسلحة متوجها لواشنطونء لسكير في الحانة يقول "أريد أن أقتل الرئيس" 
وتضيف كوجينس نحن قلقون لكل هذه الحالات. ويتطلب عمل الاستخبارات من العملاء بأن تكون 
لهم قدرة دقيقة الملاحظة. 

وتطبق كوجينس نفسها عيونها الحادة في بحثها السلوي وعندما تستدعى لاستشارة ما فإنها 
مع مجموعتها تصمم وتجري أبحاثا عن التقييم والتحكم في السلوك العدواني. كما تساعد عملاء 
المخابرات في كيفية استخدام معلومات ونظم الصحة النفسية في تحديد مدى خطورة بعض الأفراد. 
بالإضافة لذلكء تساعد العملاء على تنسيق برنامج تقيم عملية الصحة النفسية والعلاج بالنسبة 
للمحتاجين إليه. إن الإرشاد الذي تقدمه كوجينس مع زملائها يعتبر شيئا نافعا للعملاء الذين 
يواجهون حالات يومية تحتاج لاتخاذ قرار صعب حول هؤلاء الأشخاص الذين يشكلون خطرا على 
سلامة القادة. ويصف راندي رتو رئيس الأكادمية الأمريكية لعلم النفس الشرعي بأن كوجينس عالمة 
نفس بالمخابرات وهي براجماتية أو عملية جدا. ويحتاج رجال ا مخابرات» بدلا عن التنظير. إجابات 
واضحة وسريعة ولشخص يرشدهم ماذا يفعلون هنا وهناك. وربما يكون من الصعوبة بمكان أن تجد 
إجابة مباشرة من بروفسر علم النفس في الجامعة ولكن كوجينس كانت مهيئة تماما بأن تقدم هذه 
الإجابات التي يحتاجها رجال المخابرات. وفضلا عن ذلك تقدم كوجينس الدعم اللازم لرجال 
المخابرات الذين يجرحون أثناء تأديتهم لواجبهم. وتذكر بأنه عمل خطير مثلاء لقد فقدت وكالة 
المخابرات الأمريكية ستة أشخاص في انفجار أوكلوهوما. 

من ناحية تاريخية» قامت وكالة المخابرات بالاهتمام والتركيز على الصحة العقلية عام 1980 
وذلك عندما أنذر رجال المخابرات بأن هناك تقديرات عالية للمرضى النفسيين بين الأفراد الذين 


يهددون الشخصيات القومية. ونموذجا واحد من هذه 


1532 


الحالات المفاجئة هو محاولة اغتيال الرئيس ريقان في مارس 1981 بواسطة جون هينكلي . لقد 
أظهرت سجلات وكالة ا مخابرات الأمريكية بأن 9050 من الأفراد الذي كانوا محط انتباه رجال 
المخابرات إما أن يكونوا مرضى نفسيين بالفعل أو أن لهم مرض نفسي في تاريخهم النفسي. وغالبا ما 
كانت كوجينس تسأل أسئلة عامة من قبل رجال المخابرات مثلاء "في ماذا يستخدم هذا الدواء؟” أو 
سؤال آخر مثل "تردد هذا الشخص كثيرا لمدة 20 عاما على ال مستشفي النفسي هل يمكن أن تراجعي 
كل المعلومات التي لدينا وماذا يجرى في داخل هذا الشخص؟" وربما ترشد كوجينس هؤلاء العملاء 
بأن يتحدثوا مع زميل المتهم أو إحالتهم لمصادر أخرى مساعدة في الصحة النفسية. وإذا اتضح بأن 
الشخص يشكل فعلا خطورة على الشخصيات القومية غالبا ما تستجوبه ا مخابرات لمنع أي عدوان 
ولتأكيد سلامة الشخصيات القومية. وكان غالبا ما ينتهي التحقيق بدخول هذا الشخص للمستشفى 
النفسي أو يقدم له برنامج علاجي بدلا من الاعتقال. 

واحدة من الأبحاث الهامة التي أجريت بواسطة كوجينس هو كشف شخصيات الزوار الذين 
يقتربون من البيت الأبيض والذين يودون مشاهدة الرئيس الأمريي وتمت إحالتهم بواسطة رجال 
المخابرات للتقييم السيكولوجي نسبة لبعض أعراض المرض النفسي- البادية عليهم. ولكن أطلقت 
المصحات النفسية معظم هؤلاء الذين تم تقييمهم. ولكن تم اعتقال 9011 وذلك للدخول بصورة غير 
قانونية للبيت الأبيض. وكان معظم هؤلاء من خارج منطقة واشنطون وتردد آخرون للمرة الثانية 
للبيت الأبيض مما حدا برجال المخابرات بإحالتهم للمرة الثانية للتقييم السيكولوجي . ووصت 
الدراسة بأهمية العمل المشترك بين المخابرات الأمريكية وبين الصحة النفسية وذلك لربط هؤلاء 
الأشخاص بالعلاج النفسي ال منتظم. وفي بحث آخر بحث كوجينس مع زملائها لماذا يتردد المعالجون أو 
ممارسو الصحة النفسية من كتابة تقارير عن هؤلاء الأشخاص الذين يهددون سلامة الشخصيات 
القومية. وأظهرت الدراسة بأن هناك 9012 فقط من التقارير السيكولوجية التي أتت من المعالجين 


النفسيين. ودرست كوجينس 


133 


اتجاهات كيفية كتابة التقارير ل 592 من الممارسين للعلاج النفسي في أمريكا. وذكرت بأن معظم 
المعالجين كانت لهم معرفة قليلة بعمل المخابرات. وتبعا لذلك قدمت كوجينس عدة أوراق بحثية في 
مؤتمرات عن الصحة النفسية وهي تعمل كذلك مع المجموعة رقم 41 في الرابطة النفسية الأمريكية 
والخاصة ب"الجمعية الأمريكية لعلم النفس القانوني". وهي تدرب كذلك عملاء وكالة المخابرات 
الأمريكية في أساسيات الخدمات النفسية. وتقول مفتخرة نتحدث عن أنفسنا كأسرة واحدة في 
المخابرات الأمريكية لأننا مرتبطين ببعض كمجموعة مهنية". وتخلص كوجينس قائلة "أني محظوظة 


لأني أحب ما أقوم بعمله". 


تقانة التجسس وتعزيز استقبال الحواس 

تزامنت التطورات الكبيرة في مجال علم النفس بتطور آخر في مجال التقنيات التي تستخدم في عمل 
المخابرات والتجسس . وقد استخدم المخبرون والجواسيس الكثير من الأدوات الدقيقة والمذهلة 
والتي نشاهدها في المسلسلات وفي الأفلام بقصد جمع المعلومات» ومعرفة الأسرار وفي الاغتيالات» 
وتعزز هذه التقنيات الإمكانيات المحدودة للحواس الإنسانية . ويراد لهذه الحواس أن تعمل بفعالية 
وبصورة خارقة. لقد بات السمع والنظر العاديين غير كافيين . وصارت الحاستان مدعومتان بالآلات 
الدقيقة (بوست, 1990). يرتبط عمل الاستخبارات بصورة أساسية بعملية جمع المعلومات. ومن 
ناحية سيكولوجية تستقبل المثيرات من البيئة الخارجية بواسطة الحواس الخمس. وتحول الأسباب 
الأمنية أو القانونية من عملية جمع الكثير من المعلومات التي يحتاجها عميل المخابرات. لذلك 
تحتاج عين وأذن وأنف وجلد وربما لسان الجاسوس لتقانة تزيد من عملية تعزيز فاعلية أو تدعيم 
هذه المستقبلات الحسية. 

تقوم المديرية العلمية التقنية التابعة لوكالة المخابرات المركزية بالاستطلاع عن طريق 
الوسائل التقنية أيضا وتنظيم الدراسات العلمية الضرورية والتحقيقات وتوطيد العلاقة مع المشاريع 


الصناعية التي تقوم بتصنيع التوصيات الخاصة. ووظيفة هذا الفرع 


134 


هو جمع وتحليل المعلومات العلمية-التقنية المكشوفة. فمن أجل تصنيع وإنتاج الوسائل 
التقنية الضرورية للمخابرات تقوم المديرية باجتذاب عدد كبير من الشركات الصناعية الكبيرة 
والصغيرة. يعتبر تصنيع الأجهزة التي تستخدم للتأثير على الجملة العصبية عند الإنسان وإنتاج جميع 
الوثائق المزورة ا ممكنة والضرورية لتغطية عملاء ومؤسسات وكالة الاستخبارات المركزية واختيار 
أنواع مختلفة من الأسلحة الضرورية لتنفيذ تلك العمليات السررية أو غيرها المجال الهام لنشاط 
الفرع العلمي-التقني. ويوجد في هذا الفرع العلمي مركز لتحليل المعلومات الخاصة بالأنظمة 
الصاروخية الفضائية الأجنبية ولتحليل صور ال مخابرات الفتوغرافية الملتقطة بواسطة عملاء المخابرات 
(مجموعة من المؤلفين» 1990). 

مثلاء صنع علماء التقانة في المخابرات الأمريكية الوسائل المهيجة والمزعجة والمسببة 
للإحساس الكريه والتي تهدف لإفشال المظاهرات والاجتماعات وغير ذلك. وكتب فيليب ايجي في 
كتابه "خلف كواليس السي آي أي" إن فرع التجهيزات العملية في مديرية العمليات ينتج بعض 
الوسائل والأدوات المختلفة لهذه الأغراض. ومن ا ممكن أن نرش في مكان الاجتماع البودرة الناعمة 
العديمة اللون التي تلتصق بالتربة وتصبح غير مرئية ولكنها تنتشر بعد ذلك في الهواء من تحت 
الأرجل إلى جانب الغبار وتفعل نفس مفعول الغاز المسيل للدموع. ولكن الشي ء الرئيسي- في أجهزة 
الدمار هذه هو وسائل إبادة الإنسان المخيفة. لقد صممت بعض الأدوات المخيفة للمجرمين. ومن 
الممكن أيضا إضافة مادة عدهة الطعم والرائحة إلى الطعام حيث تسبب احمرار شديدا للجسم 
البشري ويمكن لعدة نقاط من سائل شفاف أن تثير عند الإنسان رغبة لا تقاوم في الكلام ناسيا 
الحيطة والحذر. 

اخترع جراهام بل الهاتف عام 1868 . وتطور الهاتف وأصبح أكثر اللآلات الإلكترونية 
انتشارا في العالم. كما أصبح هدفا أساسيا للذين يرغبون في الاطلاع على أسرار وخصوصيات الآخرين . 
ويمكن التصنت على المحادثات الهاتفية التي تجرى في الغرفة التي يوجد فيها الهاتف. وتستعمل 
كذلك تكنولوجيا الحقيبة السوداء في الواقع أقل مما 


135 


يظهر في روايات وأفلام التجسس - : أفلام جيمس بوند - وتستعمل أيضا في العالم الرمادي 
وهو العام الذي تكون فيه الفوارق ضبابية بين الإرهابي والمقاتل من أجل الحرية وبين الجاسوس 
والخائن . ويتضمن عمل الحقيبة السوداء ثلاثة أنواع : السطوء وتدمير ال ممتلكات. والاغتيالات . 
وتطورت تقنيات أخرى للتجسس مثل زرع أدوات استرقاق السمع مثل ال ميكرفون البلوريء وشرائط 
التسجيلء وأدوات الاسترقاق الراديوية» وتعديل التردد . كما استخدم علم الإخفاء والذي يحتوي على 
الشفرة والرموزء وآلات الخفاء مثل اللغز والارجوانة (بوست. 1990). 

ومن الأدوات البدائثية للاتصالات الحبر السري مثل الحبر العضويء والحبر الكيميائي المشع. 
وحبر الرصاص الفرعيء والميكروفيلم والنقاط الصغيرة (بوستء 1990). إن تكنيك الكتابة السرية 
واحد في كل أرجاء العالم. إذ يقوم الجاسوس بكتابة الرسالة الأصلية كتغطية. ثم يكتب رسالته على 
القسم الأعلى من الرسالة الأصلية» باستخدام ورقة كبون خاصة لا لون لهاء والتي تقوم بدورها 
بطباعة الكتابة على الرسالة. ثم يقوم مستلم الرسالة بتظهير الكتابة التي لا لون لهاء وتتم هذه 
العملية باستخدام معامل كيميائي معين يبرز الكتابة ويجعل قراءتها ممكنة. وما مم يكن هذا المعامل 
معروف بشكل صحيح تبقى الرسالة عصية على الكشف. أما الصور المجهرية فهي طريقة أخرى 
للاتصال بين العميل والمسئول عنه. إذ يتم هنا تصغير الصور إلى نقطة مجهرية لا تشاهد بالعين 
المجردة. وعادة ما يتم إخفاء هذه النقاط تحت الطوابع؛ وفوق علامات التنقيط في الرسائل 
المطبوعة على الآلة الكاتبة,. أو تحت لاصق غلاف الرسائل (رايت. 1988). 

ربما كانت الطائرة الملقبة "بحمامة عصرية" هي أغرب وأذى وسائل نقل الوثائق 
والمعلومات . وكانت تلك الطائرات صغيرة بحيث لا يلتقطها رادار ولا تراها العين المجردة ويستحيل 
إيجادها بعد أن تحط على الأرض . ولقد أطلق جنود فرنسيون أعيرة على حمام طائر واكتشفوا أنه 
يحمل آلات تصويرية موجية نحو الأرضء بحيث تلتقط صورا واضحة أثناء تنقل الطائر . لقد أعطت 


هذه الأدوات رخصة للأيدي الشريرة 


136 


لاستخدامها بالنسبة للأعداء وربما الخصوم أو المعارضين . وحمام النصف الثاني من القرن 
العشرين هو طائرات يقودها جواسيس الجو (عالم الجواسيسء 1991) . لعبت استخبارات الجيش 
الإسرائيلي خلال حرب الاستنزاف 1970-1968 دورا مساندا هاما في تزويد رجال الكوماندوز 
الإسرائيليين والطيارين بلوائح للأهداف المصرية. وأثبتت نجاحها في إعطاء المعلومات وتسهيل تدمير 
جسر نجع حمادي ومنشآت الكهرباء. وفي ذلك الوقت بدأت استخبارات الجيش الإسرائيلي تطور 
الطائرات الموجهة دون طيار التي تحمل كاميرات تصوير لمراقبة خط الجبهة دون أن تعرض حياة 
الطيارين الغالية لخطر الأسلحة الأرضية. بدأ الرائد مردخاي بريل من أمان العمل بهذا المشربوع 
وأقنع رؤساءه بشراء ثلاث طائرات-ألعاب- تقاد عن بعد من صنع الولايات المتحدة الأمريكية. وفي 
أثناء تجربة هذه الطائرات التي يبلغ عرض كل منها 1,5 م. فوق بطارية مدفعية مضادة للطائرات 
تبين أنه يصعب إصابتها بالنيران الأرضية. وكانت العملية الأولى في صيف 1969 فوق المواقع المصر_ية 
قرب الإسماعيلية ناجحة جدا. لم يطلق المصريون النار على الطائرة وعادت إلى قواعدها حاملة صورا 
واضحة. كذلك نفذت رحلة أخرى فوق مواقع الجيش العربي في وادي الأردن وكانت ناجحة أيضا. 
فيما بعد أصبحت الطائرات الموجهة دون طيار ذات مدى أطول وجهزت بكاميرات تلفزيونية وغدت 
المصدر الأساسي لمعلومات أمان عن المواقع العسكرية المعادية. 

ولقد دبر دلاس رئيس المخابرات ال مركزية الأمريكية للموساد أحدث ما توصل إليه العلم من 
معدات مثل أجهزة التنصت والتتبع» وآلات التصوير عن بعد. ومجموعة أخرى من الآلات أعترف 
هارئيل رئيس المخابرات الإسرائيلية بأنه لم يكن يتصور وجودها. وأقام دلاس وهاريل أول "قناة 
خلفية" للمخابرات بين جهازيهما يستطيعان خلالها تحقيق اتصال هاتفي سري في الحالات الطارئة. 
وتجاوزت كفاءة القناة كفاءة القنوات الدبلوماسية المعتادة مما أثار حفيظة كل من وزارة الخارجية 
الأمريكية ووزارة الخارجية الإسرائيلية. ففي إسرائيل هناك مدرج تتجمع فيه العائلات في يوم 


ا مخابرات لإحياء ذكرى الموق وبعد ذلك يزورون متحف النصب التذكارية الحافل بالمقتنيات : 


137 


جهاز إرسال في قاعدة مكواه وميكروفون في غلاية للقهوة وحبر خفي في زجاجة عطر, 
وجهاز التسجيل الذي سجل سرا محادثة مهمة بين العاهل الأردني املك حسين والرئيس المصرر.ي 
جمال عبد الناصر كانت نذيرا بحرب الأيام الستة. وقد نالت قصص الرجال الذين استخدموا تلك 
المعدات بكفاءة منقطعة النظير حولتها إلى أسطورة فكان يشير إلى الزي التنكري الذي ارتداه 
يعقبوئيه عندما تسلل إلى الأردن داخلا إليها وخارجا منها حتى اعتقل وأعدم في عمان عام 1949 أو 
جهاز اللاسلكي البلوري الذي استخدمه ماكس ببنت وموشيه مرزوق لإدارة أنجح شبكات الموساد في 
مصر قبل أن بوتا ميتة بطيئة وأليمة في السجون المصرية (ثوماس, 1999). 

نتيجة لدقة الاختيار وللتدريب العالي بالنسبة للجواسيس الإسرائيليين وترقية حواسهم فقد 
تمت عملية اقتباس وتكييف الأساليب الأمنية المختلفة في العام. وللاستخبارات الإسرائيلية امكانيات 
هائلة في عمليات النسخ والتقليد. فيمكنها أن تصنع أمثلة مماثلة من الأقفال المحكمة الصنع كما 
يمكن تزييف جوازات السفر بنفس المواصفات الأصلية. وتفرض بعض الدول الحظر على بيع الأسلحة 
لإسرائيل مثل فرنسا لأنها تعلم أنها في اللحظة التي تتحصل على السلاح فإنها تصنع نسخة منه. 
ومازالت إسرائيل تجهد للحصول على الأسلحة والتكنولوجيا المتقدمة سرا وبطرق غير قانونية, 
وتحاول منع أعدائها من الحصول عليها. جاء في أحد تقارير المخابرات الإسرائيلية وصف لحادثة 
مميزة وهي عندما كان عملاء مكتب التحقيق الفدرالي يزرعون أجهزة تنصت في سفارة عربية في 
واشنطون حيث التقوا بفريق إسرائيلي كان قد أنهى للتو العمل نفسه. ومع عملية الالتقاء بين 
عملاء المخابرات الأمريكية وعملاء الموساد لم تكتشف أجهزة الأمن في السفارة العربية هذه الأجهزة 
ا مزروعة. يؤمن علماء النفس بالدور الفاعل لعلم النفس في كسب الحرب الباردة. وتبعا لهذا الفهم 
فإن كثير من المخبرين وعلماء النفس يؤمنون بفضائل الأدوات الصغيرة لا المسدسات. وإن حاسة 
السمع والبصر والشم والتذوق تحتاج لهذه الأدوات الصغيرة بقصد تعزيزها وتقويتها وزيادة 


فعاليتها وبلغة أخرى, زيادة حدتها لكيما يترجمها الدماغ بصورة أكثر وضوحا. 


138 


وفي السنوات الأخيرة تطورت شبكة الانترنيت بصورة كبيرة في إسرائيل» خاصة إذا علمنا 
باستقبال إسرائيل لآلاف المهندسين من روسيا وقسم كبير منهم في تخصص الرياضيات والمعلومات 
التقنية. واصبح الكمبيوتر يحتل مساحة كبيرة من اهتمام الشباب ووقتهم في عملية الإبحار 
اللامحدود وبلا شواطئ. وفي مايو 2001 كشف الموساد بأن لديه دائرة تكنولوجية خاصة وإذ أعلن 
عن حاجته لعاملين خبراء. وأثار نشر الخبر الاستغراب إذ أن عمل الموساد يتم في غاية السرية» أكثر 
من أي جهاز أمني آخرء إلا أن رؤساء المؤسسة ردوا الانتقاد بالقول أنهم يديرون سياسة انفتاح تؤدي 
لتقريب ال مؤسسة من الجمهور وفي هذا عناصر تعزيز للثقة من جهة وتقوية للمؤسسة من جهة 
أخرى. وتجاوب حوالي 1000 خبير الكتروني ممن يعملون في صناعة التكنولوجيا العالية في إسرائيل 
مع دعوة الموساد للعمل بها. وتتراوح أعمار الغالبية من المتقدمين بين 35-24 سنة من الذكور 
والإناث من خريجي معاهد علم الحاسوب الذين فصلوا من أعمالهم في الأشهر القليلة من جراء 
الأزمة التي يعانيها فرع التكنولوجيا العالية في جميع الدول المتطورة في العام. فقرر الموساد استغلال 
هذا الوضع لجذب أفضل الطاقات والخبرات. وإزاء تجاوب 1000 خبير مع دعوة ال موساد يتوقع أن 
تجرى الاختبارات السيكولوجية لانتقاء أفضل الخبراء من هذه المجموعة (أنظر الشرق الأوسط مايو 
2))01. 

وفي أغسطس من عام 2000 بدأت السلطات الكندية تحقيقات واسعة بشأن معلومات 
حول قيام الموساد بسرقة برنامج كمبيوتر كندي للتجسس على السفارات والمنظمات العربية في كندا 
وقد سرقت معلومات إلكترونيا في غاية الحساسية من أجهزة كمبيوتر هيئة الاستخبارات السر_ية 
الكندية. ونفذت العملية عن طريق "بوابة كمين" وضعه الموساد في برنامج كمبيوتر في إطار عملياته 
الدولية (توماس, 2000). وبعد شهرين من ذلك اشتعلت "حرب المواقع" على شبعكة الانترنيت بين 
الإسرائيليين ومؤيديهم من جهة والفلسطينيين واللبنانيين ومؤيديهم من جهة أخرى وذلك خلال 
انتفاضة الشارع الفلسطيني عقب زيارة شارون للمسجد الأقصى. وكان الموقع الإسرائيلي الذي تنطلق 


منه الهجمات موجود في الولايات المتحدة. وبالمقابل شن اللبنانيون والفلسطينيون 


139 


هجوما مضادا طال على الأقل 14 موقعا إسرائيليا. ولكن طمأن خبراء الحاسوب في إسرائيل 
المكاتب الحكومية إلى أن القصف لن بمس "المواد المصنفة" السر-ية للوزارات. وثمة من يعتقد أن 
الحرب قد تنتقل إلى مرحلة أكثر شراسة يستخدم فيها سلاح الفيروسات وسلاح "حصان طروادة" وهو 
عبارة عن رسالة بالبريد الإلكتروني تبدو بريئة في مظهرها لكنها تخفي في داخلها ما يمكن أن يعطل 
جهاز الكمبيوتر (الحياة. أكتوبر 2000). 

وبالفعل رد اليهود على مظاهرات بعض الجماعات الإسلامية في شوارع لندن والمدن الأخرى 
وتعليقهم شعارات ولافتات تحتوي على آيات قرآنية وأحاديث تدعو إلى "قتل اليهود" بإطلاق 
مجموعة من الطلبة اليهود على مواقع الإسلاميين حيث تم تدمير أكثر من عشرة من هذه المواقع. 
ونجح الفيروس في تدمير بعض المواقع التابعة لحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية. وقال 
عمر بكريء زعيم جماعة المهاجرينء أن الفيروس اليهودي دمر 4 مواقع تابعة لجماعته تضم ملفات 
تحتوى على فقه الجماعة وأسماء أعضاء الجماعة. وأضاف أن اسم الفيروس "بلان كوطبيا" يصبح 
فاعلا بقوة غير عادية بعد تسلمه رسالة إلكترونية باسم أحد أصدقائه الإسلاميين في أمريكا وأعتقد 
أنها رسالة عادية, ولكن بعد أن فتحها وجد بالبنط العريض "مع السلامة فلتذهب يا عمر إلى 
الجحيم" (الشرق الأوسطء أكتوبر 2000). 

وتخضع بعض برنامج الكمبيوتر ا مستخدمة على نطاق واسع بين أوساط العرب للقانون 
الإسرائيلي مثل برنامج ©10 . ويتيح هذا البرنامج لمشتركين اثنين على شبكة الانترنيت من التحادث 
صوتيا أو كتابيا وكثيرا ما يستخدم في المحادثات البذيئة. ويتطلب هذا البرنامج إنزاله من شبكة 
الانترنيت والتوقيع الكترونيا على اتفاقية مع الشركة المنتجة للاستفادة منه مجانا وعلى أن يخضع 
هذا الاتفاق للقانون الأمريي أو الإسرائيلي حيث ينص "إذا لم تكن مواطنا أمريكيا فسوف تخضع 
هذه الاتفاقية للقوانين الإسرائيلية". وتستمر الاتفاقية "أنت توافق على أن محكمة تل أبيب هي 
السلطة القضائية ا مخولة حصريا بالبت في أي إدعاء أو خلاف مع الشركة". ولقد أضافت أحد 


المجلات العربية 


140 


بصورة ساخرة "عزيزي المستخدم العربي العاشق للبرنامج انتبه إلى تصرفاتك وكن مهذبا 
أثناء استخدامك لهذا البرنامج الممتع وإلا فقد تجد نفسك فجأة بين أيدي الموساد مشحونا إلى تل 
أبيب ي تمثل أمام محكمتها العادلة". 

وإن جزءا من تقانة التجسس التي تستخدم لترقية سيكولوجيا الحواس أصبحت تعرض 
اليوم في بعض اللتاجر الخاصة والتي يطلق عليها "متجر التجسس" (50805 تإم5). كما توجد بعض 
هذه التقانة فيما يعرف بشركات الأمن. وتوجد هذه المتاجر في كثير من المدن الغربية الكبيرة وبعض 
العواصم الأخرى. وعموما هناك أدوات متوفرة في هذا السوق وكثير منها يستخدم للتنصت. 
وتساعد في عمليات تدعيم الحواس ويمكن توظيفها في الصوت أو الصورة أو البصمة أو الشم أو 
الذوق. ولا يتطلب شراء تلك الأدوات تراخيص أو واسطة للحصول عليها. فكل شخص ممكن أن 
يغتنيها وحتى لا يسأل الشخص عن بطاقة هويته. فهناك تصريح قانوني لهذا السوق ومن حقك أن 
تشتري منه. وكثير من هذه الأدوات لا يكلف سوي القليل من ال مال. قد تستخدم بعض هذه الأدوات 
في مجالات أخرى غير التجسس الرسمي من قبل وكالات المخابرات. قد يستخدمها البعض لمراقبة 
العمال والموظفين في الشركات وربما يستخدمها بعض آخر للراقبة الزوجة أو العشيقة وربما تستخدم 
ملاحظة سلوك الخادمة مع الأطفال أو تستخدم في مراقبة ا مكالمات. وقيل بأن أكثر المترددين على 
أسواق تقانة التجسس هم من العرب ولكن التقانة المشتراه لا تستخدم للتجسس على الأعداء إنها 
لأغراض أخرى ومعروفة. عموما يتجه العالم نحو العلم والتقانة والمعلومات ويبدو أن أننا سوف 
نكون في هذا القرن تحت رحمة تقانة التجسس من جهة ورحمة مخالب علم النفس من جهة 
أخرى! 


دعم ال مخابرات الأمريكية للبحث السيكولوجي 


ذكرت جريدة "رولنق استون" أو "الصخرة المتدحرجة" الأمريكية في عددها الصادر في يوم 18 يوليو 


4 ن وكالة المخابرات الأمريكية تستخدم بعض المنظمات الخاصة 


141 


للقيام بدراسات نفسية لبعض العملاء الجدد والقدامى في مجال التجسس. ويؤكد جتنقر أن "شركة 
زملاء القياس النفسي" التي تتخذ من واشنطون مقرا لهاء تعتمد اعتمادا كليا على دعم المخابرات 
الأمريكية وتقوم الشركة بتقييم الأشخاصء ولا تستهدف الشركة اللمواطنين الأمريكان . ولا يرى جتنقر 
أن هناك مشكلة أخلاقية في دراسة نقاط الضعف في الناس ولاسيما إذا كان ذلك يساعد ال مخابرات 
الأمريكية في الحصول على معلومات هامة . واعترف جتنقر بأن شركته قد قامت بالفعل بعدة 
أبحاث لصالح وكالة المخابرات الأمريكية لتطوير بعض الاختبارات النفسية المتحررة من التحيز 
الثقافي . وتم تطبيق هذه الاختبارات على عينة من الأجانب من غير علمهم بأن اختبارهم كان 
لصالح المخابرات الأمريكية . وقامت الشركة كذلك بتطوير نظام لتدريب رجال المخابرات في كيفية 
إجراء ملاحظات سيكولوجية مفيدة بالنسبة للأجانب . وأنشأ جتنقر "شركة زملاء القياس النفسي-" 
لتقديم خدمات نفسية للشركات الأمريكية في الخارج . و قام جتنقر شخصياء كما ذكرنا سابقاء 
بافتتاح فرع للشركة في طوكيو وانتقل ذلك الفرع إلى هونج كونج لخدمة محطات المخابرات 
الأمريكية في الشرق . وعمل 15 متخصصا في القياس النفسي على إجراء عمليات القياس في بقية 
أنحاء العام . 

ومولت وكالة ال مخابرات الأمريكية عدة أبحاث سيكولوجية تحت غطاء اللمنظمات مثل 
جمعية البيئة الإنسانية في نيويورك» والتي تأسست بواسطة هارولد وولف من جامعة كورنيلء 
ومؤسسة جيسشيكتار للبحث الطبي. ومؤسسة جوسيا ماسي في واشنطون. وكانت هذه المؤسسات 
الثلاث هي مؤسسات خاصة من غير علاقة مباشرة مع وكالة المخابرات الأمريكية. ولكن تأسست 
جمعية أبحاث البيئة الإنسانية تحت التوجيهات المباشرة للوكالة (كولينز. 1988). ويقوم برنامج 
التدريب والاختيار بإدارة معظم ميزانيات العلوم السلوكية. وبلغ دعم هذه البحوث حولي 400 
مليون دولار عام 1987 (أليويسي. 1987). ويذهب هذا الدعم لمعامل الجيش والبحرية وقوات 
الدفاع الجوي لدعم البحث الداخلي والخارجي. وكان هدف مجهود البحث والتطوير هو إنجاز 


مهارات وقدرات جديدة. ويتطلب ذلك الاختراع و الإبداع . 


102 


فالاختراع هو تطوير معارف جديدة بينما الإبداع هو تطبيق هذه المعارف. وشمل الدعم 
البحثء وتطوير الاكتشافات» والتطوير المتقدم, والتطوير الهندسي والإدارة. وكان واحدا من الأبحاث 
المرتبطة بهذا الدعم هو "الجندي الأمريكي". ويوظف معهد البحث العسكري للعلوم السلوكية 
والاجتماعية حوالي 200 من باحثي علم النفس. ويقوم المعهد في فيرجينيا بأبحاث في ثلاثة معامل 
هي: القوة العاملة والنظم والتدريب فضلا عن البحث البحت. ويمكن متابعة أبحاث هذه المعامل 
في "التقرير السنوي للبحث البحت" ووثائق "برنامج البحث والتطوير" . 

قام وولف بتأسيس جمعية البيئة الإنسانية كمظلة بالنسبة للمخابرات الأمريكية وذلك من 
أجل القيام بأبحاث سيكولوجية عن التحكم العقلي ونتيجة لذلك وجد دعما ماليا من المخابرات. 
ويعتقد بأن مرض الدماغ مثل الشقيقة أو الصداع النصفي يقع بسبب عدم الانسجام بين الفرد 
وبيئته. وكتب وولف لوكالة المخابرات الأمريكية بأن المشكلة التي يواجهها المعالج هي نفس 
المشكلة التي يواجهها المستجوب الشيوعي. فالاثنان يودان إرجاع مرضاهم 'حالة انسجام الفرد مع 
بيئته بغض النظر عن المشكلة ما إذا كانت صداع أو معارضة آيديولوجية. ويعتقد وولف بأن آثار 
الفائدة بالنسبة لأي تقنية جديدة في الاستجواب تساهم في علاج المريض. واتباعا للنموذج السوفيتي 
يعتقد وولف بأنه يمكن أن يساعد مرضاه بوضعهم في حالة من العزلة ومن خلالها تسهل عملية 
خلق نماذج سلوكية جديدة. وبالرغم من أن الأسلوب الروسي غير عملي فيعتقد وولف بأنه يصل 
بسرعة لنفس النتيجة بواسطة الحرمان الحسي والذي تحدثنا عنه سابقا. وأخبر وكالة المخابرات بأن 
غرفة الحرمان الحسي لها أسباب طبية صادقة كجزء من العلاج الذي يريح أعراض الصداع النصفي 
ويجعل المريض أكثر استقبالا لإيحاءات المعالج النفسي. ولذلك اقترح ضرورة بقاء المريض في حالة 
الحرمان الحسي حتى يظهر رغبة متزايدة للتحدث. ويعتقد بأن المعالج يمكن أن يوظف مواد من 
خبرته الماضية للمساعدة على خلق ردود فعل نفسية داخلهم. وتعتمد هذه الإجراءات بصورة 


أساسية على المنهج الستاليني (أنظر ماركسء 1979). 


143 


يبدو أن هناك قطعة من المتاهة تحتاج للتثبيت في مكانها الصحيح. لقد رأينا التطبيقات 
المروعة للعلوم السلوكية في غرفة كميرون الشهيرة في مستشفى ألان التذكار بمونتريال. كيف اختير 
نفساني من كندا بواسطة وكالة المخابرات الأمريكية ليستلم مبلغا ماليا من أجل دعم أبحاثه؟ بدأت 
التجارب الرسمية في عملية التحكم في الدماغ في الولايات المتحدة عام 1950 عندما وافق مدير وكالة 
المخابرات على تأسيس مشروع سمي رمزيا "بلوبيرد" أي "العصفور الأزرق" وكانت أهدافه كالآي: 
للكشف على وسائل لحماية عملاء المخابرات بعدم استخلاص أي معلومات منهم بواسطة أشخاص 
غير مصرح لهم بوسائل معروفة. وللبحث على إمكانيات للتحكم في الأفراد بواسطة تطبيق تقنيات 
خاصة في عملية الاستجوابء ولدراسة تعزيز الذاكرة ولتأسيس وسائل دفاعية لمنع التحكم العدواني 
في عملاء المخابرات. ولتقييم الاستخدامات الهجومية لتقنيات الاستجواب غير التقليدي ويتضمن ذلك 
التنويم المغناطيسي والعقاقير. ووجد كميرون دعما ماليا سخيا من المخابرات الأمريكية لأبحاثه في 
"غرفة النوم". 

تطور برنامج "مكولترا" في عام 1953 وهو برنامج سيكولوجي بحثي رئيسي آخر مدعوم من 
قبل لوكالة المخابرات الأمريكية عن تصميم بعض العقاقير للتأثير على السلوك. واستمر هذا البرنامج 
لعشرين عاما. وكانت القوة الدافعة خلف هذا البرنامج هو ريتشارد هيلمز. ولقد ذكر بأن جزءا من 
وظيفة البرنامج هو غرز أو ازدراع الإيحاءات والأشكال الأخرى من التحكم في الدماغ. وانتقل البرنامج 
من الاختبار المعلمي بالنسبة للحيوان إلى الاختبار الميداني بالنسبة للإنسانء. واستخدام العقاقير 
التجريبية لأشخاص غير معروفين. ولقد كان مدى هذه التجارب السيكولوجية التي طورتها المخابرات 
الأمريكية مروعا وساحرا في نفس الوقت. وعلى الأقل لقد مات البعض من جراء هذه التجاربء وربما 
مات آخرونء وعاش الكثير منهم في حالة من المسء وعاش البعض باضطراب عملية التفكير. وكانت 
هذه المعلومات مخفية عن العامة حتى الثلاثاء 2 أغسطس 1977 عندما نشرت "نيويورك تاممز" 
مقالة في صفحتها الافتتاحية بعنوان " مؤسسات خاصة استخدمت بواسطة المخابرات الأمريكية 


للتحكم في السلوك" . 


144 


وقدم وولف مشروعا بحثيا لاكتشاف وسائل تستخدم بصورة واسعة العمليات الثقافية 
والاجتماعية في البيئة الإنسانية من أجل العمليات السر.ية. مثلاء قام وولف في عام 1955 بدمج 
دراسته المدعومة من قبل المخابرات الأمريكية في مشاريع جمعية البيئة الإنسانية وهو رئيسها. 
ولقد غيرت الجمعية اسمها عام 1961 باسم "صندوق البيئة الإنسانية". ومدد وولف مجهوداته بأن 
تهتم الجمعية بالدراسات والتجريب في العلوم السلوكية. وكانت واحدة من المسائل التي اهتمت بها 
وكالة المخابرات الأمريكية هو ما قاله هينكل بأن "الصينيين قاموا بعملية تنظيف العملاء في الصين". 
وتود الوكالة بأن تأت ببعض الصينيين بغرض تحويلهم لعملاء لأمريكا. ووافق وولف على قبول هذا 
التحدي. وبناءا على ذلك اقترح بأن المجموعة البحثية في كورنيل عليها أن تخفي أهدافها الحقيقية 
تحت مظلة بحث "الأسباب البيئية للمرض" بين اللاجئين الصينيين. و دفعت وكالة المخابرات 
الأمريكية دعما ماليا للمشروع كما قامت بتوفير 100 لاجئ صيني لغرض تنفيذ المشروع البحثي. 
وتم بالفعل دراسة كل هذه العينة في داخل الولايات المتحدة الأمريكية (ماركس, 1979). 

وكان واحدا من الموضوعات التي تم الانتباه لها هي المجازفة الأمنية ال مخابراتية التي ترتبط 
بتجميع مجموعة من العملاء ال محتملين في ال مستقبل في مكان واحد. وبالرغم من ذلك قررت وكالة 
المخابرات الاستمرار في ذلك المشروع. وقال وولف بأنه سوف يختار أفضل العملاء من بين هؤلاء 
الصينيين. وسوف تقدم جمعية البيئة الإنسانية هؤلاء المرشحين من العملاء زمالات وسوف تخضعهم 
مجموعة من المقابلات المكثفة فضلا عن مواقف مثيرة للضغوط. وكان كل ذلك للبحث عن سمات 
شخصيات هؤلاء العملاء ومعرفة التشريط السابق الحادث لهم. والدافعية الحالية وذلك للتنبؤ 
بكيفية عملهم في المآزق المستقبلية التي ربما تواجههم مثل وجود أنفسهم للمرة الثانية في الصين 
كعملاء أمريكيين. ويأمل وولف بتشكيل هؤلاء العملاء الصينيين الذين لهم الرغبة في العمل لصالح 
وكالة المخابرات الأمريكية. وخطط وولف بدعم كل عميل بتقنيات تجعله يصمد أمام أشكال 


الاستجواب العدواني الذي يتوقعونه بعد عودتهم 


د14 


للصين. ويريد قادة وكالة المخابرات بتشكيل هؤلاء العملاء وذلك لخلف دوافع قوية تجعلهم كتماء 
ولا يتأثرون في زلات الزمن والهجوم السيكولوجي بواسطة العدو. وبكلمات أخرىء يريد عملاء 
المخابرات الأمريكية بغسيل دماغ هؤلاء الصينيين وذلك من أجل حمايتهم المستقبلية ضد عمليات 
غسيل الدماغ الصينية. 

ومن بين المشاريع البحثية التي دعمتها وكالة المخابرات الأمريكية عن طريق جمعية البيئة 
الانسانية مشروع روتجارز خارج كورنيل (ماركس. 79). وبين عام 1958-1955 دعمت المخابرات 
بحثا عن مجرمي الجنس من امرضى النفسيين في مستشفى لونيا شمال غرب ديترويت. وكانت هناك 
فرضية مثيرة للاهتمام بهذا ا مشروع البحثي وهي إن المتحرشين بالأطفال والمغتصبين لهم تاريخ قبيح 
مدفون عميقا داخلهم. إن أي تقنية تعمل بالنسبة لمجرمي الجنس بالتأكيد لها نفس التأثير على 
العملاء الأجانب. ولقد قام علماء النفس وأطباء النفس ال مرتبطين بمستشفى الصحة العقلية في 
متشجان وأنظمة المحاكم في ديترويت باختبار المارجوانا على بعض المرضى بعلمهم أو من دون 
علمهم واختبار المارجوانا لوحدها أو مرتبطة بالتنويم المغنطيسي- وتم بالفعل اختبار 26 من 
مجرمى الجنس تحت قانون ولاية متشجان. واستمرت عملية البحث تحت مظلة جمعية البيئة 
الإنسانية وعبر القنوات الأخرى. وكتب أحد ضباط وكالة ال مخابرات الأمريكية بأنه يجب أن تعطى 
جمعية البيئة الإنسانية مكانة رفيعة في مجتمع البحث لي تكون فعالة كمظلة بحثية للمخابرات. 
وفي ذات الوقت إعطاء الحرية بالنسبة لعملاء وكالة المخابرات الأمريكية لشراء أي أبحاث أكادمية 
يمكن أن تساعد في العمليات السر-ية للمخابرات. وتبعا لذلك شراء أي عالم نفس وعندما تتم 
عمليات الشراء يبدو أن العام يصبح جاسوسا حتى ولو بصورة غير مباشرة. 

علماء نفس جواسيس وعلماء نفس في خدمة ال مخابرات 

م يقتصر دعم جمعية البيئة الإنسانية للأبحاث داخل الولايات المتحدة بل كانت هناك قاعدة بأن 


تقترب وتفاتح الجمعية أي عام أكادممي في أي مكان في العام . ولمتابعة 


146 


التطورات الهائلة في العلوم السلوكية فإن ممثلي رابطة البيئة الإنسانية كانوا يقومون بزيارات 
منظمة للأفراد الذين استلموا دعما ماليا من الجمعية . واصبح هؤلاء البروفسيرات المشهورين علماء 
جواسيس للمخابرات الأمريكية (ماركس, 1979). بالإضافة لذلك فقد تم توجيه دعم المخابرات 
المادي إلي بعض علماء النفس وبرفقة بعض ضباط المخابرات للقيام بعملية تقييم سيكولوجي سري 
لبعض القادة الأجانب خارج أمريكا (رولنق ستونء 1974). ومن علماء النفس الذين وجدوا دعما 
مباشرا أو غير مباشر من وكالة المخابرات الأمريكية أو من جمعية البيئة النفسية التابعة لها كمظلة 
بروفسر روجرزء وبروفسر مارتن أورن» وبروفسر ‏ اسجود. وبروفسر كميرونء وبروفسر كيلمان. 
وبروفسر مظفر شريفء وبروفسر آيزنك: وبروفسر اسكنر. وهنا يجب التمييز ما بين مجموعة "علماء 
النفس الجواسيس" الذين يعملون بدوام كامل في المخابرات الأمريكية وبين "علماء النفس في خدمة 
المخابرات" وهم الذين وجدوا دعما ماديا من المخابرات لتطوير أبحاثهم في الجامعات والمراكز 
البحثية. 

وعندما خرجت جمعية البيئة الإنسانية من كورنيل اصبح وولف رئيسا لها بينما هينكل 
نائبا للرئيس. وكان جوزيف هينسي رئيس مستشفى نيويورك - مركز كورنيل الطبي في مجلس هذه 
الجمعية. واستمر اهتمام آلان دوليس بأعمال الجمعية وحضر الاجتماعات الأولى لمجلس الجمعية. 
وشملت عضوية ال مجلس عام 1957 جون وايتهورن رئيس قسم الطب النفسي في جامعة جونس 
هوبكينزء كما شمل كذلك كارل روجرز بروفسر علم النفس ال مشهور من جامعة ويسكونسون 
بالإضافة إلى أودلوف بيرلي رئيس الحزب اللبرالي في نيويورك. وساهمت وكالة ال مخابرات الأمريكية 
بمبلغ 300000 دولار لدعم أبحاث وولف عن الدماغ والجهاز العصبي المركزي. وحسب شهرة وولف 
استطاعت وكالة المخابرات بأن تتصل بأعمدة الأكاديميين في العالم. واستفاد شخص آخر من دعم 
جمعية البيئة الإنسانية هو كارل روجرز والذي طلب منه وولف بأن يكون عضوا في مجلس 
الجمعية. وأصبح روجرز فيما بعد مشهورا بنزعته الإنسانية في علم النفس وبمنهجه غير الموجه في 


العلاج النفسي. 


117 


وكان هدف العلاج المركز حول العميل هو كسب العميل تبصرا في أحواله ويقوم بتفسير 
سلوكه بدلا من أن يقوم له بها المعالج نفسه. كما يسمى هذا الأسلوب أحيانا بغير اموجه لأن 
المعالج لا يحاول أن يوجه انتباه العميل إلى مواضيع معينة (وذلك مثل علاقته مع زوجته أو إلى 
خبرات طفولته) إن هذا الأسلوب لا يحاول أن يربط بين مشاكل العميل وخبراته الطفولية. أنه بدلا 
من ذلك يوجه اهتمامه إلى اتجاهات العميل وسلوكه الحاليين. ولذلك فا معالج النفسي ‏ وفق هذا 
الأملوب لا يهمه معرفة تاريخ الفرد السابق, و لا يرى ضرورة للقاءات الأولى التي هدفها التعرف 
على العميل. إن مسئولية حل المشاكل طبقا لهذا ا منهج تقع على عاتق العميلء ولذا فإنه حر في أن 
يحضر للعلاج متى شاء وإن يتركه في الوقت الذي يراه مناسبا. إن العلاقة بين الطرفين تقوم على 
الثقة ويستطيع العميل أن يتكلم عن خبراته ومشاعره دون خوف أو تهديد. وعندما يتم بناء 
الجسور بين الطرفين وتوضيح الأسلوب الذي ستسير المعالجة بموجبه. فإن العميل هو الذي يقوم 
بكل الحديث ال مطلوب (عدس وتوقء. 1986). 

وكان ليس لدى روجرز أي مانع في خدمة المخابرات الأمريكية من خلال تطبيقات علم 
النفس بل كان فخورا لدعم الجمعية له كاستشاري لها. قال روجرز ليس لديه شيء يرتبط بالأنشطة 
السرية للمخابرات الأمريكية ولكنه طلب عملية فهم تلك الخدمة في أجواء الخمسينات. يقول 
روجرز "إننا نعتقد بأن روسيا هي العدو" و"نحن نحاول أن نعمل أشياء مختلفة وذلك من أجل ألا 
تكون لروسيا اليد العليا". واستلم روجرز جائزة مهنية هامة بانضمامه لمجلس جمعية البيئة 
الإنسانية. وعرفه جيمس منروء المدير الادراي للجمعية. بأنه في حالة قبوله للعمل سوف يستلم 
منحة من جمعية البيئة الإنسانية. ويقول روجرز "إن ذلك يروق لي وذلك لأني واجهت مشاكل في 
الحصول على دعم". إن حصولي على 30000 دولار يجعلني أتحصل على دعم آخر من روكفيلر وإن 
آي أم اتش. ويشعر روجرز بالامتنان من الجمعية لمساعدته في الحصول على دعم ولكنه أكد بأنه 
ليس لوكالة المخابرات أي جهد في بحثه. لقد شك جون جتنقر بأن أبحاث روجرز عن العلاج النفسي ‏ 


اموجه تعطي تبصرات عن مناهج الاستجواب 


14 


ولكن حقيقة أن الجمعية لم تعطي روجرز الدعم ال مالي نسبة لمحتوى أبحاثه. ولكن يؤكد 
هذا النوع من الدعم على دوره كمستشار لوكالة المخابرات وحسب وثائق الوكالة يتيح الدعم حرية 
الوصول إلى أبحاثه عن العلاج النفسي. وفوق كل ذلك يسمح الدعم امالي استخدام اسم روجرز من 
قبل وكالة المخابرات. وكان مجرد وجود روجرز في المجتمع الأكادمي يخفي التدخل المباشر بالنسبة 
لضباط المخابرات (ماركسء 1979). 

اتجه تفكير العلماء إلى استخدام التغيرات الفسيولوجية في التحقيق الجنائي. وأحدث هذه 
الأجهزة هو جهاز كاشف الكذب الذي يسجل حركات التنفس والضغط والنبض والفعل 
السيكوجلفاني في آن واحد للمقارنة بين التسجيلات المختلفة وضمان الدقة في الحكم بقدر المستطاع, 
كذلك أمكن الاستعانة برسام الدماغ الكهربائي» ومن والوسائل الأخرى لكشف الكذب أو حمل المتهم 
على الاعتراف استخدام بعض العقاقير مثل السكوبولامين وأميتال الصوديام وهما مواد مخدرة 
تضعف من مقاومة الشخص وتجعله لا يقوى على إخفاء الحقيقة. واثر هذه المواد شبيهه بأثر 
التنويم المغناطيسي (عكاشة. 1986). واستلم عام النفس مارتن أورن من جامعة هارفارد منحة 
مالية لدعم بحثه عن التنويم المغناطيسي. وإشارة لاحقة للكرم والثقة قدمت له جمعية البيئة دعما 
آخرا بمبلغ 30000 دولار من غير هدف محدد. واستخدم جزء من هذا الدعم لأبحاث جهاز 
"مكشاف الكذب" أو "كاشف الكذب". وبناءا على هذا الدعم السخي يؤكد أحد ضباط مشروع 
مكولترا "يمكننا الذهاب إلى أورن في أي وقت". 

لقد لفت انتباه جون جتنفر - عام النفس كامل الدوام بالمخابرات الأمريكية وهو عضو 
كذلك في جمعية البيئة الإنسانية- مقالة كميرون عن "المحرك النفسي" ونتيجة لذلك تمت مقابلته. 
وفي نفس العام قام بولدوين والذي تم تمويله كذلك من قبل المخابرات في أبحاثه عن الحرمان 
الحسي بزيارة كميرون في مونتريال لمناقشة موضوع "تقنيات العزلة" وبعد ثلاثة شهور من هذه 
المقابلة استلمت جمعية البيئة طلبا لدعم بحثي من ا مستشفى الذي يعمل به كميرون. وكان عنوان 
الطلب " أثر الموجات الصوتية المتكررة على السلوك الإنساني". وتشمل الإجراءات المذكورة والمتبعة 


(1) ترويض أو 


149 


إنهاك النماذج النامية من سلوك المريض بواسطة صدمات كهربائية كثيفة (2) التكرار المكثف (16 
ساعة إلى 7-6 أيام) بالنسبة مللوجات صوتية مرتبة سلفا (3) وضع المريض في عزلة أثناء فترة التكرار 
المكثف (4) قمع أو كبت فترة الحركة وذلك بوضع المريض في حالة من النوم ال مستمر لمدة 10-7 أيام 
متواصلة. ويقول جتنقر في شهادته "أنه بعام 1962 و1963 فإن الفكرة العامة عن غسيل الدماغ هي 
عملية لعزلة الإنسانء والمحافظة علية خارج دائرة الاتصالات. ووضعه خارج دائرة التحكم:. ووضعه 
تحت ضغط مستمر وذلك بهدف امقابلة والاستجواب" (وينستين: 1990). 

ويفيد وضع بروفسر جارليس اسجود ويحسن من تغطية أعمال الجمعية ولكن أبحاثه ذات 
فائدة مباشرة للمخابرات ونتيجة لذلك دفع مشروع مكولترا مبلغا كبيرا للحصول على أبحاثه. و في 
عام 1959 أراد أن يدفع بأبحاثه للأمام عن الكيفية التي يعبر بها الأفراد في مجتمعات مختلفة عن 
المشاعر نفسها حتى في حالة استخدامهم كلمات أو مفاهيم مختلفة (ماركس, 1979). ووضع اسجود 
مقياسا هاما في علم النفس الاجتماعي عن التمايز السيمانطيقي. وكان يهدف من هذا المقياس قياس 
المعاني والمفاهيم والتحليل السيمانطيقي إلا أنه استخدم فيما بعد لقياس الاتجاهات. ويرى اسجود 
أن لكل لفظ أو تصور نوعين من المعنى: أولهما المدلول المادي ويقابل المصدق في المنطق أي الثيء 
الذي يصدق ويشير إليه اللفظ وثانيهما المعنى الإنفعالي الوجداني أو البطانة الوجدانية للفظ. 
وا مدلول الأخير هو الذي يحدد اتجاه الشخص نحو الموضوع ويرى اسجود على أن الباحث النفسي 
أن يركز على المعنى الوجداني ويستخدم لقياس شدة هذا المعنى مقياس التدرج. وانتهى اسجود في 
ابحاثه إلى العوامل الآتية: عامل القوة» وعامل الحسن والقبح.» وعامل النشاط والخمول (الشيخ. 
2). 

وأصبح اسجود عام 1963 رئيسا للرابطة النفسية الأمريكية. و كتب اسجود عن "إطار 
مفاهيمي مجرد" ولكن رأى ضباط المخابرات في أبحاثه "صلة مباشرة" للعمليات السر.ية. ويعتقدون 
بأنه يمكن تحويل نتائج أبحاث اسجود "لقيم وأدوار سرية" وبطريقة فعالة في الدعاية الخارجية. 


وقدمت أبحاث اسجود أداة تسمى "تمييز المعاني" لاختيار 


1[30 


الكلمات المناسبة في لغة أجنبية لنقل معنى محدد. ونال اسجود أكبر دعم مادي سخي 
لأبحاثه من جمعية البيئة الإنسانية. وكتب مباشرة لوكالة المخابرات الأمريكية عن دعم لأبحاثه 
وبناءا على ذلك اتصلت به مباشرة جمعية البيئة بدون تردد وقدمت له مبلغ 192,975 دولار 
لأبحاثه لمدة خمس سنوات. وسمح له هذا الدعم بالسفر بصورة واسعة وتمديد أبحاثه إلى 30 ثقافة 
مختلفة. وبالإضافة لذلك استلم مبلغا آخر لإكمال مشروع بحثه وشكر جمعية البيئة الإنسانية 
للمنحة السخية التي قدمتها له والتي لعبت دورا كبيرا في تقدم أبحاثه. وبدأ اسجود أبحاثه عبر 
الثقافية عن ا معاني قبل استلامه الدعم المالي من جمعية البيئة الإنسانية ولكن كان دعم الجمعية له 
بمثابة تأكيد عن استمرارية أبحاثه بطريقة تناسب أهداف وكالة المخابرات الأمريكية. 

ولعبت المخابرات الأمريكية (ماركسء 1979) دورا كبيرا في تطوير بعض الأبحاث عبر 
الثقافية في علم النفسء مثلا أبحاث القدرة على فهم المعانيء والتعبير عن المشاعرء والحساسية 
الثقافية» وتقنين الاختبارات المنحازة ثقافيا ودراسات البناء الاجتماعي والاتجاهات داخل وخارج 
أمريكا. وقد لعبت عملية التطوير هذه دورا أساسيا في تدعيم علم النفس عبر الثقافي خاصة . فهناك 
الافتراض القائل بعدم صلاحية علم النفس الغربي للتطبيق في الثقافات الأخرى مالم تجر عملية 
تعديل أو تكييف أو تقنين صارمة له في ا مجتمعات والثقافات غير الغربية. واستوعب جتنقر بأن 
مقاييس وكسلر الفرعية للذكاء وهي منحازة ثقافيا وقاد ذلك إلى عمل نماذج معدلة من "نظام 
الباص" لكي يناسب الأمم المختلفة في العام . بالإضافة لذلك فقد تم تشجيع العلماء السلوكيين 
للبحث عن شيء يمكن أن يغيظ الحساسية الثقافية لليابانيين . وقد تم الاقتراح بأنه لا يوجد شيء 
مخجل للجندي الياباني أكثر من حركة بطنه أثناء السير ومن ثم تم إنتاج تكنيك لخفض الروح 
المعنوية للفرد الياباني. واستلم بروفسر كيلمان أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد منحة من جمعية 
البيئة لنشر كتاب يسمي السلوك العالمي عام 1960. 

قام مظفر شريف بأبحاث ممتازة عن علم النفس الاجتماعي. فقد نال الماجستير من 


1531 


عام 1932. وقام بالتدريس في جامعة انقرا بتركيا. وألف عددا من الكتب من بينها 
سيكولوجية المعايير الاجتماعية والجماعات في حالة الانسجام والتوتر. ونتيجة لجهوده الأصيلة في 
علم النفس الاجتماعي نال جائزة كيرت لوين التذكارية عام 1967 وجائزة الرابطة النفسية 
الأمريكية للمساهمة العلمية ال ممتازة عام 1968 وجائزة التميز في علم النفس الاجتماعي عام 
8. وعموما تركزت اهتماماته البحثية في دراسة البيئة الاجتماعية وتكاملها مع الظاهرة 
السيكولوجية» وكيفية تشكيل الجماعات (كورسيني. 1984). 

ومن بين الجماعات التي اهتم مظفر شريف بدراستها هي جماعات العصابات. نتيجة لذلك 
قدمت رابطة البيئة النفسية دعما ماليا إليه ولزوجته لبحث سلوك العصابات وسط الأطفال من 
خلال دراسة البناء الاجتماعيء والاتجاهات بالنسبة للعصابة» وكيفية تحويل السلوك اللا-اجتماعي» 
أو السلوك المعادي للمجتمع لسلوك بناء . واستخدمت نتائج عمليات شريف في عمليات ال مخابرات 
السرية. وربما كان الهدف من أبحاثه هو كيفية تحويل المهارات والقدرات الفائقة في سلوك العصابة 
طهارات أكثر فائدة لأغراض المخابرات. كما قدمت جمعية البيئة الإنسانية منحة مالية إلى جامعة 
استانبول في تركيا وذلك لدراسة أثر الختان على الأطفال الأتراك . وأظهرت نتائج الدراسة بأن الأطفال 
يتم ختانهم بين عمر 5 - 7 سنوات وترتبط عملية الختان في ذهن الأطفال بآثار نفسية مع أعراض 
الانسحاب وينظر الأطفال لهذه العملية ال مؤلمة كعملية عدوانية (ماركس,ء 1979). ولا ندري هل 
كانت هذه المنحة مقدمة إلى مظفر شريف أم بواسطته لجامعة استانبول؟ 

إندلعت أحد الفضائح في تركيا في بداية عام 1985 (مجموعة مؤلفين, 1990). إذ تمكن 
الصحفيون الأتراك من الحصول على معلومات مثيرة مفادها استخدام الأفراد الأتراك أيضا كعينة 
تجريبية في مجال التحكم في العقل. وتبين أن "الصندوق العلمي لمعهد الأمراض الكيمائية" الذي 
أسسه بروفسر الأمراض العقيلة توران ايتيل في عام 1971 في منطقة هايريتيب التابعة لاستانبول قد 


أجرى اختبارا لبعض الأدوية التي تؤثر 


1532 


على الدماغ بالنسبة للمتطوعين الذي استدرجوا لهذه الغاية وكذلك على المرضى الذين كانوا 
موجودين في مستشفى الأبحاث العلمية. ومن المعلوم أيضا أن مثل هذه الأبحاث قد أجريت في 
المؤسسات الطبية الأخرى المرتبطة بالصندوق. ولكن نتيجة للسر.ية التامة لهذه التجارب حتى 
موظفو الصندوق أنفسهم. بإثتثناء المبتكرين م يكونوا يعرفون ما هي طبيعة هذه المستحضر.ات. 
ومن أجل السرية التامة نفذت هذه المؤسسات برامج البحث وفقا للمبدأ الذي أسموه ب "الإعماء 
المزدوج". والحقيقة أنه لا الإنسان الذي قدم العقار ولا الإنسان الذي تناوله لا يعلمان أي شيء عن 
هدفه ووظيفته. 

ويعيش تورانء الذي أنشأ المعهد. في أمريكا ويعمل في كلية الطب في نيويورك ولكنه يزور 
تركيا من وقت لآخر. وشارك في كانون الثاني في ندوة البحث العلمي التي كان موضوعها سيكولوجيا 
أعداء النظام الاجتماعي القائم في تركيا. ولقد أخضع هذا المعهد للتجارب حوالي 100 فرد وأصيب 
العديد منهم بعد خروجهم بأمراض مختلفة ولا يزالون يعانون منها حسب ما وضحت التقارير. وأما 
الفضيحة التي انكشفت في تركيا كم جراء ذلك. أجبرت السلطات على التدابير لكتم الحادثة. وأعدت 
مديرية الصحة في استانبول تقريرا إلى وزارة الصحة التركية حول نشاط الصندوق المذكور. ولكن 
التقرير تحول إلى "سري" وأخفي عن أوساط الرأي العام. وتذكر هذه التجارب التركية تماما في 
مجملها بالتجارب الفظيعة التي أجراها كميرون في مستشفى ألان التذكاري في كندا لخدمة أغراض 
المخابرات بصورة عامة» والحرب الباردة بصورة خاصة. 

يعتبر ايزنك واحد من علماء النفس الكبار في بريطانيا وقدم مساهمات كبيرة في مجالات 
شتى في علم النفس. وتعلم في برلين وغادر أمانيا عام 1934 لأسباب سياسية. نال درجة الدكتوراه 
عام 1940 والتحق بعدها بجامعة لندن. وقام بتأسيس قسم علم النفس في معهد الطب النفسي 
(كورسينيء 1984). و تم بلورة وتطوير مصطلح "العلاج السلوي" بواسطة ايزنك في نهاية 
الخمسينات. وكتب عن الانبساط والانطواء عام 1970» والأساس البيولوجي للشخصية عام 21967 
والشخصية والفروق الفردية عام 1985. كما طور مناهج لقياس الشخصية من بينها "قائمة آيزنك 


للشخصية" (قريقوري, 


1533 


9. ونشر آيزنك حوالي 600 ورقة علمية في دوريات علم النفس.ء والأحياء والجينات 
ودوريات أخرى. وغطت اهتماماته البحثية نظريات الشخصية والذكاء والاتجاهات الاجتماعية 
والسياسية والعلاج السلوي والدافعية (كورسيني. 1984). يحتاج البحث السيكولوجي الكبير الذي 
قام به ايزنك لعملية التمويل. فلقد قدمت جمعية البيئة الإنسانية التابعة للمخابرات الأمريكية 
منحة مالية إلى ايزنك عام النفس البريطاني بجامعة لندن لمشروع أبحاثه عن الدافعية والتي لها 
علاقة بأعمال المخابرات السرية (ماركسء 1979). 

ولد اسكنر عام 1904 ودرس الأدب ليكون روائيا وجرب حظه فيه لسنوات وتحول عنه 
لدراسة علم النفس وتعلم بجامعة هارفارد وعلم بها. والسلوكية عند اسكنر ليست مجرد نظرية في 
علم النفس ولكنها منهج وفلسفة ورؤية شاملة. وهي كعلم لا تعتمد التنظير وينصرف اهتمام اسكنر 
فيها إلى وصف السلوك أكثر من شرحه أو تفسيره. وعنده أن الإنسان ليس أكثر من آلة كأي آلة 
أخرىء. ويتصرف من خلال قوانين ومبادئ وأساليبء وبتأثير من قوى متغيرات ومنبهات خارجية 
(الحفنيء بلا تاريخ). ويكشف ماركس (1979) إن جمعية البيئة الإنسانية وهي جمعية استخدمتها 
وكالة المخابرات الأمريكية كمظلة لتقديم الدعم للأبحاث السلوكية قد دعمت أبحاث اشهر سلوي 
في العالم وهو اسكنر من جامعة هارفارد الذي قام بتدريب الحمام لتوجيه القنابل أثناء الحرب 
العالمية الثانية. واستلم اسكنر مبلغا كذلك لدعم مدخلات البحث الذي قاد لنشر أهم كتاب ألفه 
هو"ما بعد الحرية والكرامة" والذي ترجم للعربية بعنوان "تكنولوجيا السلوك البشري". ووصف 
اسكنر في كتابه بصورة رائعة كيفية برمجة السلوك وتغيير العقل وذلك بتغيير البيئة. 

وتؤكد بعض المصادر بأن هذه العينة من الدعم اللمادي الذي تقدمه وكالة المخابرات 
الأمريكية "تشتري القانونية" بالنسبة لجمعية البيئة الإنسانية وتجعل مستلمها شاكرا ومقدرا 
للجمعية. وجعل هذا الدعم سببا بالنسبة لعملاء المخابرات الأمريكية في جمعية البيئة الإنسانية 
بالاتصال هاتفيا باسكنر أو أي مستلم آخر بأن يعمل ويوظف عقله في مشكلة محددة. ومتابعة 


تطورات هذه الأبحاث السلوكية كان ممثلو جمعية البيئة الانسانية 


134 


في زيارة مستمرة لمستلمي الدعم المالي وذلك للتأكد من عملية تقدم أبحاثهم. وتبعا لذلك 
أصبح بعض الأساتذة والأكادميين الكبار علماء وجواسيس. وساعد دعم جمعية البيئة الرفيع عملاء 
وكالة المخابرات الأمريكية بوجود مدخل مناسب بالنسبة لعلماء العلوم السلوكية والذين ليس لهم 
علاقة بجمعية البيئة الانسانية. ويمكن ذلك الدعم عملاء المخابرات من الدخول لمكتب أي عاط 
ويمكن القول له "عليك الاتصال فقط باسكنر " كما يقول أحد متقاعدي برنامج مكولترا. ويضيف 
كذلك "ليس لدينا تردد من عمل ذلك". 

وعموما يمكن القول بأن جمعية البيئة الإنسانية كانت بممثابة نافذة لوكالة المخابرات 
الأمريكية لعالم البحث الفظيع في العلوم السلوكية. ونتيجة لذلك ليست هناك ظاهرة تكون سرية 
أو بمثابة لغز تهرب من عملية البحث أو النظر من قبل جمعية البيئة الإنسانية» ما إذا كانت عملية 
إدراك فوق الحواس أو ساحر أفريقي. وباستثمار مبلغ 400000 دولار في السنة بالنسبة للأعمال 
الرائدة التي قام بها رجال أمثال كار روجرز وجارليز اسجود ومارتن أورن لقد ساعدت جمعية البيئة 
على تحرير العلوم السلوكية من عام الفثران والجبن. وبواسطة قوة الدفع هذه من قبل وكالة 
المخابرات الأمريكية ومن قبل القوى الأخرى انفتح الباب على مصراعيه. وعمل دعم وكالة المخابرات 
الأمريكية على تغيير العام الأكادمي من غير شك ولكن لا يمكن القول لأي حد. وكان رجال المخابرات 
الأمريكية في مقدمة الزمن وبدءوا التحرك قبل تأسيس المداخل أو ال مدارس السيكولوجية الجديدة. 
ففي عام 1963 جمعوا كل شيء من قراءة الكف والإدراك دون الواعي. ولقد خدمت جمعية البيئة 
أهدافها ولذلك يجب أن يستثمر الدعم المالي بصورة أفضل في مكان آخر. نتيجة لكل ذلك قام ضباط 
المخابرات الأمريكية بتحويل المشاريع البحثية ذات الفائدة لقنوات مظلية أخرى بينما تركت بقية 
المشاريع تموت بهدوء. وبنهاية عام 1965 عندما اكتملت بقية المشايع البحثية والتي تجاوز بعضها 


الكثير من الحدود الأخلاقية أو الخطوط الحمراء ذهبت جمعية البيئة الإنسانية مع أدراج الريح. 


1535 


البحث السيكولوجي وتجاوز الحدود الأخلاقية 

إن طرق تغيير السلوك بواسطة تغبير العقلء على حد تعبير اسكنر (1980). قلما تغفر حينما تكون 
فعالة بشكل واضح.ء حتى حين يكون من الواضح أن التغيير موجه إلى العقل فقطء إننا لا نصفح عن 
تغيير العقول حينما يكون الخصمان غير متكافئين ؛ فذلك "تأثير غير ضروري" . كما لا نصفح عن 
تغيير العقل خفية . فإذا كان الشخص لا يستطيع رؤية ما يعمله الشخص الآخر في تغيير عقله. فإنه 
لن يستطيع النجاة منه أو القيام بهجوم مضاد عليه ؛ إنه يتعرض لتأثير "الدعاية" . وإن الذين 
يتغاضون عن تغيير العقول. حسب كلمات اسكنر. يحرمون عملية "غسيل الدماغ" ولذلك سبب 
بسيطء هو أن السيطرة هنا واضحة . ومن الوسائل الشائعة في "غسيل الدماغ" حالة بغيضة قوية 
(مثل الجوع أو فقدان النوم) تم تخفيضها لتعزيز ودعم أي سلوك "فيه موقف إيجابي" نحو نظام ما 
سياسي أو ديني» ويبنى "الرأي" المرغوب فقط عن طريق تعزيز ودعم البيانات المؤيدة المرغوبة . 
وقد لا يكون هذا الإجراء واضحا للذين يستخدم عليهم: ولكنه واضح جدا للآخرين بحيث لا يمكنهم 
تقبله كطريقة مسموح بها لتغيير العقول. 

إن الطرق المتعددة لتغيير السلوك بتغيير العقول ليست مباحة فحسب.ء ولكنها تمارس بقوة 
من جانب حماة الحرية والكرامة . هناك الكثير مما يمكن أن يقال دفاعا عن تقليل التحكم الذي 
يمارسه أناس آخرونء ولكن هناك إجراءات أخرى لا تزال تفعلء والشخص الذي يستجيب بطرق 
مقبولة لأشكال التحكم الضعيفة ربما كان قد تغير بواسطة طوارئ وظروف م تعد فعالة . وحين 
يرفض حماة الحرية والكرامة الاعتراف بتلك الإجراءات وهذه الظروف فإنهم يشجعون إساءة 
استعمال الممارسات التحكمية» ويسدون التقدم نحو تكنولوجيا للسلوك أجدى وأكثر فعالية (أسكنرء 
0) . وعندما كان اسكنر يتربع على عرش السلوكية في قمة افرست ومع بلورة أفكاره في التحكم 
في السلوك عبر التحكم في البيئة تزامن ذلك مع تكوين المخابرات الأمريكية "لجمعية البيئة 


الإنسانية" لدعم أبحاث علم النفس ويمكن أن نتأمل في "بيئة" اسكنر وتشكيا 


156 


السلوك و"بيئة" المخابرات لأغراض دعم أبحاث علم النفس لتعزيز الحرب الباردة . 

وكان خطاب كميرون أمام رابطة الطب النفسي الأمريكية عام 1953 معبرا عن ارتباطه 
بالحرب الباردة وعن اهتمامه بموضوع الشيوعية. وأخذ الفرصة كذلك ليعبر عن اهتمامه الخاص 
بموضوع المكارثية. ويتمنى كميرون باستخدامه للعلم بتشكيل نظام عالمي جديد من غير هسترياء 
ومن غير شمولية يسارية أو يمينية. ويكون علماء السلوك تبعا لذلك التشكيل هم القيادة لوضع هذا 
النظام من حالة الفوضى. وربما يتم التساؤل هل هذه الاتجاهات هي التي دفعته لتغيير السلوك؟ 
وقامت المخابرات الأمريكية بتمويل أبحاث غسيل الدماغ في الفترة بين 1960-1957 واستمر العمل 
حتى 1963 . وتمت عملية غسيل الدماغ على الأقل إلى 100 مريض وفقا لإجراءات وضعها أشهر 
نفساني كندي. علينا التفهم بأن أعمال كميرون هذه هي خارج حيز الأشياء المقبولة ليس في الطب 
فحسب بل في القانون (وينستينء 1990). وعموما كان منهج كميرون أقرب "للعذاب النفسي-" منه 
"للعلاج النفسي" (كولينز. 1988). ورأينا التطبيقات الفظيعة لتجارب الحرمان الحسي في غرفة النوم 
الشهيرة تلك والتي تجاوز فيها كميرون كل الحدود الأخلاقية والإنسانية. 

يعتبر كميرون مواطنا أمريكيا تحدث ضد المكارثية في وقت كانت فيه خطورة للتعبير بذلك. 
وخاطب رابطة الطب النفسي الأمريكية عن خطورة "التحكم العقلي" عام 1953 معبرا أنه ليس 
هناك شيء أكثر خطورة بالنسبة للإنسانية أكثر من تعلم كيفية التحكم في تطور الشخصية. وكذلك 
كيف يمكن السيطرة في القوى الدينامية الجماعية قبل أن نطور نظاما قيميا قادرا على التعامل مع 
هذه المواقف. ويقول كميرون نحن كأطباء نفسيين لنا مسئولية "أخلاقية" لرفاهية المرضى. إن 
معرفتنا بالطبيعة البشرية وتقنياتنا لكشف دوافع وذاكرة الأفراد إذا تم تشويهها تصبح أكثر أسلحة 
موجهة ضد كرامة الإنسانية. ويفهم كميرون جيدا بأن أدوات الطب النفسي الجديدة تصبح خطرة 
إذا وقعت في اليد الخطأ ولكن لم يشك في نفسه بأن أياديه هي الصحيحة. إن نفس هذه الأيادي 


هي التي حاولت بصورة منظمة تطبيق تقنيات غسيل الدماغ بصورة مروعة 


1537 


بالنسبة لمرضاه وبذلك يريد أن ينال جائزة نوبل في الطب (كولينز 1988). وبوسعنا التساؤل هل 
كان كميرون كمعالج نفسي له أي مسؤولية أخلاقية في ممارسته للعلاج النفسي؟ 

نحاول في هذا الجزء من الدراسة أن نقتبس بعض الفقرات من الحدود الأخلاقية للتجريب 
والإرشاد والعلاج النفسي من خلال بعض الإعلانات العالمية والجمعيات وأخلاقيات الإرشاد النفسي 
والميثاق الأخلاقي للمشتغلين في علم النفس في أحد الدول. يقول كلاود بيرنارد 1865 يمكن إجراء 
التجارب على الإنسان. ولكن في حدود. ومن واجبنا ومن حقوقنا إجراء التجارب على الإنسان عندما 
تكون لإنقاذ حياته» ولعلاجه وإعطائه فوائد شخصية. فإن مبادئ الطب الأخلاقية تحتوى على عدم 
إجراء أية تجارب عندما تكون مؤذية بالنسبة لديه في أي حدود حتى ولو كانت النتائج لتقدم العلم 
لصحة الآخرين. ويقول إعلان جنيفا 1948 للرابطة الطبية العالمية "لا يسمح للمعالج تحت أي 
ظروف لعمل أي شيء يمكن أن يضعف المقاومة الجسدية أو العقلية للإنسان إلا في حالة بعض 
الأسباب المهنية المحددة بلصلحة المريض. وعلى المعالج أن يكون حذرا في نشر ‏ الكشوف البحثية". 
وهناك عدة معايير في علم النفس وتطبيقاته في مختلف المجالات. وتراعي هذه المعايير في عمومياتها 
إنسانية وكرامة الفرد المستفيد من تطبيقات علم النفس. فلكل فرع من أفرع العلوم السلوكية 
خاصة تلك التطبيقية ميثاق أخلاقي أو إعلان محلي أو إقليمي أو عالمي. 

اعتمدت الجمعية العالمية للطب النفسي في عام 1977 إعلان هاواي الذي تضمن خطوطا 
إرشادية للأخلاقيات المطلوبة في ممارسة الطب النفسيء ولقد أعيد تحديث هذا الإعلان في فينا عام 
3. وينص الإعلان بأن يتذكر الطبيب النفسي أن هناك حدودا أخلاقية بينه وبين مريضه ويجب 
أن يكون التزامه المبدثي الأول هو احترام المرضى والاهتمام بممصلحتهم والتعامل معهم كبشر- 
متكاملين. وعلى أطباء النفس أن يستشيروا العائلة أو يبحثوا عن لجنة قانونية مناسبة لحماية 
الكرامة الإنسانية والحقوق القانونية للمرضىء ويجب عدم إعطاء علاج ضد إرادة ا مرضى إلا إذا كان 


توقف العلاج 


1538 


سيعرض حياة المريض أو المحيطين للخطر, وفي كل الأحوال يجب تقديم أفضل علاج متاح 
بالنسبة للمريض. 

وحسب إعلان هاواي يعتبر البحث العلمي الذي لا يتم وفقا للقواعد العلمية هو عمل غير 
أخلاقي ويجب اعتماد النشاطات العلمية من لجنة مؤسسية مناسبة تحكم على الجوانب الأخلاقية 
للنشاطء ويجب أن يتبع أطباء النفس القواعد الدولية وا محلية المنظمة للتعامل في الأبحاث العلمية. 
ويقوم بعمل الأبحاث ويديرها الأفراد المدربون على عمل الأبحاث دون سواهم, ولأن مرضى النفس 
معرضون بشكل خاص ليكونوا موضوعا للبحوث فيجب الوضع في الاعتبار محاذير كثيرة لحماية 
تفردهم واستقلالهم. وأخيرا لن يشارك أطباء النفس بأي عملية تعذيب بدني أو عقالي حتى لو 
حاولت السلطات إجبارهم على المشاركة في مثل هذه الأعمال (الثقافة النفسية. 1999). 

ومن أخلاقيات مهنة الإرشاد النفسي ما يلي (أنظر عمر. 1999). (1) كل شخص له الحق في 
أن يحترم وأن تحفظ كرامته باعتباره كيان إنساني حر (2) كل شخص له الحق في استخدام المصادر 
واموارد المتاحة والمشروعية لتطوير نفسه ونمو ذاته وإدارة شئون حياته دون تدخل من أي أحد 
يعرقل سيرته (3) كل شخص له الحق في حرية اختيار طريقة وأسلوب حياته وكيفية تحقيق أهدافه 
مما لا يضر الآخرين وفقا لنظام القيم السائد في المجتمع (4) كل شخص له الخصوصية الخاصة به 
والتي يجب ألا يقتحمها عليه أي فرد كان (5) كل شخص له الحق في التمتع بسيادة القانون 
والاستفادة من المعايير الأخلاقية التي تحكم وتنظم العلاقة بينه وبين مرشده النفسي بما يكفل له 
السرية التامة في تعامله معه (6) كل شخص له الحق في الاطلاع على حقوقه كمرشد. حيث يعتبر 
طرفا أساسيا في العملية الإرشادية بما يجعله واعيا لسلوكياته وسلوكيات مسترشده (7) كل شخص له 
الحق في إبداء الشكوى إلى المسؤولين إذا شعر بأي خلل مهني في علاقته الإرشادية مع مرشده 
النفسي بما يكفل له ويضمن له سلامة هذه العلاقة من أي شوائب غير أخلاقية قد يتعرض لها وقد 
تضره. 


ويقول الميثاق الأخلاقي للمشتغلين بعلم النفس بأن يلتزم الأخصائي النفسي 


159 


بصالح العميل ورفاهيته ويتحاشى كل ما يتسبب بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الإضرار به. 
ويسعى الأخصائي النفسي إلى إفادة المجتمع ومراعاة الصالح العام والشرائع السماوية والدستور 
والقانون. ولا يستخدم الأخصائي النفسي أدوات أو أجهزة تسجيل إلا بعد استئذان العميل وبموافقته. 
ولا يجوز نشر الحالات التي يدرسها الأخصائي النفسي- أو يبحثها أو يعالجها أو يوجهها مقرونة بما 
يمكن الآخرين من كشف أصحابها منعا للتسبب في أي حرج لهم. أو استغلال البيانات المنشورة 
ضدهم. وإذا ظهر احتمال وقوع أضرار نفسية أو اجتماعية أو جسمية بسبب الدراسة فعلى 
الأخصائي النفسي أن يتوقف عن العمل لحين مراجعة خطته وإجراءاته للتأكد من أن النتائج المتوقعة 
تستحق الاستمرار فيها. ويحصل الأخصائي النفسي ‏ على إخطار كتابي بموافقة العميل على كافة 
الإجراءات العلاجية وأن يعلن العميل فيها أنه أحيط علما بالمعلومات الجوهرية الخاصة بعلاجه. 
وفي حالة استمرار الأخصائي النفسي في انتهاكاته الأخلاقية أو ارتكابه لفعل أخلاقي لا يمكن السكوت 
عليه فعلى الآخرين إبلاغ لجنة المراقبة الأخلاقية في الجمعية والرابطة للتحقيق وذلك للتوصية 
باتخاذ الإجراءات المناسبة وتقدير مدى حجم الضرر الناجم وتوقيع ما تراه مناسبا من عقوبات 
(فرج. 1995). 

يبدو أن بعض التجارب التي قامت بها المخابرات الأمريكية وخاصة تجارب كميرون قد 
تجاوزت كل الحدود الأخلاقية التي رسمتها الإعلانات العالمية والروابط وأفرع علم النفس على 
المستوى العالمي والاقليمي التي ذكرت أعلاه. وكشف مقال نشر في جريدة "نيويورك تايمز" في 2 
أغسطس 1977 (وينستين. 1990) بعنوان "مؤسسات خاصة استخدمت بواسطة المخابرات الأمريكية 
للتحكم في السلوك" عن مشروع سري استمر لمدة 25 عاما وصرف فيه مبلغ 25 مليون دولار صمم 
للبحث على تطوير مناهج للتأثير على الذاكرة» والتفكيرء والاتجاهات. والدافعية. وغسيل الدماغ. 
وكشفت التقارير عن استخدام 185 من الباحثين غير الحكوميين في 80 مؤسسة. وارتبط بذلك 
المشروع 44 كلية وجامعة. و15 مؤسسة للأبحاث و12 مستشفى وعيادة. و3 مؤسسات قانونية 


تستخدم كأماكن لإجراء التجارب. 


160 


إن واحدة من الأمور الهامة المتعلقة بالبحث العلمي هي المنظمات الممولة للأبحاث 
والحدود الأخلاقية لمشروع البحث وعن سلوك الباحث. وأشار كوبر بأن وكالات الحكومة الكندية 
التي مولت أبحاث كميرون عملت اللازم "في سياق الوقت لتأكد بأن أعماله معقولة بينما تعللت 
المخابرات الأمريكية بأنها مولت مشاريع بحثية جارية أجريت بواسطة باحث مرموق. وتبعا لذلك 
بررت الحكومتان بأن الوكالات ال ممولة لها مسئولية أخلاقية محدودة للأعمال المدعومة من قبلهما. 
وربما يصعب علينا فهم هذه الحجة. إذا قمت مثلا بتأجير قاتل محترف لقتل شخص ما هل أكون 
غير ملوم؟ أنا أعرف سمعته؛ وأدفع لخدماته؛ إنه يقوم بعمل أنا أريده أن يعمل بالرغم من أنه عمل 
شيطاني. وتبعا لهذا الفهم فقد بحثت المخابرات الأمريكية عن كميرون وقامت بتمويله من عام 
7 حتى عام 1960 وذلك معرفة المخابرات الجيدة بان أبحاثه تتعلق بغسيل الدماغ. وكانت 
التجارب غير أخلاقية من بدايتها ولكن م تثار مسألة الأخلاق على الإطلاق. 

يحتاج التجريب إلى تمويلء وبالرغم من أن مرضى كميرون قد دفعوا فاتورة علاجهم ولكن 
ذهب هذا المبلغ إلى المستشفى. نتيجة لذلك هناك ضرورة لمصادر للدعم الخارجي لاستمرارية 
العمل. ومن هذا قد اتضح التشابك أو التداخل بين أعمال كميرون وبين الحرب الباردة في 
الخمسينات. وظهرت أول ورقة بحثية لكميرون عام 1956 في "المجلة الأمريكية للطب النفسي-" 
وكانت الرسالة الرئيسية لهذه الورقة هو أنه يمكن التأثير في السلوك بالتعرض لرسائل مسجلة وذلك 
جعله في محط انتباه المخابرات الأمريكية. والسؤال المحير لماذا اهتمت المخابرات الأمريكية بهذه 
الورقة؟ وتقع الإجابة في موضوع غسيل الدماغ والذي وصل قمته في الحرب الكورية. وكان موضوع 
غسيل الدماغ مثيرا في الإعلام الأمريي وتم توظيفه لإثارة الرأي العام ضد الشيوعية. وأصبحت 
المسألة عقلانية في تطور البحث الكيميائي والسيكولوجي المستخدم في تقنيات الاستجواب (وينستين» 
0). 


ليس هناك من شك أنه من غير دعم أو تمويل للبحث لا يمكن لكميرون أن يقوم 


161 


بتجاربه في غرفة النوم. وكتب كميرون لوولف رئيس جمعية البيئة الإنسانية بأن المساعدة 
التي وجدها منهم في السنوات الأخيرة كانت لا تقيم بثمن» وكان كل الذين ارتبطوا بهذا البحث 
المثير لهم ثناء خاص للجمعية. وبالنسبة لجمعية البيئة الإنسانية كجمعية ممولة لا تهتم بمسألة 
الحدود الأخلاقية أو تراقب أعمال كميرون إذا سبب ذلك حوادث عقلية لمرضاه من أجل تقنية 
غسيل دماغ مثالية. وإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يوقف دعم الجمعية إذا لم يتوصل إلى نتائج 
فعالة. وبالنسبة للمخابرات الأمريكية فإن "المنفعة" من البحث هي الكل. 

في تقديريء إن تطبيقات علم النفس سلاح ذو حدين يمكن أن يطبق بصورة رائعة في رعاية 
الأطفالء وفي تعليم التلاميذ. وفي علاج المرضيء وفي دور المعوقين. وفي تدريب الطيارين والملاحينء وفي 
دراسة العقول الخطرة وفي عمليات التشخيص والاختيار والتصنيف فإن ذلك يعمل على بناء الفرد أو 
الجماعة من دون شك. ولكن عندما يطبق بصورة فظيعة ومروعة في عمليات القتل المبرمج. وفي 
دراسة أثر العقاقير الخطيرة» وفي عزل المريض حسيا لدرجة مسح الذاكرة كلية أو إصابة الإنسان 
بالهلاوس السمعية والبصرية فإن ذلك تطبيق لتدمير فعالية الإنسان من غير شك. فنلاحظ الفرق بين 
أن تساعد وتعالج شخصا مريضا بالفصام وبين أن تصيب وتدمر شخصا سليما بالفصام! فالأول من 
غير شك يزيد من كفاءة الإنسان ويكون حينها تطبيق علم النفس بصورة "خيرة" بينما في الثانية 
بصورة "شريرة". فيعتمد التطبيق على نوعية الخبير الذي يستخدم علم النفس. وقد يبقى هناك عاط 
ضبابي أو رمادي بين التطبيقات الخيرة والتطبيقات الشر_يرة. ومهما يكن يقول اسكنر (1980) في 
كتابه الشهير ما بعد الحرية والكرامة بأن تكنولوجيا السلوك تعتبر من الناحية الأخلاقية محايدة . 
ويمكن استخدامها من جانب المجرمين أو القديسين وليس في أي منهج شئ يقرر القيم التي تحدد 


استعماله. 


162 


نخلص في هذا الجزء من الدراسة بأن بافلوف استطاع إدخال الكلب في ال لمعمل دارسا بذلك 
الاستجابات الشرطية وطور بذلك نظرية التعلم الكلاسيكي ونال بعدها جائزة نوبل في الفسيولوجياء 
واستطاع اسكنر إدخال الحمامة في صندوقه الشهير ثم درس السلوك الإجرائي في المختبر واشتهر بذلك 
كأعظم سلوكي في تاريخ علم النفس. وبعد إكمال عملية التعلم والتدريب لم تطق هذه الحيوانات 
الأقفاص والمعامل والغرف المحددة لها فخرجت إلى رحاب أوسع . فتم تدريب الحمامة لتوجيه 
القنابل لخدمة أغراض الدفاع في الحرب العاطية الثانية بواسطة اسكنر الذي طالب بعلم تكنولوجيا 
السلوك كعلم موضوعي تماما كالعلوم البيولوجية والفيزيائية. وكان لنتائج هذه التجارب تطبيقات 
في أعمال المخابرات. وكان للمخابرات البريطانية دور عريق في العمليات المستورة ربما كانت الأعرق 
بين أجهزة المخابرات في العام . وأنشأت وحدة "العمليات النفسية" لتنظيم الدعاية لدعم الحملات 
العسكرية وبالرغم من أن الوحدات القتالية للحرب النفسية قد تكون صغيرة من حيث العدد فإن 
الجيش البريطاني يتوقع لنفوذها أن يكون واسع النطاق. 

وقام السوفيت بعملية غسيل الدماغ بذات كيفية التشريط التي قام بها بافلوف في تجاربه 
الكلاسيكية على الكلاب. وكان هناك ضحايا لعمليات غسيل الدماغ المروعة خاصة في غرفة النوم. كما 
أجريت تجربة القاتل المبرمج من خلال عملية التنويم المغناطيسي, واستخدم نظام الباص ومقياس 
وكسلر بفعالية في اختيار أقلام المخابرات في داخل وخارج أمريكا. واستخدمت تطبيقات علم النفس 
في الحرب النفسية في أزمة وحرب الخليج الثانية. خاصة في الحملات الإعلامية النفسية. وقام علماء 
النفس بال مخابرات الأمريكية بتقييم الشخصيات الخطيرة التي تهدد سلامة القادة. وم تكتمل هذه 
التطبيقات الكبيرة لعلم النفس من غير توظيف تقانة التجسس الدقيقة التي تدعم عمل الحواس 
بفعالية. 


إن الدعم اطالي والفني والعلمي من جانب المخابرات قد طور علم النفس بدون 


163 


شك . فنال أباطرة علم النفس في مختلف التخصصات ومن أعرق الجامعات دعما سخيا 
من المخابرات بعلم ومن غير علم للقيام بالأبحاث ولحضور ال مؤتمرات ونشر المطبوعات وكتابة 
التقارير حول علم النفس والقادة في العام . إن عاملي المخابرات ليس لديهم معايير وقواعد. أو بلغة 
أدق أخلاق في أعمال التجسس كما ليست هناك قواعد ومعايير وأخلاق في تطبيقات علم النفس كما 
هي موضوعة في أخلاقيات ممارسة علم النفس. لقد تجاوزت المخابرات والروابط السيكولوجية 
الكثير من الحدود الأخلاقية باسم التحكم فإذا وصلت التجارب المجراة لحد الموت عادة ما يتم 
العمل خارج أمريكا بصورة سرية تامة . 

وفي السنوات الأخيرة تبلورت بعض الاتجاهات عن خطورة التطور العلمي الهائل في 
تكنولوجيا التحكم في سلوك وعقل الإنسان. إن علماء النفس مطالبين بالتقدم في أبحاثهم واكتشاف 
الجديد وكلما زادت درجة التحكم في نوعية التكنولوجيا المنتجة إن قرار استخدامها سيكون خارج يد 
علماء النفس . فمن الصعب الآن إرجاع الكلب والحمامة في أقفاصها. لقد أصبحت تطبيقات علم 
النفس شائعة الاستخدام» وبعضها ربمما بصورة وحشية في المستشفيات والسجون ومراكز الشرطة, 
والمعتقلات. والبيوت الآمنة. وبيوت الأشباحء وأوكار المخابرات. وفي تقديريء إن السلاح النفسي في 
الوقت الراهن ربما يكون أهم من السلاح النووي أو البيولوجي أو الكيميائي وذلك لأنه يخاطب 
عملية التحكم في "الروح" أو "النفس" أو "العقل" أو "السلوك". وبدأت أمريكاء بصورة خاصة: في 
فهم أهمية هذا السلاح وتبعا لذلك توظيف أدوات علم النفس لأغراض الدفاع والسيطرة على العاط 
وبذلك اكتملت الحلقة بين علم النفس الذي يهدف للتحكم في سلوك الإنسان وتفكيره وهدف 
المخابرات في التحكم بالجملة على المستوى العالمي. ولكن لا يكتمل الحديث عن تطبيق وتوظيف 
علم النفس للأغراض الدفاعية بصورة هائلة ومروعة من غير الحديث عن مخالب المخابرات 


الإسرائيلية: "أمان" و"الشين بيت" وفوق كل ذلك "الموساد". 


164 


الفصل الرابع 


مخالب علم النفس والمخابرات الإسرائيلية 


علم النفس في إسرائيل 

منذ عام 1930 هاجرت مجموعة من علماء التحليل النفسي اليهود من أمانيا النازية للاستقرار في 
فلسطين . ومنذ تلك المرحلة المبكرة كانت هناك بعض الأنشطة السيكولوجية؛ مثلاء فقد عمل ماكس 
ايتنقون على إنشاء جمعية فلسطين للتحليل النفسي . وتمت أول محاولات لإدخال علم النفس في 
الجامعة العبرية بالقدس وكان سيجموند فرويد عضوا في مجلس هذه الجامعة. وتم ترشيح كيرت 
لوين لرئاسة قسم علم النفس بالجامعة. وبمرور عام 1936 تم تأسيس معهد التحليل النفسي ‏ 
بواسطة ايتنقون كما تم تأسيس كرسي فرويد للطب النفسي في الجامعة العبرية بمباركة من أنا ابنة 
فرويدء وأصبحت القدس حينها مركزا رئيسيا لتقدم التحليل النفسي على المستوى الفكري والبحثي . 

وتم تأسيس أول قسم لعلم النفس في إسرائيل عام 1957 في القدس وفي عام 1958 تم 
تأسيس قسم علم النفس في جامعة بار علان بينما تم تأسيس أقسام علم النفس في جامعتي تل 
أبيب وحيفا عام 1966 . وكان علماء النفس في إسرائيل منظمون منذ تأسيس الرابطة النفسية 
الإسرائيلية عام 1957 وكان عدد الأعضاء حينها 170 عضوا . ومنذ عام 1955 شارك 100 من علماء 
النفس في المؤتمر القومي لعلم النفس بينما شارك 1000 في ال مؤتمر العشر_ين عام 1985 (بن عريء 


وعميرء 1986) . وانضمت الرابطة النفسية 


165 


الاسرائيلية إلى الاتحاد الدولي للعلوم السيكولوجية منذ عام 1951 (روزنزويج, 1982) . 

هناك حوالي 45 عضو هيئة تدريس في قسم علم النفس بجامعة تل أبيب وهي أكبر 
الجامعات الإسرائيلية في عام 1999. كما هناك 48 طالب دكتوراة و397 طالب ماجستير و786 طالب 
جامعي في علم النفس. وتشمل تخصصات أعضاء هيئة التدريس بالتقريب كل أفرع علم النفس 
المعاصر. ومن بين الاهتمامات البحثية الحالية لأعضاء هيئة التدريس: الإدراك والسيكوفيزياءء وعلم 
النفس العصبيء والعمليات العقلية في الانتباه والذاكرة» والذاكرة الإنسانية» والعمليات الاستدلالية 
والإدراك الاجتماعيء وميكانزمات الدماغ في الذاكرة والانتباه. والذكاء الاصطناعيء والتفكير 
الاستنباطي» والسيكوفارماكولوجياء والسيكونيورواميونولوجياء والسيكوبيولوجيا. وبلاحظ بأن هذه 
التخصصات هي جزء من علم النفس الصلب. 

ومن الأبحاث الأخرى نموذج الحيوانات في الصر_ع. والنماذج الحيوانية في الاضطرابات 
العصبية» والألم والقلق. والتوتر والتكيف. والاضطرابات الوسواسية القهرية. واضطرابات الكلام 
واللغة, والفصام» والنوم عند الأطفالء والأسرة والاكتئابء والانفصال وقلق الموتء والتوحد. وعلم 
نفس الطفل الإكلينييء و نظريات التعلقء وعلم النفس الصحيء وعلم النفس الطبيء وعلم نفس 
الشيخوخة. والإرشاد الممهنيء وامروة.» والموهبة والإبداع, والعلاقات الاجتماعية. وإتخاذ القرارن 
والحكم تحت الضغوط والتمثيل الاجتماعي» والصراع وحل الصراعء» وقياس الشخصية: والتأثير الدائم 
للمحرقة اليهودية وعلم النفس الإعلاميء. والعدوان الاجتماعيء والعدوان السياسي والإرهاب. 
يلاحظ بأن هذه الموضوعات البحثية كتلك الموجودة تماما في أروقة علم النفس الحديث في الغرب, 
وليس هناك اهتمام عند علماء النفس العرب بمعظم هذه الموضوعات. 

تعتبر أقسام علم النفس في إسرائيل من أكبر الأقسام العلمية في الجامعات الإسرائيلية . ولا 
يقبل في هذه الأقسام إلآ هؤلاء الطلاب الذين لهم تحصيل دراسي عالء وقدرات عقلية عالية . 
ويكون معدل الرفض في بعض أقسام علم النفس 14 من 15 مرشح للقسم. وبلغة أخرىء يقبل 


طالب واحد بين كل 15 مرشح . وإن الحاجة 


166 


الكبيرة لخدمات علم النفس في المجتمع الإسرائيلي ترتبط بالحاجة الماسة لدراسة علم 
النفس. ويسمح ذلك باختيار الطلاب من ذوي القدرات العالية لبرامج البكالريوس في الجامعة 
والتي يتبعها اختيار الطلاب من ذوي القدرات العالية لبرامج الدراسات العليا. وساعد كل ذلك على 
إنتاج مهنيين أعلى من المتوسط في علم النفس مما يجعل بأن هناك إنتاج سيكولوجي عال من 
جانبيه التطبيقي والعلمي. وتعمل كل من الحاجة والقدرات والإنتاج على استقرار المستوى الرفيع 
لعلم النفس في المجتمع الإسرائيلي وربما يعمل على زيادته . في الوقت الراهن أصبح علم النفس 
واحدا من أكثر المهن المرغوبة في إسرائيل. ولفترة طويلة من الزمن كانت تفضل الأم الإسرائيلية أن 
يكون ابنها طبيبا أو على الأقل محامياء ولكن حاليا انضم علم النفس لهذا النادي الرفيع (بن عرى, 
وعمير 1986). 

وتجرى الأبحاث السيكولوجية في إسرائيل في عدة معاهد عامة خارج إطار الجامعات مثل 
معهد جتمان للبحث الاجتماعي التطبيقيء ومعهد حداسة للتوجيه ا مهني. ومعهد دراسات التعليم 
في الكيبوتزء ومعهد حريتا للبحوث في العلوم السلوكية . وخلال الثمانينات كانت هناك تطورات 
كبيرة في أبحاث علم النفس منها تأسيس برامج لعلم النفس الصناعي في معهد حيفا للتقانة» وبرنامج 
للدراسات العليا في جامعة بن قوريون . ويقدم برامج الماجستير والدكتوراة في علم النفس في كل من 
جامعة تل أبيبء. وجامعة حيفاء وجامعة بار علان» والجامعة العبرية. وتمول كل أبحاث علم النفس 
في إسرائيل من اليزانية العامة. ويعمل علماء النفس الصناعيين في قوات الدفاع الإسرائيلية» وفي 
المؤسسات الخاصة ببناء معايير للاختيار المهني» وفي تطوير إجراءات التدريب والتقويم. 

إن قوة إسرائيل ذات وجهين: القوة العسكرية والمناعة الاقتصادية لمواجهة أعباء الأمن 
الثقيلة وكانت قوة إسرائيل مرهونة بنوعية وكفاءة وكمية الأسلحة المتوفرة لديها (رابين. 1993) 
نتيجة لذلك تعمل أفضل العقول المتخرجة من أقسام علم النفس في قوات الدفاع الإسرائيلية والتي 
بها وحدتين لعلم النفس . تهتم إحدى الوحدتين بعلم 


167 


النفس الصناعيء وتهتم الأخرى بالصحة النفسية للجنود . ومنذ تأسيس قوات الدفاع هناك تأكيد 
على الجوانب الخاصة بالحاجة الماسة للخدمات اطهنية لعلماء النفس . وكان أول هذه الخدمات هو 
ترقية نوعية الأفراد. وترقية المؤسسة العسكرية وذلك نسبة للقلة العددية للجيوش الإسرائيلية 
مقارنة بجيوش الجيران (العرب) وتبعا لذلك فقد تم اعتبار الخدمات المهنية والتوجيه النفسي المقدم 
بواسطة علماء النفس ضرورة وبرهن على أهميته كعامل خطير بالنسبة لقوات الدفاع الإسرائيلية . 
وكانت هذه الخدمات السيكولوجية محط تقدير واحترام من قبل القادة والتي تم استغلالها لأقصى 
حد ممكن . وتضمنت وظائف الخدمات السيكولوجية القياس والاختيار العام, والتشخيص المحدد 
للوحدات الخاصة. وتطوير وتطبيق التقنيات الفريدة للتدريب والتي تضمنت تدريب القادة, 
وقياس الروح ا معنوية» وتقييم المناخ العام للمؤسسة العسكرية, وتطوير تقنيات التدخل في أوقات 
الأزمات. 

وساعدت عدة عوامل على تطور أبحاث علم النفس في إسرائيل . ومن بين ذلك إن الروابط 
السياسية والتاريخية الوثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة وكذلك بالنسبة للدول الغربية الأخرى 
جعلت إسرائيل من عدة نواحي امتدادا للغرب (لونرء 1980) . وكما هناك علاقات متداخلة بين علم 
النفس في إسرائيل وبين التاريخ السياسي والاجتماعي لليهود. وكانت مجموعة ال مهاجرين لإسرائيل من 
أانيا النازية مجموعة مشردة جسدياء وفاقدة للهوية عقلياء وقلقة بإفراطء وم يتبقى في قلوبها 
اعتقاد في الإنسانية ومع قليل من الأمل للمستقبل (عمير. وبن عري 1981) . 

في تقديريء بهذه الخصائص الجسدية: والعقلية, والعاطفية والمستقبلية التي تمت إعاقتها 
بفعل النازية يتطلب ذلك إيجاد نوعية محددة من علم النفس يستجيب لمساعدة هؤلاء الأفراد 
والجماعات . وعمل علم النفس المناسب لهذه الفئة بدون شك على تطور العلم من ناحية نظرية 
وتطبيقية يستخدم بفعالية في بناء الذات المشردة, والفاقدة للهوية» والفاقدة للاعتقاد في الإنسانية 
من جهة ومن جهة ثانية يستخدم بفعالية في صياغة أدوات مناسبة للبقاء في محيط عدائي . ونتيجة 


1658 


أدوات الحرب النفسية الفعالة مع الأعداء والتي تعمل بدورها على تهديم ذات الآخرين . 
ومن ناحية سيكولوجية» يمكن القول كان اليهود ضحية لإسقاط النازية الألمانية عليها عملية 
التعذيب البشع بفعالية وأسقطت إسرائيل نفس عملية البشاعة في حربها النفسية الضروس مع 
العرب. 

إن أحد المظاهر الفريدة لقوات الدفاع الإسرائيلية هو توظيف علماء النفس كاختصاصيين 
وكمستشارين في كل المستويات القيادية . وهناك قسم خاص للأبحاث السيكولوجية في قوات الدفاع 
الإسرائيلية قام بإجراء أبحاث واسعة عن كثير من الجوانب السيكولوجية للجيش . وتشبه هذه 
الوحدة في أنشصطتها المؤسسات الشبيهة للقوات المسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية . ولأسباب 
واضحة» ليس من الممكن توضيح نوعية الأبحاث السيكولوجية التي تجرى في هذه الوحدة (بن 
عريء وعمير. 1986). وإن دائرة البحوث في وزارة الخارجية ودائرة البحوث في الموساد تقدمان فعلا 
تقديراتهما إلى جانب تقديرات الاستخبارات العسكرية في ا مواضيع المتعلقة بتقدير الوضع القومي 
ومواضيع الإنذار المسبق. وهكذا أصبحت في جهاز الاستخبارات الرسمية علاوة على "طباخي 
المعلومات, و"ضباط الدراسات" و"مستهلي المعلومات", و"متخذي القرارات". هناك طبقة رقية 
لكنها ذات أهمية. ألا وهي "مقدمو المعلومات", أي الأشخاص الذين من واجبهم عرض المعلومات 
الرسمية أمام صانعي القرارات (لنيرء 1986). 

فيا ترى إلى أي درجة تجرى تجارب غسيل الدماغ أو تطبق مقاييس الذكاء والشخصية في 
إسرائيل؟ وكيف تتم دراسة شخصيات القادة العربء ودراسة الجيوش العربية؟ وكيف يتم التدريب 
السيكولوجي لقادة الجيش الإسرائيلي والطيارين والملاحين وسائقي الدبابات وقاذفي القنابل؟ وكيف 
توظف تقنيات الحرب النفسية وتجنيد العملاء الفلسطينيين والعرب؟ وكيف يتم اختيار وتدريب 
الجواسيس في إسرائيل؟ وكيف تكسب الموساد حربها مع الأعداء عن طريق شعارها الدائم "عن 


طريق الخداع"؟ وكيف تقوم المخابرات الإسرائيلية بالتخطيط والتنفيذ بالنسبة للعمليات 


169 


الميدانية المستورة؟ وكيف توظف إسرائيل الجمعيات السيكولوجية لخدمتها؟ وكيف 
تستغل الخلافات داخل العام العربي؟ وما هو مفهوم الإرهاب من ناحية سيكولوجية؟ كيف تتم 
عمليات الاغتيال التي تقوم بها الموساد؟ وما هو موقف علم نفس السلام من الصراع العربي 
الإسرائيلي؟ 

إن قوانين إسرائيل المتشددة في الرقابة العسكرية على مواد الاستخبارات في إرشيف 
الحكومة تضمن التقليل من تسرب المعلومات. لذلك هناك صعوبة في إجراء دراسة جدية حول هذا 
الموضوع. ويؤكد مائير هاميت رئيس الموساد "هناك أمور من الأفضل أن تظل سرا كما كانت". ولذلك 
يصعب علينا معرفة الأبحاث السيكولوجية التي تجري لأغراض دفاعية في إسرائيل لعدم نشرها. 
ولكن سوف نحاول كشف جزء ولو يسير من ظلال تطبيقات هذه الأبحاث في ظل العلاقات 
الإسرائيلية العربية. وبوسعنا التساؤل ما هي العلاقة بين "سرية" الأبحاث المجراة في قوات الدفاع 
الإسرائيلية و"سرية" أعمال المخابرات الإسرائيلية؟ 
الاستخبارات الإسرائيلية 
تعود جذور الاستخبارات الإسرائيلية إلى زمن طويلء منذ أن بدأ بعض الهواة في جمع المعلومات 
مليشيا الهاغانا في فلسطين في الثلاثينيات إبان الحكم البريطاني. بينما ولد جهاز الأمن العام الإسرائيلي 
(شيروت هابيتاشون هاكلالي» أو شاباك أو شين بيت) في 30 يونيو 1948: سماه بن غوريون "الشاي 
الداخلي". وبقى الشين بيت تابعا من الناحية الإدارية للجيش الذي كان يؤمن التغطية والخدمات 
والترقية والرواتب. وفي أوائل عام 1950 أصبح الشين بيت تابعا لوزارة الدفاع. وتوزع عمل الجهاز ما 
بين مكافحة التجسس والتخريب الداخلي مع إعارة انتباه خاص للأقلية العربية. وأنشأت الموساد في 
2 مارس 1951 بناء على أمر من بن غوريون. ولكن بدأ عمل الموساد في 1 أبريل 1951 وكان مؤسسه 
ومديره الأول روفين شيلوخ. 


وسمي الموساد أساسا هاموساد ليتوم (مؤسسة التنسيق) وفي عام 1963 أعيدت 


100 


تسميته هاموساد لمودين التفاكيديم ميوهاديم (أي مؤسسة الاستخبارات وامهام الخاصة). 
وشعار الموساد الدائم هو "عن طريق الخداع؛ سنقوم بالحرب". أما اليوم فإن الاستخبارات العسكرية 
(أمان) والموساد والشين بيت تتألف من آلاف العناصر وتنفق مئات الملايين من الدولارات كل سنة 
للدفاع عن إسرائيل في وجه أعدائها والحصول على أسرارهم واختراق مراكز القرار الكبرى في البلدان 
المعادية (أنظر بلاك وموريسء. 1992). وينفق الموساد من اجل استمرار عملياته في أنحاء العام 
مئات اطلايين من الدولارات شهريا للحفاظ على "أصوله" وسداد نفقات المتطوعين وإدارة المقار 
الآمنة وتقديم العون اللوجستي وتغطية تكاليف العمليات (توماس, 1999). 

يعتبر جهاز الموساد أحد أكثر أجهزة الاستخبارات غموضا في العالم. وتحيطه السلطات 
الإسرائيلية- أو بالأحرى هو يحيط نفسه- بكتمان شديد. لدرجة أن اسم رئيس الجهاز لا يعلن إلا 
بعد أن يصبح (الرئيس السابق للموساد). وهذا الجهاز أشبه بجبل الثلج لا يظهر منه سوى بعض 
النشاطات التي ليس في الإمكان إخفاؤهاء مثل عمليات الاغتيال والنسف والتخريب والتي تصل إلى 
الصحف بسبب آثارها المادية الواضحة. أو لأن الموساد نفسه قد سرب أخبارها استكمالا للهدف 
منهاء أي الإثارة الدعائية والنفسية (الكياليء 1999). يعرف الإنسان الحاجة الماسة للأمنء كما يعلم 
بوجود مؤسسة اسمها الموساد. أنها لا توجد رسميا في إسرائيل لكن كل إنسان يعرف عنها. أنها 
الخلاصة-قمة الكومة. ويدرك الإنسان أنها مؤسسة سرية جد وبمجرد أن يدعى للانضمام إليها 
يعمل ما يطلب منه عمله. لأنه يعتقد أن وراءه شكلا من السحر المفرط الذي سوف يفسر له في 
الوقت المناسب (أنظر استروفسكي وهويء 1990). 

يقع مبنى الموساد المرتفع بلونه الرمادي الفاتح في شارع الملك شاءول وعلى حد تعبير ماثير 
"إذا كان ذلك يجعل المرء أكثر يبدو أكثر طولاء فلا باس بهذاء كما أنه يضاعف الخوف بالطبع في 
نفوس أعدائنا". لقد قاوم مائير عاميت منذ تولي منصبه على رأس الموساد كل المحاولات الرامية إلى 
تحويل الجهاز إلى نسخة من المخابرات الأمريكية (سي آي أي) أو المخابرات السوفيتية (ي جي بي). 


وكان هذان الجهازان تستخدمان 


171 


مئات الآلاف من المحللين والعلماء وخبراء الإستراتيجية والمخططين لدعم جهود العملاء 
الميدانيين. وكان لدى العراق وإيران ما يقدر بعشرة آلاف عميل ميداني. بل أن المخابرات الكوبية 
(دي جي آي) لديها ما يقرب من ألف جاسوس. لكن مائير أصر على أن لا يتجاوز إجمالي العاملين 
الدانئمين بالموساد 2100 فرد. ويتم اختيار كل منهم بعناية بحيث يكون متعدد المواهب. فالعاط 
يجب أن يكون قادرا على العمل الميداني عند الاقتضاءء والعميل الميداني يجب أن تكون لديه القدرة 
على استخدام مهارات متخصص لتدريب الآخرين. أما هو فلن يكون بالنسبة لهم إلا "ميميون" 
وهي كلمة عبرية معناها بالتقريب "الأول بين أكفاء" (توماس. 1999). 

تجتمع المنظمات الاستخبارية العسكرية الإسرائيلية مرة في كل عام للتخطيط للأحداث 
القادمة. ويوجد ثلاثة أنواع من مصادر تزويد المعلومات الاستخبارية: هومانت او تجمع استخباري 
والمكون من أشخاص مثل كاتسات الموساد الذي يعملون بالتعاون مع عملائهم المختلفينء والينت أو 
الإشارات. وهي مهمة تقوم بها الوحدة 8200 التابعة لأسلحة استخبارات الجيش الإسرائيلي. 
وسيجنت أو التجمع الاستخباري من وسائل الإعلام العادية. 

ويتم تصنيف العملاء في المخابرات الإسرائيلية على أساس إنجازهم خلال العام المنصرم. 
ويحمل كل عميل اسمين رمزيين. اسما للعمليات» واسما للمعلومات. وتقارير العمليات التي يصنفها 
كاتسات الموساد لا يطلع عليها زبائن الاستخبارات. وعلى ضوء هذه التقارين يصنف زبائن 
الاستخبارات العملاء بممراتب من الألف إلى الياء. ولا ينال أي عميل المرتبة (أ) حتى وإن كان موهلا 
لهاء أما المرتبة (ب) فتعني مصدرا موثوقا جداء والمرتبة (ج) متوسطء والمرتبة (د) خذ كلامه بحذرء 
أما المرتبة (ه) فتقول لا تتعامل معه. وكل كاتسا يعرف مرتبة عملائه ويحاول أن يحسن تلك 
المرتبة. وتبقى مرتبة العميل على ما هي عليه طيلة العام ويدفع له بحسب مرتبته (أنظر 
اوستروفسكي وهويء 1990). 


هناك رموز أو دلالات سيكولوجية كثيرة في أنشطة الاستخبارات الإسرائيلية. 


112 


وتنعكس هذه الدلالات حتى في الأعمال الفنية وفي التعبيرات المستخدمة. مثلاء الدلالة 
السيكولوجية مبنى الموساد العالي الذي يضاعف الخوف في نفوس الأعداء. وكذلك يوجد في إسرائيل 
0 نصب تذكاري للمظليين والطيارين وسائقي الدبابات والمشاه. وتحيي النصب التذكارية ذكرى 
الموق في خمس حروب تقليدية واسعة النطاق. يقف النصب داخل محيط معسكر التأهيل ويتكون 
من عدة مباني بحوائط خرسانية وكتلة من حوائط بالحجر الرملي تتجمع على هيئة "مخ بشري". وتم 
اختيار هذا الشكل لأن "الذكاء" هو كل ما يعنيه العقل البشري وليس شكلا برونزيا يقف وقفة 
بطولية. يحي النصب التذكارية حتى الآن ذكرى 557 من رجال دوائر رجال ا مخابرات الإسرائيلية 
ونسائهاء منهم 71 عملوا في الموساد. وهؤلاء ماتوا في صحارى العراق وجبال إيران وغابات أمريكا 
الجنوبية وأدغال أفريقيا وشوارع أوربا. وحاول كل منهم بطريقته أن يحيا بشعار الموساد "عن 
طريق الخداع تنتهي الحرب". 

ألف جوردون توماس كتابا عن المخابرات الإسرائيلية بعنوان " جواسيس جدعون: التاريخ 
السري للموساد " وجدعون هو البطل الذي ورد اسمه في العهد القديم الذي أنقذ إسرائيل من 
قوات أكبر حجما منها باستخدام "ذكائه" أحسن استخدام. وتحاول المخابرات الإسرائيلية دراسة حتى 
الموجودات أو المعلقات في مكاتب رؤساء الدول العربية. مثلاء فالرئيس حافظ الأمد يضع في مكتبه 
بدمشق صورة واحدة كبيرة للموقع الذي انتصر فيه الصليبيين في عام 1187 وأدى إلى إعادة القدس 
للعرب. "وبالنسبة طائير عاميت» فإن ولع الأسد بالصورة له دلالة سيكولوجية بالنسبة لإسرائيل فهو 
ينظر إلينا بالطريقة التي نظر بها صلاح الدين إلى الصليبيين. وهي أنه لابد من قهرنا في نهاية 
المطاف. وهذا الطموح يشترك فيه الكثيرون ومنهم من يزعمون أنهم أصدقء لنا. وهؤلاء بالأخص 
يجب أن نكون منهم على حذر" (أنظر توماس, 1999) 

أصبحت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مثل أجهزة الاستخبارات في ال مجتمعات الدمقراطية 
ماهرة في إنشاء روابط مع الصحافيين الذين يسررون بأي قدر ولو بسيط من المعلومات السررية 


المتسربة حول عام المخابرات (بلاك وموريس, 1992). وللموساد 


1/3 


علاقات واسعة مع كل أو معظم أجهزة المخابرات في العالم من السي آي أي في أمريكاء 
والكي جي بي في روسياء وإم آي 5 وإم آي 6 في بريطانياء والبوندسامت في أطانيا. ودي جي أس في 
فرنسا. وتمتاز إسرائيل بتفوقها في الاستخبارات البشررية وهي أقدم طريقة تجسس وتبقى, على 
الرغم من الأقمار الاصطناعية والكمبيوتر الذي يحلل الرموز وبعض التكنولوجيا المتقدمة في السنوات 
الأخيرة. أفضل طريقة .لعرفة العدو وماذا يخطط وبماذا يفكرء وهي أفضل إنجاز إسرائيلي في ظروف 
ولادة الدولة ومشاكلها الراهنة وغير العادية. ولعبت صفات البراعة والخيانة والقساوة دورها في 
التاريخ كما كان لها دور بدرجة أقل أو أكثر في عمل أجهزة الاستخبارات والأمن. يمكن تضليل العملاء 
"بأعلام خاطئة" وتجنيدهم وابتزازهم والضغط عليهم. يمكن أن يقبض العملاء الأموال تمنا 
لخدماتهم: ويمكن أيضا قتل الأعداء الخطرين دون وازع أخلاقي وبث الإشاعات والأكاذيب داخل 


الوطن وفي الخارج. وفي معظم الأحيان يكون نفي الأخبار غير قابل للتصديق. 


سيكولوجيا اختيار وتدريب جواسيس الموساد 

هناك مستوى عال لعلم النفس في الجامعات الإسرائيلية وفي مراكز الأبحاث. كما رأينا عملية الانتقاء 
الصارمة لطلبة علم النفس في جامعة تل أبيب وفي عملية الانتقاء الأكثر صرامة في اختيار طلاب 
الدراسات العليا في علم النفس لدرجتي الماجستير والدكتوراة. وعادة ما يجد الموهوبين من الخريجين 
فرصا للعمل في الوحدات البحثية الحساسة. وتوجد في قوات الدفاع الإسرائيلية وحدتين لعلم النفس: 
وحدة علم النفس الصناعي ووحدة الصحة النفسية للجنود. كما يوجد في المخطط التنظيمي لجهاز 
الموساد وحدتين لعلم النفس. هناك "وحدة علم النفس" والتي كما يبدو في المخطط لها علاقة 
برئيس العمليات ورئيس الخدمات ولها علاقات متداخلة ومعقدة مع التكنولوجيا والوثائق والأبحاث 
والتاريخ والإدارة من جهة. ومن جهة أخرى لها علاقة مع البريد, والاتصالات. والخدمات الخاصة. 


والكمبيوتر والارتباط مع الداخل. أما الوحدة الثانية 


1/4 


لعلم النفس بالموساد هي "وحدة الحرب النفسية" والتي لها علاقة برئيس العمليات ومنظمة 
التحرير الفلسطينية ولجنة المحررين. ويبدو أن الوحدتين من خلال المخطط التنظيمي للموساد 
تلعبان دورا استراتيجيا في عمليات الموساد الميدانية وفي عملية الاختيار والتدريب بالنسبة 
للجواسيس. 

في تأريخ علم النفس لقد تطورت الكثير من المقاييس السيكولوجية لخدمة الجيوش في 
أمانيا والاتحاد السوفيتي وفي بريطانيا وأمريكا. وفي إسرائيل تستخدم أدوات علم النفس بفعالية في 
عملية اختيار وتدريب الجواسيس. وذلك من خلال تطبيق بعض الاختبارات السيكولوجية الخاصة 
بالقدرات العقلية والسمات الشخصية والمزاجية للمرشحين. فأعمال التجسس تتطلب مهارات 
سيكولوجية محددة ويجب كشفها وصغلها لكي تكون أكثر فعالية. ففي مدرسة التدريب التابعة 
للموساد تجرى المقابلات الصارمة والدقيقة لاختيار أفضل الجواسيس. كما تتم عملية صياغة 
الجواسيس وفق برامج صارم لعمليات التشكيل والقولبة بالنسبة للتفكير والسلوك الذي ينسجم مع 
أعمال التجسس. ويتدرب الجواسيس كذلك على الكيفية التي يعبرون بها عن مهنتهم. واكتساب 
الملاحظة الدقيقة والتدريب على الحس الأمنيء والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة. كما يتدرب الجواسيس 
على عمليات الستر والتغطية والتعقب وكيفية تجنيد العملاء وكيفية حماية الذات وتوظيف 
سيكولوجيا الجنس ف الأعمال الميدانية بغرض الابتزاز أو جمع المعلومات. ونحاول في الجزء اللاحق 
من الدراسة تتبع الكيفية التي يتم بها اختيار وتدريب الجواسيس. 

في كيفية اختيار الجواسيس للموساد تتم عملية تطبيق صارمة لبعض الاختبارات 
السيكولوجية في سلسلة من المراحل ولفترة طويلة من الزمن (انظر استروفسكي وهوي. 1990). 
فمثلاء في المراحل الأولى غالبا ما تقدم اختبارات بخصوص المسح العام ومن ثم تقدم اختبارات 
متقدمة للغربلة. ويعتبر اختبار بقع الحبر من الاختبارات الإسقاطية الشائعة الاستخدام في 
امخابرات الإسرائيلية لدراسة السمات الشخصية ول مزاجية. كما تم تطبق مقاييس الاتجاهات 


النفسية بالنسبة للجواسيس خاصة اتجاهاتهم 


1/5 


عن القتل. ومن بين الأسئلة المقدمة للمرشح : هل تعتبر قتل شخص ما من أجل بلادك شيئا 
سلبيا؟ هل تشعر أن الحرية مهمة؟ هل يوجد شيء أهم من الحرية؟ وتعتبر ا معلومات ا لمجموعة 
من هذه الاختبارات ذات فائدة كبيرة في التنبؤ بشخصية الجاسوس. ومن الاختبارات السيكولوجية 
الأخرى المطبقة للمرشحين الجدد هي "اختبار العلاقات الاجتماعية" والتي تقدم كل أسبوعين حيث 
يسجل كل مرشح قائمة بالأشخاص المشاركين في الدورة ويرتبهم حسب الأفضلية من نواحي مختلفة 
مثل: العمليات» وإمكانية الوثوق به. والاعتماد عليه.ء ومصادقته. ودرجة مودته؛ وما إلى ذلك. 

وفي مرحلة تالية من الاختبارات والتشخيص تكون مقرونة بمقابلات يحضرها الخبراء 
النفسيين كمراقبين صامتين. ويوصف عمل المخابرات من قبل الذين يقومون بالتدريب بأنه "عمل 
صعب وخطير" وإذا فشل المرشح في الاختبارات السيكولوجية سوف لا يستمر في إجراء المقابلات 
النهائية. وفي مرحلة تالية متقدمة من سلسلة الاختبارات السيكولوجية يقول أحد مرشحي الموساد 
"أتممت اختبارين على مكشاف الكذبء وكان يطلب من المجندين دانما ألا يكشف الواحد منهم 
شيئا عن نفسه للآخرين- كان الشعار: "أبق نفسك لنفسك". لقد رأينا في الفصل الثاني كيف أن 
المخابرات الأمريكية قد أجرت سلسلة من أبحاث مكشاف الكذب والذي يعتبر أحد الاختبارات 
الهامة في عام التجسس. 

إن خبراء الموساد وخبراء التجنيد والاختيار بصورة خاصة يختارون الجواسيس المناسبين 
وليس بالضرورة أفضل الناس- يوجد فرق كبيرء فمعظم الذين يقومون بالاختيار أشخاص ميدانيون 
يبحثون عن مواهب محددة: لكنهم لا يكشفون ذلك. وفي مرحلة تالية من الاختبار السيكولوجي 
يقول الجاسوس استمر الفحص ثلاثة ساعاتء وفي إحدى النقاطء عندما كنت اوجه أسئلة. مال أحد 
ا ممتحنين نحوي بدفتر ملاحظاته وقال "أرجو المعذرة, ما اسمك؟" ويعتبر هذا السؤال مقياسا لفحص 
التركيز الفكري وعلى الجاسوس أن يكون حذرا باستمرار. وتكمن أهمية هذا السؤال بأنه يجب على 
الجاسوس ألا يذكر اسمح الحقيقي لأحد. وترتبط عملية الاختبار 


176 


السيكولوجي بعمليات ميدانية وكان المدرسين في مدرسة تدريب الموساد "يريدون تصرفات 
فورية إلى حد ماء إلا أنهم أرادا كذلك أن يكون لكل مرشح خطة أساسية للعمل بدلا من أن تمثيل 
التعبير العربي "على باب الله" أي أن كل ما سيحدث سوف يحدث. فلنتوكل على الله ". ولقد 
كشفت الفحوص النفسية بأن أحد المرشحين مثلاء يخاف الأماكن المغلقة أو الضيقة؛ كما يكره الهوام 
والصراصير والديدان والجرذان» بل لا يحب أن يسبح في بركة بسبب جميع تلك المواد اللزجة الرطبة 
في قاعها. 

يتطلب النظام أخذ مرشحين مناسبين كبداية» ثم مع الوقت وعن طريق دورة منسقة جيدا 
من دعاية غسيل الدماغ, التوصل إلى صياغتهم في قالب معينء وكما يقولونء إذا أردت أن تهرس 
بندورة فإنك تأخذ الحبات الناضجة. وماذا تأخذ حبة خضراء؟ صحيح أن بالإمكان هرسها لكن ذلك 
أصعب. ويتعلم الجواسيس كيف يعبرون عن مهنتهم الجديدة في حالة تساءل الآخرين. تابع الرئيس 
كلامة للمرشحين "عليكم أن تخبروا أصدقاءكم أنكم تعملون في وزارة الدفاع وأنكم لا تستطيعون 
التحدث عنهاء سيرون أنكم لا تعملون في بنك أو مصنع. يجب أن تعطوهم جوابا وإلا سوف يسببون 
لكم المشاكل بفضولهم, لذلك فإن هذا ما ستقولونه لهم. أما بالنسبة للأصدقاء الجدد. فلا تتخذوهم 
دون إذنء هل هذا مفهوم". ويحذر الرئيس من استخدام الهاتف "يجب ألا تستعملوا الهاتف 
للتحدث عن أعمالك وإذا أمسكت واحدا منكم يتكلم من بيته عن المكتب سأعاقبه عقابا شديداء لا 
تسألوني كيف أعرف ما الذي تتكلمون عنه في الهاتف من بيوتكمء أنني مسؤول عن الأمن في المكتب 
وأعرف كل شيء وإذا كان هناك شيء احتاج إن أعرفه. سأستعمل أية وسائل متاحة لأي إنسان 
لأعرفه". تستخدم الموساد جهاز كشف الكذب أو ما يسمى بال مفضاح إذ يقول رئيس الأكاديمية "مرة 
كل ثلاثة أشهر ستقدمون امتحان جهاز كشف الكذبء وبعد ذلك كلما عدتم من رحلة من الخارج 
أو بعد أية فترة تقضونها خارج إسرائيل سيطلب منكم تقديم الامتحان" ويضيف موعدا "لكم الحق 
أن ترفضوا تقديمه. مما يعطيني الحق في إطلاق النار عليكم". 


تعتبر الملاحظة نقطة البداية في علم النفس (هلقارد واتكنسون واتكنسون, 1969) 


177 


كما تعتبر دقة الملاحظة البداية الحقيقية في أعمال التجسس وجمع ال معلومات وكتابة 
التقارير عنها. ويطلب من مرشحي الموساد الجدد تسجيل ملاحظاتهم عن أعمال فجائية واقعة 
أمامهم. فمثلا أثناء فترة الدراسة في مدرسة التدريب حولي نهاية الأسبوع الأول أعلن ريف أن 
ا مرشحين سيتعلمون الأمن الشخصي وما كاد يبدأ محاضرته حتى رفس باب الغرفة بضجيج 
واقتحمهما رجلان كان أحدهما يحمل مسدسا ضخما من طراز "النسر" والآخر مدفعا رشاشاء وأخذوا 
فورا بإطلاق النار. انكب الضباط المرشحون على الأرض لكن ريف وران أس سقطا على الجدار 
الخلفي مضرجين بالدماء. خلال لحظات خرج الرجلان واستقلا سيارة وغادرا المكان كنا في حالة 
صدمة مخيفة, ولكن قبل أن يبدي المرشحين أي رد فعل وقف ريف وأشار إلى جيري أس, أحد 
الضباط المرشحين وقال"حسناء لقد قتلت الآن. أريدك أن تصف من قام بقتلي وتذكر عدد الرصاصات 
التي أطلقت, وأية معلومات قد تساعدنا على تعقب القاتلين". وفيما بعد قال لهم رئيس إدارة 
العمليات "سنشرح لكم الهدف من هذه التمثيلية التحذيرية: أننا نقوم بمعظم أعمالنا في أقطار 
أجنبية» وبالنسبة لناء فإن كل شيء هو إما عدو أو هدفء ولا شيء ودي. أنني أعني ما أقول". 

وتم عرض فيلم بعنوان "رئيس على شعيرة بندقية" وهو دراسة مفصلة لحادث اغتيال 
الرئيس الأمريكي جون كندي يوم 22 نوفمبر 1963. وكانت نظرية الموساد هي أن القتلة من 
عصابات المافيا وليس لي هارفي اوزوالد. ويعتقد الموساد بأن الرواية الرسمية عن الاغتيال كانت 
اختلاقا خاصا لا يمت إلى الحقيقة بصلة. ولتأكيد نظريتهم فقد أعادوا تمثيل العملية ليروا ما إذا كان 
في مقدور قناص يحمل معدات أفضل بكثير مما كان لدى اوزوالد. وإن كان يستطيع ضرب هدف 
متحرك من المسافة المسجلة ومقدارها 88 ياردة. فلم يستطع. 

ويتدرب الجواسيس على الحس الأمني وتوقع الخطر الدائم وضرورة الاهتمام بالتفاصيل 
الدقيقة مهما كانت تافهة. وكان وقت الدورة مقسما إلى أربعة مواضيع رئيسية "الناكا" (طريقة 


كتابة التقارير الموحدة للموساد)» و"آبام" (أمن عمليات 


178 


الاستخبارات) والأمور العسكرية والغطاء. ويتدرب الجواسيس على الكيفية التي يتعاملون 
بها في جمع المعلومات وهو هدف المخابرات المركزي. وتبعا لذلك تريد المخابرات من مخبريها إعطاء 
تفاصيل كاملة بالجملة وبالقطاعي. وبكلمات أخرىء بالصورة الكاملة والتفاصيل الدقيقة. ففي الأيام 
التي كانت تشهد الإعداد لحرب الأيام الستة في عام 1967 كان هناك أما فرد ميداني من قبل الموساد 
أو مرشد مجند من قبل الموساد في كل قاعدة جوية وكل قيادة عسكرية في مصر. وكان هناك عدد لا 
يقل عن ثلاثة من هؤلاء في مقر القيادة العامة في القاهرة وكان هؤلاء من ضباط الأركان الذين 
أغراهم مائير هاميت بذلك أما كيف تمكن من ذلك فقد ظل سرا لا يبوح به إذ كان يقول: "هناك 
أمور من الأفضل أن تظل سرا كما كانت". وكانت تعليماته لكل مرشد وكل فرد ميداني هي نفس 
التعليمات وهي أنه يريد "الصورة كاملة" وعلاوة على ذلك يريد "التفاصيل الدقيقة". فما هو عدد 
الخطوات التي يخطوها الطيار من ثكنة إلي الميس لتناول طعامه؟ وما هو الوقت الذي يضطر ضابط 
أركان لقضائه حبيسا لزحام الطرق الذي تشتهر به القاهرة؟ وهل لأحد القادة العاملين في التخطيط 
عشيقة؟ لقد كان عاميت وحده هو الذي يفهم تماما كيفية الاستفادة من هذه الأمور التي لا رابط 
بينها؟ 

كما تتم عملية تدريب مرشحي الموساد على أعمال التغطية أو كما تعرف بالستر. التي كان 
يدرسها ضابطا تجنيد العملاء وجمع ا معلومات وإن معظم العمليات التي يقوم بها رجال الموساد 
تتم تحت الغطاء. فالجاسوس لا تتقدم من شخص ما ويقول له : مرحباء إنني أعمل في الاستخبارات 
الإسرائيلية وأريدك أن تعطيني معلومات أعطيك نقودا مقابلها. فضابط جمع المعلومات يتوقع منه 
أن يكون متعدد البراعات» هذه هي العبارة الجامعة- تعدد البراعات. فقد يعقد الجاسوس ثلاثة 
اجتماعات في يوم واحد. وفي كل منها يكون شخصا آخرء وهذا يعني شخصا آخر كليا". كما يقضي 
الجاسوس وقتا طويلا للتمرين على التغطية. فضلا عن ذلك يدرس مختلف ال مدن عن طريق ملفات 


المكتبة ويتعلم كيف يتحدث عن مدينة معينة كما لو عاش فيها طوال حياته؛ كما 


179 


يتعلم بناء شخصية وانتحال مهنة في يوم واحد. وكان واحدا من الأشياء المتعلمة كيفية عدم 
إعطاء معلومات كثيرة بسرعة تزيد عما يجب. وكان تسفي جي 42 وهو عام نفس وأول مرشح 
يتعرض لهذا التمرين. 

وبعد إكمال التدريب على عمليات التغطية أو الستر يتعلم المتدربين كيفية التعقب بصورة 
غير لافتة للنظر. أولا يكون التعقب في مجموعات. ثم فردياء وكيفية الاندماج واتخاذ مواقع مناسبة 
والاختفاء. والفرق بين الملاحقة في منطقة سريعة ومنطقة بطيئة: ومفهوم المسافة والزمنء أي تعلم 
قياس المسافة التي يقطعها شخص ما في وقت معين". إن الشيء الذي لا يريد الجاسوس أن يعلمه إن 
كان فعلا متعرضا للتعقب هو أن يفقد متعقبيه. وإذا فقدهم كيف يستطيع التحقق من ذلك؟ 
وكيف يعرف إن كانوا يتعقبونه إذا جاءوا ثانية» لكي يوقف جميع نشاطاته المخططة. وقد يذهب 
حتى للسينما. وبدأ أحد المدرسين يشرح للمتدربين ما تعلماه "والآن بعد أن تعلمتم كيف تحمون 
أنفسكم, فإنكم تتعلمون كيف تجندون الآخرين. تأتون إلى مكان بعد التأكد من نظافتكم وتبدؤون 
بالتجنيد. وبعدها تكتبون التقارير بالأملوب الذي تعلمتموه. كما تتعلمون كيف تستفيدون من 
المعلومات من الدك المتواصل للمعطيات التي تلقيتموها". وعند هذا الحد بدأتم في شق قشرة 
البيضة. على حد تعبير موسى. 

يتعلم المرشحون الجدد من المدربين في مدرسة ال موساد كيفية تجنيد العملاء في المخابرات 
الإسرائيلية. وعموماء من ناحية سيكولوجية: تراعى نقاط الضعف في الشخص الذي يراد تجنيده. 
وتدرس جيدا السمات الشخصية وال مزاجية لهذا الشخص قبل عملية الاقتراب منه. وهناك ثلاثة 
صنانير رئيسة للتجنيد: امال والعاطفة. سواء كانت الانتقام أو الايديولوجية والجنس. إن فكرة 
التجنيد لدى الموساد تشبه دحرجة صخرة عن تلة. وتستعمل كلمة "ليداردو" التي تعني الوقوف 
على رأس تلة ودحرجة جلمود من هناك. وهذه هي الطريقة التي يتم بها تجنيد العملاء. يتم أخذ 
شخص وجعله تدريجيا يقوم بشيء مخالف للقانون أو للأخلاق» ويتم دفعة منحدرا عن التلة. لكنه 


إن كان هذا الشخص على قاعدة راسخة فإنه لن يقدم المساعدة, ولا يمكن 


160 


استخدامه: والقصد كله هو أن يتم استخدام الناس: ولكن لكي يتم استخدامهم يجب 
قولبتهم: وإذا كان هناك شخص سعيد في حياته و لا يحب الشرب أو الجنس وليس بحاجة للمالء 
وليست لديه مشاكل سياسية فلا يمكن تجنيده: وما يممكن عمله هو التعامل مع الخونة. فالعميل 
خائن مهما كانت درجة عقلنته للأمر. لذلك تتعامل الموساد مع أردأ أنواع البشر. وقد تستخدم 
مهارات عالية وغامضة في كيفية استقطاب الجواسيس في دول الجوار. يحكي استروفسكي وهوي 
(1990) أنه قد عرض في التلفزيون المصري فيلما ناقدا للموساد بعنوان "الرجل ذو العينين المثيرتين". 
ويحتوي على قدر كبير من المعلومات الداخلية لكن بدلا من أن يثير الفيلم الناس فإنه أدى إلى 
تدفق المتطوعين على السفارة ممن يرغبون في العمل مع الموساد. 

هناك أهمية سيكولوجية للتآزر البصري الحري في كيفية التعامل مع السلاح وحماية الذات 
والاستهانة بالموت. وفي نفس الوقت كيفية التعلم على قبول اموت للآخرين وأن الغاية النهائية هي 
حماية الذات بلا إحساس بالعار أو الأنانية. لقد تم تدريب المرشحين على كيفية سحب الملسدس 
أثناء الجلوس في مطعم إذا اقتضى الأمرء إما بالسقوط إلى الخلف على المقاعد وإطلاق النار من 
تحت الطاولة أو بالسقوط إلى الخلف ورفس الطاولة في نفس الوقت ثم إطلاق النارء وكل ذلك في 
حركة واحدة. ولقد تم التساؤل ما لذي يحدث لمشاهد برئ؟ يقول أحد المتدربين تعلمنا أنه لا يوجد 
مشاهد برئ في موضع يحدث فيه إطلاق النار فا مشاهد سيرى موتك وموت شخص آخرء فإذا كان 
موتك فهل تهتم إذا أصيب بالجراح؟ بالطبع لا. إن الفكرة هي البقاء- بقاؤك أنت. يجب أن تنسى 
كل ما كنت قد سمعته عن العدل. ففي هذه المواقف أما أن تكون قاتلا أو مقتولاء وواجبك أن 
تحمي ملك الموساد. أي أن تحمي نفسكء وبمجرد أن تفقد هذا تفقد عار الأنانية. حتى أن الأنانية 
تبدو سلعة قيمة-شيئا يصعب عليك أن تنفضه عنك عندما تعود إلى بيتك في آخر النهار. ويطبق 
أثناء عملية التدريب استبيان عن الاتجاهات خاصة عن القتل. ويعتبر ذلك في الموساد نقطة أساسية 


في أعمال الجاسوس الإسرائيلي. خاصة الذين يلتحقون بفرقة 


151 


الكيدون وهي الخاصة بالاغتيالات وتسمى كذلك "الحربة" أو وحدة الاغتيالات المسئولة 
عن الجواسيس. 

عندما شكلت الوحدة 154 أنخرط في صفوفها شباب من اليهود الشرقيين يتكلمون العربية 
جيدا ولكن تأهيلهم م يكن مناسبا. مع أن أفراد الوحدة كانوا يتلقون تدريبات قاسية في اللياقة 
البدنية ومناورات النار ودروس في المتفجرات والمواد التخريبية ورحلات لتحديد الاتجاه حتى أن 
بعض هذه التدريبات تقع داخل حدود بعض الدول العربية والغرض من ذلك هو غرس الثقة في 
نفوس أفراد الوحدة. وكان المقاتلون يتوجهون للسرقة بهدف المحافظة على روح الشد والتوتر 
وتفعيل التسلل حتى ولو كان بدافع السرقة. وتحولت هذه الوحدة إلى لصوص سرقوا لحوم الأغنام 
والأسمنت من غير حاجة. فمثلاء تنكر يهود باراك (رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق) إلى عامل فني 
وفك لافتة طريق مضاءة لإطارات شركة اليانس. وإذا تمت السرقة بإذن وترخيص وحظيت بالثناء 
فإنها تتحول إلى عادة. وقد سرق باراك في مناسبة أخرى خزان الوقود الاحتياطي في سيارة قائد 
المنطقة الشمالية أنذال أفراهام يافي. وقد هاج اللواء وثار فتم الاعتذار له كما تمت إعادة الخزان. 
وكان أحد المشاركين في الوحدة يدعى رون ليفي الذي أصبح فيما بعد العام النفساني المسؤول عن 
قسم الصحة النفسية في جيش الدفاع والذي عارض عمليات السرقة التي تحولت إلى روتين وعادة 
(زندر: 2000). 

وتستغرق عملية إعداد المقاتل في وحدة الأركان عامين تبدأ بالتدرجات المتبعة في سلاح 
المشاه بالكامل مع التركيز على مجالات التوجيه. وإن الإعداد لأي عملية ذات هدف ينطوي على 
طابع استخباري. وتتسم طرق عمل أفراد الوحدة بالخداع والمراوغة. ولكل عملية خصوصياتها في 
ذلك. ففي عملية سابينا مثلا تنكر طاقم العملية بملابس الفنيين البيضاءء وفي عملية "ريعان الشباب" 
التي قتل فيها القادة الفلسطينيين في بيروت فقد نفذها زوجان بالزي المدنيء أما عملية عنتبي فقد 
اعتمد التضليل فيها على تقليد ومحاكاة عيدي أمين» وقد وصف أحد قادة أفراد الوحدة نشاطها 


"با مسرح". 


1562 


وتجرى أيام البلورة والاندماج في وحدة الأركان في معهد وينغيت. و تشارك فيها وحدة 
الكوماندوز البحري 13 ووحدة الإنقاذ المحمولة جوا. ويتم تحديد أفراد ا لمجموعة المتدربة ضمن 
مجموعة متميزة ومصنعة على أسس فنية ونفسية أولية ومستوى معدل طبي يجب أن يتجاوز 
درجة 72 . ومن بين البنود الصحية استبعاد بعض المتقدمين بسبب آلام الظهر والرؤية والقدم 
ا منبسطة. ويخضع كل مرشح في المرحلة الثانية للقابلة شخصية مع عام نفساني للإجابة على سؤالين 
يتعلقان برغبة الشخص للالتحاق بالوحدة: وتقييم قدراته على العمل بجانب دراسة خلفيته الذاتية, 
وبالنتيجة فإن العالم النفساني قادر على تقييم قدرة ال مرشح على التفكير ومجابهة حالات الضغط 
(زندر: 2000). 

في السابق كانت الموساد تقوم بإقامة شركات وهمية لجذب عملاء محتملين. وفي بناء لا 
يحمل إشارات في ضواحي ال مدينة كان مسؤول وحيد يسأل المرشحين إذا ما كانوا راغبين في مهنة 
ترضي الطموح إلى جانب خدمة البلاد والسفر المثير وم يتم ذكر الموساد. وكانت الوكالة أحيانا تعتمد 
عميلا مزورا للتجنيد مستخدمة عميلا يبدو كأنه يعمل لبلد آخر. وكانت أحرص الأساليب الموسادية 
ما يعرف بالعبرية "هافير مفير هافير" أي "صديق يأقٍ بصديق". واعتمادا على شبكة صغيرة ولكن 
قوية من الأصدقاء القدامى» يقوم الجواسيس بتزكية أصدقاء أو أقارب بشكل غير مكشوف. ولكن 
بدأت مرحلة جديدة من مراحل التجنيد بوضع إعلانات في شبكة الانترنيت. وقد ظهر في أحد تلك 
الاعلانات أبواب حديدية وهي تفتح ببطئ ونقش عليها شعار الدولة: المينورا. ويقول الإعلان 
"الموساد يفتح أبوابه ويدعو المتقدم إلى مهنة مثيرة وإلى مستقبل خدمة في مجال عزيز علينا جميعا" 
(كلايدمان. 2000). وأن يكون المتقدمين تواقين إلى مهنة مشوقة: وعليهم أن يرسلوا سيرهم الذاتية 
من أجل الانضمام إلى وحدة خاصة تتطلب في الوقت نفسه قدرات وحماسا استثنائيين. وأشار 
الرئيس السابق للموساد اسحاق هوفي إن الفصائل الكبرى من الموساد تتشكل من خريجي جامعات 
"موهوبين ومتحمسين وتم اختيارهم بدقة" (البيان» يوليىو 2000). 


ربما كانت المهنة مثيرة ولكن الموساد واجه في السنوات الأخيرة صعوبة في ملي 


163 


شواغره. ومع تطور المجتمع ومع استمرار ازدهار صناعته التقنية المتقدمة يجد الإسرائيليون الشبان 
أن بريق وشهرة عام "الدوت كوم" أكثر إغراء من تضحيات الموساد التي تتم بهدوء. وحيث لمم يشعر 
الإسرائيليون بأنهم محاصرون من كل الجوانب. ونظرا للضغوط الواقعة على الوكالة م يكن بوسعها 
أن تكون خجولة من حملة التجنيد هذه. وحتى وقت قريب تعتبر هوية رئيس الموساد من أسرار 
الدولة. ويقول شاباق شافيت الذي عمل رئيسا للموساد من 1996-1989 "لقد اعتراني الذهول في 
بادئ الأمرء فقد كان جيلي يعتبر الموساد صندوقا أسود حيث كانت السرية وتقسيم العمل إلى دوائر 
صغيرة أهم ما يجري فيه" وقد اقتنع ما يجري عندما رأى أن جهازه المحبوب يواجه أزمة. ويقول "إن 


الموساد لا يقدر على الركود في الوقت الذي يتغير فيه العالم من حوله". 


نسبة الذكاء 140 والغواصة الإسرائيلية دولفين 


كان لابد لإسرائيل يي يتكامل دورها الاستراتيجي الصهيوني في المنطقة العربية وتصبح أداة محلية 
للإمبريالية الدولية وشريكا اصغر لها في المصالح الاقتصادية والاستراتيجية. من أن تعتمد على قواها 
العسكرية الذاتية في تنفيذ أهدافها الاستراتيجية هذه. لأن الاستعانة بقوى عسكرية خارجية لتحقيق 
كل مرحلة من مراحل التوسع أو الردع في مواجهة الدول العربيةء يعرض في كل مرة المصالح 
الإمبريالية المباشرة للاصطدام مع القوى الوطنية العربية . و تستند عملية بناء القوة العسكرية 
الإسرائيلية الذاتية إلى نظرية الأمن الإسرائيلي التي تعد بمثابة العقيدة العسكرية العامة التي تحدد 
المبادئ العامة لاستخدام القوى العسكرية الإسرائيلية, عندما يتطلب الأمرء لتنفيذ الأهداف 
الاستراتيجية والسياسية للدولة الصهيونية. وتمشيا مع مبدأ التفوق النوعي والردع اللذين يشكلان 
ركنا أساسيا في العقيدة العسكرية الإسرائيلية واللذين فرضهما واقع الاختلال في المعطيات 
الاستراتيجية الأولية ميزان القوى الاستراتيجي العربي - الإسرائيلي. عملت إسرائيل على بناء قوة 


عسكرية تتمتع بتفوق كيفي يتيح لها تعويض 


1634 


النقص الكمي في الإمكانيات وا معطيات الإستراتيجية بالقياس إلى الإمكانيات والمعطيات المقابلة 
عربيا (أنظر عزمي, 2000). 

ولعبت كل من البحرية الإسرائيلية والبحريات العربية دورا هامشيا في حروب 1948 
و1956 و1967. ونتيجة لعملية إغراق اللممدمرة الإسرائيلية "إيلات" في 21 أكتوبر 1967. بثلاثة 
صواريخ سطح- سطح من طراز "ستيكس" أطلقت عليها من زورقي صواريخ مصريين من طراز 
"كومار" قرب بور سعيد. أخذت إسرائيل تعيد النظر ببنية قواتها البحرية من الأساس وتطويرها على 
أسس عملياتية جديدة. واتجهت نحو استبدال المدمرة بزوارق الصواريخ بمختلف أحجامهاء فضلا عن 
تعزيز قوة غواصاتهاء وجاءت حرب 1973 لتقرر مسار التطوير اللاحق للبحرية الإسرائيلية. وتتألف 
القوات البحرية الإسرائيلية الدائمة من نحو 7000-6000 فرد من بينهم 3000-2000 مجند, ويرتفع 
العدد إلى 10000- 12000 عند التعبئة العامة. وتوجد القواعد البحرية الرئيسية في كل من حيفا 
وأشدود وإيلات. 

ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية بتاريخ 3 يوليو 1998 عن امتلاك إسرائيل 
لغواصة "دولفين" وهي غواصة هجومية والتي تحمل 14 طوربيدا وعدد من صواريخ سطح - سطح 
التي يصل مداها إلى 130 كلم. وبدأت إسرائيل تتفاوض مع أمانيا لبناء هذه الغواصات منذ عام 
8 ولكنها انسحبت من المفاوضات عام 1990 بسبب ارتفاع الثمن ال مطلوب لها. ثم تجدد 
المشروع في ظل احتدام حرب الخليج الثانية في عام 1991 عندما قام هانز ديتريش رئيس وزراء أمانيا 
بزيارة إسرائيل وعاين موقع سقوط صواريخ "سكود" العراقية على "رامات جان" شمال شرق تل 
ابيبء حيث أعلن عزم ألمانيا على تزويد إسرائيل بغواصتين من فئة "دولفين" مجانا. وبالفعل 
تسلمت البحرية الإسرائيلية الغواصة الأولى عام 1997 . وبحصول إسرائيل على غواصات "دولفين" 
الحديثة ستكون قادرة على مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين في عمق البحر المتوسط حتى 
سواحل ليبيا وفي عمق البحر الأحمر. 


وبعد عامين من ذلك أكدت صحيفة "الصن دي تايمز" الإنجليزية في عددها 


165 


الصادر يوم 18 يونيو 2000 في صفحتها الأولى موضوع الخوف من السباق التسلحي الجديد في 
الشرق الأوسط واختبار إسرائيل لصواريخ كروز التي تحمل الرؤوس النووية. ووفقا للصحيفة أكدت 
مصادر من الدفاع الإسرائيلي أنه بالفعل تم اختبار سري لغواصات دولفين في المحيط الهندي بالقرب 
من شواطئ سريلانكا وتضرب هذه الصواريخ أهدافا على بعد 930 ميل. وبهذا تكون إسرائيل هي 
الدولة السادسة في العالم من حيث ضرب الأهداف من صواريخ نووية من الغواصات. وتمنح هذه 
الغواصات إسرائيل العماد الثالث للتسلح النووي بعد الدفاعات الأرضية والجوية وذلك وفقا للصدر 
إسرائيلي. و يعتبر هذا الاختبار النووي من الغواصة "دولفين" مصدرا للقلق في الدول المجاورة كما 
يعتبر في ذات الوقت فضيحة لأطانيا في دعمها العسكري لإسرائيل مما يخل بتوازن القوي في الشرق 
الأوسط. وقدمت هذه الغواصات تعويضا لإسرائيل وذلك لاستخدام العراق لأسلحة أطانية الصنع 
أثناء حرب الخليج الثانية. وبالرغم من الحركة نحو عملية السلام لكن إسرائيل تخاف من تطور 
الأسلحة النووية في إيران والتي من المتوقع أن تطور صواريخا نووية هجومية خلال عامين كما 
تعتقد بعض مصادر الاستخبارات الإسرائيلية . الجدير بالذكر فإن إسرائيل لم تعترف بامتلاكها لأي 
برنامج نووي الذي كشفت عنه "الصن دي تاهز عام 1986 . فإن القوة التدميرية للغواصات الثلاث 
تقدم لإسرائيل ترسانة بحرية كبيرة مساوية لقدراتها البرية والجوية. 

وذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" العربية في عددها الصادر يوم السبت 19 أغسطس 2000 
حصول إسرائيل على ثلاثة غواصات أمانية الصنع قادرة على إطلاق رؤوس نووية وإصابة الأهداف 
على مسافة تصل إلى 900 ميل. وتعتبر غواصات "دولفين" من أكثر الغواصات تقدما من ناحية تقنية 
في العالم. ومن حيث الحجم. فهي ضعف الغواصة القديمة "جال" التي تمتلكها إسرائيل لأكثر من 23 
عاما. ويصل طول كل غواصة من طارز "دوليفن" إلى 176 قدما. ومكن لكل غواصة حمل 24 
صاروخا من طراز "كروز" مجهزة برؤوس نووية كل واحد منها لديه قوة تدميرية أكبر من القوة 
التدميرية لقنبلة هيروشيما. وكان تمن كل غواصة 200 مليون جنيه إسترليني ولكن تحصلت عليها 


إسرائيل 


1566 


مجانا. وتم تجهيز الغواصات بشبكة كمبيوتر يطلق عليه "انهانسد بروميكس" الذي طورته 
شركة "انسلاو" الأمريكية وتحقق تلك الشبكة تميز واضح لإسرائيل في مجال الصواريخ النووية. ومن 
بين قدرات هذه الشبكة برنامج يطلق عليه "عبر الأفق" وهو يسمح لصواريخ كروز التي يتم إطلاقها 
من غواصة بإصابة هدفها على بعد 900 ميل. 

وتجدر الإشارة إلى أن إخفاء النية الحقيقية لإسرائيل فيما يتعلق بالغواصة"دولفين" تطلب 
عدة رحلات سرية مدير الموساد افريام هاليفي إلى كل من مدريد واشنطون. وساهم هاليفي الذي 
تولي رئاسة الموساد في إقناع الحكومة الإسرائيلية بضرورة تطوير قدرة نووية بحرية قادرة على تدمير 
الأهداف العسكرية في كل من إيران والعراق وليبيا. وطبقا للمصدر استخبارات أمريكي كبير في 
واشنطون فقد كان هاليفي في كل اجتماعاته لتسهيل أي معارضة لحصول إسرائيل على غواصات 
نووية "يكذب وابتسامه على شفتيه ويبدو مخلصا كل الإخلاص". وبالفعل أجرت الغواصة "دولفين" 
تجارب لإطلاق الصواريخ بالقرب من اللياه العربية وباستخدام برنامج "انهانسد بروميس" أصابت 
الصواريخ أهدافها في عرض البحر على بعد 900 ميل. وتم استكمال برنامج هذه التجارب في الوقت 
الذي فشلت فيه مفاوضات كامب ديفيد الثانية. 

وقبل بداية رحلة الغواصة "دولفين" من أمانيا في يوم 21 أبريل 2000 وصل أكثر من 100 
بحار إسرائيلي إلى ميناء حيفا وهم أعضاء في مجموعة من القوات الخاصة معروفة باسم "القوة 
0" وتلقت تلك المجموعة تدريبات خاصة للعمل في الغواصات النووية. وجرى جزء من هذا 
التدريب في الولايات المتحدة. وتم تقسيم رجال القوة إلى 35 ضابطا وجنديا لكل غواصة. وتحمل 
هذه الغواصات اسم كودي هو "القوة 700" وذلك نتيجة للمتوسط الذي أحرزته هذه المجموعة 
المختارة بعناية في الاختبارات السيكولوجية التي صممها علماء النفس في إسرائيل وبدرجات ذكاء بلغ 
عددها 700 نقطة. وتعادل هذه الدرجات نسبة ذكاء تتراوح بين 140-130. وبالإضافة لهذه 
المجموعة تم اختيار خمسة من الصفوة والمتخصصين بدقة متناهية لكل غواصة وهم مسؤولون عن 


صواريخ كروز التي سيتم تجهيز السفينة بها. 


137 


تعتبر نسبة الذكاء 140 التي بحث عنها علماء النفس في إسرائيل لإدارة طاقم الغواصة 
"دولفين" هي نسبة ذكاء عالية جدا حسب تصنيفات مقاييس الذكاء. فالشخص المتوسط في قدراته 
العقلية ينال حوالي 100 درجة في مقياس وكسلر لذكاء الراشدين مثلا. وكل من ينال 130 درجة وأكثر 
فهو "موهوب" أو "بارع" أو "عالي القدرات". وبذلك كانت قوات الدفاع الإسرائيلية تبحث على 
درجات أعلى من "الموهية" أو "البراعة" أو "القدرات العقلية" تصل إلى 140 لقيادة الترسانة البحرية 
الجديدة. يبدو أن علماء النفس في إسرائيلء وتبعا لذلك أدوات القياس السيكولوجي المترجمة أو 
المكيفة أو المصممة. لا تبحث فقط عن أفراد أكفاء لإدارة الغواصة "دولفين 700" إنما يبحثون عن 
الأكثر كفاءة أو عن "ميمون" وهي كلمة عبرية تعني بالتقريب "الأول" بين الأكفاء. 

وفي أمانيا التي قامت ببناء الغواصة "دولفين". وكما في إسرائيل كذلك هناك تطبيقات كبيرة 
وهامة للمقاييس السيكولوجية في الأغراض الدفاعية. وتطورت مقاييس الذكاء بغرض اختيار 
وتصنيف الجنود والضباط في الحربية ومن بينها مقايس وكسلر الشهيرة للذكاء. ففي المخابرات 
الأمريكية» مثلا تم اعتبار مقياس وكسلر من العضلات التحتية للمخابرات. واختيار رورشاخ في 
المخابرات الإسرائيلية, والاختبارات الموقفية والمنهج الشمولي في المخابرات الأطانية. لعلنا نتساءل عن 
المحاولات العربية الكثيرة التي تمت بخصوص "ترجمة" أو "تكييف" أو "تقنين" مقاييس وكسلر 
للذكاء هل كانت لها أي تطبيقات هامة واستراتيجية في المجال الدفاعي والأمني؟ مثلا لاختيار ضباط 
الشرطة العرب؟ أو ضباط السجون العرب؟ أو العاملين في شركات الأمن العربية؟ أو الملاحين في 
الطيران العربي؟ أو قاذفي القنابل في العسكرية العربية؟ وفوق كل ذلك لضباط السفن العسكرية 
الحربية والغواصات العربية؟ 
حرب اللوساد النفسية "عن طريق الخداع" 


كان الهدف الأساسي للصهيونية والدعاية الإسرائيلية وسائر أساليب الحرب النفسية 


168 


الاستراتيجية منها والتعبوية هو جمع الشتات اليهودي وتوطينهم في فلسطين ثم إنشاء الكيان 
واستمراره بالعدوان والاستيطان والتوسع . وتحقيقا لذلك استغلت واستفادت الحركة الصهيونية في 
عملها الإعلامي الدعائي النفسي من كافة المدارس النفسية الدعائية في التاريخين القديم والحديث 
ومن التجارب المعاصرة كالتجربة النازية. وارتكزت الحرب النفسية الإسرائيلية على عدة مقولات مثل 
(1) مقولة الحق التاريخي وأرض الميعاد (2) مقولة العداء للسامية وتعرض اليهود للاضطهاد بسبب 
عنصرهم السامي كما حدث في يد النازية (3) مقولة الجنس اليهودي (شعب الله المختار) (4) 
مقولة الأمة اليهودية أو وحدة الدين والقومية (5) مقولة الصحراء القاحلة والأرض الخالية من 
السكان (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) (6) الجيل الجديد (الصابرا) أو حق الولادة والأجيال في 
فلسطين (7) مقولة إسرائيل الصغيرة (8) مقولة إسرائيل المكافحة من أجل البقاء والعيش (9) مقولة 
إسرائيل دولة حضارية في محيط متخلف (10) مقولة إسرائيل أداة متقدمة لحماية الغرب. وتعتمد 
منطلقات الحرب النفسية الإسرائيلية كذلك على مقولات أخرى مثل مقولة خطر الإسلام الزاحف». 
ومقولة خطر العربي الثري الذي مملكك مصادر الطاقة ويهدد الغرب ومقولة إسرائيل حامية الشرعية 
في ا منطقة ومقاومة الإرهاب (أنظر الدباغ, 1996؛ 1998). 

إذا تحرينا الدقة يبدو أنه ليس هناك من يستخدم بفعالية الحرب النفسية كما تستخدمها 
إسرائيل في حربها ضد العرب . فهي تشن حربا نفسية ضروسا لا تبقي ولا تذر أي صفحة نفسية . 
ولأن إسرائيل كما يقال إحدى الولايات الأمريكية. فهناك علاقة دافئة بين التطبيقات الأمريكية 
والتطبيقات الإسرائيلية لعلم النفس . وقد يستحيل أحيانا تحديد ما هو أمريي وما هو إسرائيلي . 
يقول فيصل علاف إن الحرب النفسية الإسرائيلية هي الشكل العملي للدعاية الصهيونية اللوجه ضد 
الشعب العربي والقوات المسلحة العربية. وذلك بغية النيل من الشعب والجيش وتحطيم إرادة 
القتال والصمود عند الجيشء لتتمكن إسرائيل بذلك من حسم الصراع لصالحها (نوفل: 1986) . 
ويضيف غازي ربابعة أن إسرائيل تولي جهاز الحرب النفسية عناية كبيرة لا سيما وقت الحرب ضد 


الجيوش 


159 


العربية بقصد التأثير على معنويات هذه الجيوش من خلال مختلف وسائل الإعلام 
والنشر(نوفل, 1986) . 

وقد أدخلت إسرائيل على وسائل الحرب النفسية التي تشنها على العرب الكثير من 
امنجزات والوسائل الفنية. واعتمدت على معطيات علم النفس للتأثير في عقول الناس و نفسياتهم, 
وتحطيم معنويات المقاتل العربي من خلال زرع اليأس والقنوط عنده. وتصوير استحالة تمكنه من 
تحقيق أي تقدم أو نصر على الجندي الإسرائيلي. لذلك فهي تجمع معلومات حول شخصيات الزعماء 
ورؤساء الحكومات وزعماء المعارضة وقادة العمل السياسي. وكل ما يتعلق بالهيئات والتنظيمات 
السياسية ونظم الحكم والأحزاب السياسية وتأثيرهاء ومدى الدور الذي تلعبه الأقليات (نوفل, 
6. وينتقل العنف النفسي- للخطابء وفي رسم صورة العرب في المخيال الغربيء وحتى في 
المفاوضات وفي الدبلوماسية . 

تسمى دائرة الحرب النفسية التابعة للموساد ب (لاب). لكن إن أول نشاط في مجال الحرب 
النفسية يرتبط بإنشاء الوحدة 131 عام 1948 كوحدة سرية جدا داخل الفرقة السياسية تكون 
مهمتها تنفيذ عمليات التخريب وبث الدعاية السوداء خلف خطوط العدو. ونقلت الوحدة بعد 
الحرب إلى الجيش على الرغم من اعتراضات الفرقة السياسية لأن حجة الجيش كانت أن مهماتها 
تعتبر عسكرية. وكانت الوحدة الشقيقة 132 مكلفة بتنفيذ الحرب النفسية. قبل الثورة ا لمصرية في 
يوليو 1952 بث عملاء هذه الوحدة دعاية مضادة للملكية في القاهرة. كان أحد مشاريعهم التافهة 
تركيب صورة للملك فاروق وهو في الفراش مع عاهرة. وكان الإسرائيلي إلياهو ناوي وهو عراقي 
امولد مسؤولا عن بث الدعاية السوداء في الإذاعة باتجاه الدول العربية (أنظر بلاك وموريسء. 
2)). 

كان للخداع الاستراتيجي تاريخا طويلا وكبيرا في عام المخابرات. وتبعا لذلك يعتبر أحدد 
العضلات التحتية التي تستخدم في الحرب. ولكن يبدو أن أكبر دور للخداع الإستراتيجي في الحرب 


النفسية فقد قامت به المخابرات الإسرائيلية و لاسيما إن شعارها 


00ظ1 


المركزي هو "عن طريق الخداع". وكان نجاح أمان الأساسي عام 1956 وهو في خطة الخداع 
الكبرى التي نفذت في النصف الثاني من شهر أكتوبر أي في الأيام الأخيرة التي سبقت الغزوء بالإضافة 
إلى تقديرها الدقيق لترتيب قتال الجيوش العربية. ونشرر.ت أجهزة الاستخبارات إشاعات في أجهزة 
الإعلام وعبر العملاء في العالم العربي بأن الأردن وليس مصر هو هدف الهجوم الإسرائيلي. وتضمن 
الخداع أيضا معلومات مضللة حول دخول وحدات من الجيش العراقي إلى الأردن» وقيل للعديد من 
الاحتياطيين في الجيش الإسرائيلي إن حربا مع الأردن وشيكة الوقوع. وأعلنت القدس عدة مرات أنها 
تنظر إلى تحركات القوات العراقية باتجاه الأردن على أنها إعلان حرب. وبعد أن نشرت إشاعات من 
أن هذا قد حصل فعلاء تعزز الاعتقاد في الدول العربية وفي بعض العواصم الغربية بأن إسرائيل على 
وشك مهاجمة الأردن. وحينها قام الموساد بخداع جزئي وذلك بإشراف أيس هاريل شخصياء وتضمن 
ذلك إرسال معلومات مضللة إلى المصريين عبر قنوات غير مشكوك بهاء ربما أحد العرب المعروفين أو 
عميل سوفياتي في إسرائيل. واستمرت العملية بلدة أشهر ومع اقتراب موعد الهجوم الإسرائيلي مد 
هاريل هذه القناة بمعلومات قال عنها فيما بعد إنها كانت "العامل الأساسي في ثني المصر-يين عن 
تنفيذ هجمات جوية على امدن الإسرائيلية" (بلاك وموريسء 1992). 

كان الموساد قد أنشأ إدارة جديدة وهي إدارة الحرب النفسية (لوح أما بيسكولوجيت) 
وكانت تلك الإدارة تعمل ليل نهار لإعداد ملفات عن الطيارين والأطقم الأرضية وضباط الأركان 
المصريين ومهاراتهم في الطيران وما إذا كانوا يشغلون مناصبهم بالكفاءة أو "بالواسطة" ومن منهم 
يشرب الخمر ومن منهم يتردد على المواخير أو يعاني من الشذوذ الجنسي (توماس, 1999). وكان مائير 
عاميت يقضي ساعات طويلة من الليل يتفحص تلك الملفات بحثا عن نقاط الضعف ومن يمكن 
ابتزازهم لإجبارهم على العمل لصالحه وكان يقول"لم تكن هناك مهمة تبعث عن الارتياح لكن عمل 
المخابرات يتسم غالبا بالقذارة". وبدأت عائلات عسكريين مصرريين تتلقى خطابات من مجهولين 


مرسلة من القاهرة تكشف عن تفاصيل فاضحة عن سلوك الأب 


1031 


الذي تحبه العائلة وأبلغ المرشدون تل أبيب بتفاصيل المشاكل الأسرية التي أجبرت بعض الطيارين 
على طلب إجازة مرضية. وبدأ بعض ضباط الأركان يتلقون مكالمات هاتفية من مجهولين تقدم 
تفاصيل عن الحياة الشخصية لزملائهم. وقد تسببت تلك الحملة التي نفذت بلا هوادة بلبلة واضحة 
بين العسكريين المصريين الأمر الذي حقق الكثير من الارتياح لدى مائير عاميت. وقد تم توظيف كل 
هذه الأنواع من الحرب النفسية القذرة في حرب 1967. 

لقد طورت إدارة الحرب النفسية في الموساد قصة تغطية ملفقة في حادث محاولة اغتيال 
غولدا مائير في إيطاليا (استروفسكي وهويء 1990). فقد اخترعت لاب قصة تغطية للإيطاليين 
ليعلنوها للناسء: بينما قال لوكالات المخابرات البريطانية والفرنسية والأمريكية ما وقع فعلا. هناك 
قاعدة في المخابرات تسمى "قاعدة الطرف الثالث": إذا قامت الموساد, مثلاء بإعطاء معلومات لوكالة 
المخابرات المركزية» لأن بين الجانبين علاقات عمل جيدة. فإن السي- آي أيه لا تستطيع تمرير 
المعلومات إلى طرف ثالث لأنها جاءت من وكالة مخابرات أخرى. وبطبيعة الحال يمكن تجاوز 
القاعدة بإعادة صياغة بعض المعلومات ثم تمريرها. وتقول القصة التي اخترعتها دائرة الحرب 
النفسية في الموساد للاستهلاك العام في إيطاليا بأن الفدائيين» الذين حصلوا على الأسلحة من ليبياء قد 
غادروا بيروت بالسيارة في أواخر كانون الأول 1972. وهم يحملون صواريخ ستريلاء ووصلوا إلى 
إيطاليا بقارب شحن وتوجهوا بالسيارة إلى روماء ربما في طريقهم للهاجمة هدف يهودي في فينا. وقد 
تم القول بأن سبب هذا المسار الدائري هو أن دخول بلد أوربي غربي من بلد آخر اسهل من المرور 
عبر الجمارك لدى القدوم من بلد شيوعي. وقد قامت الشرطة الإيطالية في 26 كانون الثاني 1973 
باعتقال الفدائيين "رسميا" بسبب نقل المتفجراتء وكانوا قد أوقفوا منه هجومهم الفاشل على المطار 
بينما كانت "لاب" تلفق قصة تغطية. والأمر الذي لا يصدق أن الشرطة الإيطالية أفرجت عن 
الفدائيين: اثنين في المرة الأولىء ثم ثلاثة آخرين فيما بعد. 


ونشرت الاستخبارات الإسرائيلية عددا من الكتب وجندت عددا من الكتاب 


2ظ1 


الإسرائيليينء وأمدتهم ببعض الروايات والمعلومات حول نشاط الاستخبارات» ليتولوا 
صياغتها بالأسلوب الذي تهدف إليه. وهو إظهار التفوق العسكري الإسرائيلي ومقدرة وهيمنة جهاز 
الاستخبارات ومن هذه الكتب "تحطمت الطائرات عند الفجر" و"الميراج ضد الميغ". و"عين تل 
أبيب". و"الهيمونية المشرف", و"حرب الظلال". و"ايخمان في القدس" وغيرها من الكتب التي تحاول 
التأثير على أفكار القارئ العربي وخداعه بمقدرة الاستخبارات الإسرائيلية وتفوقها . وليس أدل من 
ذلك من استغلال الاستخبارات الإسرائيلية لنموذج الجاسوس ايلي كوهين : فقد أصدرت الاستخبارات 
الإسرائيلية العديد من الكتب حول قصته. حتى غدا ال مواطن العربي يخثى من وجود المزيد من 
أمثاله في أكثر المراكز الحساسة في أقطاره . وقد قامت الاستخبارات الإسرائيلية بتنمية هذا الخوف 
وتغذيته. وإعادة طبع العديد من الكتبء واعتبرت قضية كوهين الناباتم الفكري والسلاح 
السيكولوجي الفعال لإقناع العرب بأن الجواسيس الإسرائيليين منتشر.ون بينهم» ويعرفون أسرار 
أقطارهم أكثر مما يعرفون هم عنها (نوفل, 1986) . وغالبا ما تقع المبالغات الأسطورية للموساد في 
ظل الحرب النفسية نفسها. فبعد دخول القوات الإسرائيلية بيروت صيف عام 1982 سرت إشاعات 
حول عدد من الباعة وال مشعوذين كانوا يظهرون على الدوام في شوارع بيروت وفي شارع الحمراء 
تحديدا ويعرفهم الناس جميعاء وكانوا في الواقع يحملون أجهزة اتصالات مع إسرائيلء واتضح أن 
ذلك وهم من الأساس وأنه جزء من الحرب النفسية الإسرائيلية وبحث في اللاوعي (زندرء 2000). 

أصبحت دراسات "سيكولوجية الشعوب". كما يقول عام النفس حفني (1988). سلاحا 
حربيا هاما وحاسما ونعني بالحرب هنا الحرب المسلحة لا ما يطلق عليه اصطلاحا الحرب النفسية: 
ولقد استخدم ضدنا هذا السلاح وعلى هذا المستوى بالتحديد في مواجهتنا مع إسرائيل عام 1967 
وهو استخدام يستحق أن ننعم فيه النظر . ولمم يكن ذلك الاستخدام سرا عسكريا استطاعت 
مخابرات العدو أن تظفر به منا . وحم يكن صاروخا ولا طائرة و لا قنبلة . وم يكن سوى "سمة 


سلوكية " يكمن جذرها السيكولوجي 


163 


في أعمق أعماق تصرفاتنا اليومية البسيطة, أعني سمة التشاؤم والتفاؤل. لقد اعتدنا أن 
نكره من يأ إلينا بخبر سيئء وأن نتحاشاه ونتجنبه» ونشيح عنه بوجوهناء ومن الناحية الأخرى فقد 
اعتدنا أن نكره أن نحمل نحن خبرا سيئاء وأن يتردد المرء منا كثيرا في أن يكون "نذير مشؤم". وسمة 
سلوكية أخرى تبدو أيضا وكأن لا خطر لها بل لعل البعض قد يعتبرها مدعاة للتفاخر, أعني الخوف 
المفرط من الوقوع في الخطأ . الخوف من المحاولة . ولكن فلننظر إلى قول موردخاي هود قائد 
الطيران الإسرائيلي وهو يتحدث مفسرا أقدامه على "المغامرة" بإرسال الطائرات الإسرائيلية كلها تقريبا 
ممهاجمة الطيران المصري تاركا إسرائيل دون غطاء جوي يقول : "لقد كان رأي خبرائنا أن الصورة لن 
تكتمل أمام من يملكون حق التصرف من القادة العسكريين في مصر قبل نصف ساعة. وأنه سيمضي- 
نصف ساعة آخر قبل أن يقرر هؤلاء القادة العسكريون ماذا سيفعلون. وهذه الساعة كانت كل 
آمالنا وعلى أساسها تم ترتيب كل توقيتات خططنا". لقد أقدم موردخاي على المغامرة. على حسب 
قول حفنيء وأمامه هاتان السمتان السلوكيتان التباطؤ في إبلاغ الأنباء السيئة» والتردد حيال المواقف 
الجديدة . 

استطاعت الموساد اختراق الولايات المتحدة عن طريق التجسس الاقتصادي والعلمي 
والتكنولوجيا (توماس, 1999). وكان رئيس منظمة المخابرات الداخلية الأمانية قد حذر رؤساء 
الأقسام من أن الموساد هو الخطر الرئيس فيما يتعلق بسرقة أحدث أسرار الكمبيوتر في أطانيا. وصدر 
تحذير مماثل من الإدارة العامة للأمن الفرنسي بعد اكتشاف عميل للموساد بالقرب من مركز تفسير 
صور الأقمار الصناعية في كريل. وفي بريطانيا وضع جهاز مكافحة الجاسوسية في تقرير لرئيس الوزراء 
ا منتخب توني بلير تفاصيل عن جهود الموساد للحصول على بيانات علمية وعسكرية حساسة من 
ا مملكة المتحدة. ويسري الحكم نفسه في حق خبراء إدارة الحرب النفسية بالنسبة لكيفية إدارة 
الحملات النفسية. ففي عهد مائير عاميت أقامت الإدارة شبكة عالمية من الاتصالات الإعلامية 
استخدمتها ببراعة فائقة. فحادث إرهابي سيؤدي إلى اتصال بصديق في منظمة إعلامية وإمداده 


بخلفيات ذات أهمية كافية بحيث يمكن إضافتها للموضوع مما 


1644 


يقدم التأثير الذي ترغب فيه الموساد. كما كانت الإدارة تلفق معلومات للملحقين 
الإعلاميين بالسفارات الإسرائيلية لنقلها إلى أحد الصحفيين أثناء احتساء شراب أو تناول طعام بحيث 
يمكن مشاطرة "سر" دون شكوك أو تلطيخ سمعة شخص وبدون أن يبدو هذا مقصودا. وعلى حين 
ظل جوهر هذه الدعاية السوداء دون تغيير فإن هناك فارقا جوهريا في الوقت الحالي وهو: اختيار 
الهدف أو الضحية. وبالنسبة لعاميت يبدو القرار في أحيان كثيرة مستندا إلى متطلبات سياسية مثل 
الحاجة إلى تحويل الانتباه عن مناورة دبلوماسية نفعية تعتزم إسرائيل القيام بها في الشرق . 

ولقد خدعت الاستخبارات الإسرائيلية أمريكا من خلال أمر يتسحاق حوفي رئيس الموساد 
دائرة الحرب النفسية (لاب) بتلفيق سيناريو يقنع الأمريكيين بأن منظمة التحرير الفلسطينية كانت 
تعد للحرب, وليس السلام. والغرض من ذلك السيناريو أن يكون هناك تبرير لاجتياح الجنوب اللبناني 
من قبل إسرائيل. وقامت بالفعل دائرة الحرب النفسية بإعداد صور عن مخزون أسلحة العميد 
الخضرا قائد جيش التحرير الفلسطيني. وحيث أن هذا الجيش هو إحدى وحدات الجيش السوري 
فلم يكن مفاجئا أن يكون لديه مخزون من الأسلحة لقواته. لكن ذلك كان يمكن أن يفيد في تقديم 
"دليل" بأن جيش التحرير الفلسطيني يخطط لمهاجمة إسرائيل» رغم معرفة الموساد بالجهود المضنية 
التي يبذلها عرفات لتجنب الحرب. وعرضت دائرة الحرب النفسية وثائق أيضا لوكالة الاستخبارات 
ا مركزية التي تم الاستيلاء عليها من منظمة التحرير وتظهر خططا حقيقية لمهاجمة شمال إسرائيل. 
والواقع أن هذا ليس أمرا غير عادي ولا يعني بالضرورة التوعد بمهاجمتها. وتستطيع أن تجد في أية 
قاعدة عسكرية مثل هذه الخطط ال مفصلة. ولا فرق إن كانت منظمة التحرير تنوي تنفيذ هذه 
الخططء أو أن تكون حتى قد صادقت عليها. لم يكن لدى الموساد أية نية في السماح لتلك الاعتبارات 
أن تقف في طريق خططها الشريرة. وحتى قبل بداية الأعمال العدائية, أعدت منشورات وصور 
جديدة. وأصبح من السهل تقديم وثائق مؤكدة عن "التهديد" الذي ينتظر إسرائيل من الفلسطينيين. 


ولقد مهد الطريق لاجتياح الجنوب اللبناني. ولعلنا نقف عن التطبيقات 


165 


الهائلة للأساليب التي تستخدمها إسرائيل في الحرب النفسية تيمنا مع شعار الموساد "عن 
طريق الخداع". ويستخدم الخداع بصورة أكثر فعالية في سيكولوجية الإرهاب وتنميط الآخر. 

ويبدو أن هناك نمة تعاون كبير بين المخابرات الأمريكية والإسرائيلية في رسم صورة بشعة 
للعرب في المخيال الأمريكي . وفي عام 1980 استيقظت أمريكا عن واحدة من الفضائح الكبيرة (أنظر 
نوفلء 1986). وكانت الفضيحة تحمل اسم "ابسكام" . وهذه هي التسمية التي أطلقها مكتب 
التحقيقات الفيدرالي على العملية التي دبرها لعدد من أعضاء الكونجرس لإثبات قبولهم رشاوى من 
أجانب . وكان الأجانب شيوخا نفطيين من العربء. لكنهم كانوا مزيفين» أي أفرادا تابعين للمباحث, 
لعبوا على عدد من أعضاء الكونجرس دور شيوخ النفط . وبالفعل وقع بعضهم في الفخ. وخرجت 
المباحث تهلل لبراعتها . أبسكام هذه في أحد جوانبها على علاقة وثيقة بالحرب النفسية الأمريكية 
ضد العرب . وقد تساءل بعض الأمريكان العرب في بيان أصدروه فقالوا : ماذا كان يمكن أن يكون 
التأثير لو أن العملية أطلق عليها جوسكام (أي الخدعة اليهودية بدلا من الخدعة العربية) ؟ عندكذ 
كانت ستنطلق صرخات مدوية وتلتمس المبررات الكاملة . إن قصة أبسكام موجز كامل لقصة 
الحرب النفسية على العرب . فلقد اعتبر المسؤولون عنها أن الاختيار الطبيعي لشخصية الرجل الذي 
يحاول أن يشتري مسؤولا أمريكيا بالنقود. والذي لا بد أن يلقي أبشع رد فعل ممكن من الرأي العام 
الأمريي عندما تعلن الفضيحة, هو الشيخ العربيء وهذا الاختيار ما كان ليتم لولا أن هناك خلفية 
كاملة» سياسية وثقافية واجتماعية ونفسية. تخدم كراهية صورة الإنسان العربي في الولايات المتحدة. 

وفي نوفمبر 200 صعدت إسرائيل حربها الإعلامية النفسية على الانتفاضة الفلسطينية بعد 
أن أشارت تقديرات المخابرات أن عمرها الزمني لن يكون قصيرا. وأوقفت إسرائيل تجديد بطاقات 
الصحافيين الفلسطينيين الذين يعملون لدى وسائل الأعلام الأجنبية المكتوبة والمسموعة واطرئية منذ 
اندلاع الانتفاضة. ويرجع السبب في ذلك لعملية 


156 


الانحياز الفلسطيني في تغطية الأحداث. وأعربت مصادر فلسطينية عن قلقها البالغ من 
هذا الإجراء الذي يهدف إلى قصر التغطية الإعلامية على صحافيين إسرائيليين. وفي أثناء الحرب توفي 
الصحافي الفلسطيني مدير مكتب وكالة "وفاء" الفلسطينية بنيران الجيش الإسرائيلي. ونشرت إسرائيل 
أنباء متضاربة عن وجود قنوات تفاوض سرية يجريها عرفات مع الإسرائيليين. ورأى إعلاميون في 
السلطة الفلسطينية أن هذه الأنباء جزء من الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل لخلق حالة من 


سيكولوجيا الإرهاب: الإمبراطور واللص 
في السنوات الأخيرة» اصبح الاتهام ب "الإرهاب" هو المبرر الذي تلجأ إليه الدول الإمبريالية الصناعية 
الغربية» بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية, لقمع أية حركة تحرريةء وطنية كانت أم اجتماعية, لا 
تتماثى أهدافها مع الخطط المعقدة والمتشابكة التي تستند إليها الإمبريالية العالمية في استنزافها 
لثروات وقدرات وطاقات العام الثالث من أقصاه إلى أقصاه (الرزاز 1987) . وفي كتابه عن "الإرهاب 
الدولي الأسطورة" والواقع» تناول تشومسكي هذا الموضوع بالعرض والتحليل الرائع مبتدرا دراسته 
بقصة القرصان والاسكندر الأكبر والتي تعبر بدقة عن أهداف علم النفس الكبرى والصغرى الخاصة 
بالتحكم والإرهاب الدولي . يحكي القديس أوغسطين قصة قرصان أسره الاسكندر الأكبر. وسأله. 
"كيف تجرؤ على الاعتداء على الناس في البحار؟" فأجاب القرصان "وكيف تجرؤ أنت على العاط 
بأسره؟" إنني أقوم بذلك بسفينة صغيرة فحسبء فأدع لصا . أما أنت ولأنك تقوم بنفس الشيء 
بأسطول كبير فيدعونك إمبراطورا؟ " ويعلق القديس أوغسطين على رد القرصان بأنه "رائع ودقيق". 
ويرصد هذا الرد بشيء من الدقة العلاقات الراهنة بين الولايات المتحدة والعديد من 
القائمين بالأدوار الثانوية على مسرح الإرهاب الدولي . وبوجه عام, تلقي قصة القديس أوغسطين 
الضوء على معنى الإرهاب الدولي في الاستخدام الغربي المعاصرء كما تنفذ إلى لب ثورة الغضب إزاء 


أحداث إرهاب منتقاة. وهى الثورة التى يجرى 


57ظ1 


توجيهها الآن بمنتهى الخبث كستار للعنف الذي بمارسه الغرب . إن كلمة "إرهاب" 
تستخدمها الجيوش الأجنبية في إشارة إلى الأعمال التي توجه ضدهم من جانب السكن المحليين 
الذين يرونهم كقوات احتلال تحاول فرض تسوية سياسية كريهة تستند إلى الغزو الأجنبي - وهي في 
هذه الحالة "النظام الجديد" الذي تسعى إسرائيل لفرضه (تشومسيء, 1990) . 

وأوضح بنيامين نتانياهو (بييت: 1986) في مؤتمر دولي للإرهاب عام 1986 بأن العامل 
ا مميز للإرهاب هو "القتل والتشويه المتعمد واطنظم للمدنيين والذي يستهدف إشاعة الرعب ". 
ويلاحظ تشومسكي أن هذا المفهوم ينطبق على تونسء وعلى الفظائع الأخرى التي ارتكبتها إسرائيل 
على مدى أعوام, على الرغم من أنه لا ينطبق على معظم أعمال الإرهاب الدوليء ومن بينها معظم 
الهجمات الإرهابية العنيفة الموجة ضد إسرائيل (مثل معالوت. و مذبحة ميونخ. وهجوم الطريق 
الساحلي الذي وقع عام 1978 واستغل كذريعة لغزو لبنان) . وألف نتنياهو (1997) كذلك كتابا 
باسم "محاربة الإرهاب" وترجمه عمر السيد وأيمن حامد للعربية . وتقول جريدة "الشررق الأوسط" 
الصادرة في يوم الأحد 27 يوليو 1997 في عرضها للكتاب إنه يتخفى تحت مظلة المناقشة العالمية 
لقضية الإرهاب . 

ويطرح نتانياهو في كتابه قضية الإرهاب عالميا ثم يفرق بين الإرهاب والجريمة المنظمة 
حيث الإرهاب يحمل في طياته أهداف استراتيجية سياسية محضة بينما تظل الجريمة المنظمة 
مدفوعة بتحقيق المكاسب امادية والثراء السريع غير المشروع: لذلك يتضاءل حجم الفزع والرعب 
الذي تسببه الجريمة المنظمة ذات الدوافع الفردية مقارنة بالإرهاب الذي يهدد المجتمع بأسره . 
ويطرح نتنياهو في نهاية الكتاب وصاياه العشرة التي يتمنى من خلالها القضاء على الإرهاب العربي 
الإسلامي على المستوي الإقليمي والدولي منها فرض عقوبات على الدول المصدرة للتكنولوجيا النووية 
للدول الإرهابية.ء وفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية على الدول الإرهابية نفسهاء 


وإبادة البؤر الإرهابية الموجودة في الشرق الأوسطء وتجميد الممتلكات الخاصة بالدول 


58ظ1 


وا منظمات الإرهابية ال موجودة في الغرب» وإحداث تغييرات تشريعية بحيث تتيح تعقب 
المنظمات المحرضة على العنف وشن عمليات أكثر تأثيرا ضدهاء وملاحقة فعالة للإرهابيين» وعدم 
إطلاق سراح الإرهابيين السجناءء وتدريب قوات خاصة لكافحة الإرهاب. وتثقيف الجماهير 
والتعاون في مجال الاستخبارات لمحاصرة الإرهاب. 

وتظهر عملية المعايير امزدوجة والكيل بمكيالين مختلفين في مفهومي "الإرهاب" و"البطولة". 
إن نفس الموقف يكون له معنيين أو تفسيرين مختلفين ويعتمد ذلك على من قام به : "الأنا" أم 
"الآخر"؟ فالأول بطل بينما الآخر إرهابي. وبكلمات أخرى الأول "إمبراطور" والثاني "لص". يقول الشيخ 
( 1992) حينما تدك طائرات إسرائيل بلد مسلم لم يحارب إسرائيل مثل تونس وتقتل جنسيات 
متعددة تصادف وجودهم حول مبنى بلنظمة التحرير الفلسطينية فإن هذا عمل بطولي وحينما 
يقوم أحد الفلسطينيين المطرودين وال مسلوب منهم بلدهم بتفجير قنبلة على مقر لشركة طيران 
تنتمي للعدو الذي طرده وسلبه بلده. بدون أن يميز بين الجنسيات المختلفة فيما عدا تصادف 
وجودهم حول مقر هذه الشركة يعتبر هذا إرهابا دوليا يجب محاربتهء وحينما تخطف إسرائيل أو 
أمريكا طائرة مدنية لتحقيق هدف لديها كالقبض على أعداء لها يعتبر عملا مشروعا و بطولياء 
وحينما يقوم بذلك فلسطيني مطرود ومسلوب منه بلده ليس بهدف المطالبة بالقبض على شخص 
وإنما بالإفراج عن زملاء له معتقلين لدى العدو يعتبر هذا إرهابا وهمجية. 

وإن الأعمال البربرية والوحشية التي تقوم بها إسرائيل لا تدخل ضمن مفهوم سيكولوجيا 
الإرهابء بينما الأعمال الدفاعية القليلة التي يقوم بها الأفراد الفلسطينيون تدخل في صميم الإرهاب 
تتطلب ردا انتقاميا من إسرائيل. وقد تكون هذه الأعمال الانتقامية في أي مكان في العام وفي أي 
وقتء ولأي مجموعة عربيةء ويقصد بذلك سياسة التأديب الجماعي وا معمم والمعزز سيكولوجياء 
وفي ذات الوقتء ال مرعب للجميع بلا حدود . وسوف نحاول في الجزء اللاحق انتقاء بعض الأحداث 


المعبرة عن كيفية توظيف سيكولوجيا الإرهاب من قبل المخابرات وخبراء الحرب النفسية في التعامل 


109 


مع الخصم وتنميطه بسمات لا يتصف بها والعمل على زيادة ارتباكه وكيفية تغيير 
التصورات والاعتقادات. 

في 17 أبريل 1986 اكتشف أحد حراس الأمن لطائرة العال الإسرائيلية في مطار هيثرو في 
لندن كمية من متفجرات البلاستيك مخفية في قعر وهمي لحقيبة لامرأة ايرلندية حامل. كانت آن 
مورفي على وشك أن تستقل طائرة الجامبو المتوجهة في رحلة إلى تل أبيب. وكان هناك 375 شخصا 
على متن الطائرة» وكان صاعق هذه المتفجرة مخبأ في آلة حاسبة جيبية مقدمة من صديق مورفي 
وهو أردني يدعى نزار هنداوي الذي كان قد وعدها بأن ينضم إليها في إسرائيل ويتزوجها هناك. تم 
توقيف الهنداوي. وهو عميل المخابرات السورية» بعد ذلك وحكم عليه في أكتوبر التالي بالسجن 45 
عاما وهو أطول حكم اتخذه القرار البريطاني. وقد حيكت نظريات حول مؤامرة مخططة. وذلك 
انطلاقا من الإثباتات المتوفرة واعتبر ما حصل أنه اكتشاف بالمصادفة يدل على كفاءة عالية في 
التدريب وعلى حالة الإنذار ضد الهجمات المحتملة على طائرات العال. وفي أكثر الروايات تطرفا قيل 
أن الموساد خطط للعملية من أجل إرباك سوريا ووضعها بمصاف "الدول الإرهابية" استنادا إلى هذا 
الرأي كان الهنداوي عميلا وأداه اختراق إسرائيلية داخل الاستخبارات السورية (بلاك وموريسء 
2) . 

فعندما لقي 230 راكبا مصرعهم في حادث تحطم طائرة تي دبليو ايه بالرحلة رقم 800 
قبالة الساحل الجنوبي الشرقي للونج ايلاند في 17 يوليو 1996 بدأت إدارة الحرب النفسية بالموساد 
حملة تقترح أن الحادث من تدبير إيران أو العراق وهما رمزا الكراهية. وسرعان ما ظهرت آلاف 
التقارير الإخبارية التي استمرت ترديد هذه الرواية. وبعد قرابة العام وعقب إنفاق نحو 500 ألف 
دولار وعشرة آلاف ساعة عمل استبعد كبير المحققين في مكتب التحقيقات الفدرالي إف بي آى 
جيمس كالستروم وجود أي عمل إرهابي أو أي دليل على جريمة تستدعي اللجوء للقضاء وراء 
الحادث. وقال سرا لزملائه "لو كانت هناك طريقة للإيقاع بأولئك الأوغاد في تل أبيب لإهدار الوقت 


لنفذتها فورا. ويجب علينا التدقيق في صحة أي خبر يدسونه لأجهزة الإعلام". وعقب 


200 


التفجير الذي حدث أثناء دورة أطلانطا الأوليمبية تحركت إدارة الحرب النفسية مرة أخرى. فقد 
لفقت قصة مؤداها أن القنبلة "تحمل كل الدلائل" على أن من قام بصنعها تعلم مهاراته من صانعي 
القنابل في وادي البقاع اللبناني. وانتشرت القصة. واستطاع خبراء إدارة الحرب النفسية في إسرائيل في 
التأثير في الجمهور الأمريكي الخائفء لأسباب مقنعة: من شبح الإرهاب. وكان المشتبه فيه الوحيد هو 
حارس أمني سيئ الحظ في الدوره-م تكن له علاقة بالارهاب الدولي- وعندما أعلنت براءته تلاشت 
القصة. 

وكان عددا من الضربات التي تم الترويج لها كثيرا ضد رجال الموساد في ذلك الوقت عبارة 
عما كان يسمى :"الضجة البيضاء" ا مواد التي تنشر في الصحفء كثيرا منها كان من صنع الموساد 
لزيادة الارتباك في السجل العام (اوسترفسكي وهويء 1990). وقد حدث مثال كلاسيكي في 26 كانون 
الثاني عندما تعرض رجل الأعمال الإسرائيلي موثى حنان ايشاي والذي تبني فيما بعد أنه أحد أعضاء 
الموساد باروح كوهين 37 سنة تعرض لإطلاق النار في أكثر شوارع مدريد ازدحاماء غران فيا على أحد 
أفراد أيلول الأسود الذي يفترض أنه كان يتعقبه. لكن الحقيقة أنه لم يكن يتعقب أحد. فقد كان هذا 
ما أرادت الموساد من الناس أن يعتقدوه. والمثال الآخر مقتل الصحفي السوري خضر كنعو 36 عاما 
في تشرين الثاني 1972 الذي يقال بأنه كان عميلا مزدوجا وقد قتل عند باب شقته في باريس لأن 
أيلول الأمود كانت تعتقد أنه كان ينقل المعلومات عن نشاطاتهم إلى الموساد. لكنه لم يكن كذلك. 
لكن هذا ما ورد عن الجرمة في وسائل الإعلام. فمع أن الكثير يكتب عن العملاء ال مزدوجين إلا أن 
قلة منهم يصدق عليهم هذا الوصف. 

وإن سيكولوجيا التحكم في الأفكار بواسطة الإعلام الأمريي والإسرائيلي تقنع العام تماما بأن 
الضحية الفلسطيني هو إرهابي بالدرجة الأولى بينما الإرهابي الإسرائيلي بالجملة هو برئ يدافع عن 
نفسه . ويقول تشومسي تحتدم المناقشة في الأوساط الإعلامية حول ما إذا كان من اللائق السماح 
للقراصنة واللصوص بالتعبير عن مطالبهم وتصوراتهم» فعلى سبيل المثال تعرضت شبكة "إن . بي . 


سي" لانتقادات عنيفة لإجرائها حديثا مع 


201 


المتهم بالتخطيط لعملية اختطاف السفينة "أكيلي لاورو" وبالتالي فإنها تكون قد خدمت 
مصالح الإرهابيين عن طريق السماح لهم بالتعبير الحر دون الرد عليهم» وهو ما يعد خرقا مؤسفا 
عن النظام ا لمطلوب في المجتمع الحر الذي يعمل بشكل منضبط ... إن الرقابة الحرفية لا تكاد توجه 
في الولايات المتحدة. ومع ذلك فإن صناعة التحكم في الأفكار صناعة مزدهرة جداء بل إنها صناعة لا 
غنى عنها حقا في مجتمع يعتمد على مبدأ القرار للنخبة والإقرار أو السلبية للعامة . 

وعلم النفس الأمريكي به مساحة كبيرة جدا من التفكير السيكولوجي الحر من حيث 
المفاهيم والنظريات والأدوات وامناهج بالنسبة لعلماء النفس في الغرب ولكن في ذات الوقت يتأطر 
بدرجة كبيرة جدا في التحكم وفي درجة الحرية السيكولوجية المتاحة للآخرين. وبلغة أخرىء هناك 
تشكيل للأفكار وصياغة للأدمغة في ظل حدود الحرية المتاحة . وقد تعكس آراء ال مدرسة السلوكية 
في علم النفس هذه المقارنة المزدوجة . ويعتبر التحكم في الأفكار المطروحة في علم النفس ضمنيا . 
فالهندسة السيكولوجية الغربية تعمل بدقة في عملية اختيار وتطوير المفاهيم والأفكار وتصديرها 
للعالمه ومن ضمن ما صدر واختير الطريقة التي تمثل أو ترسم بها صورة الآخر . 

فكما ذكرنا سابقا فإن إسرائيل أشبه بولاية أمريكية يسيطر اليهود أو الصهيونية العالمية على 
مجموعة كبيرة من الصناديق القومية. والصحافة» ووسائل الإعلام الأخرى فيها . وعن طبيعة النزاع 
الامبريالي ودور الأعلام الغربي في تمثيل الآخر في ظل الحرية السيكولوجية المقيدة» والعلاقات الخفية 
بين أجهزة الإعلام . يروي ادوارد سعيد (1997) بأنه قد حدث عام 1986, خلال البث والمناقشات 
اللاحقة لبرنامج وثائقي عنوانه الأفارقة, كانت ال بي . بي. سي أصلا قد كلفت بإعداده وقدمت معظم 
تمويله . وقد كتب السلسلة وسردها بصوته باحث متميز وأستاذ للعلوم السياسية في جامعة 
ميتشيغن هو علي مزروعيء وهو كيني ومسلم تسمو كفاءته ومصداقيته كجامعي ثقة من الدرجة 
الأولى على كل مساءلة وريبة . وكانت لسلسلة مزروعي مقدمتان منطقيتان: الأولى, أنه للمرة الأولى 


في تاريخ تهيمن عليه تمثيلات الغرب لأفريقيا يقوم أفريقي 


202 


بتمثيل نفسه وتمثيل أفريقيا أمام جمهور غربيء هو بالضبط الجمهور الذي قامت 
مجتمعاته لبضع مئات من السنين بنهب أفريقياء واستعمارهاء واستعبادها ؛ والمقدمة ال منطقية 
الثانية هي أن تاريخ أفريقيا مكون من ثلاثة عناصر أو بلغة مزروعيء ثلاث دوائر متحدة المركز : 
التجربة الأصلانية الأفريقية» وتجربة الإسلام» وتجربة الإمبريالية. 

وكرد فعل للبرنامج الوثائقي الذي سرده مزروعيء يقول سعيد بداية. سحب "الصندوق 
القومي للإنسانيات" دعمه المالي لبث هذه السلسلة الوثائقية. رغم أن السلسلة بشت على قناة أل 
بي.بي .سي. على أي حال . ثم إن أل نيويورك تايمزء وهي الصحيفة الأمريكية الأولى» نشت مقالات 
متوالية تهاجم السلسلة (في 14 أيلولء وفي 9 و 26 تشررين الأول 1986) كتبها المراسل التلفازي 
(يومها) جون كوري . ولقد وصف ادوارد سعيد مقطوعات كوري "بأنها حمقاء عدهة الإدراك أو 
شبه هستيرية" . وأغلب ما فعله كوري هو انه اتهم مزروعي شخصيا بأنه يمارس الإقصاءات 
والتأكيدات العقائدية» من مثل أنه لمم يذكر إسرائيل في أي مكان من عمله (في برنامج عن التاريخ 
الأفريقي قد تكون إسرائيل بدت لمزروعي غير ذات علاقة با موضوع) وإنه يبالغ مبالغة ضخمة في 
شرور الاستعمار الغربي . وقد أفرد كوري في هجومه بشكل خاص "إحداثيات مزروعي الأخلاقية 
والسياسية” في استبداله لبقة ملطفة غريبة تتضمن أن مزروعي ليس إلا دعائيا ميت الضمير . 

وتلعب عمليات الاستجواب المستخدمة مع الفلسطينيين.ء خاصة المروعة, من قبل الأمن 
والاستخبارات دورا في تعزيز سيكولوجيا الإرهاب. فمثلا يحق لسلطات السجن الإسرائيلية أن تضع 
السجين في الانفراد حتى ولو مم يشأ السجين أن يوضع في الانفراد ونم يشعر بالخطر من أصحابه. قرر 
أحد المخبرين أن يصلح طريقه لكنه عوقب ووضع في الانفراد-وكان الدرس على الشكل التالي: 
"السلطات تنوي أن يبقى المتعامل متعاملاء وهي تريد أن تخفي الحقيقة عن المتعاملين من أن 
هناك مجالا للتراجع" . وفي عملية الاستجواب بغرض الحصول على ال معلومات كان المحققون 
الإسرائيليون يرغبون في أي معلومات عن نشاطات منظمة التحرير الفلسطينية. إذا قال أحد أن 


203 


مدرس كان الإسرائيليون يضربونه أكثر من الآخرين ويقولون له "أنت لم تعلم طلابك أي 
شيء جيدء أنك بكل بساطة نظمتهم سياسيا". إذا كان أحد ما يعمل بائعا كان يسمع "إن البائع 
بحاجة إلى رأسمال وأنت حصلت عليه من الإرهابيين أو استدنته منهم". وكان المحققون الإسرائيليون 
يقولون للطلاب "الطالب بحاجة إلى امال كي يدرس. أنت حصلت عليه من الإرهابيين". وتعرض حتى 
الصحافيون للضرب لأنهم يكتبون ضد إسرائيل (بلاك وموريسء, 1992). وتذكر قصة الاستجواب هذه 
بقصة استجواب أخرى لأحد الفنانات وأحد الطبالين في أحد المعابر العربية ويرغبان في الحصول على 
تأشيرة دخول لدولة عربية. فسأل ضابط الأمن الآنسة عن مهنتها فقالت "فنانة" فسجل في طلب 
التأشيرة "قحبة". بينما سأل الرجل عن مهنته فقال "طبال" فكتب ضابط الأمن في طلب التأشيرة 
"قواد". 
وبينما استخدم علم النفس في الحرب النفسية بين العرب والإسرائيليين» وظف جزء آخر 
من علم النفس في عمليات التعذيب, والردع النفسي من خلال التحكم وتغيير الاتجاهات . وتم 
استخدام جزء كبير من التقنيات السيكولوجية بواسطة ال مخابرات الإسرائيلية في تعذيب وإرهاب 
السجناء الفلسطينيين . فقد استشهد اكثر من عشرين فلسطينيا في السجون الإسرائيلية منذ 1986 
من عمليات التعذيب البشع بشقيه الجسدي والنفسي.. وفي يوم الخميس التاسع من مايو 1997 
دافعت إسرائيل عن استخدامها للقوة بالنسبة للإرهابيين المشتبه فيهم وادعت أن هذه الممارسة لها 
ما يبررها من قبل جهاز الأمن لكي يتعامل مع أعمال التفجير والاختطاف التي يقوم بها الفلسطينيون 
. وفي يوم 8 مايو 1997 وقفت لجنة الأمم المتحدة ضد التعذيب ببحث سجل إسرائيل في تقنيات 
التعذيب التي تستخدمها في الاستجواب مثل الرج الشديدء وتعريض السجناء للموسيقى الصاخبة 
لفترة طويلة وللهواء البارد مع ربطهم في أوضاع مؤمة (وولكر. 1997) . 
تكونت لجنة لاندو عام 1987 للتحقيق في الأساليب التي تتبعها المخابرات في الاستجواب 


وتتكون برئاسة القاضي لاندو والرئيس السابق للموساد اسحق هوفي 


204 


وياكوف مالتز مراقب نفقات الدولة (بلاك وموريسء, 1992). وكانت مهمة اللجنة: البحث 
في تقنيات التحقيق التي يعتمدها الشين بيت في التعامل مع "النشاطات الإرهابية المعادية" وإصدار 
توصيات للمستقبل. وجاء في تقرير اللجنة أنه منذ 16 عاما كان عملاء الشين بيت يكذبون دائما على 
محاكم البلاد حول اعترافات ينتزعونها من المشبوهين الفلسطينيين تحت الضغط الجسماني. وبدأت 
اللجنة أنها مهتمة بإعطاء الإثباتات الخاطئة للمحاكم أكثر من اهتمامها بالتعذيب والقسوة. ذكرت 
صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 11 نوفمبر 2000 نقلا عن وكالة رويتر تنديد منظمة العفو الدولية 
المدافعة عن حقوق الإنسان واتهامها للشرطة الإسرائيلية بانتهاك الإجراءات القضائية باعتقالها أطفالا 
فلسطينيين في منتصف الليل وإخضاعهم لاستجوابات وهم معرضون لضغوط نفسية قاسية ومروعة 
للغاية تشمل الصراخ في وجوههم وإهانتهم وتهديدهم وضربهم في بعض الأحيان. 

ذكر في عام 1971 كان هناك تغيير جدي تمثل بادعاءات حول اعتماد وسائل عنيفة لانتزاع 
الاعترافات من ال مشبوهين بالإرهاب. وبدأ أن تعليقات التقرير حول استخدام القوة يبرئ من 
الاتهامات التي أطلقها منذ سنوات الفلسطينيون والمنظمات الأجنبية مثل الصليب الأحمر ومنظمة 
العفو الدولية» من أن إساءة المعاملة كانت روتينية تحت الاحتلال الإسرائيلي. وجاء في تقرير اللجنة 
"تتركز وسائل الضغط بأغلبها على الضغط النفسي وغير العنيف الذي ينتج عن استجواب مطول 
وعن استخدام الحيل ومن ضمنها الخداع. ولكن عندما لا تحقق هذه الوسائل هدفها لا يوجد أي 
طريقة سوى مقدار معتدل من الضغط الجسدي. وقال أحد ضباط الاستخبارات السابقين "يخطئ 
كثيرا من يظن أنه يمكننا أن نجري تحقيقات مريحة عندما نتعامل مع أناس مستعدين لقتل الرجال 
والنساء والأطفال. إن الشين بيت ليس فوق القانون» ولكن في بعض الأحيان عليك أن تنحرف عنه 


قليلا من أجل الوصول على الحقيقة". 


205 


استغلال الجمعيات السيكولوجية من قبل الموساد 

لا يشكل اليهود في الولايات المتحدة أكثر من 963,5 من مجموع السكان الأمريكان ولكنهم يتمتعون 
بنفوذ كبير لأنهم مندمجون في الحياة السياسية ونسبة اشتراكهم في الانتخابات مرتفعة للغاية ويتولى 
اليهود رئاسة الصناديق التي تقدم التبرعات للمرشحين في الانتخابات وبسبب أسلوب الانتخابات 
المتبع في الولايات المتحدة فإن الأصوات اليهودية تتمتع بأهمية حاسمة في الولايات الكبيرة مثل 
نيويورك وكاليفورنيا ويمكن انتخاب الرئيس الأمريكي أو عدم انتخابه بسبب الصوت اليهودي (رابين» 
3. وتنعكس نفس المسألة على رئاسة الجمعيات السيكولوجية العالمية مثل الرابطة النفسية 
الأمريكية» والرابطة النفسية العالمية لعلم النفس التطبيقيء والجمعية النفسية البريطانية؛ والاتحاد 
الدولي للعلوم النفسية» والرابطة العالمية لعلم النفس عبر الثقافي. فمساهمة اليهود في نظريات وفي 
تأليف كتب علم النفسء وفي نشر المقالات العلمية» وفي رئاسة هيئات التحرير وفي مراجعة الأبحاث» 
وفي تنظيم المؤتمرات وفي دعم ال مؤتمرات هي مساهمة كبيرة للغاية كذلك. فصوت عاط النفس 
اليهودي يقرر من سيكون رئيسا لجمعيات عام النفس الوطنية في الدول الغربية وجمعيات علم 
النفس العاطية. 

ولعل الرابطة النفسية الأمريكية والرابطة العالمية لعلم النفس عبر الثقافي من أهم الروابط 
. إذا نظرنا للخريطة السيكولوجية لتوزيع علماء النفس العرب. فقد كان عدد المنتسبين للرابطة 
النفسية الأمريكية من الدول العربية لعام 1997هو 66 من أحد عشر دولة . مصر (17)» السعودية 
(13)» الإمارات العربية (11).: البحرين (5). الأردن (5). قطر (4). سوريا (3): الجزائر (3). الكويت 
(2)» اليمن (2)» لبنان (1) . والجدير بالذكر إن عدد الإسرائيليين في هذه الرابطة هو 166عضوا 
نشطا . أي إن نسبة عضوية علماء النفس العرب لعلماء النفس الإسرائيليين هي4, 9028 و6 ,9671 
بالتتالي (علم النفس العالمي. 1997) . ويمكن أن نلاحظ الفرق الكبير بين عضوية أمة سكانها 250 
مليون نسمة تقريبا تمثل ربع مشاركة أمة سكانها 5 مليون نسمة . وهذه المقارنة من ناحية عددية 


أو كمية م نتطرق للناحية الكيفية أو النوعية. 


206 


خلال العشرة سنوات بين 1970 - 1980 ساهم 62 من علماء النفس الإسرائيليين في أبحاث 
عبر ثقافية نشرت في "المجلة العالمية لعلم النفس عبر الثقافي" بينما ساهم فقط 8 من علماء النفس 
العرب في تلك الفترة نفسها. ولقد تمت دراسة 12 مجموعة ثقافية في كل الدول العربية مجتمعة 
بينما تمت دراسة 39 مجموعة ثقافية داخل إسرائيل منها 12 مجموعة عربية . وتؤكد الأدلة 
المنشورة في الدوريات العالمية إنتاج علماء النفس الإسرائيليين المجموعة هائلة من أبحاث علم النفس 
عبر الثقافي . وتعتبر إسرائيل الدولة الثانية في هذه الأبحاث على مستوى العام بعد الولايات المتحدة 
وذلك من حيث كمية الأبحاث بينما تعتبر إسرائيل الأولى في هذه الأبحاث من حيث عدد علماء 
النفس في كل دولة (لونرء 1980). 

ويعتبر العام العربي أقل المناطق الثقافية إنتاجا للأبحاث عبر الثقافية. وتعتبر الرابطة 
العلمية لعلم النفس عبر الثقافي من أنشط الروابط في العام ولها أهمية بالغة الخطورة بالنسبة 
لتطور علم النفس عبر الثقافات المختلفة . وقسمت هذه الرابطة العالم لمناطق جغرافية أو ثقافية 
مختلفة . فالشخص المسؤول عن العام العربي هو إسرائيلي "شلوم شوارتز" من الجامعة العبرية 
بالقدس . ويرجع السبب في ذلك إلى نشاط الإسرائيليين في مجال الأبحاث عبر الثقافية وقدرتهم على 
التجمع وتوجيه ال مؤتمرات والجمعيات لأهداف الصهيونية بالجملة برؤوس عالية. ويلعب علم 
النفس عبر الثقافي دورا كبيرا في فهم سيكولوجيا المجموعات الثقافية والعرقية المختلفة لليهود 
ومحاولة تكيفها مع بعضها البعض ومع البيئة الجديدة. 

وضمنت الرابطة النفسية الأمريكية في دليل سياسة مجلسها كل التصر-يحات والقرارات 
والبيانات التي تتعلق بالقضايا العالمية والتي تهم الرابطة. وتعكس هذه السياسة توثيق كل ما 
يخص موضوع حقوق الإنسان في العام . ولعبت اللجنة الخاصة بالعلاقات الدولية دورا كبيرا في 
تطوير السياسة العالمية للرابطة النفسية الأمريكية. وفي عام 1975 و عام 1976 تبنى مجلس 
الرابطة النفسية الأمريكية القرارات التي تدين منظمة اليونسكو التي عملت على عدم مساعدة 


إسرائيل وإبعادها عن المشاركة في التجمعات 


207 


الإقليمية . وجادل مجلس الرابطة أن هذا القرار هو "انحراف خطير عن أهداف اليونسكو 
الأساسية" التي يتوقع منها تشجيع المشاركة والتعاون بين الأمم عبر التربية والعلم والثقافة . وفي عام 
7 قدم مجلس الرابطة إدانة ثانية لليونسكو في سياستها الرامية إلى مساواة الصهيونية بالعنصرية 
(نيمارك, 1997) . 

بوسعنا التساؤل ما هو موقف علماء النفس العرب من أعضاء الرابطة النفسية الأمريكية 
حول هذه القرارات ؟ أهو الرفض أم الموافقة ؟ إذا كان الرفض فمن الذي وقف هذا الموقف ؟ يبدو 
أنه لم يرفع أحد من علماء النفس العرب حاجب عينيه لقول كلمة عن هذه القرارات» بينما ارتفعت 
أجفان علماء نفس آخرين بخيلاء وكبرياء . وتبعا للأجفان تكون هناك رؤوس منكفئة مطأطئة 
ورؤوس مرفوعة مزهوة . ونواصل التساؤل : من يتابع تحريك علماء النفس الإسرائيليين لهذه 
القرارات ؟ من يكافح لي تكون للقضايا العربية مكان في دهاليز وأروقة هذه الجمعيات ؟ أم أن 
عضوية علماء النفس العرب في هذه الجمعية وغيرها من الجمعيات هي العضوية الصامتة أو 
الصماء ؟ 

وأصبحت إسرائيل مركزا للمؤتمرات العايلية منها مؤتمرات عن علم النفس الإكلينيي, وعلم 
النفس المدرسي» وعلم نفس الطفلء والصحة النفسية؛ وفي بعض الموضوعات المحددة مثل العلاج 
تقنيات العلاج» والتكيف مع التوتر (بن عريء. وعميرء 1986). وعقد في جامعة حيفا بإسرائيل مؤتمرا 
عالميا عن علم النفس بعنوان"علم النفس بعد سنة 2000" (علم النفس العالمي. 1999). وعقدت 
الجمعية الدولية لعلماء النفس اجتماعها السنوي العام 1975 في تل أبيب (حفنيء. 1991) وكان 
الموضوع الرئيسي لهذا الاجتماع هو الضغوط النفسية. والتوافق النفسي في الحرب والسلام وكان من 
بين المتحدثين الرئيسيين في هذا المؤتمر عام النفس الاجتماعي الشهير لازاراس الذي اختار موضوعا 
لخطابه إلي ا مؤتمرين: "سيكولوجية ال مواقف العصبية ومواجهتها مع إشارة خاصة إلى إسرائيل" . 

وحدد لازاراس موقعه منذ البداية قائلا أنني أخاطبكم اليوم من موقفين : أولاه كواحد من 


208 


العصبية, والتصرف حيالهاء وثانيا كأمريكي يهودي في أواسط العمر يشعر - شأن غالبية 
أمثاله - بتوحد كامل مع نضال إسرائيل القومي من أجل خلق وتأمين مكان ليهود العام في مجتمع 
إنساني متسامح . ثم عرض لازاراس لرؤيته السيكولوجية للإسرائيليين مقررا أن الإسرائيليين كأفراد 
يواجهون ما يواجهه البشر عامة من أضرارء ومخاطر, ولكن الإسرائيليين - بالإضافة إلى ذلك- يعيشون 
في ظل توقع القتل أو فقدان الأحبة أو الأصدقاء نتيجة للحرب أو للأعمال الإرهابية. ونمة خطر 
مستمر لهجوم معاد قد يسبقه نذير وقد يكون مفاجئا ... ويعاني الإسرائيليون أيضا إحساسا مستمرا 
بالوحدة في عام كاره أو غير مبال ... ولابد أن هذا الإحساس قد تزايد بحدة في الخريف الماضي حين 
تراجعت إحدى الحكومات عن مواقفها المؤيدة السابقة نتيجة القدرة الجديدة للدول العربية 
المنتجة للبترول على التحكم في أسعار وكميات تلك المادة الحيوية بالنسبة للعالم الصناعيء هذا 
بالإضافة إلى ما لاقاه ياسر عرفات من ترحيب حار في الأمم المتحدة وما تقرر بشأن طرد إسرائيل من 
اليونسكوء وكلا الأمرين نتيجة لسيطرة العام الثالث على التصويت في هذه المؤسسات (أنظر حفني» 
1 ). 

يعبر المقتطف السابق بدقة متناهية عن طبيعة العلاقة بين منظمات علم النفس الأمريكية 
والمنظمات العالمية والصهيونية و إسرائيل . لقد اختارت الجمعية الدولية لعلماء النفسء متعمدة, 
إسرائيل لطرح أحد ال موضوعات التي لها علاقة مباشرة بهذه الدولة . ويمكن أن نتأمل أن علماء 
النفس العرب الذين ينتمون إلى أمة تعدادها 250 مليون نسمة تقريبا وهم لا يؤثرون في قرارات 
هذه الجمعية, بينما علماء النفس الإسرائيليون ينتمون إلى أمة تعدادها حوالي 5 مليون نسمة 
استطاعوا تحديد مقر انعقاد الجمعية في إسرائيل وتحديد الموضوع ال مطروح., وتحديد علماء النفس 
المدافعين عن القضايا الإسرائيلية . 

وقد يتساءل الفرد هل حضر أحد علماء النفس العرب من أعضاء الجمعية هذا ال مؤتمر في 


إسرائيل ؟ أو وجهت له الدعوة بالمشاركة ؟ أو قدم ورقة من غير مشاركة ؟ أو 


209 


عبر عن رفضه للمشاركة؟ وقد يطرح السؤال بصورة أخري : هل بالإمكان عقد الجمعية 
الدولية لعلماء النفس اجتماعها في الخرطوم أو دمشق أو طرابلس أو المنامة ؟ يبدو أن ذلك يثير 
حفيظة علماء النفس الإسرائيليين ويمكنهم التذرع بصعوبة حضورهم هذ ال مؤتمر في بيئة عدائية 
لإسرائيل . إن الإسرائيليين على حد تعبير لازاراس يعيشون في ظل توقع القتلء وماذا بالنسبة 
للفلسطينيين؟ قد يكون محيرا أن نجد إجابة لبعض هذه التساؤلات. لن نخطئ إذا قلنا بأن لازاراس 
يوظف بصورة سليمة أبحاثه السيكولوجية» وربما بصورة استراتيجية» لخدمة موقفين في نفس الوقت 
: موقفه كعام نفسء وموقفه كيهودي أمريي فيا ترى ما هو موقف علماء النفس العرب من 


توظيف علم النفس ؟ 


الشخصية العربية في الدعاية الإسرائيلية 
هناك كتب وأبحاث وأعمال أدبية عن "شخصية" أو "صورة" أو "مشهد" أو "وجه" أو "وعي" أو 
"نمط" أو اتجاه" العربي في الكتابات الإسرائيلية منها على سبيل المثال لا الحصر " صورة العرب في نظر 
الصهاينة والإسرائيليين (برهوم. 1995)؛ صورة العربي في الأدب اليهودي (دومبء 1985)؛ الشخصية 
العربية في الأدب العبري الحديث (مزمل, 1986)؛ الشخصية العربية بين صورة الذات ومفهوم الآخر 
(يسينء 1981)؛ مشهد الفلسطينيين في النموذج الإسرائيلي الثقافي (حيدر, 1987)؛ الأماط القومية 
كسلاح في الصراع العربي الإسرائيلي (سليمان. 1874)؛ اتجاهات الصهيونية نحو العرب (تيريء 1976)؛ 
الفلسطينيين في وعي الشباب الإسرائيلي (زريق, 1975). وكانت النتيجة النهائية لهذه الدراسات رسم 
صورة سيئة عن العرب. وتم تلخيص نتائج هذه الدراسات لمصلحة شركات البترول والهيئات التي لها 
أعمال مع العرب, والإرسالياتء والرحالة والأكاديميين والحكومات ووكالات مخابراتها (مغريء 
1). 

حملت اللتسعباراف الممككررة :رامن #الابععازات” الداقلية (اسؤيينة)«اللمفازات 


الخارجية (الموساد) مواقع خرافية أو أسطورية بين أجهزة الاستخبارات 


210 


في العالم. ووفي تقديريء إن واحدا من نجاحات هذه الخرافة أو الأسطورة التي تحولت 
لحقيقة هو تطبيقات علم النفس بمستواه الشعبي والرسمي في فهم البناء السيكولوجي للشخصية 
العربية. ويمكن القول بأنه أول كتاب سيكولوجي واقعي يعالج الكيفية التي فهم بها العدو 
الإسرائيلي سيكولوجيا الأفراد والجماعات في البيئة المحيطة هو كتاب "تيودوت فيدميعوت" أي 
"وثائق وشخصيات". وهي أول محاولة جدية يقوم بها اليهود لتحليل دوافع وسلوك عدوهم العربي 
ويعتبر مصدرا تاريخيا ثمينا. وعرض دانين في مقدمة الكتاب للأساس الاجتماعي للثورة بالنسبة إلى 
القرى والمجموعات والأفراد ذوي الروابط الريفية المتينة» وأشار إلى أن الصهاينة والبريطانيين بالغوا 
في الحديث عن كمية ومستوى الأسلحة والذخيرة في أيدي الثوار. 

كتب دانين فيما بعد "لا يمكن إنكار حقيقة أن التدريب العسكري للعرب لم يكن بمستوى 
عالء كانت خبرتهم في الأملحة الحديثة معدومة: واستغلوا التدريب الطبيعي في القرية العربية, 
القتال من أجل البقاءء الثأر والقتال بالأيدي والكمائن والسرقة والانتقام وإتلاف المحاصيل والطعن 
في الظهر والصيد وإطلاق النار على أهداف محددة". ويضيف دانين "نحن نعتقد أن أكثر الأسلحة 
فعالية ضد الثائر العربي هو معرفة عقليته وردود فعله ا محتملة على مختلف ال مواقف. يجب أن 
نعرف طريقته في الهجوم والدفاع والتمويه والهربء وحبه الطفولي للسلطة وقدرته على الصمود في 
وجه الرشاوى ومدى إخلاصه وميله إلى الجدل والتخلي عن رفاقه وقت الشدة. وتأثير النزاعات 
الاجتماعية ومدى استعداده لخيانة رئيسه. وموقفه من عدوه ومن جاورهء وما هي قواعده القتالية, 
وما الذي يثير أعصاب المقاتل العربي» وما هي أكثر الوسائل فعالية في ضربه. ثم متى يكون الهجوم 
عليه شخصيا فعالاء ومتى يكون الهجوم على أملاكه أفضل" (أنظر بلاك وموريسء 1992). 

يقول عزرا "إنه علينا أن نحلل كل واقعة وكل حادثة, وأن ننظر إلى عمق الأشياء ولا نرى 
كل شيء يلمع كالذهب". كانت طريقته تعتمد الأملوب العلمي والنقديء وم يكتف بالانطباعات 


السطحية. ولقد اهتمت الاستخبارات الإسرائيلية بتطبيق كثير 


211 


من مبادئ علم النفس في الميدان. ولقد درست سيكولوجيا التعامل مع العرب ولقد 
اكتسب الجواسيس اليهود مهارات فائقة في فهم المجتمع العربي المحلي وفهم كيفية التعامل مع 
العرب وكيف يكن توظيف عملية الفهم هذه في جمع المعلومات منهم. ولتم يكن تدريب رجال 
الاستخبارات في المرحلة المبكرة على النواحي النظرية والاستراتيجية إنما كان التركيز على مسائل على 
فهم البيئة المحلية المرتبطة بالزراعة والأرض. ففي عام 1940 طلب دانين من ماشبيتز أن ينظم دورة 
دراسية لممسؤولي الشاي ومخاتير المستوطنات الريفية لتعليمهم كيفية التعامل مع المشاكل المحلية 
ومع جيرانهم العرب, قال ماشبيتز: "علمناهم اللغة العربية والتقاليد العربية المحلية ومم نعلمهم 
الاستخبارات» بل كيفية الحصول على المعلومات التي تساعدنا في حراسة الحقول. وكيف نعرف من 
يسبب لنا المشاكل كائنا من كان؟ وقد ركزنا على المشاكل المحلية وكنا نهتم أيضا بأمن المستوطنات 
(أنظرء بلاك وموريسن 1992). 

ويشكل قولدمان الرئيس السابق للمجلس الصهيوني العالمي النظرة القومية. إذ يقول إن 
الشخصية الحقيقية وصعوبة الصراع العربي الإسرائيلي إنه بصورة أساسية مسألة سيكولوجية. ويتأثر 
العرب بصورة خاصة بالعواطف والمشاعر أكثر من العقل. أنهم "لا ينسون" و "يغفرون" ولهم ميول 
قوية لتجاهل الوقائع ويسهبون في الأوهام والخداعات (قولدمان. 1970). ويقول عام النفس 
كابلويتز بنفس هذه النظر بأن رفض العرب الاعتراف بإسرائيل يرتبط بعدة نماذج ثقافية ومتطلبات 
تقدير الذات والتي تتضمن مراعاة الإنسانية. قبول الهزمة. صورة المستسلم والحوار وجها لوجه 
(كابلويتن 1976). وعموما تستخدم هذه العينة من الكتب والأبحاث والأعمال الأدبية بصورة 
مدروسة» وربما استراتيجية» كسلاح سيكولوجي خطير في تنميط صورة العربي بصورة أساسية ومحاولة 
تشويه وتدمير شخصيته وصورته ومشهده ووجهيه وفي المقابل تحسين وبناء شخصية وصورة ومشهد 
ووجه الآخر اليهودي. 

وعادة يرتبط التنميط بالمحكات التي يرتبط ويقوم عليها التعصب مثل القومية-الجنس - 


الدين ...الخ. حينما نتعامل مع شخص آخر فعادة ما نضع بعض الفروض 


212 


وتقوم هذه الفروض على أساس توقعاتنا لردود أفعال هذا الشخصء ووضع هذا الشخص 
داخل فئة معروفة من البشر يساعد على فهم أقواله وتداعياته والتنبؤ بها. ويساعد التنميط 
الجماعات على عملية الانغلاق على النفس وتضخيم الفروق بين عالمها وعواط الجماعات الأخرى 
وبدلا من أن تبحث عن مظاهر التماثل تبحث وتضخم مظاهر الاختلاف. ويؤكد الفرد على السمات 
التي تجعله ينظر إلى داخل جماعته باعتبارها أرقى من غيرها بينما نفس السمة داخل جماعة أخرى 
قد تقيم سلبيا (الشيخ: 1992). وتنعكس هذه المسألة بصورة معكوسة في الصورة التي يرسمها أو 
يعززها اليهود لأنفسهم "شعب الله المختار", و"ميمون" أو الأول بين الأكفاء وإظهار التفوق 
العسكري للجيش الإسرائيلي والتفوق المخابراقي للموساد. 

مقارنة بهدم شخصية العربي مقابل بناء شخصية اليهودي صور وليم زيف (1976) اليهود 
بأنهم متفوقون ومتميزون وأذكياء. وأنهم يعتبرون أفضل قوة مستعمرة على وجه البسيطة. ويقرر 
جاي جونين (1977). عام النفس اليهودي الأمرييء في كتابه "الهوية اليهودية: منظور نفسي- 
اجتماعي" أنه استمرارا لتقاليد دينية وممارسات ثقافية واجتماعية ممتدة يفرق اليهود بين أنفسهم 
وبين غير اليهود. حيث أن اليهودي تقليديا يعبر عن نفسه بأنه يعمل عقله وفكره في المقام الأول في 
حين أن غير اليهودي يمكن أن يقنع بالأعمال اليدوية التي لا يقبل اليهودي ممارستها باعتبارها مهينة 
له. ويري يس (2001) إن التفرقة الحاسمة بين اليهود وبين غيرهم تعد أساسية لفهم أعماق 
الشخصية اليهودية و أبعاد الشخصية الإسرائيلية. وقد شكلت هذه السمة أساسا لإحساس اليهود 
بالسمو إزاء غيرهم الأقل تعليما وثقافة وشعورهم بالدونية إزاء المعاملة الاجتماعية من الآخرين . 
ودفعت هذه السمة هرتزلء مؤسس الحركة الصهيونية» أن يكتب في يومياته يوم 22 يوليو 1895 
تحت عنوان "بحث في النفسية القومية" أن اليهود هم شعب محتقر تواقون للإحساس بالشريف 
والكرامة. ومن هنا وإذا استطاع شخص أن يعبأهم تحت هذا الشعار ويقودهم لتبني آيدولوجية 
سياسية سوف يؤدي ذلك مع الزمن إلى إنشاء دولة إسرائيل التي سيحسون تحت علمها بالشريف 


والكرامة (أنظر عابدين: 2000). 


213 


عموما يهدف الأسلوب الدعائي الصهيوني إلى تشويه ملامح شخصية الإنسان العربي والتي 
هي جملة الصفات والخصائص والسجايا والطبائع (الثابتة نسبيا) والتي تمثل القاسم المشترك بين 
العرب فتشير إلى نمطهم الاجتماعي المتميز ونموذجهم البشري المغاير لسواهم من الشعوب والأقوام. 
فأسلوب التشويه هو تنميط العربي أو نمذجته وصياغته بحيث تثير تلك الصفات والخصائص 
الكراهية والبغضاء عند الآخرين للجرد استحضار هذه الصورة المنفرة عن العربي. وكانت صورة 
العربي بعد إنشاء الكيان الصهيوني 1948 (عدوانيء جبانء وحاقد) وما بعد 1967 (إرهابي وغدار)ء وما 
بعد 1973(الوحشية والابتزاز) وحتى تشيع الدعاية الصهيونية عبر أجهزتها كا موساد ومن خلال 
الروايات أن العربي الغدار اخترع الخنجر أداة الغدر الذي قلب موازين وقواعد لعبة الحرب التي 
ظلت تلتزم بسجايا القتال الموروثة عن فرسان القرون الوسطىء كما يتضح ذلك لدينا في رسمة غلاف 
كتاب ليون يوريس (الحاج) حيث جعل الخنجر جزءا من الصورة في محاولة للربط الوثيق بين العربي 
المسلم (الحاج) والخنجر الذي هو رمز الغدر والطعن في الظهر (أنظر ناصر 1984 في الدباغ 1998). 

حاول أدير كوهين (1988) في كتابه "وجه قبيح في المرآة" أن يدرس الاتجاهات الفكرية 
لأطفال إسرائيل. وقد بينت دراسة إسرائيلية شملت 520 كتابا من كتب الأطفال للتعرف على 
طبيعة العرب وطبائعهم ووصفت 9063 من الكتب العرب بصفات سلبية منها الخيانة» والكذب» 
والمبالغة, والمداهنة والوقاحة. والشكء والوحشية., والجينء والبخلء. وحب ال مالء وسرعة الغضبء» 
والتملق» والنفاق» والتباهي, والخبثء بينما بلغت نسبة الكتب التي أوردت صفات إيجابية 9024 
وهذه الصفات هي الاجتهاد. والشفقة: والصداقة, والشعور مع الآخرينء والجرأة. حين كانت نسبة 
الكتب التي مم تصف العربي بشيء 913. وفي دراسة أخرى لمجموعة من 380 كتاب أظهرت بأن 
العرب فئة هامشية تهدد الوجود الصهيونيء وجد فيها 576 عبارة سلبية في وصف الإنسان العري, 
منها متوحشء عدو. مخرب» مختطف طائرات وجاسوس. وتكمن خطورة هذه الأوصاف التى وردت 


في أنها تنقل إلى أطفال يمرون في مرحلة بناء 


214 


لصورة الآخرء ويتشكل الاتجاه العنصري وهو اتجاه عدائي من خلال عملية التنشئة التي 
تشارك فيها مؤسسات تربوية وثقافية واجتماعية عدة. 

حاصرت إسرائيل العرب ومنعت عنهم التطور واصبح معظم العرب شغيلة للإسرائيليين. كما 
حافظت إسرائيل بصورة مدروسة على بقاء حياة العرب كما هي. ولقد كانت هناك دلالة 
سيكولوجية لهذه المحافظة. يقول ميوهاوس (دومبء 1985) بأن "العرب مهمون لنا نحن اليهود لأن 
روحهم وطريقة حياتهم مشابهة لحياة أجدادنا في عصور التوراة. الفلاحون أحفاد الكنعانيين هم 
أقدم سكان "ارتز إسرائيل" وهم الذين حافظوا تماما على العادات والخصائص القديمة التي نسيناها 
بسبب طول إقامتنا في المنفى. 

وعموما إن الذين كتبوا عن العرب من الإسرائيليين لم يصوروا العربي كفرد سويء سواء أكان 
ذلك على صعيد تكوينه الجسمي أو النفسي والعقليء واشتركوا في إعطاء قوالب جاهزة للإنسان 
العربي» وقد كان التنميط هدفهم الأول في استعراضهم رغبات العرب وخرافاتهم ومواقفهم من 
الحياة. فالعربي في القصص العبرية هو سارقء وكاذبء, ومنافقء وذو وجهينء. ومغتصب للنساء 
ومعتد. ويفتقد المبادئ» توجهه غريزته الجنسية. وأنه لا يفي بوعده. ومحب للمالء ومرتش. وكتتب 
ناتات شاحم في قصته "غبار الطريق" حين يسوق حديثا عن العرب يدور بين يهوديينء حيث يرد 
أحدهما في تعريف العري أثناء الحديث "العرب مثل الكلابء فإذا رأوا أنك مرتبك ولا تقوم برد فعل 
على تحرشاتهم يهجمون عليكء أما إذا قمت بضر.بهم فهم سيهربون كالكلاب. ويضيف آخر بأن 
أفضل عربي هو العربي من غير نقود (برهوم, 1995). 

وفي رواية أجار موز 8" بعنوان (310120) 1978 وانه اختصار على اسم الرسول الكريم 
محمد حيث تدور أحداث الرواية حول امرأة يهودية تشرف على حضانة للأطفال غير الشرعيين ومن 
بينهم العربي محمد الذي ينشأ ليكبر ويعشق حاضنته وليعرف والده أمير النفط العربي فلا يكترث 
(فالعربي متوحش لا يعرف عاطفة الأبوة ولا القيم والأعراف) فمومو هو نتاج الإسلام الذي يعتبره 


هذا المخرج دين البربرية والوحشية 


215 


(أنظر أبوغنيمة: 1984 في الدباغ: 1998). وفي الغرب كذلكء. كانت تمثيلات العام العربي 
وما تزال منذ حرب عام 1967 فظة» وتقليصية» وعرقية عنصرية, كما أثبت البحث النقدي في أوربا 
والولايات المتحدة بما لا يترك مجالا للريبة . لكن رغم ذلك تستمر في التدفق الأفلام والعروض 
التلفازية التي تصور العرب "راكبي جمال " دنيئينء وإرهابيين» و "شيوخا" أثرياء إلى درجة تثير 
الاشمئزاز . فعلى مدى عقود عديدة, ما تزال تشن في أمريكا حربا ثقافية ضد العرب والإسلام : 
وتوحي الشخوص الساخرة (الكاريكاتورية) العنصرية المروعة للعرب والمسلمين بأنهم جميعا إما 
إرهابيون أو شيوخ نفطء وأن المنطقة خراب قاحل شاسع لا يصلح لشيء إلا لجنى الأرباح أو الحرب 
(سعيد 1997) . 

نقلت صحيفة الوفد القاهرية المعارضة ترجمة عربية لحلقة من برنامج "صراحة في 
صراحة " للتلفزيون الإسرائيلي كان ضيفها عسكريا إسرائيليا متقاعدا يدعى ميشيل ال مز استعرض 
حياته في الجيش الإسرائيلي. وجاء في البرنامج حوار هاتفي بين المز وسيدة تدعى نيللي ايهود قالت 
أنها كانت تعمل في شبابها في السينما المصرية وأنها تعاونت مرارا مع الموساد. وأضافت أنها لم تكن 
وحدها التي "آمنت بالصهيونية وقضيتها بل كان هناك فنانات مصريات بينهن مريم فخر الدين. 
وهند رستم وبرلنتي عبد الحميد ونادية لطفي" وأخريات لمم تسعفها الذاكرة للكلام عنهن. ونظمت 
ندوة بواسطة اللجنة المصرية للتضامن برئاسة الكاتب أحمد حمروش الأنباء التي نقلتها صحيفة 
الوفد. ودعا نبيل زي إلي القيام "بهجوم مضاد" من جانب الفنانين والمثقفين العرب عن طريق 
التحرك لدعم الشعوب العربية في لبنان وفلسطين والعراق. وأشار إلى أن الفن كان دانما "رأس الحربة 
في العام العربي ضد العدو الصهيوني"”. ورأى كمال كما أن "الإسرائيليين يرددون هذا الكلام لمواجهة ما 
أحدثه مسلسل أم كلثوم الذي أذاعه التلفزيون المصري أخيرا من إيقاظ للوعي والشعور القومي" 
(أنظر الأيام» مارس 2000). ويقول السفير الفلسطيني سعيد إن إسرائيل "أرادت أن تخترق الوجدان 
العربي من أهم قطاع في المجتمع وهو الفن والفنانين" (الأيام. مارس 2000). عموما يمكن تفسير 


هذه الهجمة الإسرائيلية في مشروعها الرامي لتدمير الذاكرة العربية وتدمير كل 


216 


ما هو مرتبط بالوعي القومي العري. وفي المقابل تعمل إسرائيل في بناء ذاكرة أفرادها وجماعتها 
بالتذكير المستمر بالمحرقة والاحتفاء بها من خلال المتاحف الشهيرة في إسرائيل وفي واشنطون. 
عدو عدوي صديقي أو فرق تسد 

تم توسيع قسم الأبحاث في استخبارات الجيش الذي أنشأه حاييم هرتزوع عام 1949 في أوائل 
الخمسينات. وضم مكاتب مختصة لكل دولة عربية. في عام 1951 و1952 اصدر القسم تقريرا 
طويلا بعنوان "الصورة الشاملة" وصف بالتفصيل الأوضاع السياسية والعسكرية للدول العربية 
ونواياها الحربية والطرق ال محتملة لتقدم قواتها والأهداف التي يحتمل أن تطبق عليها في إسرائيل. 
وراقب الشين ميم 5 بقيادة شموئيل توليدانو الصحافة العربية ومحطات الإذاعة» وكان مسؤولا أيضا 
عن استجواب السجناء. وتولى قسم آخر استجواب ال مهاجرين اليهود القادمين حديثا من الدول 
العربية. عموما هناك اهتمام كبير من قبل المراكز البحثية الإسرائيلية بجمع ما يكتبه الباحثون 
العرب. وتعمل هذه المراكز خاصة في الدراسات الإستراتيجية وفق مخططات وزارة الدفاع الإسرائيلية. 
وبوسعنا التساؤل هل هناك اهتمام من قبل علماء النفس العرب بما يكتبه رصفائهم في إسرائيل؟ ويا 
ترى كيف يتعامل علماء النفس العرب في فهم سيكولوجيا التعامل مع العدو أو الخصم؟ أم لا 
يتعاملون معه كما يتعامل معهم؟ أو ليس هناك أهمية بمعرفة ذلك؟ أو من يحاول مجرد المعرفة 
هو عميل لهم؟ أم لم يجل بخلد علماء النفس العرب ذلك في مخيلتهم؟ ربما نحتاج لإجابة لهذه 
العينة من الأسئلة والأسئلة المشابهة الأخرى. 

وتسعى الاستخبارات الإسرائيلية للحصول على معلومات دقيقة تساعدها على وضع خطط 
تعرضية تهدف إلى تحقيق التجزئة والتفرقة داخل الدول العربية»ء وشق الصف بين الدول العربية, 
وذلك بتغذية الأفكار الإقليمية. وتحريض الفئات الانفصالية واستثمار التناقضات المتعددة. وإن في 
مقدمة أهداف أجهزة المخابرات الأجنبية خدمة المصالح الاستراتيجية لدولها. والعمل على إضعاف 


الدول الأخرىء وإثارة النعرات» 


217 


ونشر الفرقة بين شعوبهاء بهدف التمكن السهل من السيطرة على مقدراتها الاقتصادية 
والهيمنة عليها سياسيا (شيرونين» 1998). وحاولت أجهزة المخابرات الإسرائيلية أن توظف بصورة 
ذكية الخلافات العرقية بين مجموعات متباينة تعيش في العالم العربي. فإن إيذاء العرب من خلال 
عملية التشتيت هو خطوة استراتيجية هامة. وبذلك تريد تدمير حالة الوحدة إلى حالة من الشتات. 
مثلاء يصف الصهاينة العرب بأن لديهم شعورا بالكراهية العرقية لا يوجه إلى اليهود فحسب. وإنهما 
هو موجه إلى كل الأقليات العرقية التي تعيش بينهم, كالأكراد وا مسيحيين وغيرهم: وأن هذه 
الأقليات لا تشعر بالأمن (برهوم: 1995). نحاول في الجزء اللاحق من الدراسة أن نتتبع بعض 
القواعد التي تطبقها إسرائيل في تعاملها مع المجموعات العرقية المختلفة والاتصالات التي تمت مع 
بعض المجموعات وفق هذه القواعد. وتم تطبيق ذلك في الداخل في العلاقات بين الفلسطينيين» وفي 
الدول العربية بين المجموعات العرقية. وفي خارج هذا الإطار في العلاقات بين الحكومات والمعارضة. 

واستغلت المخابرات الإسرائيلية التناقضات في دول كثيرة من العام من بينها سريلانكا 
وعملت على اللعب على الحبلين على الحكومة السنهالية والمعارضة التاميلية الشرسة في نفس 
الوقت. كانت الموساد تعمل دانما وفق مصلحتها ولا تبالي إذا لحق الضرر بالآخرين. فالشعار الدائم 
هو "عن طريق الخداع". لقد ربط عملاء الموساد سريلانكا عسكريا بإسرائيل وذلك بإمدادها بمعدات 
جوهرية. ومن ضمنها قوارب لخفر السواحلء وفي نفس الوقت تم تزويد ثوار التاميل بمعدات 
مقاومة لتلك القوارب لاستعمالها في محاربة القوات الحكومية. كما ساعدوا سريلانكا على الاحتيال 
على البنك الدولي ومستثمرين آخرين بملايين الدولارات لدفع أنمان جميع الأسلحة التي كانوا 
يشترونها منهم. كما أن الإسرائيليين دربوا قوات مختارة من الطرفين دون أن يعرف أي منهما بالأمر. 
فمثلا قام الإسرائيليون بتدريب التاميل في قاعدة الكوماندوس (الصاعقة) البحرية الإسرائيلية, 
ويتعلموا التقنيات الخاصة بالاختراق وزرع الألغام والاتصالات وكيفية تخريب السفن الممائلة 


للزوارق. بينما تم تدريب السنهاليين في نفس 


218 


الوقت في إسرائيل في مكان آخر. ولقد تم تدريب المجوعتين في قاعدة كفارسركين دون أن 
يعرفوا بعضهم البعض. ونقل السنهاليون إلى القاعدة البحرية كي يتعلموا التقنيات التي علمها 
الإسرائيليون للتاميل (أنظر اوسترفسكي وهوي, 1990). 

واستطاعت الاستخبارات الإسرائيلية منذ مرحلة مبكرة في تاريخ الصهيونية في فلسطين 
كذلك أن تثير الخلافات بين العربء. وتطبق قاعدة "فرق تسد" وتستغل بصورة سيكولوجية بارعة 
سوء العلاقات الشخصية بين الفلسطينيين أو الإغراء بتراخيص العمل داخل إسرائيل من غير أن تدفع 
مبالغ كبيرة لهؤلاء الفلسطينيين مقابل المعلومات التي يحصلون عليها منهم. ولقد عينوا مجموعة 
من ا مخبرين الفلسطينيين مقابل مبالغ رمزية. كتب دانين "كان المخبرون يتلقون الثناء منا وقليلا من 
المال» لأن المكافأة المالية لم تكن السبب الأساسي لعملهم معناء فقد كان معظمهم مضطهدين من 
إخوانهم بسبب أعمالهم التجارية مع اليهود وخصوصا بيع الأراضيء ولهذا كان لديهم أسباب 
شخصية قوية من أجل التخلص من مضطهديهم. وكانوا جميعا خائفين على حياتهم» وطلبوا اللجوء 
إلينا في أثناء وقوعهم في الأزمات أو للدفاع عن قراهم وحاولنا استغلال هذه المواقف وبذلنا جهودا 
للتعرف على العرب الذين يحتاجون إلى مساعدتنا". 

ويمكن القول بأن الاستخبارات المبكرة كانت تأزم من العلاقات بين الفلسطينيين من جانب» 
ومن جانب آخر كانت تعمل على خلق جو من حسن الجوار بين العرب وبين المستوطنين الجدد من 
اليهود. فقد كان دانين على حسب تعبيره يفضل تبادل الحديث مع فلاح فلسطيني بسيط أكثر من 
التحدث مع الباشوات الذين يعتمرون الطربوش ويرتدون الزي الرسمي. وكتب قائلا "كان اهتمامي 
الأول هو تخفيف الاحتكاك مع العرب» وبغض النظر عما كان يكتب في الصحف العربية وما يقال 
في خطب المساجد وصالونات السياسيين» فقد كنت أبذل الجهود لتخفيف أضرار المواجهة وتحسن 
العلاقات بين ا مستوطنات اليهودية والقرى العربية" (أنظرء بلاك وموريس, 1992). 

استغلت ال مخابرات الإسرائيلية تطبيقات علم النفس الاجتماعي في الخلافات بين العرب 


والمجموعات العرقية الصغيرة التي تعيش في العام العربي أو المجموعات غير 


219 


المسلمة من خلال قاعدة "عدو عدوي صديقي"” أو مبدأ "فرق تسد". في صيف عام 1948 
كان شيموني وزملاؤه مهتمين كثيرا بالدروزء وهم طائفة صغيرة وكتومة يعيشون في جبال الجليل 
وسوريا. وكان المسؤولون الإسرائيليون يأملون بحشدهم ضد العرب سياسيا وعسكريا. وكان الدروز 
قد وضعوا في خانة الشعوب غير العربية وغير الإسلامية» واعتبروا من الأقليات الدينية التي كان يراها 
بن غوريون ومستشاروه. قبل إنشاء الدولة الإسرائيلية. على أنها حليف طبيعي لدولة "الأقلية" 
اليهودية في مواجهتها مع الأكثرية العربية المسلمة المحيطة بهم. واستخدم مفهوم "عدو عدوي 
صديقي" كأساس يوجه العلاقات الإسرائيلية مع المسيحيين الموارنه في لبنان» والأكراد في العراق» 
والمسيحيين والأرواحيين من الأصول الزنجية في جنوب السودانء وإيران غير العربيء والدروز داخل 
إسرائيل وخارجه. فيما بعد أصبحت الروابط مع الشعوب "المعادية للعدو" وكذلك البلدان المعادية 
له أيضا من المسؤوليات الأساسية للموساد. 

وفي مصر حاولت الاستخبارات الإسرائيلية جمع قدر من المعلومات المتعلقة بالتناقضات 
داخل المجتمع (بلاك وموريسء 1992). وكانت يولاند هارمر أفضل من تجسس لصالح إسرائيل عام 
8 . لقد ولدت في مصر من أم يهودية تركية. ولقد جندها شيرلوك رئيس القسم السياسي لصالح 
القضية الصهيونية عندما إلتقاها في حفل كوكتيل عام 1945 أو 1946. وكانت ترتبط بفرقة الشئون 
العربية في القسم السياسي في الوكالة اليهودية وبعد إعلان استقلال إسرائيل في مايو 1947 تابعت 
العمل بإشراف قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية. كانت يولاند فتاة شقراء ترتدي أحدث 
الألبسة وحولت اسمها إلى اسم عبري (هامور) وتزوجت ثلاثة مرات قبل أن تكون خليلة لسلسة من 
العشاق ومنهم بعض أثرياء مصر وبعض النافذينء وأعضاء السلك الدبلوماسي. وتحت "الغطاء" 
كصحافية ساهمت في إعداد بعض ال مقالات عن الشؤون المصرية للصحف الباريسية. ودخلت بسرعة 
ودون جهد كبير في مجتمع القاهرة الراقي. وتضمنت اتصالات يولاند تقي الدين الصلح وهو 
المساعد الرئيسي لعزام باشا أمين عام الجامعة العربية ومحمود محلوف ابن المفتي الأكبر في القاهرة. 


وتطوع محلوف بإعطاء 


220 


معلومات "تخدم مصالحنا" على حسب تعبير شيرلوك. ولكنه كان يحتاج إلى 1000 جنيه 
مصري لتمويل حملته الانتخابية لعضوية البرلمان المصري. 

وكان ليولاند أيضا علاقات مع أكبر صحيفة في القاهرة وهي الأهرام: أما الصلح والذي 
أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء في لبنان فقد كان متيما بها. وأخيرا شك عزام باشا بأنها تعمل لصالح 
إسرائيل» وبعد ذلك ألقي القبض عليها في يوليو 1948 وم تنفعها الأسماء الرمزية التي كانت تحتفظ 
بها لعشاقها وأصدقائها وعملائها. وأصيبت في السجن بمرض شديد ولكن أحدا لمم يساعدها. وبعد 
شهر أطلق سراحها وطردت من البلاد. وفي أوائل عام 1949 أصبحت إحدى أكبر العاملين الرئيسيين 
في قسم الشرق الأوسط -جناح باريس. وحدد جناح باريس مهمته "بإقامة اتصالات مع الدول 
العربية من أجل متابعة التطورات واقتراح مفاوضات للسلاح والاتصالات مع جماعات المعارضة من 


أجل إحباط الجهد الحربي العربي". 


الموساد والعلاقات السودانية الإسرائيلية 


أجريت الاتصالات الإسرائيلية مع السودان الذي كان من المقرر أن يحصل على الاستقلال في يناير 
6,» على حسب تقرير بلاك وموريس. حيث عقد جوش بالمون في سبتمبر 1955 محادثات سرية 
في استانبول مع قادة حزب الأمة المعارض والذي كان يدور في فلك البريطانيين» وأبدوا حماسهم 
لتقوية العلاقات مع الغرب وكانوا يعارضون التوجه السياسي المصري لبقية الأحزاب. وأحضر- بالمون 
أحد هؤلاء القادة ممقابلة بن غوريون في أغسطس 1956 والذي قال فيما بعد " إنهم مسلمون 
ويتكلمون العربية لكن ال مصريين كانوا يعاملنهم بازدراء ويخططون للهيمنة عليهم". وفيما بعد 
غيرت إسرائيل سياستها السرية تجاه السودان. وفي الستينات قدم الموساد دعما محددا لثوار انانيا في 
جنوب السودان (بلاك وموريسء 1992). وعلى حسب تعبير توماس (1999) أنه بالفعل في عام 
2 توجه رئيس الموساد نفسه إلى جنوب السودان لمساعدة الثوار المنحازين لإسرائيل في صراعهم 


مع النظام القائم هناك. 


221 


ثار سكان الجنوبء» وهم ليسوا عربا لكنهم من الأصول الزنجية. ضد الحكومة المركزية في 
الخرطوم: وفي السنوات اللاحقة واستنادا إلى الجنرال جوزيف لاقو قائد أنانياء تلقوا أسلحة وأجهزة 
اتصالات ومساعدات في التدريب من الإسرائيليين. وأظهرت الوثائق التي استولى عليها الجيش 
السوداني من أنانياء وفقا لبلاك وموريس (1992).: أن أشخاصا إسرائيليين قد زاروا معسكرات الثوار 
مع أن المساعدات التي قدموها كانت قليلة نسبيا. وقال أحد الخبراء الغربيين فيما بعد " إذا تسبب 
أي أذى لأي بلد عربي فهذا يعتبر من وجهة النظر الإسرائيلية جيدا...شريطة أن لا تتعرض المصالح 
الأخرى للأذى...وإلى حد لا يؤدي فيه إيذاء السودان إلى نتائج عكسية. كان واضحا للإسرائيليين أن 
الموقف الظاهر في تأييد الجنوب وتقديم المساعدات للثوار سيكون له وقع الكارثة في أفريقيا 
السوداء". 

وحسب تأريخ المؤرخ الإسرائيلي ووربيرج (1992) عن العلاقات السودانية الإسرائيلية أنه في 
مارس 1954 قامت السفارة الإسرائيلية في لندن بمجهود للبحث عن طرق جديدة لإضعاف أو تقويض 
ا مقاطعة العربية لإسرائيل. وربما يكون السودان الحلقة الضعيفة والسهلة الاختراق في منظومة الدول 
العربية. وقد فاتح موردخاي جازيتء السكرتير الأول في السفارة الإسرائيلية في لندنء وليام موريس 
من القسم الأفريقي في وزارة الخارجية البريطانية لطلب مشورة عن جدوى تلك المحاولة. وكان في 
السودان قد انتصرت قوي الوحدة مع مصر في أول انتخابات تجرى في البلاد في نوفمبر- ديسمبر 
3. ولكن أرجعت مجموعة كبيرة من السودانيين وآخرين عملية الانتصار إلى الرشاوى الكبيرة 
من قبل مصر كما رفض هؤلاء قبول نتيجة الانتخابات كقرار ديمقراطي حقيقي يعبر عن أمل 
السودانيين في الوحدة مع مصر. ونتيجة لذلك تظاهر عشرات الآلاف من الأنصار في الخرطوم تحت 
شعار "السودان للسودانيين". وحاولت قيادة حزب الأمة تجاوز ذلك المأزق المتعلق بالهزيمة في 
الانتخابات بكل الوسائل. وكانت الحكومة البريطانية أول وأهم الحلفاء المحتملين لحزب الأمة وذلك 


معارضتهم عملية الاتحاد مع مصر. 


222 


سافر الصديق المهديء زعيم حزب الأمة, وفقا لووربيرج (1992). وهو حفيد الإمام المهديء 
للندن في يونيو 1954 برفقة محمد أحمد عمر محرر صحيفة حزب الأمة "النيل". وبالرغم من أن 
الزيارة كانت مطقابلة وزارة الخارجية البريطانية بخصوص استقلال السودان فقد قابلا كذلك اثنين من 
الدبلوماسيين الإسرائيليين في أحد فنادق لندن. وتم تنظيم اللقاء بواسطة بول وهو صحفي ويمثل 
رجل العلاقات العامة لحزب الأمة في لندن. وتساءل ووربيرج ماذا يأمل أن يجد حزب الأمة من 
إسرائيل؟ وكما ذكر سابقا فإن حزب الأمة كان يبحث عن حلفاء محتملين. وربما يساعد تأثير إسرائيل 
في لندن وخاصة في واشنطون حزب الأمة في تحقيق الاستقلال في السودان. ولقد أكد الصديق المهدي 
للدبلوماسيين الإسرائيليين بأنه بغض النظر عن الطبيعة الإسلامية لحزب الأمة فإن الدين لا يلعب 
دورا في علاقات الحزب الخارجية وتبعا لذلك تكون علاقات الحزب مع إسرائيل مقبولة بواسطة 
قاعدة الحزب في الريف السوداني. وذكر الصديق كذلك بأن الجالية اليهودية في السودان كانت 
تدعم حزب الأمة. ووعد رجلا حزب الأمة باستمرارية التجارة لاحقا بين السودان وإسرائيل والتي 
توقفت بسبب التدخل المصري. 

ويضيف ووربيرج (1992) وفي اجتماع آخر قدم محمد أحمد عمر للدبلوماسيين الإسرائيليين 
قائمة من مطالب حزب الأمة والتي تتضمن قيام إسرائيل بعمل لوبي في الولايات المتحدة كما طلب 
دعما ماليا للمنافسة مع المصريين . وعندما يتم تحقيق الاستقلال في السودان سوف يعد حزب الأمة 
كحكومة مستقبلية للسودان باستمرارية التجارة مع إسرائيل. ولكن حذر موريسء من القسم 
الأفريقي بالخارجية البريطانية. حزب الأمة بأنه في حالة انكشاف المقابلة التي جرت بين حزب الأمة 
والدبلوماسيين الإسرائيليين للرأي العام سوف يؤثر ذلك بصورة سيئة في علاقة السودان بجيرانه. 
وذكر محمد أحمد عمر بأنهم لا يعيروا انتباها كبيرا لذلك التأثر وذلك لأن الدول العربية أظهرت 
تعاطفا قليلا لحركة استقلال السودان. 


وذكرت صحيفة "السودان" الأسبوعية الصادرة في لندن بتاريخ 27 نوفمير 1995 


223 


تحت عنوان "مفكرون إسلاميون يبحثون قضايا التسوية والتطبيع في إسرائيل" (سليمان» 
5) بأن مركز الدراسات الاستراتيجية بالخرطوم قد نظم ندوة حول تقييم عملية السلام الجارية 
الآن حول الصراع العربي الإسرائيلي وآفاق مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني. وشارك في الندوة 
نخبة من المفكرين والسياسيين والمثقفين من السودان والعالم العربي. حيث تحدث في الندوة الأستاذ 
عبد المجيد زيناتء ا مراقب العالمم لجماعية الأخوان المسلمين في الأردن» الذي قدم ورقة حول رؤية 
حركته للتطبيع وكيفية مواجهته. والمهندس ابراهيم غوشة. الناطق الرسمي لحركة حماس., الذي 
تحدث عن اتفاق أوسلوء والأستاذ محمد نزالء ممثل حماس بالأردن» والذي قدم ورقة حول اتفاق 
طاباء وتحدث إبراهيم المصريء رئيس تحرير مجلة "الأمان" اللبنانية» إلى جانب مشاركة شخصيات 
أكاديمية منها عبد الرحيم العكود عضو المكتب التنفيذي لجبهة العمل الإسلامي بالأردن» ودكتور 
سيف الدين محمد أحمد مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالخرطوم: ودكتور التجاني عبد القادر 
من شعبة العلوم السياسية بجامعة الخرطوم. وأكد المتحدثون في الندوة أن عملية السلام الجارية 
تمثل نهاية مرحلة الصراع بلا ثوابت وبداية عهد جديد في مسار النزاع العربي الإسرائيلي. 

وكشفت مصادر دبلوماسية غربية ودوائر سودانية مطلعة أن اتصالات سرية بدأت أخيرا 
بين حكومة الانقاذ وإسرائيل جرى خلالها عقد لقاءات في 3 عواصم عربية بين مسئول سوداني 
وشخصيات إسرائيلية بعضها أعضاء في الكنيستء وذلك وفقا لما أوردته صحيفة الشرق الأوسط في 
عددها الصادر يوم الأربعاء 15 مايو 1996 (ميرغني ومجليء 1996). وإن هذه اللقاءات أحيطت 
بتكتم شديد. ولم تكشف المصادر عما دار في اللقاءات إلا أنها لم تستبعد أن يتجه السودان نحو 
التطبيع مع إسرائيل. واستنادا إلى المصادر فإن أطرافا متنفذة في الحكم السوداني أبلغت رسالة إلى 
دوائر أمريكية مفادها أن السودان مستعد لبحث موقفه من إسرائيل وتأكيد دعمه لعملية السلام. 
وذكرت المصادر أن هذا الموقف السوداني نابع من قناعة لدى بعض أطراف الحكم في الخرطوم بأن 


المخرج للسودان من أزماته الحاليةء خصوصا في علاقاته الدولية 


224 


وفي مشكلة مجلس الأمن الدولي بعد فرض العقوبات الدبلوماسية عليه يتمثل في التفاهم مع 
إسرائيل وبحث ال موقف منها وتأكيد الالتزام بعملية السلام. ويذكر أن الدكتور حسن الترابي رئيس 
المجلس الوطني السوداني والأمين العام للجبهة القومية السودانية كان قد ألطح إلى قبوله بإمكانية 
التطبيع مع إسرائيل باعتبارها أمرا واقعا. 

ووفقا لصحيفة "الخرطوم"الصادرة بتاريخ 2 يونيو 1996 (قلاب. 1996) ونقلا عن 
"افريكان كونفيدنشيال" أن محادثات سرية قد عقدت بين السودان وبعض الشركات الإسرائيلية من 
بينها شركة (لابلوش) وشركة أخرى كانت قد أجرت اتصالات مع شركة الصين الوطنية للتنقيب عن 
البترول في السودان. وتذكر صحيفة "الخرطوم" بأن الدكتور الترابي قد صرح أخيرا أيضا بأن السودان 
ليست لديه أية اعتراضات على أي دولة عربية تقيم أو تطبع علاقاتها مع إسرائيل في ظل اتفاقيات 
ومفاوضات السلام الجارية. ونوه غازي صلاح العتباني في الأردن بإمكانية دعوة رئيس الوزراء 
الإسرائيلي لزيارة الخرطوم مصحوبا بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في إطار ما وصفه بإغاظة 
إحدى دول الجوار (أحمد. 1996). وفي هذا المنحيء تذكر صحيفة الشرق الأوسط الصادرة بتاريخ 28 
أبريل 1996 وفي مجال ما يمكن أن يفعله السودان لإزعاج مصر قال الدكتور العتباني» أنه بإمكان 
السودان لو أراد أن يهز العصا الحقيقية في وجه ا مسؤولين ال مصر-يين بأن يبادر لإقامة علاقات 
دبلوماسية مع إسرائيل واستقبال شمعون بيريز في الخرطوم ولكنه استدرك وقال: ولكن هذا لن 
يحصل إطلاقا ونحن ننتظر إلى هذه المسألة بمنتهى الجدية والخطورة والمسؤولية. 

وأوردت صحيفة "المستقلة" الصادرة بتاريخ 19 أغسطس 1996 دعوة عدد من خبراء المياه 
بالسودان الحكومة السودانية إلى بحث إمكانية بيع المياه لإسرائيل من حصة السودان غير 
ا مستخدمة من مياه النيلء وتوقيع اتفاقات تجارية وتقنية ومالية لتطوير قدرات السودان في 
توظيف حصته من الياه للزراعة المحلية ولبيع الفائض منها لإسرائيل. وقال هؤلاء الخبراء أن مثل 
هذا التعاون يبدو للعامة خيارا مر وغير مناسب لحكومة إسلامية» ولكن الضرورة والكيد المصري 


السافر لإشانة سمعة السودان فتح 


225 


خط اتصال مباشر مع الدولة العبرية خاصة وهو يملك سلعة نمينة وشحيحة في منطقة الشرق 
الأوسط بأسرها هي سلعة المياه. وعرض السودان بيع 4 مليارات متر مكعب من حصته غير 
ا مقبوضة من مياه النيل لإسرائيل ولمدة عشرين عاما قابلة للتجديد . وبعث البروفسير سر الختم 
الحسنء أستاذ الهيدرولوجي بجامعة الخرطوم مقالا للمستقلة تضمن تصورا كاملا لمثل هذا التعاون, 
معتبرا أنه قد يكون الأسلوب الأكثر نجاعة لوضع حد ما أسماه ب "الفرعنة" التي يعاني منها السودان. 

التقى الرئيس السوداني الفريق عمر البشير بمجموعة حولي 40 من المهنيين السودانيين 
أغلبهم من أساتذة الجامعات وا لمستشارين والأخصائيين والمحاسبين بقصر القضيبية إبان زيارته 
لدولة البحرين في مساء 13 يناير 2000. ولقد تحدث الرئيس في ذلك اللقاء حديثا بنبرة هادئة عن 
عدة موضوعات من بينها موضوع السلام في جنوب السودان والأسباب التي أدت لقرارات الرابع من 
رمضان وتطبيع العلاقات مع دول الجوار وتطوير العلاقات مع دول الخليج والاتحاد الأوربي» 
ومحاولة تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. وبعد انتهاء حديث الرئيس البشير لمجموعة المهنيين 
السودانيين فتحت بعض الفرص للأسئلة والتي تنوعت في صيغها ومضمونها. لقد سألت الرئيس 
بخصوص الجزء المتعلق بتطبيع علاقات السودان الخارجية. وذكرت بأن هناك عدة دول عربية 
طبعت علاقاتها مع إسرائيل والبعض الآخر في طريقه للتطبيع فهل هناك أي جهود حالية أو نوايا 
مستقبلية بخصوص تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل؟ فكانت إجابة الرئيس محددة ولكن 
بنبرة أكثر وضوحا بأنه ليست هناك أي محاولة لتطبيع العلاقات في السر أو الجهر. 

ويقول موريس من القسم الأفريقي للخارجية البريطانية "بأن للسودانيين عقلية محدودة 
أو ضيقة فإن القضية الفلسطينية بعيدة من اهتمامهم كقضية جواتمالا". بوسعنا التساؤل هل فعلا 
كما عبر موريس بأن للسودانيين عقلية محدودة أو ضيقة؟ وبأن قضية فلسطين كقضية جواتمالا 
بالنسبة للسودانيين؟ وهل لتلك النظرة أية علاقة لاحقة بنقل اليهود الفلاشا من السودان لإسرائيل؟ 


أم أن عملية نقل الفلاشا هي حدث عابر مقارنة 


226 


بموقف السودان الرسمي والشعبي من حرب فلسطين عام 1948 وحرب 1967؟ ولكن قبل 
أن ننتقل لموضوع ترحيل الفلاشا في عمليتي الموساد الشهيرتين "عملية موسى"و"عملية سبأ" سوف 
نبدي بعض الملاحظات حول اتصالات حزب الأمة السابقة. 

من خلال قاعدة "عدو عدوي صديقي" أو "فرق تسد" تحاول إسرائيلء أو بلغة أدق 
المخابرات الإسرائيلية» أن تتصل بالمجموعات المختلفة داخل العام العربي. وهناك عدة اتصالات جرت 
ما بين الموساد وحركة أنانيا في جنوب السودان من جهة: وما بين بن غوريون وأحد قادة حزب الأمة, 
وما بين اثنين من الدبلوماسيين الإسرائيليين واثنين من رجال حزب الأمة بلندن من جهة ثانية» وما بين 
شارون والرئيس نميري في كينيا من جهة ثالثة. وبين حكومة الإنقاذ وشخصيات إسرائيلية من جهة 
رابعة. فضلا عن ذلك يلاحظ بأن هناك اهتمام أكاديمي وبحثي جاد في إسرائيل بموضوع المهدية, 
وحزب الأمة. وطائفة الأنصار. أنظر مثلا مجموعة الأبحاث التاريخية الدقيقة التي قام بها جبرائيل 
ووربيرج. منها على سبيل المثال لا الحصر: "من الأنصار لحزب الأمة: السياسة الدينية في السودان 
1945-4(ووربيرجء 1973). الأنصار في السياسة السودانية: الخيال والواقع (ووربيرج. 21979 
1,» والاعتبارات الآبديولوجية والعملية المتعلقة بالرق في دولة المهدية والسودان الأنجلو- مصري 
1918-1(ووربيرج, 1981) والتدين الشعبي والقيادة القبلية في البناء الاجتماعي- السياسي 
لشمال السودان (ووربيرج. 1974). 

لعلنا نتساءل هل الأبحاث أعلاه هي مجرد اهتمام أكاديمي بحت من قبل مؤرخ إسرائيلي 
أم هناك دوافع أخري لها؟ كتب جبرائيل ووربيرج أستاذ التاريخ بجامعة حيفا ومحرر مجلة "دراسات 
آسيوية وأفريقية" أربعة كتب عن تاريخ السودان فضلا عن أكثر من عشر-ين بحثا منشورة 
بالدوريات العارلية وبعض الدوريات الإسرائيلية. فلقد استمعت له يتحدث عن تاريخ السودان في 
"مؤتمر الدراسات السودانية" المنعقد في جامعة درهام ببريطانيا عام 1992: وكذلك في "مؤتمر 
الدراسات السودانية" المنعقد في مدينة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1994. يعتبر 


ووربيرج مؤرخا غزير 


227 


الإنتاج وعميق التحليل لبعض الجوانب المتعلقة بتاريخ السودان. وربما يكون بعض 
المؤرخين السودانيين مجرد تلاميذ له. 

يقول رفعت أحمد (1995) في كتابه الموسوم " وكر الجواسيس في مصر المحروسة" أن 
جبرائيل ووربيرج قد تولى رئاسة المركز الأكاديمي الإسرائيلي الذي يقع في 92 شارع النيلء شقة 
3لدقيء الجيزة بالقاهرة في أكتوبر 1984 حتى أبريل 1987 . ويعد ووربيرج من أبرز الخبراء 
الإسرائيليين في مجالات شؤون الشرق الأوسط بالتحديد مصر والسودان. وكان سفيرا سابقا لإسرائيل 
في مصر وكان على علاقة وطيدة بالموساد. وأدى تعينه في منصب رئيس ال مركز لصيحات الاستنكار 
لتاريخه ال معروف في مجال جمع ال معلومات لجهاز المخابرات الإسرائيلية كما كان نشيطا للغاية» وقام 
فور توليه رئاسة المركز باستقبال أعداد كبيرة من الباحثين القادمين إلى القاهرة لإعداد البحوث 
الخاصة بالمخابرات الإسرائيلية. وصار المركز الأكاديمي الإسرائيلي وكرا حقيقيا للجواسيس الذي 
يلتحفون في عباءة العلماء. 

بوسعنا القول بأنه يمكن فهم الاتصالات التي جرت بين حزب الأمة وبين الدبلوماسيين 
الإسرائيليين في لندن في أجواء الخمسينات. فمن جهة تبحث إسرائيل عن محاولة لفك عزلتها من 
جيرانها بكل الوسائل وخاصة تطبيق قاعدة "عدو عدوي صديقي" أو سياسية "فرق تسد" كما ذكرنا 
في مقدمة هذا الجزء من الدراسة. وربما حاول حزب الأمة كذلك تطبيق نفس القاعدة مع خصومه 
في السودان من الاتحاديين. وربما تمثل الفكرة الاتحادية عند حزب الأمة استمرارية للاستعمار 
البريطاني الممصري على السودان. فلابد من البحث عن دعم أو تحالفات لتقويض تلك الاستمرارية 
حتى ولو كانت مع إسرائيل. بوسعنا نتساءل هل كان حزب الأمة يتنبأ مسبقا بالاتصالات اللاحقة 
التي تجرى بين إسرائيل وجيرانها؟ 

ويمكننا كذلك فهم تلك الاتصالات في الأجواء الحالية في العالم العربي. فمنذ زيارة السادات 
المخذية لإسرائيل عند البعض أو الشجاعة عند البعض الآخر فقد تم ترتيب الكثير من الاتصالات بين 


العرب وبين إسرائيل. وتختلف نتائج تلك الاتصالات 


228 


من إقامة علاقات دبلوماسية كاملة كما في حالة مصر والأردن وموريتانياء وإقامة علاقات 
طيبة مع دول المغربء وتجارية مع بعض الدول العربية مثل عمان وقطر واتصالات جارية مع سوريا 
في نهاية التسعينات. ومن قراءة محصلة هذه الاتصالات يبدو التكهن باستمراريتها بصورة مستورة 
أو مكشوفة. وربما كان حل الصراع بين طرفي النزاع هو المخرج بالنسبة للكثيرين. و حينها ريما تتحول 
الحرب الساخنة إلى حرب باردة ويستقل فيها البعد السيكولوجي أيما استغلال من قبل الطرف الذي 
يعرف كيف يوظفه كما وظفت المخابرات الأمريكية ذلك في صراعها مع الاتحاد السوفيتي. 

يلاحظ اهتمام كثير من الدوائر الأكادمية الإسرائيلية بموضوع السودان ولاسيما بعد إنقلاب 
عمر البشير عند البعض أو ثورة الإنقاذ عند البعض الآخر. وهناك العديد من الأبحاث الجادة 
والاستراتيجية التي ربما تساهم في بلورة السياسة الخارجية لإسرائيل نحو السودان بواسطة خبراء 
متخصصين في الدراسات السودانية في جامعة تل أبيب. وجامعة حيفاء والجامعة العبرية بالقدس. 
وتشمل هذه الاهتمامات البحثية تأليف الكتبء ونشر المقالات, وكتابة التقاريرء وتقديم المحاضرات, 
وعقد المؤتمرات فضلا عن جمع الكتب والوثائق والخرائط والصور عن السودان بمراكز الأبحاث 
الإسرائيلية. ومن بين الموضوعات ال معالجة في هذه الأبحاث مثلاء "الهوية القومية في السودان" 
(ووربيرج: 1990).: والعلاقات الثنائية ما بين السودان وإسرائيل (ووربيرج. 1992). والنيل في العلاقات 
المصررية السودانية (ووربيرجء 1991). والشر_يعة الإسلامية في السودان التطبيق والنتائج 1983- 
9 و ووربيرج, 1990)» والدمقراطية في السودان: المحاولة والخطأ (ووربيرج: 1986). الإسلام 
والدولة في عهد النميري (ووربيرج, 1985). ترابي السودان: الثائر ذو الحديث الناعم (ووربيرج. 
5) العامل الإثني في السياسة السودانية (شاكيد ورونينء 1988)» والحرب الأهلية في السودان: ما 
بين الأفريقية والعروبة والإسلام (رونين» 1995): وضع السودان من سياسة السلام المصررية (رونين» 
0 والتقرير الاستراتيجي عن السودان (رونين» 1990 1992). 


لعلنا نتساءل ما هي دوافع الاهتمام الإسرائيلي بالسودان؟ ربما تتعلق الإجابة 


229 


بمموضوع وصول الحركة الإسلامية للحكم في السودان. وموضوع مياه النيلء والتبادل 
التجاري. وبوسعنا التساؤل كذلك هل هناك أي اهتمام سوداني بخصوص إسرائيل؟ أو هناك مجرد 
رصد لهذه الاهتمامات البحثية؟ وماذا إذا تم وضع حد للصراع العربي الإسرائيلي وتم الانسحاب من 
هضبة الجولان وتم إعلان دولة فلسطين كما تمت ترتيبات أمنية بين إسرائيل وجيرانها "أصحاب 
الوجعة" للتعايش وحسن الجوار. هل يا ترى تستمر عملية الرفض والمعارضة كما في لاءات الخرطوم 
الثلاث في مؤتمر القمة العربي الشهير سبتمبر 1967أم يفكر السودان بصورة براغماتية ترتبط بمصالحه 
مع إسرائيل؟ وهل حينها ستكون هناك محاولة لتطبيع العلاقات التي ربما تبدأ في السر وبعدها في 
الجهر؟ وتبعا لتلك المجريات هل كان تفكير حزب الأمة في اتصالاته مع بعض الأطراف الإسرائيلية 
صائبا ومتنبأ بمستقبل العلاقات مع إسرائيل؟ وهل تعكس عملية تهجير أو تهريب اليهود الفلاشا من 
السودان أي نوع من التفكير البراقماتي المصلحي في العلاقات السودانية الإسرائيلية؟ أم هي مسألة 


عابرة مقارنة مع موقف السودان الرسمي والشعبي من حروب فلسطين؟ 


"عملية موسى" و"عملية سبأ" لنقل اليهود الفلاشا 
هناك عدة مصادر عن "عملية موسى" و "عملية سبأ" الخاصتين بتهجير اليهود الفلاشا من السودان 
لإسرائيل منها على سبيل المثال لا الحصر (استروفسكي وهويء 1990؛ بلاك وموريسء. 1992؛ برافيت» 
5 ؛ شارونء 1989؛ كرداوي, 1991): وعموما كان هناك تعاون سري بين السي آي أي والموساد 
وجهاز أمن الدولة السوداني في الموافقة على عملية التهجير الكبيرة للفلاشا من السودان (كرداويء 
2.21 و يرتبط جزء كبير ومستور من عمليات التهجير الواسعة بشعار الموساد الدائم " عن طريق 
الخداع" يمكن تضليل السلطات السودانية. وقع بيجن وأنور السادات اتفاق السلام في عام 1979 
المشهور باتفاق "كامب ديفيد". واقنع حينها بيجن السادات أن يكلم الرئيس نميري بشأن السماح 


للفلاشا بالطيران من معسكر للاجئين في السودان إلى 


230 


إسرائيل(استروفسكي وهويء 1990). وعموما كان السادات ناجحا في مدخله للرئيس نميري كما كان 
النميري نفسه متعاونا وعلى جهاز أمن الدولة السوداني أن يغض الطرف عن هذه العملية (برافيت, 
85). 

يذكر اريل شارون (1989) في مذكراته بأنه كان مهتما بتطوير سياسة خارجية في أفريقيا 
بعد زيارته للولايات المتحدة بغرض اجتماع سري مع الرئيس السوداني جعفر النميري لمناقشة قضايا 
استراتيجية في القارة الأفريقية. وتم تنظيم الاجتماع بواسطة ياكوف نمرودي وهو صديق لشارون 
والذي كان يعمل لفترة طويلة في المخابرات الإسرائيلية ومن بعد أصبح رجل أعمال عالمي. وكان 
الحلم الذي يراود نمرودي هو استخدام التعاون الاقتصادي لخلق مصالح مشتركة بين إسرائيل والدول 
العربية والذي ربا يقود بدوره لعملية السلام. وتم الاجتماع بالفعل بين شارون والرئيس نميري في 
كينيا في حضرة كل من نمرودي وعدنان خاشوقي. ومن بين المسائل الموجودة في أجندة النقاش بعض 
قضايا السياسة في أفريقياء والنظام الماركسي في أثيوبياء والمشاكل بين ليبيا وتشاد. ومن المشاريع التي 
طرحها خاشوقي تدريب بعض القوات الإيرانية التابعة لإين شاه إيران في السودان. كما اقنع شارون 
الرئيس نميري بالاهتمام بموضوع اللاجئين من اليهود الفلاشا. ومنذ تلك الفترة بدأ الإعداد لعملية 
سرية ومعقدة ترتبط بتهجير هؤلاء الفلاشا لإسرائيل. 

ويؤكد استروفسكي وهوي (1990) بأنه بحلول عام 1984 اصبح الموقف خطيرا بسبب 
الجفاف والمجاعة في أثيوبيا وتبعا لذلك تسللت مجموعات كبيرة من اللاجئين للسودان. وفي سبتمبر 
4 قابل اسحاق شامير نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي جورج شولتز وزير الخارجية الأمريكي ف 
واشنطون وطلب من الأمريكيين أن يستخدموا نفوذهم لدى مصرٍ ودول عربية لإقناع النميري في 
السماح بعمليات إنقاذ على أساس أنها عمليات إغاثة دولية. وكان ذلك فرصة للتخلص من مجموعة 
من اللاجئين الأثيوبيين خاصة مع ظروف الجفاف والحرب الأهلية في جنوب السودان. واشترط 


السودانيون والأثيوبيون السرية المطلقة في تنفيذ هذه العملية. 


231 


وفي ذروة عملية الفلاشا كان هناك عشرون عميلا للموساد يعملون داخل السودان (بلاك 
وموريسء 1992). وكانت هناك شائعات قوية في بداية الثمانينات بأن الرجل الثاني في الموساد قد زار 
السودان وذلك لتأسيس علاقة مع عناصر بجهاز الأمن القومي السوداني. وفي الفترة نفسها ادعى أحد 
عملاء الموساد بأنه يعمل في منظمات الإغاثة جاء لمكتب معتمدية اللاجئين في الخرطوم حيث ذكر 
بأن لديه مجموعة من العمال في معسكرات اللاجئين حول القضارف. وذكر بأن ذلك يشكل عبئا على 
الحكومة السودانية وفي إمكانه أن يخفف ذلك العبء. وأوضح للمسؤولين السودانيين في ا معتمدية 
بآن لديه 400 عقد عمل بالنسبة لهم في مدينة نيروبي بكينيا. وبعد مغادرته مكتب اللاجئين تم 
التأكد بأنه لم يكن عضوا في أي منظمة إغائية. 

وقام عميل الموساد بالاتصال بالمندوب السامي لشئون اللاجئين وأشارت بعض المصادر بأن 
بعض ال مسئولين في مكتب المندوب السامي خاصة أولئك الموجودين في القضارف ليس لديهم مانع في 
التعاون. وقام النميري بتغيير بعض المسؤولين في المعسكرات التي بها مجموعات الفلاشا واستبدالهم 
بممجموعة أخرى يعتمد عليهم. وجرت كل هذه العمليات بإقناع المخابرات السودانية (جهاز الأمن 
السوداني). و ساعد المكتب في تهجير مجموعات صغيرة من الفلاشا منذ عدة سنوات. وكان رئيس 
المكتب أثناء تلك الفترة هو إبراهيم سعيدي من مصر والذي كان متحمسا لاتفاقية كامب ديفيد. 
وكانت هناك إشاعة قوية بارتباطه بتسهيل عملية تهجير الفلاشا (أنظرء برافت, 1985). 

رأينا في الجزء الأول من هذا الفصل من الدراسة كيف يتدرب المرشحون الجدد في الموساد 
على كيفية تجنيد العملاء في المخابرات الإسرائيلية. ويراعي هؤلاء الناحية السيكولوجية المتعلقة 
بنقاط الضعف في الشخص الذي يراد تجنيده أو ابتزازه أو تحييده أو معاونته. وهناك صنانير رئيسة 
للتجنيد من بينها المال. لذلك هناك حاجة للمال في السودان لشراء جوازات السفر للفلاشاء ولرشوة 
المسؤولين لمنح تأشيرات الخروجء ولابتعاد الوحدات العسكرية من المناطق الحساسة. ولكن أهم من 


ذلك هناك حاجة 


232 


للمال لاقناع ضباط ومسؤولي الأمن لغض الطرف عما يجري. ولا تشكل عملية سيولة ال مال 
للسودان أي مشكلة بالنسبة لترحيل الفلاشا. هناك عدد من رجال الأعمال اليهود الأوربيين 
والأمريكان من لهم مصالح في السودان ولهم تعاطف مع عملية تهجير الفلاشا. ولقد جاء ال مال 
مباشرة من ميزانية الموساد. وبين عام 1981 وصيف 1984 لقد تم صرف ملايين الدولارات في 
السودان لتسهيل عملية مرور الفلاشا من معسكرات اللاجثئين بالقرب من القضارف إلى الخرطوم 
ومن هناك الطيران للمناطق مختلفة ومنها إلى إسرائيل (أنظر استروفسكي وهويء 1990). 

وعموما كانت تكاليف عملية تهجير اليهود الفلاشا كبيرة. إذ تم جمع 300 مليون دولار 
أمريي لترحيل 8000 فرد ويشكل ذلك ال مبلغ عشرة مرات المبلغ المحدد من قبل الأمم المتحدة 
بالنسبة لإعاشة 600000 من اللاجئين الأثيوبيين في شرق السودان في عام 1985. وكان المبلغ المحدد 
لتهريب اليهودي الواحد من الفلاشا يساوي 10 ألف دولار ومبلغ إعادة التوطين في إسرائيل يساوي 
5 ألف دولار. وكان جملة ال مبلغ المدفوع للحكومة السودانية حوالي 56 مليون دولار وم يتضمن 
ذلك مبلغ 15 مليون بالنسبة ل "عملية سبأً". وبالإضافة لتكاليف الترحيلء استخدم جزء كبير من 
المبلغ كرشاوى (كرداوي. 1991). 

بالإضافة ل "عملية موسى" التي نظمتها الموساد لتهجير الفلاشا كانت هناك "عملية سبأ" 
التي نظمتها السي آي أى و القوات الجوية الأمريكية لنقل الفلاشا من معسكر تواوا بالقرب من 
القضارف (أنظر برافيت, 1985). ويتمثل دور عملاء الموساد بشرق السودان من التأكد بأن الفلاشا في 
حالة من الانتظار في معسكر تواوا وتهيئهم للمغادرة والتأكد كذلك من أنهم فلاشا. وتم أخذ 481 
من الفلاشا في ليلة 28 مارس 1985 من معسكر تواوا إلى 8 أميال شمال القضارف . وكانت هناك 6 
من طائرات القوات الجوية الأمريكية التي طارت من قاعدة أمريكية بالقرب من فرانكفورت. وتم 
طلاء هذه الطائرات بلون الصحراء وذلك بغرض التمويه وعدم رؤيتها. ويذكر ذلك بما ذكرناه عن 


233 


والهامة من خلال عملية تمويه المباني. ولقد أخرت الرياح الشديدة العملية حتى الساعة 
التاسعة مساء. وطارت الطائرات مباشرة من القضارف إلى قاعدة جوية إسرائيلية في ريمون في صحراء 
النجف. مع العلم بأن الاتفاق مع الرئيس نميري كان ممنع القيام بسفريات مباشرة بين السودان 
وإسرائيل. عموما لقد كانت"عملية سبأ" محكمة في تخطيطها وتنفيذها والتي تمت في سرية تامة. 
واندهش رجال الإغاثة في الخرطوم بعدم استمرارية عملية تهجير الفلاشا من مطار الخرطوم. وذكر 
أحد الدبلوماسيين في صحيفة "التاهز" بأنه لم يسمع أي همس لهذه العملية. 

وخلال الأسبوع الأول من يناير 1985 أمر جورج بوشء الذي كان نائبا للرئيس الأمريكي, 
طائرات هيركوليز بالطيران إلى الخرطوم, بعد الحصول على موافقة النميري. حيث التقطت 500 من 
الفلاشا وطارت بهم مباشرة إلى إسرائيل. وقد ورد هذا الجزء من العملية في العديد من الكتب 
وروايات الصحف. وقد بقى الأمر سرا إلى أن أخبر يهودا دومينتر. وهو مسؤول كبير في الوكالة 
اليهودية المتحدة, محررا في صحيفة "ناكودا" وهي صحيفة صغيرة خاصة با مستوطنين اليهود في 
الضفة الغربية بأن عملية الإنقاذ مستمرة. وم ينه تلك العملية التي كان يتحدث عنها فحسبء بل 
والعملية السرية التي نظمتها الموساد على شواطئ البحر الأحمر. وبعدها تم التفكير والتخطيط في 
القسم المتخصص في العمليات السررية لإنقاذ اليهود من خلف خطوط الأعداء بتنفيذ العملية 
المشهورة والتي سميت "عملية سبأ". وتم جمع معلومات مفصلة عن السودان وتطورت فكرة 
مضللة للمسؤولين في السودان وهي إقامة نادي للغطس في البحر الأحمر. 

تابعنا في الجزء الخاص بتطبيقات علم النفس في اختيار وتدريب الجواسيس ضرورة تعلم 
أساليب الستر والتغطية بالنسبة للعمليات الميدانية التي تقوم بها الاستخبارات. لقد أرسل يهودا 
جيل الذي يتكلم العربية» وهو أحد أكثر كاتسات الموساد خبرة إلى الخرطوم وانتحل صفة ممثل 
شركة سياحية بلجيكية ترغب في تنظيم رحلات سياحية يتمتع الرواد فيها بالغطس في البحر الأحمر. 


ومشاهدة الصحراء السودانية» وفي العادة, 


2234 


لا يرسل كاتسات الموساد إلى بلدان عربية بسبب حجم ال معلومات التي يطلعون عليهاء. 
وخوف من أن يؤدي القبض عليهم إلى إجبارهم على البوح بها للأعداء. لكن خطورة الوضع أجبرت 
الموساد على ركوب هذه المخاطرة. واقتصر عمل يهودا على الحصول على الأذونات اللازمة, والتي قد 
تتطلب تقديم رشاوى لعدد من المسؤولين للتعجيل بإجراءات ترخيص شركته السياحية. ثم استأجر 
منزلا في الخرطوم بحري وباشر عمله. وفي نفس الوقت طار أحد رجالات الموساد إلى الخرطوم ومن 
هناك إلى بورتسودان» ومن ثم قاد السيارة على طول الشاطئ إلى الرجل الذي يدير نادي الغطس 
الصغير. وشاء الحظ أن يكون الرجل قد مل المكانء وبعد مساومة مطولة وافق الرجل على الذهاب 
إلى بنماء وأصبح لناديه مالك جيد. 

بدأ الموساد يرى في عملية سبأ "بساطا سحريا" آخر (وهي عملية إنفاذ شهيرة لليهود من 
اليمن في أوائل الخمسينات. حملتهم طائرات هيركوليز إلى إسرائيل). وقررت الموساد استخدام 
طائرات هيركوليز نفسها لإخراج الفلاشا جوا من السودان» لكن ذلك يتطلب توسع ال مخيم السياحي 
بشكل كبير للتغطية على العملية. وفي الوقت ذاته. رتب يهودا المسائل المتعلقة بتسجيل شركته 
الجديدة, وبدأ يعد لاستقدام أفواج سياحية لزيارة الموقع. كما قام بطباعة بعض النشرات الإعلامية 
عن المنتجع وتوزيعها على وكالات السفر والسياحة في أوربا. وقامت الموساد بتجنيد الطباخين 
ومدربي الغطس وباقي الطاقم اللازم لإدارة المنتجع: أرادوا أناسا يتحدثون الفرنسة أو الإنجليزية, 
ويفضل إن كان لهم إِمام بالعربية التي قد تمكنهم فهم ال محادثات بين الدبلوماسيين والرسميين 
العرب الذين قد يحلون ضيوفا على المنتجع. كما تم جمع فريق من 35 إسرائيليا للإسراع بضبط 
أوضاع المنتجع. 

ويذكر استروفسكي وهوي (1990) في كتابهما "عن طريق الخداع" بأن الموساد كانت تدفع 
مبالغ طائلة لرشوة ا مسؤولين السودانيين. وأحد هؤلاء الفريق عمر محمد الطيبء والذي كان 
مسؤولا عن الأمن في عهد الرئيس النميري. ويذكر أنه خلال هذه الفترة تم إرسال برقية لقيادة 


الموساد تفيد أن أحد ال مسؤولين السودانيين يريد دراجة 


2235 


سباق مقابل المساعدة في نقل الوثائق للفلاشا. ولأن الأمر يبدو وكأن لا علاقة له بهذا 
الموضوع؛ فقد أربك هذا الطلب مسؤولي الموساد فردوا برسالة إلى حلقة الاتصال يطلبون توضيحا. 
وعادت الرسالة تؤكد أن المسئول يريد دراجة سباق. وقد حاول مسؤولوا الموساد تفسير ما يعنيه 
هذاء هل يريد وزن الدراجة ذهبا؟ هل هذه شفرة لا يعرفونها؟ فعادوا مرة أخرى يطلبون توضيحاء 
فجاءهم الجواب مرة أخرى دراجة سباقء ولا شيء سوى ذلك. عندما تأكدوا أنه يريد دراجة فقطء 
أرسلوا له واحدة من طراز "رالي" وكان ذلك أقل ما يستطيعون عمله. 

وصلت في مارس 1984 الدفعة الأولى من السياح الأوربيين. وبدأ الحديث يدور بين 
الدبلوماسيين والمسؤولين السودانيين في الخرطوم عن هذا المنتجع الرائع على شواطئ البحر الأحمر. 
ومنذ افتتاحه حتى تاريخ مغادرة عناصر الموساد له. كانت جميع الغرف محجوزة بكاملهاء وكان 
نجاحا تجاريا باهرا. المهم في الأمر لقد تم توظيف المنتجع كتغطية ممتازة لنقل الفلاشا عبر عملية 
النقل الجوي الصحراوية هذه دون صعوبات تذكر. وكانت تتم عملية النقل كل ليلة تقريبا وفي 
بعض الليالي كانت تقلع طائرتان أو ثلاث طائرات دفعة واحدة. بهدف إخراج أكبر عدد من الفلاشا 
في أقصر وقت ممكن. وفي فترة لاحقة وصلت رسالة من إسرائيل تحمل أوامر "بطي" الموضوع فورا. 
ولقد غادر بعدها يهوداء أحد كاتسات الموساد. الخرطوم إلى أوربا في أول طائرة ومن هناك عاد إلى 
إسرائيل. وبينما كان السياح نائمين في منتجع البحر الأحمرء حمل الإسرائيليون جميع معداتهم على 
ظهر إحدى السفن. ووضعوا سيارة لاندروفر وشاحنتين على متن طائرة الهيركوليز. وانسلوا بهدوء 
خارج البلد وذهبوا مع أدراج الريح (أنظر استروفسكي وهويء 1990). 

م يلحظ أحد من أفراد جهاز الأمن السوداني القوي في عهد الرئيس نميري عملية هروب 
أعضاء الموساد من سواحل البحر الأحمر. فهل يا تري نتيجة لالتقاء آريل شارونء وزير الدفاع 
الإسرائيلي الأسبق بالرئيس نميري في كينيا بوساطة من تاجر السلاح عدنان خاشوقي في 13 مايو 1982 


كان سببا في غض الطرف من جانب الأمن 


236 


السوداني؟ أم إن إقناع مناحيم بيجن للسادات بضرورة التحدث مع نميري واقناعه بمموضوع 
ترحيل الفلاشا كان السبب في غض الطرف؟ أم أن الرشاوى الكبيرة التي تسلمها بعض أفراد الأمن 
كانت السبب في غض الطرف؟ أم أن العملية فعلا كانت سرية ومخططة وفق استراتيجية الموساد 
الدائمة "عن طريق الخداع" لا يمكن كشفها بسهولة؟ وعموما تبقى هذه الأسئلة مطروحة مع أسئلة 
أخرى هامة. هل كان النميري يعي النتائج الوخيمة لتهجير الفلاشا من السودان على مستقبل 
العلاقات السودانية العربية؟ وإلى أي مدى كان خوفه الأساسي من اكتشاف عملية تهجير الفلاشا من 
قبل خصومه السياسيين بالداخل من الأخوان المسلمين؟ بعد اغتيال السادات في نوفمير اصبح الرئيس 
نميري من ناحية سيكولوجية. أقل نزوعا أو ميلا عن غض الطرف لعملية تهجير الفلاشاء وأصبح أكثر 
صعوبة في الإقناع» على حسب تعبير برافت (1985).: بل قام النميري بإيقاف عملية تهريب الفلاشا 
(كرداويء 1991). 

تساءلنا سابقا بأن أحد المسئولين السودانيين كان يريد فقط دراجة سباق من الموساد 
للمساعدة في نقل الوثائق للفلاشا. هل يعبر هذا الطلب البسيط فعلا كما ذكر موريس من القسم 
الأفريقي بالخارجية البريطانية بأن للسودانيين عقلية محدودة أو ضيقة! أم لا يعكس ذلك الطلب 
المحدود نوع العقلية الضيقة؟ ولكن قد نتساءل هل فعلا وقع هذا الحدث المتعلق بالدراجة؟ وما 
هي درجة هذا المسؤول السوداني الذي طلب دراجة السباق؟ وإذا حدث ذلك هل يريد هذا 
المسئول دراجة أم هي مجرد طعم (بضم الباء)؟ وإذا كانت حلقة الاتصال تعرف أن غاية المطلوب 
هو ببساطة دراجة سباق فهل يحتاج هذا الطلب إلى الرجوع إلى مسئول الموساد؟ ألم يكن توفير هذا 
الطلب في السودان دون الرجوع للموساد وتعريض العملية للمخاطر؟ ربما تبقى هذه الأسئلة 
وغيرها كذلك بلا جواب. 

نال السودانيون حسب دراسة كرداوي حوالي سدس المبلغ المجموع لترحيل الفلاشا. ولعلنا 
نتساءل هل يبدو أن المستفيد الأول من عملية تهجير أو تهريب الفلاشا ليس السودان وإنما مصر 


وذلك من خلال إقناع السادات للنميري ومن خلال الإشاعة 


237 


القوية بارتباط إبراهيم سعيدي من مكتب المندوب السامي لشئون اللاجئين بتسهيل عملية 
التهريب الجماعي لليهود الفلاشا لإسرائيل. يؤكد صلاح الدين كرار (2000) سفير السودان بالبحرين 
بأنه لم تثبت أن عملية ترحيل الفلاشا تمثل أي نوع من التفكير البراقماتي المصلحي في العلاقات 
السودانية الإسرائيلية. وتم يكن هناك اتصال مباشر وإنما تم الاتصال عن طريق وسيط وهو المستفيد 
الأول. وعموما كانت عملية ترحيل الفلاشا إرضاء لطلب مصر أكثر منها مراعاه لمصلحة السودان كما 
جرت العادة في ظل العلاقات المصرية السودانية. ولكن قد تكون هناك مصلحة شخصية استفاد منها 


البعض في أجهزة الأمن أو في الأجهزة السياسية في السودان. 


الرئيس النميري وجرعة الدواء 
هناك عدة تفسيرات محتملة لسقوط نظام مايو بالسودانء وبلغة أدق. سقوط الرئيس نميري. قد 
يكون تدهور الأحوال الاقتصادية والتي تتمثل في الضائقة المعيشية وانخفاض قيمة العملة السودانية 
والفشل السياسي الذي يتمثل في عدم تمكين نظام الاتحاد الاشتراي أو تحالف القوى العاملة أحد 
الأسباب الرئيسية. وقد تكون هناك أعراض لسقوط النظام في بعض التحليلات السياسية تتمثل في 
التمرد في جنوب السودان عند البعضء وتدهور نظام الأمنء خاصة جهاز أمن الدولة عند البعض 
الآخر. ويرى البعض إن إعلان قوانين الشر_يعة الإسلامية كان أحد الأسباب. رغم أن النميري كان 
يعتقد بأن إعلان الشريعة سيكون سندا بالنسبة للنظام ويتوقع لهذا الإعلان أن يجمع مجموعة من 
الجماعات الإسلامية حوله. وربما تكون عملية إعلان الشريعة اثر مباشر لنشاط الجماعات الإسلامية, 
خاصة الأخوان المسلمين. وربما بعد تقلص دائرة نفوذ النميري وابتداء عزلة النظام تم الإيحاء 
بالنسبة للنميري بأن الشريعة هي الحل والمخرج. ولكن يبدو أن ذلك قد خلق إشكلات لاحقة 
لنظام مايو وربما يفسر ذلك بعملية التهرب الجزثئي منها. ولعبت زيارة جورج بوش للسودان دورا 
كبيرا في إعطاء ثقة للفيف من الأكاديميين والمهنيين السودانيين برفع مذكرة للنميري تعبر عن تدهور 


الأوضاع 


238 


الاقتصادية والسياسية في السودان. وكتبت الصحف الأمريكية عن زيادة اشتعال الحرب في جنوب 
السودان وعن الفشل الاقتصادي وتكهنت بأن النظام أصبح في العد النهاي. 

وربما ترتبط "عملية موسى" و"عملية سب" كذلك ببعد سيكولوجي في نهاية النظام المايوي. 
لقد انتهي مصير أنور السادات الذي وقع اتفاقية كامب ديفيد مع الدولة العبرية وطار ليخاطب 
الكينيسيت في إسرائيل ومن ثم لقي حتفه نتيجة لتعاونه مع العدو الصهيوني. ولعلنا نتساءل هل 
استثارت عملية اغتيال السادات دافع أو انفعال الخوف الحقيقي بالنسبة للنميري؟ وهل بدأ نميري 
يتساءل بان مصيره ربما يكون مصير السادات بعد اكتشاف "عملية موسى" في ترحيل الفلاشا إلى 
إسرائيل؟ وهل من ناحية سيكولوجية أصبح النميري فعلا شخصية مختلفة بعد عملية اغتيال 
السادات على أيدي الجماعات الإسلامية؟ وما هي سمات عدم الاتزان الجديدة في شخصية نميري؟ 
وماذا بعد سنتين فقط من اغتيال السادات تم إعلان عملية تطبيق القوانين الإسلامية؟ وكيف تم 
ذلك التحول؟ ومن ناحية سيكولوجيةء كيف تمت عملية الإيحاء بالنسبة للنميري بأن الشر_يعة هي 
الحل للأزق النظام المايوي؟ ومن قام بعملية الإيحاء؟ وتحت أي الظروف الصحية بالنسبة للرئيس 
نميري؟ وهل كانت نوبة الضغط العالية التي اصابت النميري هي الظرف المناسب؟ هل هناك عوامل 
مساعدة لإتمام عملية الإيحاء؟ وهل كان النميري في حالة قوة أم ضعف أثناء عملية الإيحاء؟ وهل 
يقع ذلك. حسب لغة علم النفسء في دائرة التأثير على العقولء وبلغة أكثر وضوحا "غسيل الدماغ"؟ 

قام روسينثال (أنظر وينء 1983) بدراسة عن تغيير القيم الأخلاقية ولقد أظهر بأن المرضى 
الذين تحسنت حالتهم بواسطة المعالجين تم تغيير قيمهم في بعض الموضوعات مثل الجنس 
والعدوان والسلطة في اتجاه قيم المعالجين. ولقد عبر بيري لندن عن وجود التحكم العقلي قائلا بأن 
هناك أدلة في تقارير الأبحاث بأن المرضي يميلون لتقمص شخصية معالجيهم وتدريجيا يطورون قيما 


ذاتية شبيهة. ففي العلاج هناك شخص يقدم 


239 


ا لمساعدة باستمرار وهناك شخص يتلقاها باستمرا. مما يجعل ال مريض ينظر للمعالج 
كسلطة أو نموذج أو مصدر إلهام. إن المعالج بصورة غير واعية يقوم بتشر_يط استجابات اللمريض 
بواسطة قبول أشياء محددة يقولها ولا يوافق على أشياء أخرى. وبهذه الطريقة يقود المعالج المريض 
للموضوعات التي يعتقد أنها مهمة يتحدث عنها ويركز على كلمات أو أفكار لها أهمية بالنسبة له. 
وإنها لنكتة قديمة (وهي صحيحة) بأن مرضى يونج يحلمون بأحلامه بينما مرضى فرويد يحلمون 
بأحلام فرويد بصدق. ولقد عبر سارجنت بأن القلق الذي يأتي مع المريض للعلاج يتفاقم أثناء العلاج 
كجزء من عملية اكتشاف الذات» وكعنصر هام عندما يتطور إلى ضغط لا يطاق يخلق حالة من 
الإيحاء بالنسبة للمريض (وينء 1983). وعادة ما يطلب المعالجين من هؤلاء المرضى أن يكونوا في 
حالة من الراحة وعدم إصدار قرارات رئيسية أثناء فترة العلاج هذه لأنها فترة استرخاء حقيقية. 

يقول عبد العزيز وأبو رنات (1993) في كتابهما الموسوم "أسرار جهاز الأسرار”" عن جهاز 
الأمن السوداني في الفترة من 1985-1969 أنه عندما أعلن الرئيس نميري تطبيق الشريعة الإسلامية م 
يكن أحد من العاملين معه من وزراء وآخرين يظنون أن اللعبة قد بدأت تتغير. فقد تمكنوا أخيرا من 
معرفة كل أساليب الرئيس وطرقه. ولم يكن صعبا عليهم العمل معه أو الطبخ لما يودونه. ويريد 
الرئيس عمل هزة في الشعب الذي خملت حركته ويريد أن تكون هناك صحوة. مما لا شك فيه أن 
الرئيس نميري عندما أعلن القيادة الرشيدة والتي طلب فيها من المسئولين الإقلاع عن تعاطي الخمور 
والتمسك بالأخلاق» وكان نميري قد بدأ فعلا في تطبيق الأمر على نفسه. ويتمثل ذلك في مقولة عمر 
الحاج موسى الشهيرة نهاكم عن لعب الورق وشرب العرق واستباحة الجمال. وكان واضحا منذ بداية 
حركة هاشم العطا أن نميري قد أخذ خطا مغايرا للخط اليساري الذي كانت تتجهه ثورة مايو هذا 
الخط فيه الوجهة الدينية وملامح التصوف. إن الفترة بين قوانين سبتمبر 1983 وسقوط نميري في 
أبريل 1985 كانت فترة أقل من العامين. وكانت فترة ساخنة بحق. ليست ساخنة بسبب القوانين 


الجديدة فقط 


240 


إنما بسبب سخونة رأس الدولة وتناقض قراراته. عند سفر الرئيس نميري لأمريكا أصيب 
بنوبة ضغط عال عاد منها بعد إجراء جراحة في شرايين متصلة بالرأس وكانت الجراحة لنوع من 
الضغط العالي اشتهر به الحكام ورجال الأعمال وأصحاب المسئوليات الجسام. 

يعود نميري إلى كرسي الحكم مرة أخرى وكان عليه أن يتعاطى عقارا معينا لهذا المرض. وكان 
هذا العقار قوي ويتم تناوله في أيام محددة من الأسبوع مرتين فقط. نصحه الأطباء عند تعاطي هذا 
العقار أن يخلد للراحة التامة. وألا يقوم بإصدار أي قرارات متعلقة بالعمل. ولقد أبدى أحد 
دبلوماسي السفارة الأمريكية انزعاجه الحقيقي من تحرك الرئيس نميري أثناء فترة العلاج وقال إن 
الرسالة التي حملها له الأطباء بأن يخطروه بأن هذا الدواء خطر وخطر جدا عليه وعلى الدولة. إذ 
عليه أن يخلد للراحة لأن هذا الدواء يجعل الجسم والعقل مسترخيا. عندما يحدث هذا الاسترخاء 
فإنه قطعا يكون في حالة أخرى. ويكون كمن يتخذ قرارا وهو نائم. وتوالت القرارات التي تتخذ في 
المساء وتلغى في الصباح. وكان معروفا على نميري في السابق أنه إذا اتخذ قرارا فإنه لا يتراجع عنه 
وكما كان يقول "إن الثورة تراجع و لا تتراجع". ولقد عرف من حول نميري بأنه يتعاطى علاجا معينا 
يجعله غير متزن في اتخاذ قراراته وبذلك عرفوا نقاط ضعفه. وقد كان هناك اتهام قوي للبعض بأنهم 
قد استغلوا لحظات ضعف الرئيس نميري لتنفيذ كثيرا من القرارات التي لم يبد في الأمر لهم يد فيها. 
وكان هناك استغلالا كاملا ومنظما لحالة الرئيس تلك من أطراف كثيرة ومتناقضة. وكانوا يممدونه 
بمعلومات يعلمون أنه لا يتخذ منها قرارا ويؤثرون عليه لاتخاذ القرار في أوقات الضعف وعند 
الساعات التي يكون فيها متأثرا بتعاطي الدواء (أنظر عبد العزيز وأبورنات. 1993). 

لعلنا نتساءل من الدبلوماسي الأمريكي الذي أبدى انزعاجا من تحرك الرئيس نميري أثناء فترة 
العلاج؟ هل هو خبير في وكالة المخابرات الأمريكية؟ ومن الأطباء الذين أخطروا نميري بأن هذا الدواء 
خطر عليه؟ هل أطباء نفس بالمخابرات الأمريكية؟ وما هي عينة الدواء الذي يجعل الجسم والعقل 


مسترخيا؟ هل مثل أحد الأدوية ال مستخدمة 


241 


في "غرفة النوم" الشهيرة التي تحدثنا عنها في الفصل الثاني؟ وما هي علاقة الاسترخاء 
بموضوع النوم؟ هل نوما عاديا بتأثر كيميائي للدواء؟ أو نوما من نوع آخر؟ وكيف يكون الدواء خطر 
على الدولة؟ هل كانت النتيجة هي التغير في شخصية نميري من خلال القرارات الصادرة والمنفية في 
ذات اليوم؟ وذلك خلافا لمقولة نميري الشهيرة "الثورة تراجع ولا تتراجع"؟ وما لذي أحدث هذا 
التراجع؟ ما هي علاقة ضعف ميري بعد تناول الدواء وبين عملية تغيير التفكير الحادثة؟ هل لذلك 
علاقة بغسيل الدماغ؟ هل تمت وفق تقنيات علم النفس أو وفق عمليات التغيير الايديولوجي؟ 
عموما تحتاج هذه العينة من الأسئلة وغيرها لأجوبة. 

رأينا كيف قام علماء النفس بوكالة المخابرات الأمريكية بعدة أبحاث لصالح المخابرات 
لتطوير بعض الاختبارات النفسية التي تم تطبيقها على بعض الأجانب من غير علمهم بأن اختبارهم 
كان لصالح المخابرات. ولاحظنا كذلك كيف تطورت أنظمة لتدريب رجال المخابرات في كيفية إجراء 
ملاحظات سيكولوجية مفيدة بالنسبة للأجانب. كما تابعنا كيفية توجيه دعم المخابرات ال مادي إلي 
بعض علماء النفس وبرفقة بعض ضباط المخابرات للقيام بعملية تقييم سيكولوجي سري لبعض 
القادة الأجانب خارج أمريكا وعادة ما يرسل عملاء الوكالة في المحطات الخارجية نتائج الباص مع 
نتائج التقييم غير المباشر إلى واشنطون. ويقال بأن زيارة جورج بوش للسودان في الأيام الأخيرة لفترة 
الرئيس نميري كانت مصحوبة بعامم نفس متخصص في سيكولوجية الشخصية لكي يقوم بعملية تحليل 
شامل لشخصية نميري ما إن كان يصلح في الاستمرار في الحكم أو لا يصلح. ويقال بأن التقرير 
السيكولوجي تضمن بعض سمات عدم الاتزان في البناء النفسي لشخصية نميري مما يعوق استمراره 
في الحكم و حينها ذهب جعفر نميري مع أدراج الريح. طبقا لممارسات الموساد قد يذهب البعض 
بعملية ابتزاز وربما يذهب آخرون للمعاش وينتقل آخرون من مناصبهم ولكن البعض الآخر يذهب 
بموت بطيء كما أبطأ نميري عملية ترحيل الفلاشاء وأصبح أكثر صعوبة في الإقناع» وربما يذهب 


آخرون باغتيال مروع وبمخالب حادة أو أكثر حدة. 


212 


الاغتيالات المروعة بواسطة كيدون الموساد 

تابعنا في الجزء الخاص باختيار وتدريب العملاء في مدرسة التدريب التابعة للموساد كيفية الاهتمام 
بعملية القتل. ويتدرب ال مرشحون على استخدام السلاح كما تعرض لهم نماذج حية لعمليات الاغتيال. 
وكان شعار الاستخبارات الإسرائيلية "لابد من قطع الرأس لإسكات الذيل عن الحركة". وعلى حسب 
قول ماركس (1979) استخدم علماء النفس في المخابرات عملية ترويد المجندين وكسرهم . ولقد ذكر 
كيهنر بأنه مهمته ترتبط بأكثر جانب سلبي في الحالة الإنسانية وهو عملية التدمير المخطط للأفراد. 
أولا عليك أن تري إمكانية تدمير الحياة الزوجية لأحد. وإذا كان ذلك ممكنا عليك أن تضع ضغوط 
عالية بالنسبة للفرد وذلك لكسره. وكذلك ممكنك بداية حملة إشاعات صغيرة حوله. ضايقه باستمران 
اصدم سيارته في حادث حركة. وكثيرا من هذه المسائل مدعاه للسخرية ولكن في مجموعها لها 
تأثيرات نفسية على كسره وترويده. 

ويؤرخ بلاك وموريس (1992) أنه ما تزال التقارير السرية حول عمليات الخطف والاغتيال 
المصادق عليها بصورة رسمية في الفترة التي سبقت حرب 1948 موجودة, ويكشف ملف برقيات 
الموساد بين تل أبيب وبغداد لمحات مثيرة عن المشاكل والجهود الشاقة للعمليات السررية. وعن 
الرعب الذي يدب حين يعذب العميل ويتكلم تحت تأثير التعذيبء وهناك كمية من الوثائق المثيرة 
تعبر عن كمية ونوعية العمليات الاستخبارية. وتكشف سجلات استجواب المتسللين الفلسطينيين 
كيف كونت إسرائيل الصورة الواضحة عن أعدائهاء وتكشف وثائق وزارة الخارجية كيفية تنكر 
الدبلوماسية لحقائق الاستخبارات عندما تتعارض مع الصورة الإعلامية للبلد. 

وتعمل الكوميمميوت. و التي ترجمتها "الاستقلال برأس مرفوع" : إنها موساد داخل جهاز 
الموساد. وهي دائرة شديدة السرية تعني بالمقاتلين من الموساد و"الجواسيس" الحقيقيين الذين هم 
إسرائيليين يرسلون إلى البلاد العربية بتغطية كاملة. وضمن هذه الدوائر توجد وحدة داخلية صغيرة 
تسمى "كيدون" ومعناها "الحربة". مقسمة إلى ثلاثة أقسام, في كل واحد منها حوالي 12 رجلا هم 


القتلة, أو "يد العدالة الإسرائيلية 


213 


الطويلة" كما يطلق عليها لتحسين صورة عملهم البغيض. وفي العادة يوجد فريقين من 
هذه الوحدة يتدربان في إسرائيل ويكون الثالث في مهمة خارجها. وهم لا يعرفون شيئا عن باقي 
أقسام الموساد. و لا يعرفون أسماء بعضهم البعض الحقيقية. ومن جهة أخرىء يعمل المقاتلون 
بشكل زوجي. الأول هو مقاتل البلد الهدف وشريكه مقاتل البلد القاعدة. وهم لا يقوموا بأية أعمال 
تجسس داخل البلدان الصديقة مثل إنجلترا. لكنهم قد يديرون أعمالا تجارية مشتركة هناك. وعند 
الحاجة يذهب مقاتل البلد الهدف إلى البلد المستهدف مستغلا الشركة كغطاء له. في حين يقوم 
مقاتل البلد القاعدة بدور حبل السلامة ويوفر له مختلف أعمال الدعم. 

وبعد الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 أيقظ الموساد العملاء السريين المعروفين باسم 
"العملاء النائمون" في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويطلق عليهم هذا الاسم لأنهم يكمنون فترات 
طويلة بدون أي نشاط حتى اللحظة المناسبة لاستخدامهم. وقد تلقي العديد منهم تدريبات خاصة 
من وحدات "الكيدون" وهي فريق الاغتيالات التابع للموساد. وفي الغالب هم من أصل عربي جرى 
تجنيدهم إما بالرشوة أو الإكراه. ويقع معسكر فرقة الكيدون في صحراء النقب. وكل أفراد هذه 
الفرقة في العقد الثاني من العمر وبينهم العديد من النساء. ويتم تدريب المجموعة على كيفية 
الطعن بحقنة قاتلة وسط الازدحام وكيفية جعل عملية الاغتيال كما لو أنها عرضية (توماسء 2000). 

وفي عام 1975 قامت السن دي تاهز (وين: 1983) بنشر قصة عن تأسيس شعبة خاصة 
للتدريب لعملية الاغتيالات. وحضر امراسل بيتر واطسون مؤلف كتاب "الحرب على العقل" مؤتمرا 
ممولا من قبل حلف الناتو عن "الضغوط والقلق". وخاطب ثوماس ناروت من مستشفي البحرية 
الأمريكية في رئاسة الناتو في نابلس عن التكيف مع الضغوط ولقد استخدمت التقنية لتدريب الأفراد 
على التكيف مع ضغوط الاغتيال. و ذكر واطسون في كتابه بأنه تم اختيار بعض الرجال من السجن 
العسكري للقيام بعملية اغتيالات في السفارات الأمريكية في الخارج. وكانت رسالة الدكتوراة بالنسبة 


لناروت عن اكتشاف ما إذا كانت هناك أفلام خاصة تؤدي لإثارة القلق وما إذا كان 


244 


ذلك القتل يمكن التكيف معه بسهولة إذا طلب من الفرد القيام بأعمال عادية أثناء 
مشاهدة. وكان العمل الذي قام به ناورت للبحرية عن البحث عن وسيلة لإغراء الأفراد الذين لا 
يميلون للاغتيال يمكنهم القدرة على القيام بذلك تحت ظروف معينة. وكان ال منهج الذي تم بحثه هو 
اختيار للأفلام التي تصور الأفراد الذين يتم تشويهم أو قتلهم بقساوة بهدف سلب الحساسية أو 
تحصين الفرد من هذه العملية. 

وبالفعل تم اختيار مجموعة من عتاه القتلة في مستشفيات البحرية بواسطة علماء النفس 
في البحرية للتدريب على عمليات القتل. وشاهد هؤلاء القتلة سلسة من الأفلام الشنيعة والرهيبة 
والتي تستمر بصورة أكثر ترويعا وزعرا. ويجبر المدربون على مشاهدة هذه الأفلام وذلك بوضع 
الرأس لأعلى حتى لا يتحرك بعيدا وهناك جهاز خاص يجعل العين تظل مفتوحة. ويصور واحدا من 
الأفلام المشاهدة شاب أفريقي تم ختانه بصورة فظيعة بواسطة أفراد من قبيلته. ولم يستخدم أي 
تخدير في عملية الختان وحتى أن السكين المستخدمة كانت غير حادة. وعادة بعد انتهاء الفيلم 
يسأل المدرب القتلة أسئلة ليست ذات صلة. مثل كم شخصا كان ممسكا بالشاب الأفريقي؟ وشاهد 
هؤلاء الأفراد القتلة أفلاما أخرى وأعطوا محاضرات عن السكان والعادات في الدول الأجنبية. وأخذت 
عملية التدريب عدة أسابيع. 

وذكر البعض بأن سرحان قاتل الرئيس الأمريي روبرت كندي من الذين تمت برمجتهم 
للقتل بواسطة التنويم المغناطيسي (وينء 1983). واقتبس باوارت خبيرين منهم د. هيسي رئيس 
الجمعية العالمية لتحليل الضغوط الذي درس المخطط النفسي لسرحان والمقابلات التي أجريت معه 
وأدائه في اختبار الضغط النفسي. وتوصل إلى أن سرحان ظل يردد جملا محددة. ويوضح ذلك بأنه 
قد تكون تمت عملية لبرمجته وذلك بأن يضع نفسه تحت حالة الغيبوبة. وهذه المسألة م يتعلمها 
بنفسه إنما هي مبرمجة. فهناك شخص دربه وعلمه كيفية ذلك. ويعتقد بأن سرحان قد تمت عملية 
غسيل دماغه تحت حالة من التنويم المغناطيسي تحت ظل عملية التكرار المستمر لعبارات مثل 


أنت لا شيء: أنت تافه. ذهب الحلم الأمريي حتى اعتقد في هذه العبارات. وبعد هذه المرحلة 


205 


قام شخص بزرع فكرة "أقتل روبرت كندي" وتحت حالة التنويم المغناطيسي وافق سرحان 
على ذلك. ويعتقد د. سبيجيل الخبير في التنويم المغناطيسي بأنه يمكن إعاقة وتغيير عقل بعض 
الأشخاص بواسطة عددا من جلسات التنويم المغناطيسي. ويمكن وصف ذلك بأنه حالة من التنويم 
المغناطيسي وذلك لأن العقل تتم عملية تنظيفه من الانفعالات والقيم القديمة وتستبدل بزرع قيم 
جديدة. وهذه التقنية ربما تم استخدامها بالنسبة سرحان. وقام ألان رئيس مشروع العصفور الأزرق 
التابع للمخابرات الأمريكية باستخدام وسائل التحكم العقلي لدراسة العملاء والمرتدين. وقام 
بتجارب عن إمكانية التنويم المغناطيسي- للأفراد ضد رغباتهم وبرمجتهم على القتل. وكعادتها 
استفادت الموساد من كل هذه التجارب المتصلة بالقتل الفظيع في عملياتها البشعة ضد العرب. 

ولكن مؤخرا أشار بعض الباحثين والمحاميين ممن يتابعون قضية سرحان أن كثيرا من 
الغموض مازال يلف القضية التي بدأت أحداثها منذ 1968. وأثناء محاكمة يؤكد سرحان بأنه لا 
يتذكر شيئا عن الحادثة ولا يعرف ما جرى وكل ما يعرفه أنه الآن بين يدي الشرطة بسبب تهمة 
يؤكد أنه لم يرتكبهاء إلا أن المحكمة لم تأخذ بكل أقواله وحكم عليه بالإعدام عن طريق الغاز القاتل 
ألا أن هذا الحكم تغير إلى السجن المؤبد بعد أن ألقت ولاية كاليفورنيا الحكم بالإعدام عام 1972. 
ويشير الباحثون ببراءة سرحان من تهمة القتل وأن هناك جهات عديدة كانت لها مصالح في عدم 
وصول كندي إلى سدة الرئاسة. أي أنه كانت هناك مؤامرة داخلية وما سرحان ألا كبش فداء بعد أن 
تم التأكد على وجود مسدس آخر في مكان الجريمة من نفس نوع المسدس الذي كان يحمله سرحان 
وهذا يشير إلى وجود شخص آخر قام بقتل كندي (أبو عجمية, 2000) 

ويلعب الموساد دورا غير أخلاقيا على المستوى الدولي عن طريق تقديم الخدمات لمن 
يدفع, والقيام بالأدوار ا لمشبوهة نيابة عن الآخرين مقابل الثمن المناسب. مستفيدا من ذلك من 
إمداداته وتشعباته غير العادية في مختلف أنحاء العالم من خلال اليهود المنتشرين الذي يجندهم 


بشكل أو بآخرء أو عن طريق استغلال التعاطف الغربي مع 


246 


إسرائيل (الكيالي» 1990). وسوف نحاول في الجزء اللاحق من الدراسة أن نتعرض لدور 
الموساد في اغتيال المعرض ا مغربي بن بركة في باريس, واغتيال أبو جهاد في تونسء وربما اغتيال فيصل 
الحسيني في الكويت بطريقة علمية غير مسبوقة. ومحاولة اغتيال خالد مشعل في الأردن. وفي 
عنوانين آخرين سوف نتطرق لاغتيال الفيزيائيين العرب بواسطة الموساد كما نفصل الحديث عن 
اغتيال الأميرة ديانا ودودي الفائد بباريس. 

وفقا لتوماس 1999 أنه في 1965 اغتالت المخابرات الإسرائيلية بن بركة الذي كان من أقوي 
الأصوات المعارضة للملك الحسن في المغرب. وأفلت بن بركة من براثن رجال الأمن ال مغاربة مدركا أن 
مصيره آجلا أو عاجلا القبض عليه ففر إلى أوربا حيث واصل كفاحه. وشنت جماعة بن بركة داخل 
المغرب حركة تفجير بالقنابل موجهة ضد ال ملك. وحكم عليه غيابيا بالإعدام, فما كان منه إلا أن أمر 
بهجمات مجددة ضد ال ملك. وكانت هناك جالية يهودية كبيرة وعريقة في المغرب وتعيش في ظل 
حماية الدولة لها وتبعا لذلك هناك علاقات قوية بين المغرب وإسرائيل. ونتيجة لخبرة الموساد 
الأسطورية في الاغتيالات طلب منها التخلص من بن بركة. فكلف دافيد كيمحي بتقييم ذلك الطلب 
فسافر بجواز سفره البريطاني إلى لندن بحجة قضاء العطلة. ولكنه في الواقع كان يضع اللمسات 
الأخيرة لخطته. فحصل على جواز سفر بريطاني آخر متقن التزوير من أحد العملاء. وعليه تأشيرة 
دخول للمغرب. واستقبل في مطار الرباط بواسطة الجنرال محمد أوفقير وزير الداخلية امثير للفزع . 
وفي ذلك المساء وحول مائدة عشاء زاد من بهجتها وجود أجمل الراقصات الشرقيات في البلاد. أفصح 
له أوفقير عما يرديه بالضبط: "رأس بن بركة". وأضاف معبرا عن روح دعابة فجة وعن إعجاب 
بتاريخ اليهود "لا تنسى أن أميرتكم سالومي اليهودية طالبت الملك هيرودس برأس شخص مثير 
للمتاعب". 

وفي رواية أخرى للجاسوس الفرنسي انطوان لوبيز في كتابه "اعترافات جاسوس" الصادر في 
باريس عام 2000 بأنه أثناء موعد المهدي بن بركة شاهد آي لوبيز في شارع السان جرمان وليس 


بعيدا عن مقهى "ليب" الذي اقتاده منه ضابط اسمه لويس 


217 


سوشون بسيارة بيجو 403 زرقاء اللون حيث كان لوبيز في المقعد الأمامي متخفيا وراء 
شاربين ونظارة ي لا يتعرف عليه القائد المغربي الذي كان التقاه مرات قبل ذلك وكان بن بركة في 
المقعد الخلفي. ويروي لوبيز كيف أن بن بركه كان هادثا لا يبدو عليه أي اضطراب حيثما كان 
بانتظار موعده (لوبيزء 2000). 

أما في رواية توماس بأن مركز اتصالات الموساد بعث برسالة مشفرة إلى أوفقير في المغرب, 
فتوجه مع طاقم صغير من رجال الأمن المغاربة إلى باريس. وفي الليلة التالية وقفت سيارة مراقبة 
تابعة للمخابرات الفرنسة خارج المطعم الذي حضر إليه بن بركة لتناول العشاء في منطقة سان 
جرمانء معتقدا أنه جاء ليلتقي بواحد من أصحاب الملايين. فانتظر بن بركة ساعة وما لم يصل أحد. 
غادر المطعم. وما إن وطئت قدماه الرصيف حتى سحبه اثنان من العملاء وزجا به في السيارة 
واقتاداه إلى فيللا في منطقة فونتناي -لي فيكونت. تستخدمها المخابرات لاستجواب المشتبه فيهم . 
وأشرف أوفقير شخصيا طيلة الليل عملية استجواب بن بركة وتعذيبه حتى لاح الفجرء فأعدموا 
الرجل المحطم. ثم التقط أوفقير مجموعة من الصور الفوتوغرافية للجثة قبل أن يتم دفنها في 
حديقة المنزلء وطار الوزير عائدا إلي بلاده ومعه الصور. 

وف 16 أبريل 1988 اغتال الكوماندوس الإسرائيلي "أبو جهاد" داخل منزله في تونس في 
عملية قاسية جمعت بين العمل الاستخباراق والتنفيذ الدقيق. وشكل سبعة عملاء من الموساد 
يحملون جوازات سفر لبنانية ويتكلمون اللغة العربية الفريق المتقدم. وكان الاستطلاع المفصل منزل 
القائد الفلسطيني والطرق المؤدية إليه قد أجري قبل وقت طويل. وكان على متن طائرة القيادة 
الجنرال يهودا باراك نائب رئيس الأركان والرئيس السابق لأمان (رئيس الوزراء السابق لإسرائيل). 
وكان الموساد ممثلا برئيس فرع العمليات. استخدمت معدات التشويش على الأرض لإعاقة 
الاتصالات الراديوية والهاتفية في منطقة سيدي بوسعيد حيث يقطن أبو جهاد ولتأمين سلامة 
انسحاب فريق الإغارة بعد تنفيذ العملية. بعد الأخذ بعين الاعتبار درجة أهمية هذه العملية 


والأخطار المحدقة. تم اختصار الكثير من الإشارات المتبعة. كانت غارة تونس مشابهة 


28 


لعملية استخبارية أخرى اسمها الرمزي "ربيع الشبان" في أبريل 1973 عندما نزلت وحدة 
كوماندوس في بيروت. وبالتعاون مع عملاء الموساد قتل ثلاثة من كبار مسؤولي منظمة التحرير 
الفلسطينية. اتبعت إسرائيل عادتها ورفضت أن تعترف رسميا بأنها مسؤولة عن الجريمة. مع ذلك م 
يقتنع أحد بهذا النفي. وعندما سمحت المراقبة العسكريةء وخلافا للعادة» بنشر تقارير صحفية حول 
الضحية وحول العملية» كان ذلك بمثابة تأكيد للمسؤولية. 

وقبل فترة من اغتياله. أجرت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية دراسة سيكولوجية عن 
القرافولي أو خط اليد بالنسبة لأبو جهاد. ومن قبل قامت وكالة المخابرات الأمريكية بدعم بعض 
الأبحاث التي تناولت خط اليد والذي يمكن من خلاله فهم شخصية العميل كما تمت دراسة نموذج 
من خط الزعيم الأماني هتلر. وتمت عملية تبني وتكييف نتائج أبحاث خط اليد كذلك في بقية 
أجهزة الاستخبارات (ماركسء 1979). يقول بلاك وموريس (1992) تم إجراء اختبار سري على نموذج 
من خط يد "أبو جهاد" قبل خمس سنوات" وكانت نتيجة التحليل السيكولوجي أنه شخص مثالي 
يتمتع بذكاء عال وعقل دقيق ومحلل". ويعمل علماء النفس با مخابرات الإسرائيلية كل ما في وسعهم 
في فهم سيكولوجيا القادة العرب ولا ندري إذا كان هناك أي عالم نفس عربي أجرى دراسة 
سيكولوجية واحدة عن القادة الإسرائيليين بإثناء حفني الذي أجرى دراسة عامة عن الشخصية 
اليهودية. 

توفي فصل الحسيني مسؤول ملف القدس في الكويت في يونيو 2001 حوالي الساعة الثانية 
والثانية والنصف فجرا. ويعتبر الحسيني أول مسؤول فلسطيني كبير يأقٍ إلى الكويت منذ عام 1990, 
وكان في ذهنه أفكارا كثيرة بشأن القدس. وفي مقابلة مع مرافق الحسيني الخاص ناصر محمد موسى 
الذي رافقه كظله في القدس وفي جميع رحلاته إلى الخارج طوال السنوات الماضيةء يقول ناصر: 
شخص مثل فيصل الحسيني مناضل حريص على مصالح وطنه. لا يستبعد أن يخطط العدو لاغتياله 
في أي لحظة. ولكن إذا كانت هناك عملية اغتيال فهي عملية دقيقة ومعقدة جدا. وإن التفسير 


الوحيد الممكن 


249 


تصديقه من اتهامات الاغتيال هو أن يكون الغاز الذي استنشقه قبل السفر إلى الكويت 
بخمسة أيام في مظاهرة ذكرى يوم النكبة على حاجز الرام كان وراء تدهور حالته الصحية. فقد 
أطلق العدو غاز غير طبيعي يكاد يقع على الأرض من استنشقه. ويقول المرافق "أنا شخصيا أشعر 
حتى الآن ومنذ تلك المظاهرة بالآلام في الصدر والرأس ولا أ ستطيع التنفس كما يجب". ويضيف 
الحارس لا استبعد أن يكون الإسرائيليون قتلوه بطريقة علمية غير مسبوقة (أنظر الشرق الأوسطء 
يوليوء 2001). 

في 9 سبتمبر 1997 وصلت إلى تل أبيب أخبار عن هجوم لحماس أسفر عن إصابة اثنين من 
حرس الملحق الثقافي في السفارة الإسرائيلية التي افتتحت في العاصمة الأردنية عمان (توماس, 
9). وكان أحد قادة حماس هو خالد مشعل يقيم بالقرب من قصر الملك حسين ويدير المكتب 
السياسي لحماس . وقال نتانياهو لأحد رجال الموساد "ياتوم" والذي تناول معه وجبة الغداء بمنزله 
بالقدس "أذهب واقتله. يجب عليك أن تفعل ذلكء أقتله. كلف رجالك في عمان بذلك. وفي مواجهة 
ضغوط لا تنتهي من رئيس وزراء يبدو أنه لا يدرك أبدا مدى الحساسية السياسية لأي عملية يقوم 
بها جهاز المخابراتء بدأ رئيس الموساد يلقي درسا حاد النبرات. ولقد حذر نتانياهو من مغبة أي 
هجوم يشنه في عمانء لأنه قد يدمر العلاقة التي أقامها مع الأردن سلفه السابق اسحق رابين. كما أن 
قتل مشعل داخل الأردن من شأنه أن يعرض للخطر عمليات الموساد في دولة يتدفق منها سيل من 
ا معلومات عن سورية والعراق والفلسطينيين. واختار الموساد سلاحا غير عادي. ليس مسدساء بل 
عبوة ايروسول معبأة بغاز الأعصاب. وهي طريقة تستخدمها فرقة الكيدون للقتل لأول مرة. 
ويستخدم هذا الغاز لإحداث الوفاة الفورية أو البطيئة. ولكن الضحية في جميع الأحوال يفقد 
السيطرة على أعضائه الداخلية ويعاني آلاما مبرحة يكون ا موت خلاصا ورحمة منها. 

في 24 سبتمبر 1997 سافر أعضاء الكيدون. وهم مجموعة القتلة داخل الموساد أو يد 
"العدالة الإسرائيلية الطويلة" جوا إلى عمان قادمين من أثينا وروما وباريس التي استقروا فيها عدة 


أيام. وكان البعض يسافر بوثائق فرنسية وإيطالية. أما الرجلان 


220 


اللذان نفذا الضربة فقد أعطيا جوازي سفر كنديين باسم باري بيدز وسين كيدال. وأخبرا 
الموظفين وهما يسجلان اسميهما في فندق انتركونتنتال بعمان أنهما سائحين. وفي الساعة العاشرة 
صباحا كان مشعل متوجها إلى عمله في سيارته التي يقودها سائقه. وفي المقعد الخلفي جلس ثلاثة 
من أطفاله. ولد وبنتان. وتبعه بيدز على مسافة معقولة في سيارته ا لمستأجرة: بينما كان بقية أعضاء 
الفريق في سيارات أخرى على الطريق. وعندما دخلوا منطقة الحدائق في ال مدينة قال السائق لملشعل 
أن هناك من يتبعهماء فاستخدم مشعل هاتف السيارة وأبلغ شرطة عمان بماركة السيارة ورقم 
لوحتها. 

قبل العاشرة والنصف بقليل انحرف السائق إلى شارع وصفي التل وقد احتشد بعض الناس 
أمام مكتب حماس وانداس بينهم كيندال وبيدز. ولم يتسبب وجودهما في أي إزعاج» فكثيرا ما يأقٍ 
السائحون من ذوي الفضول إلي مكتب حماس لزيادة معلوماتهم عن حماس وتطلعاتها. قبل مشعل 
أطفاله بسرعة قبل مغادرة السيارة. وتقدم بيدز إلى الأمام وكأنه يريد مصافحته. واقترب كيندال من 
كتفه وهو يعبث بيده في حقيبة من البلاستيك. جاء سؤال بيدز بصورة يبدو فيها الود: "هل أنت 
مشعل"؟ نظر إليه مشعل بارتياب» وفي تلك اللحظة أخرج كيندال اسطوانة الايروسول وحاول رش 
محتوياتها في أذن مشعل اليسرى. رجع مشعل إلى الوراء مذهولا وهو بمسح شحمة أذنه. حاول 
كيندال مرة أخرى رش المادة القاتلة في أذن مشعلء وبدأ المحتشدون حوله يفيقون من هول 
ا ممفاجأة وامتدت أيديهم لتمسك بالعميلين. 

"أركض" صاح بيدز بالعبرية. اندفع بيدز ثم كيندال داخل السيارة التي كانت واقفة على 
مسافة قريبة من الموقع. ورأي سائق مشعل ما حدث فقاد سيارته إلى الوراء في محاولة لسد الطريق 
أمام التويوتا. وبدأت سيارات أخرى تطاردهماء وطلب أحد السائقين عن طريق هاتفه النقال إغلاق 
الطرق الموجودة في المنطقة. فيما كان سائق مشعل يبلغ إدارة الشرطة. ثم واصل أعضاء فرقة 
الاغتيالات الإسرائيلية المكلفين بالمساندة. وتوقف أحدهم., مشيرا إلى بيدز بالانتقال إلى سيارته, 
وبمجرد أن قفز عميلا الموساد من السيارة التويوتا كانت سيارة أخرى قد سدت عليهم الطريق. 


وخرج منها عدد من المسلحين 


2231 


وأجبرا بيدز وكيندال على الانبطاح على الأرض. وتم اقتيادهما إلى مقر شرطة عمان وهناك 
أبرزا جوازي سفرها الكنديين. وربما يتم التساؤل كيف تحصلت الموساد على هذه الجوازات الكندية؟ 
يقول استروفسكي وهوي (1990) إن إسرائيل تصدر جوازات السفر بأنواع مختلفة من الورقء ولا 
توجد طريقة تجعل الحكومة الكندية مثلا تبيع إلى أي كان من الذي تستعمله لإصدار جوازات 
سفرها والتي ما زالت هي الجوازات المفضلة لدى الموساد لكن جوازا مزورا لا يمكن عمله بالورق 
الخطأ لهذا فإن للموساد مصنعا صغيرا لصنع مختلف أنواع ورق الجوازات بالفعلء يقوم الكيماويون 
بتحليل ورق جوازات السفر الحقيقية ويتوصلون إلى المعادلة ا مضبوطة لانتاج صحائف من الورق 
لعمل نسخ من الجوازات التي يحتاجونها. 

وبعد محاولة اغتيال مشعلء على حد تعبير توماس (1999). اتصل سميح البطيخي رئيس 
جهاز مكافحة التجسس الأردني برئيس محطة الموساد. وأعلن البطيخي في ما بعد أن رئيس الموساد 
"اعترف بكل شيء. وقال أنهما من رجاله وأن إسرائيل ستتعامل مع املك مباشرة". وتلقى نتانياهو 
مكالمة هاتفية من الملك حسين عبر الخط الساخن المقام بين البلدين للتعامل مع الأزمات. وكان 
فحوى المكالمة وفقا با أعلنه أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية في ما بعد "وجه الملك حسين إلى بيبي 
"نتانياهو" سؤالين: من المقصود بهذه اللعبة القذرة؟ وهل لديك ترياق ضد غاز الأعصاب؟" وخلال 
ساعة واحدة تم إرسال أدوية مضادة لغاز الأعصاب على متن طائرة حربية إسرائيلية استخدمت 
لعلاج مشعل الذي كان يشكو من رنين مستمر في أذنه اليسرى أو على حد قوله "أشعر برعشة كأنها 
صدمة تسري بسرعة في جسمي ويجد صعوبة متزايدة في التنفس". 

وبعد العلاج بدأ مشعل يتماثئل للشفاء. وتحسن خلال بضعة أيام وعقد مؤتمرا صحفيا سخر 
فيه من جهاز الموساد. وعندما علمت الحكومة الكندية بما يجري لجوازات سفرها استدعت سفيرها 
في إسرائيل وهي خطوة لا تدانيها إلا قطع العلاقات الدبلوماسية. وخلال أسبوع واحد أطلق سراح 


الشيخ ياسين وعاد إلى غزة حيث استقبل 


252 


استقبال الأبطال, ثم عاد كل من كيندال وبيدز إلى إسرائيل دون جوازي السفر الكنديين 
اللذين سلما للسفارة الكندية في عمان "للاحتفاظ بهما". وتم يعد هذان العميلان أبدا إلى وحدة 
اغتيالات الكيدونء بل أوكلت إليهما أعمال غير محددة في مقر الموساد وصفها أحد ضباط المخابرات 


الأراتيلية بأنها "ربما تعني حفظ الأمن 2 دورات مياه ا مبنى". 


الموساد واغتيال الفيزيائيين العرب 

حتى عام 1964 كانت أعمال زرع الجواسيس في الدول العربية المحاذية لإسرائيل والإشراف عليهم 
من مسؤولية استخبارات الجيش. وكان عملاء الموساد في الدول العربية ينطلقون من بلدان أخرى 
وخصوصا أوربا الشرقية حيث كانت باريس مقر القيادة الإقليمي للموساد. ومن العاصمة الفرنسية 
باريس كانت تتم إدارة الجواسيس في جميع أنحاء العام العربي. وفي الخمسينات استغلت أمان 
إمكانياتها الاستخبارية وزودت فرنسا بمعلومات ثمينة حول الثوار الجزائريين وأقامت تحالفا مع 
باريس لتزويد الترسانة الإسرائيلية بأحدث الأسلحة, ولمحاولة الحصول على قوة نووية مستقلة. ففي 
عام 1989 شن الموساد حملة ضد العلماء الذين يصنعون الصواريخ في العراق ومصر. وكانت الأجهزة 
السرية الإسرائيلية بارعة» ومنذ زمن طويلء في استخدام وسائل الإعلام لاختلاق القصص والأكاذيب 
والتحذيرات التي تساعد العمليات الإسرائيلية وتقوض الدول المعادية. إن هذه الوسائل تتعزز جيدا 
بأدوات الحرب النفسية. 

يقولون بأن "باريس أنثى" وتحت أحضان هذه الأنثى "مركز الموساد الإقليمي" قتل يحيى 
المشد عام الذرة المصريء وعلى حسن اسعد عاط الذرة اللبناني» كما دبرت محاولة اغتيال الأميرة ديانا 
وعشيقها دودي الفائد. وكانت أمانء وهي المخابرات العسكرية الإسرائيلية» تمتلك معلومات أكيدة 
ومن مصادر موثوقة أن العراق يتجه إلى إنتاج أسلحة نووية أكثر من اتجاهه لأبحاث سلمية. وبذل 
جهد لثنى الفرنسيين عن زيادة ال مساعدات النووية والعراقيين على الاستمرار با مشرر.وع. وذكرت 


253 


المشد بالهجمات الغامضة ضد العلماء الأمان الذي كانوا يعملون في برنامج عبد الناصر 
بمصر لإنتاج الصواريخ في أوائل الستينات. 

واغتيل كذلك في باريس وفي ظل ظروف غامضة بعض الأدمغة اللبنانية في الخارج وهم في 
أوج تألقهم العلمي أمثال حسن كامل الصباح ورمال رمال. ودكتور الفيزياء النووية على حسن أسعد 
الذي وجدت جثته في منزله في منطقة الشانزليزيه من دون أن تبدو عليها أثار لتشوهات أو كدمات 
وهي ذات الأمسية التي كان من المقرر أن يحاضر فيها عن الفيزياء النووية في اليابان. وحصل د. 
أسعد على درجة الدكتوراة في الفيزياء تخصصات المفاعل النووية عام 1955 من جامعة باريس 
السادسة وهو باحث في مركز الدراسات النووية في نفس الجامعة. وعضو الجمعية الفرنسية للوقاية 
من الإشعاعات (أنظر صحيفة الحياة» يوليو 1999). كما توفي كذلك عام الذرة المغربي الدكتور على 
ا منتصر الكتاني في أبريل 2001. وذكر أفراد عائلته بأنه توفي في ظروف غامضة مشيرين إلى تهديدات 
كان الراحل تلقاها قبل بضعة اشهر من أوساط وصفت بأنها معادية للإسلام. وتعرض بيته في عام 
0 إلى علمية دهم هدفت إلى إتلاف محتوياته. وعرف الراحل بأبحاثه في مجال تنمية الطاقة 
الشمسية: وكان صاحب نظرية فريدة في هندسة البلاسما التي كان يحاضر حولها في جامعات 
أمريكية عدة. وكان عضوا بارزا في اتحاد مراكز الأبحاث العالمي في السويد وانتخب رئيسا بالوكالة 
لتعاونية البحري المتوسط للطاقة الشمسية. وأصبح عميدا لجامعة ابن رشد في أسبانيا (الأشهب». 
001)) 

وغالبا ما تكون هذه الاغتيالات للأدمغة العربية بواسطة فرقة الكيدون وهي الفرقة 
الخاصة بالاغتيالات التابعة للمخابرات الإسرائيلية. ويبدو أن الفرقة قد تدربت بمهارة فائقة في 
عمليات التخطيط والتنفيذ لهذه الاغتيالات. ولقد رأينا في كتاب "الحرب على العقل" كيفية اختيار 
أمهر القتلة وتطبيق علم النفس في تدريب عتاة القتلة ومحاولة تعزيز أكبر قدر ممكن من دافع 
العدوان من خلال مشاهدة سلسلة من الأفلام الشنيعة والتي تسبب حالة من الترويع والزعر غير 


العادي. 


254 


يعمل علماء النفس في إسرائيل على دراسة السمات الشخصية والمزاجية للقادة العرب 
وللذين يحاولون تجنيدهم كعملاء للموساد. وعادة ما تجمع معلومات كافية عن هؤلاء الأفراد قبل 
عملية التجنيد أو التعامل معهم. وتستخدم عدة تقنيات في عملية "الاقتراب البارد" و"الاقتراب 
الساخن" مع هؤلاء. واستخدمت هذه العمليات في محاولة تجنيد بطرس ابن حليم العراقي 
الجنسية والذي كان يعمل في المفاعل النووي في باريس بقية بناء مفاعل نووي للعراق (أنظر 
استروفسكي وهويء 1990). وجرت أول محاولة لجمع معلومات عن حليم وعن أسرته بواسطة شابة 
جذابة قصيرة الشعر ذكرت أن اسمها جاكلين والتي قامت بقرع باب شقة حليم. كان اسمها 
الحقيقي دينا وهي من أفراد مجموعة الأمن الأوربيء وكانت مهمتها أن تتفحص الزوجة وتصفها 
للمجموعة بدقة لكي تبدأ عملية المراقبة جديا بالنسبة لحليم. وتظاهرت جاكلين بأنها بائتعة عطور 
وذلك للحصول على نقود اضافية للمصروفهاء كما أظهرت عطفها الشديد تجاه بلوى سميرة زوجة 
حليمء ورغم أن مهمتها الأولية مجرد التعرف على المرأة إلا أن هذا النجاح بعينه كان رائعاء ففي 
عملية المراقبة يرفع لمنزل الأمن تقرير عن كل التفاصيل الدقيقة بعد كل مرحلة» وتقوم ا مجموعة 
بهضم المعلومات وتخطيط الخطوة التالية. 

واستفادت المخابرات الإسرائيلية من المعلومات المجموعة وقام أحد المخبرين بدعوة حليم 
لشقة فاخرة في فندق سوفتيل بورون في 32 شارع سان دومنيك. كما تمت دعوة "صيادة" شابة 
اسمها ماري كلود ماغال. وبعد التوصية على العشاءء أخبر المخبر ضيفه بأنه مضطر للخروج لمهمة 
مستعجلة. وترك رسالة تلكسية مزورة على طاولة ليقرأها حليم كتأكيد لقول. قال له: "استمع إلي» 
أنني آسف لذلكء ولكن تمتع بوقتك, وسأكون على اتصال بك". وهكذا تمتع حليم و"الصيادة" فعلا 
بوقتهماء وتم تصويرهما ليس بالضرورة لأغراض الابتزاز ولكن لمجرد رؤية ما كان يجري وما سيقوله 
حليم ويفعله» وكان عامم نفس إسرائياي يدقق باستمرار كل نقطة تفصيلية من التقارير التي تكتب 
عن حليم للعثور على دلالة على أكثر الطرق فعالية في التعامل معه . 

بعد قيام الخبير النفسي الإسرائيلي بتحليل السمات الشخصية لحليم بدأت عملية 


225 


تزايد المطالبة بمعلومات أكثر منه مع عملية دفع مبالغ كبيرة في كل مرحلة. وبدأت عليه 
أعراض "رد فعل الجاسوس": ومضات حارة وباردة» ارتفاع في درجة الحرارة. عدم المقدرة على النوم 
أو الاستقرار- وأعراض بدنية حقيقية ناتجة عن الخوف من افتضاح الأمر. وكلما توغل المرء في أعمال 
كهذه كلما ازداد خوفه من عواقب عمله. وسأل دونوفان عميل الموساد حليم "أنهم يودون أن 
يعرفوا كيف سترد العراق عندما تعرض عليه فرنسا استبدال المادة المخصبة ب- الكراميل؟ اخبرهم 
بذلك ولن يضايقوك ثانية» ليست لهم رغبة في إيذائك» بل يريدون المعلومة فقط". وأخبر حليم 
عميل الموساد بأن العراق يريد اليوراينوم المخصب, ولكن على أية حال فإن يحيي المشد. وهو عام 
فيزيائي مصري المولد. سيصل خلال بضعة أيام ليتفقد المشروع ويقرر هذه الأمور نيابة عن العراق. 
فقد قامت المخابرات الإسرائيلية بالاستفادة من المعلومات المجموعة من حليم عن المفاعل النووي 
المزمع تصديره للعراق وجهزت فريقا من خمسة مخربين وعاما نوويا لتفجيره وبالفعل قاموا بذلك 
واختفوا بهدوء في عدد من الشوارع الجانبية دون القبض عليهم. 

وفقا لاستروفسكي وهوي لقد أحرزت تلك المهمة نجاحا تاماء وأخرت خطط العراق تأخيرا 
خطيرا وأربكت الزعيم العراقي صدام حسين. وادعت منظمة بيئية م يسمع بها من قبل دعت 
نفسها "مجموعة أنصار البيئة الفرنسيين" مسئوليتها عن الحادث رغم أن الشرطة الفرنسية نفت 
الادعاء. لكن تكتم الشرطة بشأن أخبار التحقيقات في ذلك الحادث التخريبي جعل الصحف تنشر 
قصصا حدسية عمن كان ال مسؤول عنه. فقالت صحيفة "فرانس سوار" مثلاء أن الشرطة تشتبه بأن 
"يساريين متطرفين" قاموا به بينما قالت "الناتان" أن الفلسطينيين الموالين لليبيا هم المسؤولون عنه. 
أما "لوبوان" الأسبوعية فقالت أن مكتب التحقيقات الفدرالية الأمريكية مسؤول عنه. أما آخرون 
فقد اتهموا الموساد. لكن مسؤولا إسرائيليا حكوميا كذب الاتهام قائلا أنه اتهام "لا سامي". عاد حليم 
وسميرة بعد منتصف الليل بوقت طويل» بعد أن تناولا عشاء متمهلا في مطعم صغيرء فتح حليم 
الراديوء آملا أن يسمع بعض الموسيقى المهدئة قبل النوم, ولكن ما سمعه في الواقع كان خبر 


الانفجار.ء فذعر. صاح قائلا "لقد نسفوا 


256 


المفاعلء لقد نسفوه. والآن سوف ينسفوني كذلك...". وخلال ساعة اتصل به دونوفان 
قائلا "لا تعمل أي شيء سخيفء حافظ على هدوئكء فلن يستطيع أحد أن يجد علاقة بينك وبين 
الحادث, قابلني في الجناح ليلة الغد". 

كان المشد لا يزال مشكلة, وبصفته واحدا من العلماء العرب القليلين» وذا نفوذ يبعث على 
الاحترام في المجال النووي ومقربا من السلطات العسكرية وامدينة العراقية العلياء فقد كانت 
الموساد لا تزال تأمل في تجنيده» ولكن رغم مساعدة حليم غير المعتمدة, إلا أن عدة أسئلة رئيسية 
ظلت بدون إجابة. في السابع من يونيو 1980 قام المشد بواحدة من رحلاته المتكررة لباريس, هذه 
المرة ليعلن بعض القرارات النهائية بشأن الصفقة. وخلال زيارة للمصنع سارسيل قال للعلماء 
الفرنسيين " إننا نسجل صفحة جديدة في تاريخ العام العربي". وهذا بالضبط ما كان يقلق إسرائيل. 
وكان الإسرائيليون قد اعترضوا تلكسات تذكر بالتفاصيل برنامج سفر المشد والمكان الذي سينزل فيه 
(الغرفة 9041 في فندق مريديان) مما سهل عليهم وضع أجهزة التنصت في غرفته قبل وصوله. لقد 
ذكرت فيما بعد زينب زوجة المشد بأنه يقول " وماذا أنا؟ يمكنني أن أرسل خبيرا" وأضافت أنه منذ 
تلك اللحظة ومن ناحية سيكولوجية اصبح غاضبا وعصبي المزاج» وكانت تعتقد أن عميلا إسرائيليا في 
الحكومة الفرنسية قد نصب له فخا. "كان هناك خطر بالطبع؛ لكنه يقول أنه سيتم مهمته بإيجاد 
القنبلة حتى ولو أضطر لأن يضحي بحياته في سبيل ذلك" (استروفسكي وهويء 1990). 

أما القصة الرسمية التي أصدرتها السلطات الفرنسية لوسائل الاعلام فهي أن غانية بادرته 
بالكلام في المصعد وهو صاعد إلى غرفته في الطابق التاسع حوالي الساعة السابعة مساء يوم الثالث 
من يونيو 1980: وكان ذلك اليوم عاصفاء وكانت الموساد تعرف أنه متورط في نزوات جنسية؛ وأن 
غانية لقبها ماري اكسبرس كانت تسليه بانتظامء وكان عليها أن تحضر حوالي الساعة السابعة 
والنصف. وكان اسمها الحقيقي ماري كلود ماغال وهي التي كان عميل الموساد قد أرسلها أولا 
لحليم. ورغم أنها عملت الكثير للموساد إلا أن أحدا مم يخبرها من كان مستخدموهاء وطالما أنهم 


يدفعون لهاء فإنها مم 


2537 


تهتم. كما كانت الموساد تعلم بأن المشد من ناحية سيكولوجية هو عنيد وليس سهل 
الانخداع كحليم؛ وبما أنه سيبقى بضعة أيام أخرى فقط تقرر الاتصال به مباشرةء وقال عميل الموساد 
"إذا وافق» استخدمناه, وإذا لم يوافق» فإنه سوف موت". لم يوافق. وانتظرت استخبارات إسرائيل إلى 
أن أتمت ماغال زيارتها للمشد. وبعد ساعتين» وبينما كان المشد نائماء تسلل رجلان بهدوء إلى شقته 
بمفتاح خاص وذبحاه. وفي صباح اليوم التالي وجدت إحدى خادمات الفندق جثته منتقعة بالدماء. 
كانت قد جاءت عدة مرات لكن يافطة "الرجاء عدم الإزعاج" ثبطت عزمهاء وأخيرا قرعت الباب وما 
لم تسمع جوابا دخلت الغرفة. 

في الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الأحد السابع من يونيو 1981 وكان يوما مشمساء 
انطلقت 24 طائرة أمريكية الصنع من طراز 5815 و8213 من بتر السبع (وليس من ايلاتء كما ذكر 
على نطاق واسع. إذ انها مجاورة للرادار الأردني) في رحلة غادرة مدتها تسعون دقيقة ومسافتها 
5 ميلا عبر أقطار معادية. إلى التويثة. خارج بغداد. معتزمة نسف ال محطة النووية العراقية 
وإرسالها للدنيا الآخرة. وبفضل ال معلومات التي كان قد تم العثور عليها من حليم فقد كان 
الإسرائيليون يعرفون بالضبط أين يضربون ليوقعوا أكبر ضرر ممكنء وكان مفتاح ذلك إنزال القبة 
على قلب المحطةء كما كان هناك مقاتل إسرائيلي حاملا مرشدا لاسلكيا يرسل إشارات قوية متكررة 
على ذبذبة محددة مسبقا لإرشاد المقاتلات إلى هدفها. 

وفي الساعة السادسة والنصف بعد ظهر حسب توقيت العراق ارتفعت الطائرات من 
المستوى المنخفض الذي كانت تطير عليه لتجنب الرادار بحيث كان باستطاعة من فيها مشاهدة 
الفلاحين في الحقول المجاورة؛ إلى علو 2000 قدم قبل الوصول إلى الهدف تماما. فقد دمرت المحطة 
وأزيلت القبة الضخمة التي كانت تغطي المفاعل من أساساها كما أن جدران المباني المسلحة تسليحا 
قويا تناثرت, كما أن شريط الفيديو الذي سجله الطيارون الإسرائيليون واروه فيما بعد للجنة برمانية 
إسرائيلية أظهر قلب المفاعل وهو يقع في بركة التبريد. وبذلك انتهت "عملية أبو الهول" في نسف 


المفاعل النووي العراقي 


258 


المعلومات عن المفاعل وعن عام الذرة العربي يحيي المشد. وتبعا لذلك استخدمت الموساد مخلبا 
يبدو أنه ناجحا وحادا لتصفية الفيزيائيين العرب وذلك نسبة لخطورتهم في تطوير السلاح النووي 


والذي يشعر الإسرائيليين. من ناحية سيكولوجية: في حالة استخدامه بغريزة الموت أو الدمار. 


مخالب الموساد في اغتيال الأميرة ديانا ودودي 

ظل فندق "الريتز" الشهير في باريس والذي بمتلكه رجل الأعمال المصري محمد الفائد نقطة لقاء 
لسماسرة السلاح من الشرق الأوسط والمتعاملين معهم من الأوربيين. نتيجة لذلك قرر الموساد أن 
يكون له مرشد داخل هذا الفندق يستطيع للإبلاغ عن أنشطة هؤلاء السماسرة (توماس, 1999). 
وبدأت أولى خطوات تلك ال مهمة بالحصول على قائمة بأسماء العاملين في الفندق. عن طريق اختراق 
شبكة الكمبيوتر واتضح من مراجعتها أنه لم يكن من المحتمل إمكان التقاط أحد كبار مديري 
الفندق للقيام بهذه المهمة. لكن صغار العاملين من جهة أخرىء لم تكن في إمكانهم الوصول إلى 
جميع ضيوف الفندق على نحو يخدم المهمة المطلوبة» فيما عدا "هنري بول" الذي كانت مسئوليته 
عن الأمن تعني أن كل نقطة في الفندق مفتوحة أمامه. أما مفتاحه المشفر فكان صالحا حتى لفتح 
خزانات المحفوظات الشخصية القيمة لضيوف الفندقء وبالتالي لن تكون هناك أي تساؤلات تطرح 
عن هنري بول إذا ما طلب نسخة من فاتورة إقامة أحد النزلاء. ولن يندهش أحد إذا ما جاء إليه 
هنري بول طالبا قائمة المكالمات التي تجرى بين تجار السلاح والمتعاملين معهم. وسيعرف أي امرأة 
استعان بها واحد من هؤلاء التجار لكي تكون نقطة اتصال غير لافتة للأنظار. وباعتباره يتولى مهام 
السائق لكبار الشخصيات من نزلاء الفندق» سيمكنه ذلك تماما من التنصت على محادثات تلك 
الشخصياتء ومراقبة سلوكها ومتابعة تحركاتها ومقابلاتها. 


ويبدو أنه ليست هناك مشكلة كبيرة في حالة عدم توفيق هنري بول لاستخدام 


259 


مفاتيحه المشفرة في فتح الخزانات والذي ربما يوقعه في بعض المشكلات مع إدارة الفندق 
بحسب وضعه الأمني. فإن للموساد عموما فرع للاقتحام في إدارة الأمن يتكون من ثلاث مجموعات 
من الخبراء المدربين في فن الحصول على المعلومات من الأشياء "الساكنة", مما يعنى الاقتحام وتصوير 
الوثائق ودخول الغرف والأبنية ومغادرتها لتركيب أجهزة مراقبة دون أن تترك أي اثر أو اتصال بأي 
شخص آخرء وتضم جملة الأشياء بحوزة هذه المجموعات مفاتيح عمومية لمعظم الفنادق الرئيسية 
في أورباء كما تبتكر باستمرار طرق جديدة لفتح الأبواب المزودة بأقفال تفتح بمفاتيح بطاقات أو 
بمفاتيح مرمزة أو بوسائل أخرىء كما أن بعض الفنادق مثلا بها أقفال تفتح باستعمال بصمات نزلاء 
الغرف. وعموما تمتلك الموساد أفضل إمكانية لكسر جميع الأقفال وتقوم بتحليل الأقفال والتوصل 
إلى طريقة لفتحها (أوستروفسكي وهوي, 1990). 

إن المهمة المرتقبة لهنري بول من قبل الموساد كمرشد هي مهمة تتطلب بعض المهارات 
السيكولوجية الدقيقة "معرفة امرأة تكون نقطة اتصال غير لافتة للأنظار"” و"مراقبة سلوك كبار 
الشخصيات". و"التنصت على المحادثات"” و"متابعة تحركاتها ومقابلاتها". وهناك فرع في علم النفس 
يسمي "علم نفس الشخصية". يقول عدس وتوق يمكن أن يحكم على شخصية الفرد عن طريق 
ملاحظة سلوكه ومدى تأقلمه مع مواقف الحياة التي يتعرض لها. وتعني كلمة "الشخصية" البناء 
الخاص بصفات الفرد وأنماط سلوكه والذي من شأنه أن يحدد لنا طريقته المتفردة في تكيفه مع 
البيئة من حوله. إن إي وصف لشخصية الفرد يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مظهره العام وطبيعة 
قدراته ودوافعه, وردود أفعاله العاطفية. وكذلك طبيعة الخبرات التي سبق له أن مر بها ومجموعة 
القيم والاتجاهات والميول التي توجه سلوكه. ويشير مفهوم الشخصية إلى الطريقة المتفردة التي يتم 
بموجبها تنظيم سماته بحيث يدل كل ذلك عليه وعلى نشاطاته كفرد متميز من غيره (عدس وتوق» 
6. لعلنا نتساءل كيف طبقت المخابرات الإسرائيلية مفاهيم "علم نفس الشخصية" في دراسة 
عميل الموساد المرتقب "هنري بول" بفندق الريتز والذي يتوقع بأن يقوم بأعنف عملية اغتيال في 


نهاية القرن العشرين. 


2060 


يبدو بآن الموساد (أنظر توماس, 1999) قامت بدور كبير في فهم سيكولوجية هنري بول 
كمرشد مرتقب لها. وشمل ذلك الفهم تجميع "ملف كامل"عن "الصفات النفسية والمزاجية" لهنري 
بول. وعلى امتداد عدة أسابيع تمكن أحد أفراد الموساد الميدانيين (الكاتسا) المتمركزين في باريس من 
كشف النقاب عن معلومات تتعلق بخلفية هنري بولء مستخدما في ذلك عددا من السواتر منها 
التحرك تارة تحت ساتر مندوب شركة تأمينء والتحرك تارة أخرى كمندوب مبيعات لإحدى شركات 
التليفونات. وبهذه الطريقة استطاع معرفة أن هنري بول "غير متزوج وليست لديه صداقات نسائية 
دائمة". ويقيم في شقة استأجرها بإيجار متواضع ويقود سيارة سوداء من طراز "ميني". لكنه كان 
"مولعا بالسيارات السريعة ودراجات السباق النارية" التي كان يبمتلك واحدا منها با مشاركة مع 
آخرين. ومن بين ما يذكره زملاؤه من العاملين في الفندق أنه يحب تناول الخمر بين الحين والآخرء 
بل كانت هناك تلميحات إلى أنه كان يشاهد من وقت لآخرء مع واحدة من فتيات الليل معروفة 
بالتردد على بعض نزلاء الفندق وتتقاضى منهم مبالغ طائلة لقاء ذلك. فالسؤال ما هي علاقة السمات 
السيكولوجية التي تبحث عنها الموساد في المرشد المرتقب والأدوار السيكولوجية المتوقعة منه القيام 
بها وولعه "بالسيارات السريعة" من جهة وبين اغتيال الأميرة ديانا في حادث "سيارة مسرعة 
بباريس"؟ 

بوسعنا التساؤل كيف تستخدم المخابرات الإسرائيلية مخالب علم النفس الحادة في فهم 
سيكولوجية العملاء؟ فقد رأينا في المخطط التنظيمي للموساد بأن هناك وحدتين لعلم النفس هما 
وحدة علم النفس العام ووحدة الحرب النفسية. فتولي خبير نفسي بالمخابرات الإسرائيلية تقيم تلك 
ا معلومات المجموعة من هنري بول واستخلص منها أن "شخصية هنري بول بها نقطة ضعف كامنة". 
من ثم أوصي باستمرار "الضغط بهدوء" على هنري بول على أن يقترن ذلك بوعد بمكافأة مالية كبيرة 
لتمكينه من الإنفاق على متطلبات حياته الاجتماعية. وكان رأي الخبير النفسي بالموساد أن ذلك هو 


"أفضل سبيل" للوصول إلى تجنيد هنري بول. ولأن عملية التجنيد يمكن أن تستغرق 


261 


وقتا طويلا وتتطلب "صبرا بالغا ومهارة" تقرر إيفاد موريس إلي باريس لهذه المهمة عوضا 
عن الاستمرار في الاعتماد على رجل الموساد (الكاتسا) المقيم في باريس. وسار موريس في تنفيذه لهذه 
العملية على نفس المنهاج المجرب المتعارف عليه في العديد من العمليات الممائلة التي سبق 
للموساد القيام بها. فقد زار أولا فندق "ريتز" والأماكن المحيطة عدة مرات حتى يألف المكان وما 
حوله» وتمكن بعد وقت قصير من تحديد هنري بول من أوصافه. حيث كان قوي البنية. وذا هزة 
خفيفة في مشيته تكشف عن عدم اهتمامه بآراء الآخرين فيه. 

تم أول اتصال بين موريس عميل الموساد وهنري بول في حانة "هاري" بشارع "دونو, 
وتمت مقابلة ثانية في مطعم بالقرب من الريتز وأثناء الجلوس إلى مائدة الطعام أكدت إجابات 
هنري بول على أسئلة موريس امرتبة بعناية من حيث توقيتهاء ما كان لدى رجل الموساد الميداني من 
معلومات. فقد تحدث هنري بول عن ولعه بالسيارات السريعة وحبه لقيادة الطائرات الصغيرة مع 
عدم قدرته على التمتع بتلك الهوايات اعتمادا على راتبه. ربمما كانت تلك اللحظة بالذات هي أنسب 
اللحظات التي بدأ فيها موريس ضغطه على هنري بول. وكان هناك إيقاع تلقائي خاص سارت عليه 
التطورات اللاحقة. فموريس يلقي بالطعم وهنري بول متلهف دائما على التقاطه وابتلاعه. وعندما 
يبتلع هنري بول صنارة الصياد مع الطعم سيبدأ موريس في لف الخيط وجذبه بكل ما تعلمه من 
مهارات في مدرسة التدريب التابعة للموساد. 

هل كانت العلاقة بين الطعم المقدمة من جانب عميل الموساد وتلهف هنري بول بداية 
للاستخدام الذي لتقنيات علم النفس؟ ولعل الواحد قد يتساءل هل تعرض هنري بول لعملية تنويم 
مغناطيسي من قبل موريس عميل الموساد أو من قبل عام نفس إسرائيلي آخر؟ أو مجرد تمت عملية 
إيحاء بالنسبة له بالقيام بعملية قتل؟ كما تمت عملية الإيحاء بالنسبة لسرحان المتهم باغتيال 
الرئيس الأمريي جون كندي. وهل العقاقير التي بدأ هنري في استخدامها لها علاقة مباشرة بمموضوع 
الإيحاء؟ وما هو الإيحاء في علم النفس؟ يعرف كامل (1994) بأنه ظاهرة نفسية عصبية فسيولوجية 


لا بد وأن يمر 


262 


بها كل إنسان فجميع الأفراد لديهم قابلية للإيحاء بدرجات مختلفة: وارتفاع القابلية 
للإيحاء ظاهرة ليست سوية وأكثر الناس عرضة له هم الذين يعانون من أمراض عصبية ونفسية كما 
أن مدمني الكحول والسموم البيضاء ترتفع قابليتهم للإيحاء بدرجة عالية. إذا كانت الكلمات 
مثيرات شرطية ترتبط بأفعال الفرد وأفكاره فإن الإيحاء يقوم على استخدام كلمات انفعالية تخترق 
بناء الفرد الانفعالي ومن ثم تكوين اشتراطات جديدة ولكنها معقدة ويؤدي ذلك إلى تعديل البؤرة 
الاستثارية في القشرة ا مخية المرتبطة بسلوك أو فكرة معينة. 

فقد ورد على لسان مصدر بالمخابرات الإسرائيلية كان على علم بذلك الموضوع ما يلي: "جاء 
رد فعل هنري بول سافرا ومباشرا: إذ سأل عما إذا كان ا لمطلوب منه أن يصبح "جاسوسا". وإذا كان 
الأمر كذلك فما هو المقابل"؟ هكذا دون مواربة ودون تردد أو كلام ولا طائل من ورائه. كان كل ما 
سأل عنه هو المقابل في تلك الصفقة ولحساب من سيعمل. كانت هذه هي النقطة التي وضعت 
موريس أمام قرار بتحديد ما يجب أن يرد به على ذلك السؤال. هل أخبره موريس بأنه سيعمل 
لصالح الموساد؟ إن ذلك يخرج عن القواعد الأماسية ا معمول بها في مثل هذه الحالة. وكل هدف له 
أوضاع تعامل مختلفة. لكن هنري بول كان قد وقع في الفخ بالفعل". وربما رواد الخوف الشديد 
هنري بول مما كان مطلوبا منه من قبل الموساد. وحم تكن المشكلة بالنسبة له مشكلة ولاء أو عدم 
ولاء لفندق ريتز فعلاقته بالفندق كانت علاقة عمل ترتبط براتب عال نسبيا ومجموعة من المزايا 
الإضافية . لكن مبعث الخوف البالغ لدى هنري بول أنه كان مقدما على عمل مجنون ربما يؤدي به 
إلى السجن إذا ما ضبط وهو يتجسس على ضيوف الفندق. 

وبدأ لهنري بول في تلك الأيام الأخيرة من أغسطس عام 1997 أن جميع المسالك باتت 
مسدودة. فبدأ يسرف في الشراب وتعاطي الأقراص ال مخدرة. الأمر الذي جعله يعاني من الأرق أثناء 
النوم وأصبح إنسان يترنح قرب حافة الهاوية. وواصل عميل الموساد الضغط من جانبه على هنري 


بول وأضحى كظله لا يفارقه. وزاد من وقع 


263 


الضغط أن موعد مجيء الأميرة ديانا ودودي الفائد إلى الفندق بات وشيكا. وتلقى تكليفا 
بأن يكون مسؤولا عن أمنهما أثناء مدة إقامتهما في الفندق. مع تحميله على وجه الخصوص 
مسؤولية إبعاد المصورين عنهما. بدأ هنري بول في واقع الأمرن ومن ناحية سيكولوجية» يفقد اتزانه 
العقلي. وأخذ يتناول عقاقير مضادة للاكتئاب وأقراصا منومة للتغلب على الأرق ليلاء ثم أقراصا منبه 
ليستطيع ممارسة نشاطه نهارا. وكانت النتيجة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إليها تلك التوليفة من 
العقاقير هي تراجع قدرته على تقدير الأمور تقديرا صائبا (توماس. 1999). 

كان الوميض الذي أضاء على الهاتف وأيقظ عميل ال موساد موريس -للتنبيه إلى ورود مكالمة 
هاتفية-مضبوطة توقيتية بواسطة جهاز تسجيل على الساعة الواحدة وتمان وخمسين دقيقة فجر 
يوم الأحد 13 أغسطس 1997. كان المتحدث من الطرف الآخر أحد أفراد وحدة الحوادث بشرطة 
باريس ممن جندهم الموساد للعمل لصالحه منذ بضع سنوات. وتصنيفه في قواعد بيانات الموساد 
أنه "مابواه" مرشد غير يهودي وكان ترتيبه بين مصادر موريس في باريس متواضعا للغاية. ومع ذلك 
فإن الخبر الذي نقله ذلك الرجل إلى موريس عن وقوع حادث سيارة أصاب الأخير بالذهول. فلم 
تكن مضت ساعة واحدة على وقوعه. وهو اصطدام سيارة سيدان من طراز مرسيدس بأحد أعمدة 
الخرسانه المسلحة على جانب الطريق المتجه غربا في النفق ال مار اسفل ميدان "ألما" وهي نقطة 
معروفة بكثرة حوادثها في مدينة باريس. وكان ضحايا الحادث الذين لقوا مصرعهم فيه هم : ديانا 
أميرة ويلز وأم ملك إنجلترا القادم: ودودي الفائد ابن محمد الفائد المصرري الأصل الذي ممتلك 
محلات هارودز في لندن التي يطلق عليها عبارة المتجر "الملكي" وفندق الريتز بباريس وهنري بول 
الذي جنده عميل الموساد حديثا. أما الحارس الشخصي لديانا ودودي الفائد فقد أصيب بإصابات 
بالغة. وبعد ساعات من وقوع الحادث كان موريس على متن إحدى الطائرات عائدا إلى تل أبيب 
تاركا وراءه أسئلة مثيرة ستبقى بلا إجابة. 


ما هو الدور الذي لعبه الضغط من جانب موريس, عميل الموساد بالنسبة لهنري 


264 


في ذلك الحادث؟ هل فقد هنري بول السيطرة على السيارة ا مرسيدس الأمر الذي جعلها 
ترتطم بعمود الخرسانة المسلحة المشؤوم في النفق المار أسفل ميدان أَا لأنه م يجد مفرا من 
مخالب الموساد؟ وهل كانت هناك علاقة تربط بين ذلك الضغط وبين تناول جرعات زائدة من 
العقاقير المخدرة التي كان يتناولها بناءا على توصية طبيبه ووجدت آثارها في دمه عند تحليله؟ وهل 
كان ذهنه لا يزال يبحث عن مخرج من هذا الضغط عندما غادر فندق ريتز ومعه الركاب الثلاثة في 
السيارة؟ ألم يقم هنري بول بدور يتعدى بكثير مجرد التسبب في حادث سير مروع وأنه كان علاوة 
على ذلك ضحية لجهاز من أجهزة المخابرات لا يقيم للرحمة وزنا؟ كذلك كانت هناك أسئلة لا تزال 
حائرة في ذهن محمد الفائد. ففي فبراير 1998 أدلى بتصريح قال فيه "لم يكن الأمر مجرد حادث, 
وأنا مقتنع بذلك تمام الاقناع» ولن تظل الحقيقة خافية إلى الأبد". وحتى الآن لا يزال دور الموساد مع 
هنري بول واحدا من الأسرار الدفينة. وهذا هو ما حرص عليه ذلك الجهاز منذ البداية: إذ أن دور 
الموساد في هذا الموضوع لم يأت بناءا على إيعاز من أي طرف خارج إسرائيل. بل لا يوجد شخص 
خارج الموساد لديه أي فكرة عن دور ذلك الجهاز في مصرع من كانت في تلك الأيام اشهر امرأة في 
العاط. 

وتنعكس شهرة الأميرة ديانا في حياتها وبعد وفاتها بطبيعة الأرقام القياسية المرتبطة بها. 
فقد شاهد زواجها في كاتدرائية سانت بول في 29 يوليو 1981 على التلفزيون 750 مليون متفرج في 
4 بلدا. كما بيعت حاجات تذكارية عن زواجها بأكثر من بليون دولار. أما مراسم دفنها في 6 سبتمبر 
7 فقد شاهدها على التلفزيون 2,5 بليون نسمة حول العالم. ويقدر بأن حوالي 5 ملايين باقة 
ورد تزن ما بين 15-10 ألف طن وضعت خارج قصر سانت جيمس في لندن في الفترة بين 8-1 
سبتمبر. وتم بيع 33 مليون نسخة عام 1997 من أغنية "شمعة في الريح" التي غناها التون جون في 
كنيسة وستمنستر خلال جنازة الأميرة ديانا. واحتلت هذه الأغنية المركز الأول بين الأغاني ونالت أكثر 
من 140 ديسك بلاتيني حول العالم. توفيت الأميرة عام 1997 وحتى عام 1999 كتب عنها 195 


كتاب. وبعض هذه الكتب كتبها معروفون غير أن أكثرها كتبه معجبون 


2065 


ومعجبات ويذكر في كتاب "ديانا: حبها الأخير" بأنها أحبت الطبيب حسنات خان واستعملت 
دودوي مجرد إغاظته (أنظر الخازن. 2000). 

فالسؤال المطروح هل مقتل ديانا يرجع لسبب منع وصول مهاجر "مصري"” "عربي” 
"مسلم" إلى قصر باكنجهام المليء عبر قرابة محمد الفائد كجد لشقيق ملك بريطانيا المقبل؛ في إشارة 
لإمكانية أن يرزق دودي بابن من الأميرة ديانا بعد الزواج منها ولا سيما فقد تم شراء دبلة الزواج» 
بحيث يكون حفيد محمد الفائد أخا غير شقيق للأمير وليام. وهو النجل الأكبر للأميرة الراحلة من 
زوجها ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز؟ صحيح كان هناك غضب للأسرة المالكة والمسؤولين في 
الحكومة وقصر باكنجهام على العلاقة العاطفية التي كانت تربط بين ديانا ودودي. تلك العلاقة التي 
وصفها الأمير تشالز نفسه بأنها "عرقيا وأخلاقيا غير مقبولة. إذ أن ابن تاجر الجمال لا يصلح لأن 
يكون زوجا لوالدة ملك بريطانيا المقبل". كما جاء في مذكرة لشعبة إم آي 6 مصنفة بأنها سرية 
للغاية» وتشير المذكرة نفسها إلى أن "قصر باكنجهام يشعر بالغضب الشديد لهذه العلاقة. وتضيف 
ا مذكرة بأن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يعتبر بأن أي علاقة بين ديانا ودودي الفائد تؤدي إلى 
نتائج مأساوية على الصعيد السياسي (أنظر البيان. 2000). 

فمهما يكن من أمر يبدو أن الموساد قد طبقت علم النفس بدقة متناهية في عملية اغتيال 
"أشهر امرأة في العام" وابن أكبر ثري عربي في فرنساء وذلك من خلال عمليات الفهم والتنبؤ 
والتحكم الموجودة في علم النفس. إن هؤلاء العلماء يمكنهم أن يطبقوا بمهارة فائقة عمليات اختيار 
يسمي بالاقتراب البارد. وفوق كل ذلك الضغط النفسي الفظيع: والذي يؤدي بدوره لضغط جسمي 
مع عملية الإيحاء بزيادة جرعات مضادة للاكتئاب والأرق لدرجة فقد التوازن النفسي الذي يؤدي 
لقيادة السيارة بسرعة جنونية تؤدي الهدف المنشود بمهارة خرافية. إن أمثال هؤلاء العلماء يمكنهم 


أن يفعلوا أي شيء من أجل تحقيق أهداف ال موساد وتبعا لذلك تحقيق أهداف إسرائيل في التحكم 


266 


بالجملة في العالم العربي خاصة و العالم عامة. فيا ترى هل يستطيع علماء النفس العرب 
التخطيط لاغتيال بعوضة؟ ويستطيعوا عملية "الفهم والتنبؤ والتحكم" بذلك كما يرددون في 
مقدمات ومبادئ علم النفس؟ وهل يستطيعوا حتى معرفة الكيفية التي تتم بها تطبيقات علم 
النفس في المخابرات؟ أم تظل حركة تطبيق علم النفس كحركة السلحفاة الكسيحة وعلى أحسن 


تقدير كحركة البطة العرجاء؟ 


267 


268 


الفصل الخامس 


علم النفس من الحرب إلى السلام 


حرب الخليج وصعاليك المنطقة 
تزامنت حرب الخليج الثانية مع فترة انهيار الاتحاد السوفيتي. ولاحظنا كيف قام الأمريكيان 
بتطبيقات هائلة لعلم النفس بغرض معرفة العدو السوفيتي ومحاولة تحديد نقاط ضعفه وقوته 
والتلاعب بذلك مع العمليات اللمستورة التي تقوم بها وكالة المخابرات الأمريكية. إن هذه التطبيقات 
الهائلة لعلم النفس في مجال الحرب الساخنة والباردة مع الاتحاد السوفيتي يمكن أن تعطي فرصة 
ثانية بأن يكون لها تطبيق كبير في حرب الخليج الثانية وهي حرب ساخنة في بدايتها وباردة بعد 
نهايتها. نحاول في هذا الجزء من الدراسة أن نستعرض بصورة عامة بعض الدراسات العامة عن أزمة 
وحرب الخليج. والأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربيء والهيمنة الأمريكية. و"الفزاعة 
الإسلامية". والنقاط التي أبرزتها حرب الخليج. والقرارات التي أصدرها مجلس الأمن ودلالاتها 
السيكولوجية: والأهداف النفسية الاستراتيجية: وتآلف الأشتات. ومجتمع الصورة مقابل الكلمة ودور 
علم نفس السلام والحرب النفسية من وجهة نظر علماء نفس من الكويت ومن الأردن وأهداف 
انسكوم السيكولوجية. 

ظهرت العديد من الدراسات عن "حرب الخليج" أو "كارثة الخليج" أو "مأساة الخليج"” أو 
"أزمة الخليج””. أو "أحداث الخليج" في السنوات السابقة. منها مثلا على سبيل ا مثال لا الحصر.: بعد 
حرب الخليج: الهيمنة الأمريكية إلى أين؟ (أمين. 1993)؛ نظام عقوبات الأمم المتحدة (الأنباري. 


7 ؛ تداعيات حرب الخليج الثانية على قضايا 


269 


الأمن السياسي والاجتماعي داخل دول مجلس التعاون الخليجي (آل نهيان. 1999)؛ أزمة 
الخليج وإخفاق النظام الإقليمي العربي (صايغء 1991)؛ الخسائر البشررية والبيئية العربية لحرب 
الخليج الثانية (الرحمانيء 1994)؛ أزمة الخليج بين الارادة الشعبية ومصالح الحكومة (خشيم. 
2)؛ "ثعلب الصحراء" واتجاهات السياسة الأمريكية (مرهون. 1999)؛ أمن الخليج بعد الحرب 
الباردة (مرهونء 1997)؛ النظام العربي وأزمة الخليج (أحمد., 1991). حرب الخليج والبحث عن 
امسافة الملائمة (الزعل. 1991)؛ التحليل الثقافي لأزمة الخليج (يسينء 1991)؛ العناصر البنائية الدائمة 
في كارثة حرب الخليج (النقيبء 1991)؛ العرب والشورى بعد أزمة الخليج (العواء 1991)؛ أزمة 
الخليج: خلفية الأزمة ودور الإدراك والإدراك الخاطئ (عبد الله. 1991).: بعد مأساة الخليج: دعوة 
لرأب الصدع في الصف العربي (الجمالي» 1991). عالجت هذه الدراسات موضوعات مختلفة من 
زوايا سياسية واقتصادية واجتماعية وإعلامية بينما م تتم عملية تغطية الجانب السيكولوجي للحرب 
النفسية إلا في دراسات نادرة (الرشيديء 1995؛ الدباغ, 1998). 

إن أزمة الخليج التي بدأت محلية لم تلبث أن أصبحت عربية» ثم سرعان ما غدت عالمية. 
وإذا كانت هذه الأزمة على الصعيد المحلي فتحت ملف "العلاقات العراقية-الكويتية", وفتحت على 
الصعيد العربي ملف "العلاقات العربية-العربية" وملف "الأوضاع العربية الداخلية" فإنها على 
الصعيد الدولي فتحت ملف "الغرب والدائرة العربية-الإسلامية" وملف "التحالف الغربي مع 
الصهيونية للتحكم في العالم العربي". وملف "غنى الشمال وفقر الجنوب" (الدجاني. 1991). وتحاول 
الولايات المتحدة عن طريق سيكولوجية تآلف الأشتات أن تحتفظ بعلاقات مع الدول ذات الملفات 
أعلاه. ويعني تآلف الأشتات الجمع بين النقيضين في نفس الوقت. وفي حالة التوفيق فإن ذلك يعبر 
عن حالة من حالات الإبداع وفق بعض آراء علم النفس. وتريد الولايات تبعا لذلك أن تكسب 
الأعداء في نفس الوقت وفق استراتيجية احتواءهما معا. مثلاء إنها تريد أن تبنى علاقات مع العرب 
وفي ذات الوقت تحتفظ بعلاقتها الأبوية مع إسرائيل. 


يقول مرهون (1999) تفترض الولايات المتحدة أنها تحفظ التوازن في منطقة 


210 


الخليج العربي. تريد أن تقترب من إيران وفي ذات الوقت الاحتفاظ بعلاقتها القوية مع 
دول الخليج العربي مع العلم بوجود التوتر بيت الاثنين. إن "الاحتواء المزدوج" لا يزال دليلا للسياسة 
الأمريكية في الخليج العربي. من الزاوية المنهجية هناك اشكالية اقتراب أو تعايش بين طرفي المقاربة: 
طرف الوجود الأمريي المتطور في الخليج العربي (الذي يمكنه أن يكون ثقلا موازيا) وطرف العلاقات 
الأمريكية الإيرانية المتقدمة, أو الحسنة وغير المتوترة. إن العلاقة بين طرفي المقاربة تبدو ذات طبيعة 
عكسية في أفضل الافتراضات أي أن النمو في الطرف الأول سيعني بالضرورة انخفاضا مساويا في 
الطرف الثاني. 

تنبا الرئيس الأمريي نيكسون (1980) في كتابه المثير للجدل "الحرب الحقيقية" بأن منطقة 
الخليج العربي ستكتسب أهمية استراتيجية بالغة أثناء العقود المقبلة. هذا يعني بأن إحدى مناطق 
العام الأكثر اضطرابا والأقل استقرار والأكثر تعرضا للخطر هي في نفس الوقت إحدى المناطق الأكثر 
حيوية". ويضيف علينا اليوم أكثر من أي يوم مضى أن نعلم من يسيطر على ماذا في الخليج العربي 
والشرق الأوسط لأنه المفتاح الذي يسمح لنا بأن نعرف من يسيطر على ماذا في العالم". ويركز 
نيكسون على العراق بقوله "بمثل العراق المتطرف الآن أعظم قوة عسكرية في الخليج. لقد حل 
خلافاته الحدودية مع الكويت لكنه من المحتمل أن يخبئ ال مستقبل مشكلات إضافية. وإن العراق 
مرشح اليوم للزعامة السياسية في الخليج. مستطردا بقوله لخصت إحدى الشخصيات الأمريكية جيدا 
وضع السعوديين بقولها "افترض بأنك سيدة ثرية تعيش مفردها في مدينة صغيرة محاطة بالصعاليك 
الجميع يعلم بأنك تملكين ملايين الدولارات من الماس تحت سريركء فيما لا وجود لبوليس يحميك 
بصفة مستمرة. من حين لآخر يأتيك رئيس الشرطة الشريف وسط الصفارات الصاخبة يترجل ويطبع 
على خدك قبلة ثم يعود مسرعا. في حالة كهذه هل ستشعر بالأمان؟" 

إن هذا النصء كما يعبر الزعل (1991). والذي كتب قبل حرب الخليج بعش سنوات 
ينطوي على حقيقة صارخة لا يحتاج إلى تعليق لشدة تعبيره عن المخيال الأمريكي, لكن لا باس من 


لفت الانتباه إلى الفكرة الساذجة الأمريكية التي تدعي 


2/1 


التحدث باسم الغرب. والعرب لا وجود لهم في هذا المخيال إلا بواسطة التصورات الثلاث 
التالية: الدول المضيفة للنفطء الصعاليك: سيدة ثرية خائفة تخفي ألماس تحت سريرها. إن الولايات 
المتحدة تقوم في المنطقة بدور الشرطي الذي يؤدي زيارات غير منتظمة للسيدة الثرية لتطمينها 
بقبلة في كل من هذه الزيارات. ويقترح نيكسون الوجود الدائم للقوات الأمريكية في المنطقة من 
أجل حماية مصالحها ضد صعاليك المنطقة. 

تتمتع الولايات المتحدة اليوم بخبرة 40 عاما في مجال التدخلات المتواصلة بمختلف أشكالها. 
وفي بعض التحليلات السياسية. إن قرار شن حرب في الخليج اتخذ عمدا من قبل واشنطون كوسيلة 
للحول دون تشكيل "الكتلة الأوربية وذلك بإضعاف أوربا (بالسيطرة على النفط الذي ستنفرد 
الولايات المتحدة بتأمينه من الآن فصاعدا). وبإظهار ضعف البنية الأوربية السياسية نفسها (وذلك 
بفضح اختلاف وجهات النظر فيها)» وأخيرا باستبدال فزاعة "تهديد الخطر الشيوعي" القديمة بالخطر 
الجديد "الآتي من الجنوب". فقد كانت الولايات المتحدة ذكية بفهمها أنه يتوجب عليها استبدال 
"الفزاعة الشيوعية" بذريعة تبرر استمرار التحالف. فوجدت هذه الذريعة في الخطر الذي يشكله- 
حسب زعمها- العالم الثالث. وهذا ما يفسر تلاعبها بمفاهيم "الدمقراطية" و"حقوق الأقليات" 
و"حقوق الإنسان" التي تقوم حتى الآن على الأقل بدورها على أكمل وجه (أمين. 1993). 

إن هذه الفزاعة العربية الإسلامية من صعاليك المنطقة ربمما تكون مثال لما يسمى في علم 
النفس بالفوبيا أو الخواف أو كما أطلق "الإسلاموفوبيا" أو "الخوف من الإسلام". فأمريكا من ناحية 
سيكولوجية تبحث دانما عن عدو لكيما تعبر عن انفعال الخوف أو تنفس دافع العدوان الداخلي 
بالنسبة لها في الخارج أو في العدو المزعوم وذلك عن طريق تدميره كما دمرت الاتحاد السوفيتي 
وفق تقنيات الحرب الباردة وهي حرب سيكولوجية. فالفزاعة الشيوعية التي تخيف الأفراد 
والجماعات في أمريكا فتم استبدلها بالفزاعة الإسلامية والتي يجب تدميرها. وحتى إن كانت فزاعة 


لا تثير انفعال الخوف 


2/2 


من ناحية سيكولوجية بحتة. وكذلك يجب أن يوضع حد لصعاليك المنطقة من أجل 
الشعور الأمريكي بالاطمئنان. 

فمع انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشررقي والغربيء كما 
يعبر الأنباري (1997) شرعت الولايات المتحدة الأمريكية بإحكام قبضتها على ال منظمات الدولية 
والاقليمية. و خصوصا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: بما يخدم مصالحها الاستراتيجية ضد من لا 
يسلم بهيمنتها السياسية ويعزز من قدرتها التنافسية الاقتصادية مع حلفائها الغربيين والآسيويين. 
من ابرز هذه التطورات ظاهرة فرض العقوبات عن طريق مجلس الأمن على العديد من دول العام 
الثالث بذريعة أو بأخرى بما في ذلك ثلاثة بلدان عربية هي العراق وليبيا والسودان. إضافة إلى قيام 
أمريكا بفرض عقوبات انفرادية بموجب تشريعات أمريكية على إيران وكوبا وغيرها مباشرة. وعلى 
من يتعامل معها من الدول الأخرى بصورة غير مباشرة. 

أصدر مجلس الأمن عدة قرارات أثناء أزمة الخليج. وم يسبق للمجلس أن أصدر قرارات 
من حيث الكم والكيف تجاه الأزمات العايمية الحادة التي هددت قضية الأمن والسلام الدوليين على 
غرار ما حدث أثناء أزمة وحرب الخليج. ومن هذه القرارات: القرار رقم (660) الذي أدان الغزو 
العراقي للكويت, والقرار (661) المتعلق بفرض مقاطعة إجبارية وإنشاء لجنة للقيام بمهام محدودة 
تتعلق بتطبيق القرار تجاه العراق. والقرار رقم (662) المتعلق بعدم شرعية ضم الكويت إلى العراق. 
والقرار رقم (664) متعلق بوضع الأجانب والبعثات الدبلوماسية في كل من العراق والكويت. والقرار 
رقم (665) اتخاذ الخطوات اللازمة للتأكيد على تطبيق القرار 661. والقرار رقم (666) مراعاة 
الظروف الإنسانية في العراق والكويت في عملية المقاطعة وأن يتم تصدير الإمدادات الطبية تحت 
الإشراف الدقيق للأطراف المصدرة لها. والقرار رقم (667) المتعلق ممراعاة اتفاقيتي فينا لعامي 1961 
و1963 بشأن معاملة البعثات الدبلوماسية والقنصلية. والقرار رقم (669) تقديم مساعدات إلى 
العراق وفق نص امادة 50 من ميثاق الألأم المتحدة. والقرار رقم (670) امتداد إجراءات المقاطعة 


إلى جميع وسائل 


213 


النقل. والقرار رقم (674) اتخاذ إجراءات إضافية في حالة عدم امتثال العراق لقرارات 
مجلس الأمن والمساعي الحميدة للأمين العام. والقرار رقم (677) إدانة محاولة العراق لتغيير 
التكوين الديمغرافي لسكان الكويت وإتلاف السجلات المدنية التي تحتفظ بها الحكومة الشرعية 
للكويت. والقرار رقم (678) منح العراق فرصة أخيرة للامتثال لقرارات مجلس الأمن في موعد أقصاه 
5 يناير 1999 . والقرار رقم (686) المتعلق بإنهاء الحرب الدائرة في منطقة الخليج والتزام العراق 
بكل التدابير في هذا الشأن (أنظر خشيم.: 1993). 

يقوم علماء النفس بتعديل سلوك الفرد عن طريق العقاب على حسب فسلجة بافلوف أو 
برمجة اسكنر أو تكنولوجيا السلوك على المستوى الفردي. ويبدو أن الأمر ينطبق كذلك على ا لمستوى 
الجمعي ومستوى العلاقات الدولية. فالكيفية التي يقوم بها المعالج النفسي- في علاج المتعاطي 
للمخدرات هي محاولة إرجاعه للحياة الطبيعية عن طريق تعديل سلوكه بما يسميه علماء النفس 
"العلاج بالإكراه". ويمكن للمعالج أن يفرض سيطرته على هذا المريض الضعيف ويسوء استخدام 
تقنيات العلاج بالإكراه للوصول لنتائج سيكولوجية أخرىء مثلاء غسيل الدماغ. وتحاول الدول 
ا مهيمنة بنفس الكيفية فرض سيطرتها على الدول الضعيفة عن طريق العقوبات لكيما تعدل 
سلوكياتها. بالغم من أنها دولا لا تعاني من أي اضطراب داخلي أو بها أي سمات من الصعلكة. 
سيكولوجيا حرب الخليج 
إن أحد وجهات النظر في كيفية التأثير السيكولوجي على الأفراد والجماعات يمكن توضيحها من 
خلال تفحص الحملات الدعائية المغرضة في أوقات الحروب. ولخص عدس وتوق (1986) نتائج 
الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع (1) كلما كان وقوع الفرد تحت تأثر اعتقاداته العاطفية أكثر كلما 
صعب إحداث تغيير في حالته عن طريق الدعايات ا مغرضة (2) إن الالتزام بأي موقف يعتبر في حد 
ذاته سدا منيعا أمام إمكانيات التغير (3) إن هناك فرقا بين القيم والسلوك. إن الشخص قد يعرف ما 


هو الشيء الصواب. ويصدر عنه تأيبد لفظي لذلك. ومع ذلك فإنه يعمل الشيء الخاطى (4) إن 


214 


الأشخاص الذين يظهرون عدم التزام بمموقف معين أكثر الأفراد تأثرا بإمكانية التغيير (5) عندما يشعر 
الفرد أنه غير مقبول في جماعة. فإنه يكون من السهل التأثير عليه (6) عندما يكون فرد ما في حالة 
صراع؛ فإنه يكون من السهل السيطرة على إدراكه للأمور وتفسير مثل هذه الادراكات (7) إنه من 
الصعب تحديد ما هو صائب عندما تتشعب الولاءات بدلا من كونها جميعها موجهة في اتجاه واحد 
(8) إن الدعاية ال مغرضة يمكن أن تصدق إذا ارتبطت بحادثة يعرفها الجميع بأنها صحيحة. ويمكن أن 
تنطبق نتائج الدراسات المذكورة أعلاه على بعض الحروب. 

كشفت حرب الخليج في بعدها الإعلامي بشكل بارزء القسمات الرئيسية للمجتمع العالمي 
المعاصرء التي تشكلت بتأثر الثورة التقانية في مجال الاتصال. إن المجتمع المعاصر يصفه بعض علماء 
الاجتماع بأنه "مجتمع الفرجة" ويعنون بذلك "الصورة" التي تنقلها أجهزة التلفزيون عبر الأقمار 
الصناعية. حلت محل "الكلمة". وأصبحت هي التي تشكل الاتجاهات. وتصوغ القيم» وتوجه 
السلوك لملايين المتفرجينء الذين يقبعون في سلبية تامة لكي يتلقوا آلاف الرسائل الإعلامية المتنوعة, 
من نشرات إخباريةء تغطي الوقائع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحدث في العام, إلى 
الإعلانات التي صممت لكي يتحول الإنسان إلى حيوان مستهلك يلهث للحصول على السلع البراقة 
التي تتفنن الإعلانات في عرضهاء إضافة إلى المسلسلات التلفزيونية التي تأسر مخيلة المشاهدين من 
مختلف البلاد والذين ينتمون إلى ثقافات متنوعة كمسلسلات "دلاس" و"داينستي" وغيرها (يسين, 
1). 

ويمكن القول كما وصف المجتمع المعاصر بأنه "مجتمع الفرجة" يمكن وصف المجتمع 
العربي بأنه "مجتمع الصوت" أو "مجتمع الكلمة". يقول القصيمي (1977) الإنسان العربي كائن أو 
حيوان لغويء وللعرب موهبة كلامية. والعرب ظاهرة كلامية. وهم ظاهرة صوتية أو تصويتية؛ 
والعلاقة بين الآذان والأفواه العربية علاقة توافق وتناغم؛ وآذان العرب آذان صوتية لا فكرية, 
ويفرض العرب على الآخرين بأن يقولوا "سمعنا وأطعنا". ويرفضون أن يقولوا "سمعنا وفكرنا"” أو 


"3 5 فلم نقتنع"” أو 0 


215 


فجادلناء أو فلم نفهم أو فرفضناء أو فرفضنا شيئا وأطعنا شيئاء أو سمعنا وسوف نرى. وفي 
كتاب أدونيس (1983) المشهور "الثابت والمتحول" هناك إشارات للثقافة العربية بأنها شفاهية. 
فالعربي حسب رؤية أدونيس "يفضل الخطابة على الكتابة" ؛ وإن صح القول أن الشعر في الجاهلية 
كان "ديوان العرب" وأنه لم يكن للعرب علم أصح منه؛ وتوصف اللغة العربية بأنها "لغة الضاد" 
واللسان العربي بأنه " لسان مبين". 

في تقديريء أن الحضارة المعاصرة هي حضارة بصرية أدائية. فالكشوف والاختراعات العملية 
والتصميمات وبرمجة الكمبيوتر والتقانة الحربية الهائلة ا لمستخدمة في حرب الخليج تعتمد من 
ناحية سيكولوجية على الذكاء البصري العملي في "مجتمع الفرجة". والذي يعتمد بدوره على تآزر 
العين واليد أو التآزر البصري والحري وليس التآزر السمعي والكلامي أو تآزر الأذن واللسان كما في 
"مجتمع الكلمة" المغتصبة. ومن ناحية سيكولوجية إن التوتر ما بين لغة اللماضي "الكلمة" ولغة 
العصر "الصورة" ربما يعبر عن حالة من حالات العجز النفسي للأفراد والجماعات في العام العربي. 

كشفت حرب الخليجء كما يعبر يسين (1991) على أن مجتمعاتنا العاجزة عن أن تعكس 
صورتها عبر "الصورة" لم تجد أمامها سوى "الكلمة" تعبر بها عن مواقفهاء هذه الكلمة التي تنقلها 
أحيانا- وحسب إرادتها- وسائل الإعلام الغربيةء غير أن هذه الكلمة كما أثبتت الممارسات في حرب 
الخليج كلمة عاجزة بدائية. ومتخلفة, لأنها صنعت بعد "اغتصاب" عنيف للغة العربية. فظهرت 
وكأنها تعبير ساذج لشعوب لا تفرق بين الحقيقة والحلم؛ لا بين الأسطورة والواقع. شعوب تعتقد بأن 
"الكلمة" بذاتها إن لفظت أو نطقت أو أذيعت في خطاب سياسي أو بيان عسكري يمكن أن تحل 
محل "الفعل" بل هي "الفعل" ذاته. وهكذا وقع المشاهد سواء في الدول الغربية ذاتها أو في البلدان 
العربية نفسهاء بين مطرقة الإعلام الغربي الذي كان رمزه البارز محطة سي إن إن الأمريكية التي 
احتكرت الإعلام عن الحرب طيلة أربعة وعشرين ساعة في اليوم» وسندان "الكلمة" العربية العاجزة 
والمتخلفة, والتي أخفقت في مخاطبة العام باللغة العصرية التي يمكن أن تنفذ إلى عقول الناسء أو 


حتى تؤثر في وجدانهم. 


2106 


تعددت العمليات الاستخبارية ال مرتبطة بنزع السلاح من العراق مثل "ثعلب الصحراء" 
و"فنجان شاي" وم تعد أولوية وكالة الاستخبارات الأمريكية مساعدة اللجنة الخاصة على نزع سلاح 
العراق بل ازاحة صدام من السلطة. وبالتالي اتخذت الوكالة إجراءات لتقليص سيطرة انسكوم 
واستبدالها بسيطرتها ي تتمكن من التصرف على أساس المعلومات المتوفرة (الحياة. مارس, 1999). 
وحسب تعليق سيمور هيرش (الشرق الأوسطء أبريل 1999) أحد أبرز كتاب الصحافة الاستقصائية, 
فقد كتب مقالا في مجلة "نيويوركر" الأسبوعية الذائعة الصيتء أن الولايات المتحدة مكنت صدام 
حسين من التخلص من جهاز لجنة مراقبة التسلح العراقي التابعة للأمم المتحدة "انسكوم". ويقول 
إن صدام حسين اصبح نتيجة لذلكء. قادرا على المضي قدما في تنفيذ مشاريعه الخاصة بتطوير 
الأملحة النووية والكيمائية. ويشرح هيرش تفاصيل ما يدعوه بالتغلغل الأمريكي في انسكوم الذي 
يقول أنه يعود بتاريخه إلى عام 1997. فمع نهاية ذلك العام تمكنت هيئة جمع المعلومات الخاصة 
في "سي آي أية" من السيطرة الفعلية على عمليات انسكوم بهدف التنصت على مكللمات صدام 
حسين وبالتالي رصد تحركاته. 

ويضيف هيرش قائلا "إن اتصالات صدام غالبا ما تتم عبر المساعدين المقربين منه 
وبواسطة أجهزة هاتف "آمنة" منتشرة في جميع أنحاء بغداد. بالإضافة إلى جهاز هاتفي مثبت في 
سيارته ويعمل بالراديو. والواقع أن العملاء الأمريكيين كانوا يرصدون مكالمات صدام لشهور دون 
علم ريتشارد بتلر الدبلوماسي الأسترالي الذي ترأس انسكوم. ويتابع هييرش رواية القصة بقوله أنه 
"في مطلع ربيع عام 1998 نجحت المجازفة وأمكن فك الشفرة فإذا بالمكالمات التي يتكتم عليها 
صدام تصبح مكشوفة للجنة انسكوم وهكذا نجحت أخطر عملية في نوعها منذ نهاية الحرب 
الباردة". ودرس طاقم خاص من العملاء الأمريكيين تلك المكالمات التي استغرقت عددا كبيرا من 
الساعات فوفرت للخبراء مجموعة من الإستبصارات التي تميط اللثام عن شخصية الرئيس العراقي. 
نريد أن نقول بذلك بأن هدف انسكوم تحول من مجرد مراقبة التسلح إلي محاولة فهم وتنبؤ 


بسلوك أو دراسة سيكولوجيا صدام حسين إيذانا بمرحلة حرب 


217 


باردة جديدة بعد الحرب الساخنة. فإن دراسة شخصية صدام ربما كانت عند المخابرات الأمريكية 
أو بعض علماء النفس هو خطوة رئيسية في عملية التحكم في الشخص الذي يصدر القرارات 
العسكرية ويبني الترسانات الحربية. 

لقد دعت أحد الشركات الأمريكية, ذات ا مصالح الاستثمارات الاستراتيجية الكبيرة في مجال 
البترول» في الشرق الأوسطء خبير الباراسيكولوجيا دمميز والذي عمل سابقا كقائد ل"وحدة التجسس 
البراسيكولوجي" في الجيش الأمريي مع مجموعته وذلك لجمع بعض المعلومات والتحليلات عن 
شخصية صدام حسين. وتضمن ذلك أولا : دراسة وتحليل عقليه صدام ونواياه ودوافعه وحالاته 
الانفعالية والسلوكية. وثانيا: العمل على دخول غرفة عملياته للحصول على معلومات تتعلق بخططه 
الحربية. وعملياته العسكرية. ونقاط قوته وضعفه وبعض مشاريع الخداع. وثالثا : جمع معلومات 
عامة عن رؤية مستقبلية لمنطقة الخليج العربي خلال 6 أشهر قادمة (كنستنتينء 1997). 

ومع سخونة حرب الخليج وتعزيزها ب "علم النفس العسكري" هناك مساهمة أخرى 
لعلماء النفس في مجال إيقاف الحرب وبلغة أدق حل الصراع سلميا وفق مبادئ "علم نفس السلام". 
لقد شمل التعتيم في الداخل الأمريكي ما يمكن تسميته؛ على حسب تعبير الدباغ (1998). "بتكميم 
الأفواه" لقد عتم الإعلام الأمريي على أخبار المعارضة للحرب وعلى نشاطات الهيئات الشعبية 
والاحتجاجات الجماهيرية وعلى فعاليات الجهات الرسمية وكذلك المؤسسات المختلفة (حجار 
1. وعلى سبيل المثال فإن جهودا كبيرة بدأتها إحدى أقسام الجمعية الأمريكية النفسية التي 
تضم ما يقرب من 220 ألف عضو والتي كانت قد أنشئت في العام 1982 وهذا القسم يسمى قسم 
"علم نفس السلام" وتنصب نشاطاته وأبحاثه على تقديم الدراسات وطرح الأفكار العلمية على صناع 
القرار والسياسات في الإدارة الأمريكية الرامية إلى إعادة رسم هذه السياسات بما يخدم السلم 
العالمي» والتدخل المباشر عند نشوب أزمات تهدد السلام في العام. 

وانبرى علماء هذه الجمعية منذ نشوب أزمة العراق في بداية 1990 بطرح أفكارهم على 


جورج بوش وإدارته في رسم الطرق السيكولوجية-السياسية بالتعامل مع الأزمة 


218 


بما يكفل عدم التورط بالحرب ولكن كل هذه الجهود ظلت غائبة عن الجمهور وتم التعتيم 
التام عليها ونم يسمع صوتها أحد وأجهضت جهودها المناهضة للحرب والرامية إلى الاستعاضة عن 
ذلك بالحلول السلمية والمباحثات بنية صادقة ودون شروط مسبقة. ويتابع التقرير الذي نشر في 
صحيفة "مونيتور" التي تصدرها الرابطة النفسية الأمريكية "ومثل هذا الاتجاه في التعامل مع الأزمة 
لا تكون أمريكا إطلاقا قد تراجعت عن مبدثها الذي أعلنته بعدم مكافأة المعتدي على عدوانه. إن م 
نقل أنه سيفقد صدام الكثير من مكانته في العالم العربيء ومن خلال تراجع صدام وامتثاله لقرارات 
الأمم المتحدة بتشجيع صادق من الولايات المتحدة الأمريكية فإننا نكون تجنبنا توجيه ضربة نحن 
عمليا نحذر منها علنا ونطلب من العراق أن يتفاداهاء وربحنا السلام, ورفعنا الحظر عن شعب 
العراق وأبقينا صدام في السلطة وعاد من جديد إلى أسرة الأمم المتحدة". 

كتب مايك فيسلزء رئيس قسم علم نفس السلام بالرابطة النفسية الأمريكية, مقالا بعنوان 
"الرد الأمريكي على أزمة العراق-الكويت يدخل ضمن علم النفس العتيق البائد". وطرح مايك في 
هذا المقال أربعة ميادين التي من خلالها يمكن خلق المناخات السيكولوجية التي تقود للحرب. أولا: 
الحشود المتعاظمة للقوى: وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وليس قوات حفظ السلام المتعددة 
الجنسيات التابعة للأمم المتحدة: الأمر الذي يستفز صدام حسين ويشعل نيران الكراهية في نفوس 
العرب ضد أمريكا. ثانيا: ميل السلطات الأمريكية إلى طلاء صدام بالألوان الشيطانية الشر_يرة 
ومماثلته لهتلر في الوقت الذي يوجد فرق كبير بين الاثنين في كل المقايبس. ثالنا: إن تجاهل أمريكا 
دعمها لصدام دعما غير محدود خلال حربه مع إيران يدل على استخدام أمريكا لآلية الإنكار وهي 
آلية للدفاع عن النفس. رابعا تستند الولايات المتحدة الأمريكية في سلوكها على "عقلية نجومية" التي 
لا تتوافق مع الصورة السياسية الداخلية المتبدلة. وترى هذه العقلية أنه لأمر طبيعي وحتى شيء 
متوقع أن تحارب أمريكا من أجل مصادر موجودة في أرض غير أرضها ومسكونة من قبل غيرها. 


ويضيف حجار (1991) تلك هي جهود علماء النفس التي م تبرزها الصحافة 


219 


العالمية خلال مسيرة الأزمة. ومواقفهم منهاء ونشاطاتهم الكبيرة التي بذلت لحل الأزمة حلا 
سلمياء ثم قناعتهم أن السياسيين والعسكريين هم الذين يهيئون الرأي العام لقبول الحرب التي لا 
بديل لها. إن السؤال الذي يمكن طرحه بأن هناك فرع قوي هو علم النفس الحربي أو العسكري. 
ولعب هذا الفرع أدوارا كبيرة في تعزيز حرب الخليج الثانية ويقابل ذلك فرع لعلم نفس السلام. 
إنها ملفارقة سيكولوجية كيف يكن فهمها في ظل التحكم العالمي؟ علم نفس عسكري يحمل المدفع 
ويبطش بقوة وقسوة بلا رحمة من جانب وعلم نفس يحمل غصن الزيتون ويدعو للسلام والرحمة! 
حرب الخليج النفسية ما بين الدباغ والرشيدي 
الحرب في جوهرها تبادل منظم للعنف. والدعاية في جوهرها عملية اقناع, بينما تهاجم الأولى 
الجسد. فإن الثانية تنقض على العقلء الأولى حسية والثانية نفسية. وفي زمن الحرب تهاجم الدعاية 
والأعمال الحربية النفسية جزءا من الجسد لا تستطيع الأسلحة الأخرى أن تصل إليه. إنهما تحاولان 
رفع معنويات أحد الجانبين وأن تنسفا إرادة القتال لدى الآخر. وترسم الدعاية في زمن الحرب 
خططها لإقناع الناس بأن يخوضوا القتالء والحرب النفسية من الجانب الآخر هي الدعاية المخططة 
لإقناع الطرف المقابل ألا يخوض القتال. وعلى هذا النحوء فإنهما سلاحان لا يقلان أهمية عن 
السيوف أو البنادق أو القنابل. ومن المؤكد أن أسلحة العقل ومتفجراته هذه مثلها مثل الأسلحة 
التقليدية, أصبحت معقدة بشكل متزايد مع ما تحقق من أنواع التقدم في التكنولوجيا وعلم النفس 
(تايلور. 2000). 
وفقا لهذا الفهم للحرب النفسية نحاول في هذا الجزء من الدراسة أن نعالج الكيفية 
التي تم بها النظر بالنسبة لهذه الحرب في حرب الخليج الثانية من قبل بعض وجهات النظر 
النفسية. وسوف تناول بصورة محددة وجهة نظر العقيد الأردن مصطفى الدباغ الذي كتب كثيرا 
عن الحرب النفسية. ومن بين مؤلفاته "الحرب النفسية الإسرائيلية" (الدباغ. 1995)», و"الحرب 


النفسية في الإسلام" (الدباغ. 1998أ). و"المرجع في الحرب 


230 


النفسية" (الدباغ. 1998ب). "ماذا وراء الهجمة الإعلامية الصهيونية" (الدباغ. 1990). "الإشاعة" 
(الدباغ, 1985)» "الإقناع: فن أم حرب" (الدباغ, 1997). كما نتناول كذلك وجهة نظر عام النفس 
الكويتي بشير الرشيدي فقد قام كذلك بعدة إسهامات في تحديد الآثار السيكولوجية للعدوان 
العراقي على الأفراد والجماعات في الكويت. ومن بين أبحاثه الممتازة في هذا الشأن» نذكر منها على 
سبيل المثال لا الحصرء "الخريطة النفسية والاجتماعية للشعب الكويتي بعد العدوان العراقي" 
(الرشيديء 1994). "سيكولوجية جماعات العمل الكويتية أثناء العدوان العراقي" (الرشيديء 
5 ب,). و"الحرب النفسية المرتبطة بالعدوان العراقي ضد الشعب الكويتي" (الرشيدي, 1995ب)» 
"علم النفس وإعادة بناء الإنسان الكويتي بعد الصدمة" (الرشيديء, 1998). ونحاول بقدر الإمكان 
أخذ بعض المقتطفات الهامة التي تعبر عن أهم الآراء السيكولوجية المتعلقة بالحرب النفسية وبعض 
آثارها النفسية. 

حسب وجهة نظر الدباغ (1998ب) هناك عدة أهداف نفسية استراتيجية في حرب 
الخليج تتمثل في الآتي: (1) إقناع الرأي العام الأمريي بشكل خاص والرأي العالمي بشكل عام بشرعية 
اتخاذ قرار الحرب ضد العراق وذلك بإظهار العراق الدولة القوية المنتهكة للشرعية الدولية (2) 
تضليل الرأي العام العربي عن حقيقة الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة والتي يقف 
على رأسها هدف السيطرة على منابع النفط والتحكم بإمداداته وأسعاره (3) عمل كل ما من شأنه 
في المجال الإعلامي النفسي أن يخدم الأهداف الاستراتيجية للعمل الحربي (4) بناء التحالف من خلال 
كسب تأييد البلدان المحايدة» ومن ثم الإبقاء والمحافظة على التحالف وتماسكه تحت مظلة الشرعية 
الدولية والأهداف الإنسانية المعلنة (5) ردع ودفع العراق إلى الاستسلام عن طريق تحطيم معنوياته 
وكسر إرادة القتال لديه وعزله وإبقائه وحيدا بلا نصراء ولا أصدقاء ومن ثم تدمير قدراته العسكرية 
وقوته المادية (6) إظهار الحرب في جميع مراحلها حربا نظيفة من خلال الأسس النفسية والتي 
تفضي إلى ممارسة الأساليب الإعلامية مثل التعتيم والكذب والخداع (7) التمهيد لقيام النظام العالمي 


الجديد الذي تقوده الولايات 


251 


المتحدة وتحسين صورته عالميا وذلك من خلال ارتدائه لباس الشرعية الدولية وإظهاره بمظهر 
المحافظ على العدالة وإقرار السلام العالمي وعدم السماح لأي كان بالخروج عليه. 
يجمع المحللون والدارسون في حرب الخليج (أمين. 1991؛ الدباغ, 1998ب) أن وسائل 
الإعلام التي سخرها الغرب لحملته على العراق كرست أقصى الطاقات والإمكانيات لتشويه الحقائق 
وإسباغ الشرعية والعدالة على حرب مدمرة ظللمة كانت شعارات الإدارة الأمريكية التي تسوق 
الأمريكيين خلفها منذ البداية» كلها كذب وخداع وانطلق الشعار الأول الذي يقول ستدافع الولايات 
المتحدة عن الشرعية الدولية ضد دكتاتورية الرئيس صدام الذي قتل الدمقراطية في الكويت. وكان 
شعار الحملة العدوانية الثاني سنرسل قواتنا إلى السعودية للدفاع عنها. ثم تحول هذا الشعار بعد أن 
أصبح الحشد كافيا إلى أن الهدف هو إخراج صدام من الكويت. تم تحول هذا الشعار إلى تدمير 
البنية العسكرية والصناعية في العراق ثم تحول الهدف إلى تدمير العراق بكامله لإعادته للعصر 
الحجري. ثم اصبح الهدف ملاحقة صدام نفسه. يقول أمين (1991) هكذا توجه المطحنة الإعلامية 
في الولايات المتحدة والغرب» ينتقل الساسة من شعار إلى شعار يرسخون في نفسيات المواطن هناك 
ويدعمونه باستطلاعات تفصل علميا لتناسب نتائجها الهدف النفسي ويدعمونه أيضا بخبراء نفسيين 
من مكاتب الاستخبارات الأمريكية والغربية التي لا تؤمن إلا بتصفية إرادة الشعوب وحكامها 
الرافضين للهيمنة الغربية ثم ينتقلون إلى الشعار الذي يليه وخلفهم تسير أوركسترا إعلامية ببرامج 
وتحليلات مركزة متكررة حتى ترسخ المفاهيم الجديدة وهكذا في عملية تصعيدية حتى تصبح 
الجريمة فضيلة لدى الرأي العام عندهم. 
قام الإعلام الغربي والأمريي على وجه الخصوصء باستخدام مجموعة من الأساليب النفسية 
العامة التي ينطلق من خلالها وبواسصطتها في معاركه الإعلامية في حرب الخليج. ومن بين هذه 
الأساليب النفسية التي اعتمد عليها ما يعرف بنظرية "التأثير النائم"' وملخصها أن الإنسان يختزن في 
ذاكرته مصدرا أو حدثا يبقى نانما في داخله إلى أن يوقظه مصدر أو حدث مشابه لذلك المخزون. 


ومن أمثلة ذلك السؤال 


2052 


الذي وجهه مندوب ال (سي. إن. إن) لعدة شخصيات عربية من أن الولايات المتحدة 
ستكون بديلا للاستعمار البريطاني والفرنسي- الذي ساد المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الأولى. 
ومثال آخر عندما كان مندوب التلفزيون الإسرائيلي يجوب المناطق العربية المحتلة ووجه سؤلا إلى 
أحد المواطنين في يوم 17 يناير 1991 إلى أن صدام لم يضرب إسرائيل كما وعدكم وهاهي تل أبيب 
بخير أين وقد دمرت كل صواريخه ومنشآته العسكرية الآن؟ ألا تتعظون مما حدث لكم في السابق 
و كان السائل قد وجه هذا الشخص إلى أن يجيب بشكل عفوي وعشوائي وقد بدا عليه إحساس 
المغلوب على أمره؛ والمضلل إعلامياء لقد كذب علينا القادة العرب العسكريون عام 1967 (أنظر 
مروان خيرء 1991 في الدباغ. 1998ب). 

إن أكبر عمليات الخداع؛ وفقا للدباغ (1998ب). في حرب الخليج هي تصعيد الولايات 
المتحدة من خلال المعلومات الكاذبة لموقف ولخلاف بين العراق والكويت منذ البداية. فقد تم 
بالكذب والوقيعة تعبئة الطرفين وتم شرح العمليات بالتفصيل في مجموعة مقالات نشرتها صحيفة 
الرأي الأردنية وملخصها استخدام السفراء الأمريكان لدى العراق والكويت والرسائل المتبادلة والصور 
الجوية والوثائق المزيفة لإيهام الكويت بأن مباحثات العراق وطلباته حول الديون وترسيم الحدود 
وحقه في نفط الرميلة إنما هي طلبات ابتزازية تصاعدية مما يجب رفضها ورفض التفاوض عليها لأن 
العراق يضع نصب عينه احتلال الكويت. وبالوقت نفسه تمرير المعلومات للعراق عن الكويت 
وسرقته لنفط حقل الرميلة الحدودي وتطمينات للعراق عبر السفيرة الأمريكية (ايبريل غلاسبي) في 
اتخاذ لآي إجراء يضع حدا للممارسات الكويتية علما بأن السفيرة ا لمذكورة قد جرى استجوابها لاحقا 
في أمريكا بحجة عدم نقلها معلومات صحيحة للعراقيين فكانت ضحية ذات دور محدود. 

وكان من أبرز عناصر الحملة الإعلامية النفسية الموجهة للعرب (1) تخويف العرب من 
أطماع الرئيس العراقي العدوانية مما يجعلهم يشعرون بحاجة الحماية الغربية وذلك من خلال 


تضخيم القوة العراقية والتشكيك بنوايا القيادة العراقية (2) إيجاد 


203 


ا مبرر للحشود الغربية في المنطقة حتى لا تظهر في حقيقتها كاستعمار جديد للأرض العربية مما 
يؤجج الأحقاد لدى العرب ويدفعهم للتشكيك في النوايا الغربية (3) العمل على التأثير على الروح 
المعنوية وإرادة القتال لدى الأمة من خلال مجمل الحملة الإعلامية الغربية التي تقنع العرب 
استحالة الاعتماد على الذات (4) العمل الإعلامي النفسي ‏ على تشتيت الصف العري والزيادة في 
خمزيقه من خلال اطروحات: العرب المعتدلين والعرب المتطرفين. وغيرها من تصنيفات دول الضد. 

أما فيما يتعلق بوجهة نظر عاط النفس الكويتي الرشيدي (1995) عن الحرب النفسية فقد 
لخصها بأنها "عمليات من الضغط والتدمير النفسي والمعنويء» يقوم بها طرف ما في صراعه ضد طرف 
آخر من أجل نشر الخوف والقلق والتذبذب وتهيئة الظروف المناسبة لإثارة الشك في النفس والإرادة 
والسلاح والقادة في الماضي والحاضر والمستقبل: وتعتمد على الممارسات العنيفة. في حالة إمكانية 
ذلك. كما تعتمد على الكلمة ال مسموعة وال مكتوبة وامادة المصورة. وأيضا على الإشاعات والنكت 
وغيرهاء كما تقوم على توظيف علوم النفس والاجتماع بما يتناسب مع أهداف القائمين عليها". 
وحسب نظرة الرشيدي فإن الحرب النفسية اتسمت بخاصيتين بارزتين.ء هما الكذب والتفرقة بين 
الشعب الكويتي وحكومته الشرعية. وأهم مظاهر أسلوب الكذب تمثلت في الادعاء بأن القوات 
العراقية جاءت إلى الكويت لنجدة "ثورة قام بها فتية آمنوا بربهم فزادهم هدى". ومن الواضح بأن 
البيان الأول لرموز العدوان يعكس استغلال المعاني والأفكار الإسلامية في محاولة لاحتواء الرأي العام 
الكويتي» وتضليل الرأي العام العالمي. أما أهم مظهر لأسلوب التفرقة» يتمثل في الحديث عن الثورة 
المزعومة ومحاولة تشويه صورة القيادة الشرعية. كما اختلطت مفاهيم وعمليات الحرب النفسية 
بالدعاية والإعلام وحرب الأعصاب وبالتسميم السياسي وغسيل المخ وحرب المعلومات. 

أجرى الرشيدي (1995) دراسة ميدانية فريدة من نوعها عن الحرب النفسية المرتبطة 
بالعدوان العراقي ضد الشعب الكويتي وبعض جوانب التأثير ورد الفعل السيكولوجي. فتم إجراء 


الدراسة على عينة قوامها 1000 مفردة من المواطنين الكويتيين ذوي الأعمار 


264 


5 سنة فأكثر. نصفهم من الذين كانوا داخل الكويت أثناء فترة العدوان العراقي والنصف 
الآخر من الذين كانوا بالخارج. واعتمدت الدراسة على استبانة صممت على ضوء ممارسات الحرب 
النفسية التي قام بها العدوان العراقي أثناء الأزمة. وغطت الاستبانة ثلاثة محاور: المحور الأول: تدور 
بنوده حول محتوى الرعب في الحرب النفسية التي مارسها العدوان العراقي المتعلقة بإرهاب 
المواطنين وتخويفهم. وشمل المحور الثاني: أساليب الحرب النفسية التي مارسها العدوان بينما شمل 
المحور الثالث المشاعر السلبية لدى المبحوثين سواء تجاه الذات أو الأهلء أو اتجاه النظام العراقي 
ورموزه ومن تحالفوا أو تآمروا معه. وتنصب بنود هذا المحور على مشاعر عدم الأمن والكراهية. 

وصنفت دراسة الرشيدي في نتائجها محتويات الرعب في الحرب النفسية التي مارسها 
العدوان العراقي إلى القتلء والأسر أو الاعتقال أو التعذيبء والتحرش بالنساء ومعاناة الأطفال وكبار 
السنء» واختطاف الأطفال من البيوت. ونهب المحلات والممتلكاتء وتدمير المنازل والمؤسساتء وقطع 
مياه الشربء ونقص المواد الغذائية. ونقص الأموال وفقدان الوظيفة. وتدهور المرافق الصحية. 
واتضح من دراسة الرشيدي بأن محتوى الرعب في الحرب النفسية لم يكن مصدره فقط وسائل 
الاتصال الجماهيرية من إذاعة وصحافة وتلفزيون إنما كانت له مصادر متعددة بجانب ذلك» 
فا مواطنون الذين ظلوا في الداخل تعرضوا لمحتوى الرعب من خلال الإدراك المباشر للحقيقة التي 
يعبر عنها هذا المحتوى. أما الذين كانوا في الخارج فقد تعرضوا لمحتوى الرعب من خلال وسائل 
الإعلام في الدول التي كانوا يقيمون فيهاء بالإضافة لوسائل الإعلام الدولية. 

كما أظهرت دراسة الرشيدي بأن أهم أساليب الحرب النفسية التي مارسها العدوان العراقي 
شملت الكذب وامبالغة, والربط المزيف. واستغلال الدين الإسلامي» واستغلال فكرة العروبة, 
واستغلال الاقتصاد. والتناقض والتضارب. وعرض الرأي على أنه حقيقة. والتبرير الزائفء والتجاهل 
المتعمد. وحسب وجهة نظر الباحث بأن الدعاية المضادة والإعلام من جانب دولة الكويت ودول 
التحالف ساهمت إلى حد كبير جدا في التقليل من تأثير الحرب النفسية التي مارسها العدوان 


العراقي ضد الشعب الكويتي. 


205 


وأظهرت دراسة الرشيدي بأن مشاعر ا مواطنين الكويتيين تجاه القوة الفاعلة في الحرب 
النفسية التي مارسها العدوان العراقي شملت مشاعر عدم الأمن على النفس والأهلء والكراهية 
تجاه نظام الحكم والقوات العراقية وللشعوب المؤيدة للعدوان والنظم العربية المتحالفة مع النظام 
العراقي ولبعض الجاليات الأجنبية في الكويت. 

على ضوء نتائج دراسة الرشيدي فإن الحرب النفسية التي مارسها العدوان العراقي جعلت 
المواطن الكويتي يقع تحت ضغط انفعالي تطلب بذل مجهود مضاعف في سبيل التوافق والتكيف 
مع ظروف البيئة. ولقد ظهرت آثار الإنهاك النفسي بعد التحرير في صورة أعراض واضطرابات ما بعد 
الصدمة والتي كشفت عنه العديد من الدراسات النفسية (الرشيديء. 1995). منها علم النفس 
وإعادة بناء الإنسان الكويتي بعد الصدمة (الرشيديء 1998)؛ الاضطرابات النفسية والجسمية 
الناجمة عن العدوان العراقي عند المراهقين الكويتيين (بارون» 1993)؛ التغيرات السلوكية للأطفال 
الكويتيين بسبب الاحتلال العراقي الغاشم (الحمادي وآخرونء 1993)؛ حرب الخليج وأثرها على 
بعض الجوانب النفسية والاجتماعية للطلبة الكويتيين (الديبء 1993). ومن الدراسات الأخرى: 
انعكاسات الغزو العراقي الغاشم على الحالة النفسية للطلبة والطالبات الكويتيين في المرحلة الثانوية 
وكيفية مواجهتها (إدارة الخدمة النفسية, 1992)؛ أثر الغزو العراقي الغاشم للكويت على بعض 
السمات النفسية لدى طلبة التعليم العالي (إدارة الخدمة النفسية, 1993)؛ الشخصية وبعض 
اضطراباتها لدى طلاب جامعة الكويت أثناء العدوان العراقي (المشعانء 1993)؛ الآثار النفسية 
والاجتماعية للغزو العراقي على المواطن الكويتي (المطوع والعليء 1992)؛ مؤثرات الإحباط وأساليب 
التكيف ال مرتبطة بمعوقات إشباع حاجات المواطن الكويتي أثناء العدوان العراقي (الرشيدي. 1995)؛ 
القلق لدى الكويتيين بعد العدوان العراقي (مكتب الإنماء الاجتماعي, 1995). وصحيح كذاك بأن 
حرب الخليج قد سببت الكثير من الاضطرابات النفسية للأفراد والجماعات في العراق ولكن لم يجد 
الباحث دراسات منشورة في هذا المجال. 


وسوف ألخص دراسة لواحدة من عالمات النفس الكويتيات الأكثر جدية وغزارة 


256 


في إنتاجها ا منشور في الدوريات العالميةء لقد أجرت فوزية هادي (1996) دراسة موسومة 
"تأثير العدوان العراقي في الجوانب الانفعالية والمعرفية للأطفال". تألفت عينة الدراسة من 151 
طفلا كويتيا تراوحت أعمارهم ما بين التاسعة والثانية عشرة من العمر. وتم تصنيفهم في أربعة 
مجموعات تبعا لنمط تعرضهم للعنف. وتم اختيار الأطفال بواسطة اختصاصيين نفسيين مدربين 
وتألفت بطارية التقويم من مقاييس معرفية ووجدانية شملت (1) مقياس وكسلر الكويت لذكاء 
الأطفال (2) مؤشر اضطراب رد الفعل الاجهادي لما بعد الصدمة (3) قانئمة مظاهر الاكتئاب عند 
الأطفال (4) مقياس القلق الصريح المعدل للأطفال (5) اختبار المواءمة الحياتية للأطفال (6) مقياس 
المساندة الاجتماعية للأطفال (7) استمارة المقابلة المقننة للأزمات للأطفال. 

وأظهرت النتائج الهامة لدراسة فوزية هادي أنه بعد مرور عدة سنوات على انتهاء أزمة 
الخليج فإن الأطفال الذين تعرضوا لصدمة حادة وكذلك آبائهم: مازالوا يكشفون عن مستويات من 
القلق النفسي تزيد على ما نجده في مجموعة الصدمة غير المباشرة. وأشارت الدراسة إلى وجود 
ارتباط بين مؤشرات اضطراب توتر ما بعد الصدمة؛ والاكتئاب والقلق. وإن الصورة النفسية العامة 
التي تظهر على هؤلاء الأطفال تتفق مع نمط القلق النفسي الملاحظ في البالغين. 

عموما يلاحظ في نظرة الدباغ للحرب النفسية في أزمة الخليج كانت من منظور التدويل 
وأن الحرب النفسية كانت بين الولايات المتحدة وبين العرب بصورة عامة و العراق بصورة خاصة 
وليس بين العراق والكويت فحسب. وأن وسائل الإعلام الغربية خاصة الأمريكية شوهت الحقائق 
ووظفت الكذبء وإن أكبر عمليات الخداع هو تصعيد الولايات المتحدة من خلال المعلومات 
الكاذبة. كما يلاحظ كذلك بأن الدباغ لم يجري دراسة ميدانية إنما اعتمد على تحليل المحتوى للرسالة 
الإعلامية. 

بينما يلاحظ بأن الرشيدي نظر للحرب النفسية من منظور يختلف من منظور الدباغ إنما 
هي حرب بين العراق المعتدي (بكسر الدال) والكويت ا معتدى عليها (بفتح الدال). ووفقا لذلك 


المنظور كانت معالجته لسمات وأساليب الحرب النفسية التي 


257 


شنتها العراق وا مشاعر نحوها. واتسمت الحرب النفسية عند الرشيدي كذلك بخاصية 
الكذب والتفرقة, وتتمثل أهم سمات هذه الحرب في الرعب اموجه للمواطن الكويتي بأساليب شتى 
أدت لعدد كبير من الاضطرابات النفسية فيما بعد الصدمة. ويتفق كل من الدباغ والرشيدي على 
استخدام أسلوبي الخداع والكذب في حرب الخليج. ولكن يختلف مصدر هذا الخداع والتكذيب فعند 
الدباغ هي الولايات المتحدة. بينما عند الرشيدي هي العراق. ومهما يكن مصدر الاختلاف فإن 
الخداع هو من أساسيات الحرب النفسية: وبلغة أدق أهم الأساسيات كما يقول شعار الموساد الشهير 


"عن طريق الخداع". 


الموساد: الأسطورة التي تتقهقر 

أصبحت أعمال الاستخبارات الإسرائيلية الميدانية التي تقوم بها "الشين بيت" و"أمان" و"الموساد" 
أسطورة في تاريخ الاستخبارات في العالم. فقد لاحظنا المعاهد الكبيرة التي تجرى فيها الأبحاث 
والاستخدام الذي لتطبيقات علم النفس في قسم الأبحاث التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية. كما لاحظنا 
عملية الاختيار الصارمة لطلاب علم النفس في جامعة تل أبيب وا مستوى الرفيع لعلم النفس في 
إسرائيل مقارنة مع بقية المهن. وبرهنت الخدمات السيكولوجية المقدمة للجيوش الإسرائيلية على 
أهميتها كعامل خطير بالنسبة لقوات الدفاع الإسرائيلية. وتبعا لذلك تم توظيف علماء النفس في كل 
الوظائف القيادية. وغالبا ما يتم اختيار العملاء الموهوبين من قبل المخابرات الإسرائيلية "الأول بين 
الأكفاء", أو "ميمون" بالتعبير العبري. وتم تصميم النصب التذكارية على هيئة الدماغ البشري وذلك 
بالاستخدام الذي لكل القدرات العقلية بالنسبة لعملاء الموساد. ولقد أنقذ "جدعون" البطل اليهودي 
إسرائيل من قوات أكثر عددا وذلك باستخدام "الذكاء" أحسن استخدام. وعموما كانت الاستخبارات 
الإسرائيلية هي أفضل إنجاز للدولة الإسرائيلية. لكن بالرغم من هذه الرموز الإسرائيلية للذكاء في 
"ميمون" أو "جدعون" فقد منيت الاستخبارات الإسرائيلية بسلسة من الهزائم. 


"عن طريق الخداع" هو شعار الموساد الدائم. وتعمل الموساد على توزيع محطاتها 


208 


في العالم بقدر عال من التمويه والحذر والحيطة. فالولايات المتحدة مثلا لها محطة في 
موسكو كما أن للروس محطتين في واشنطون ونيويورك» لكن إسرائيل ليست لها محطة في دمشق. 
أنهم لا يدركون أن الموساد تعتبر جميع أقطار العام ومنها أوربا والولايات المتحدة: أهدافا. فمعظم 
الأقطار العربية لا تصنع أسلحتهاء ومعظمها تفتقر إلى كليات عسكرية رفيعة المستوى مثلا. وإذا 
أردت أن تجند دبلوماسيا سوريا فإنك لا تذهب لدمشقء إذ يمكنك القيام بذلك في باريس مثلاء وإذا 
أردت معلومات عن سوريا فإنك لا تذهب إلى دمشقء إذ يمكنك القيام بذلك في باريس مثلاء وإذا 
أردت معلومات عن صاروخ عربي فإنك تحصل عليها من باريس أو لندن أو الولايات المتحدة حيث 
يصنع ذلك الصاروخ والمعلومات التي يمكنك الحصول عليها من العرب اقل مما يمكنك الحصول عليه 
من الأمريكيين؟ طائرات الاواكس؟ أنها من صنع شركة بوينج. وشركة بوينج أمريكية (أنظر, 
استروفسكي وهويء 1990). بالرغم من عمليات التمويه والحيطة والحذر لقد منيت الموساد 
بمجموعة من الهزائم والكوارث وتبعا لذلك أصبحت هذه الأسطورة واقع تم قهره في كثير من 
العمليات. 

دأبت الأوساط الحاكمة في المؤسسة العسكرية الصهيونية على طرح المقولات ونسج 
الأماطير حول قواتها المسلحة. فجيشها لا يقهر. والعسكري عندها لا يعرف التردد أو التراجع (نوفل, 
2.26 وحاول قادة الكيان الصهيوني أن يحيطوا أجهزتهم الاستخبارية بهالة كبيرة قادت مسئوليها 
إلى الشعور بالنشوة المشوبة بالغرورء بعد كل نجاح استخباري حققوه. الأمر الذي جعل بعض 
العرب يميلون إلى الاعتقاد بأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قادرة على معرفة ما يدور بين جنبات 
مساكنهم ولو همسا. وصحيح بأن أجهزة الاستخبارات هي الدماغ الذي يحكم العمل العسكري 
الإسرائيلي الذي اعتمد أسلوب المفاجأة فحقق انتصارات سريعة. وجعلت من الجيش الإسرائيلي 
الأسطورة العجزة. وحين فقدت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بريقها. حيث تم اختراقها وتضليلها 
انكشف القناع عن وجه هذا الجيش فبدأ على طبيعته يمكن أن يقهر ولسوف يقهر (أسرة دار 


الجيل. 1986). 


209 


تولى أميت رئاسة الموساد وياريف رئاسة أمان عام 1964. وتم نقل الوحدة 188 التي كانت 
مسؤولة عن زرع الجواسيس الإسرائيليين والإشراف عليهم في الدول العربية إلى الموساد. اتفق أميت 
وباريف على أن يتولى الموساد الإشراف على العملاء العرب والإسرائيليين في الدول العربية بينما تتولى 
أمان الاشراف على العملاء العرب في الدول العربية المجاورة, وأدى هذا الترتيب الجديد إلى انتقال 
بعض مسئولي أمان ومنهم مسئولي الوحدة 188 إلى الموساد مما أدى إلى إزالة شكوى الجيش بأن 
تلك المؤسسة المدنية فشلت في تزويده بمعلومات الاستخبارات العسكرية (أنظر بلاك وموريس» 
2. واعتبر فشل إسرائيل في توقع نهاية حرب الخليج بين العراق وإيران عام 1988 علامة مثيرة 
للقلق. وفي الداخل كان اندلاع الانتفاضة الفلسطينية واستمرارها في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 
7 فشلا للشين بيت ولأمان في قراءة المتغيرات السياسية والسيكولوجية في معسكر العدو. رغم 
النجاح الكبير الذي أحرزته الموساد في عملياتها ورغم الإشراف على عمليات تدريب العملاء ورغم 
الصورة الأسطورية لرجال المخابرات لكنها منيت بسلسلة من المحاولات الفاشلة أو بالكوارث. 

ألقي ثلاثة من عناصر الشرطة السرية العراقية القبض على يهود تاجار (اسمه الرمزي دان 
وفيما بعد غاد) وموردخاي بن بورات (اسمه الرمزي درور ثم فيما بعد نوح) بينما كانا خارجين من 
متجر روزدي بيك. ووضعوهما داخل سيارة وأسرعوا بها إلى قيادة الشرطة. وكان تاجار ينتحل صفة 
تاجر إيراني يدعى اسماعيل سلحونء ممثلا للفرقة السياسية. أما بن بورات وهو عراقي المولد فقد 
كان ينتحل صفة يهودي عراقي يدعى ميناش سام وقد كان مبعوث الموساد. وكان مسؤولا عن 
تنظيم هجرة اليهود العراقيين إلى إسرائيل. لقد عجل اعتقال الرجلين بسقوط وانهيار "الحلقة 
العراقية" وهي إحدى أنجح شبكات التجسس وتنظيم الهجرة غير القانونية في إسرائيل. كانت واحدة 
من أقل العمليات السرية الإسرائيلية براعة في التاريخ الإسرائيلي. تعرض العميلان لتعذيب شديد 


وصمداء وأطلق سراح بن بورات بعد بضعة أيام لكنه اعتقل مرة أخرى 


2200 


ثم أطلق سراحه. وفر من العراق في رحلة دراماتيكية غير مجدولة من مطار بغداد عند 
منتصف الليل. 

وكثيرا ما تهتم أجهزة المخابرات الإسرائيلية من قبل وحدة علم النفس بتحليل سيكولوجي 
دقيق لشخصيات عملاء ا موساد. فمثلا وصف تقرير الشين بيت بن بورات الذي اعتقل وفر من 
العراق بأنه "عنيد وطموح ولكن تنقصه المبادرة الشخصيةء ويعمل فقط بناءا لتعليمات مفصلة 
وكان أيضا كثير الكلام. وقد تبين لأجهزة الأمن أن العديد من أصحابه وجيرانه كانوا يعرفون أنه 
ذاهب إلى الخارج في مهمة" (أنظر بلاك وموريس, 1992). 

م تكن كل العمليات التي نفذتها الموساد ناجحة فهناك جانب كبير من العمل الفاشل 
مثلما جرى في فشل اغتيال خالد مشعل والإفراج عن الشيخ يس. وشكلت هذه الإخفاقات ضغوطا 
مهينة للموساد ولإسرائيل. وكانت إحدى الضربات التكتيكية الموجعة على الصعيد الاستخباري أيام 
حرب أكتوبر تتمثل في وقوع 14 جنديا من وحدة 8200 التابعة لجهاز الاستخبارات في أسر الجيش 
السوري والذين كانوا داخل موقع في جبل الشيخ وقد سقطوا في الأسر بعد معركة قصيرة وميئوس 
منها. وكان من بين الأسرى عاموس ليفنبرج الذي يتمتع بذاكرة هائلة ويملك معلومات كبيرة جدا عن 
الاستخبارات ووحدة الأركان. في بادئ الأمر مم يكن يدرك السوريون أنهم وقعوا على كنز ثمين ولكنهم 
أدركوا ذلك فيما بعد. وسقطت في أيديهم أسلحة متطورة وحساسة مما جعل جهاز الاستخبارات 
الإسرائيلي يعود إلى نقطة الصفر. 

صحيح جدا نجحت الموساد في عمليات في اقتحام طائرات بعيدة عن أراضيها في يوغندا 
ولكن فشلت في استعادة جندي مخطوف داخل فلسطين. وفشلت الموساد في التنبؤ بحرب أكتوبر 
73 وقد يساوي هذا الفشل النجاحات السابقة. وقد تحدثت لجنة "أغرانات" والمحدال وغيرها 
عن تقصيرات في الاستعدادات وفي جمع المعلومات وتقييمهاء وقد دفع الغرور برئيسة الوزراء غولدا 
مائير لرفض كافة الإشارات القادمة من واشنطون وعواصم غربية أخرى حول احتمال أن يشن العرب 


حربا بعدما وصلوا 


201 


لاستنتاج باستحالة حدوث حل سلمي فيه الحد الأدنى من الكرامة الوطنية (زندرء 2000). 

وهدد عملاء الموساد بالامتناع عن القيام بمهام جديدة احتجاجا على إرسال عميل اعترف 
على نفسه للمحاكمة في سويسرا بعد اعتقاله عام 1998 في قبو منزل بالقرب من العاصمة برن في 
أثناء محاولة زرع أجهزة تنصت على تلفون تاجر سيارات من أصل لبناني تشتبه الموساد أن له علاقة 
بجماعة حزب الله. وتشمل قائمة الاتهامات الموجهة : التنصت على خط هاتفيء. ودخول البلاد 
باستخدام أوراق مزورة تحت أسماء مستعارة: والتجسس السياسيء والقيام بأعمال غير مشروعة 
لحساب دولة أجنبية. وقال راديو إسرائيل أن عملاء الموساد غاضبون ومستاؤون من قرار إعادة 
العميل الذي كان يسافر تحت اسم "دافيد بنتال" ووصفوه بأنه خذلان كامل (الأيام» يوليو 2000). 

بالرغم من التدريب السيكولوجي والمخابراقي حتى النخاع لرجال المخابرات أو الجواسيس 
هناك أكثر من 400 إسرائيلي ماتوا في خدمة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حتى 1988 منهم 261 
من استخبارات الجيش (أمان). و80 من الشين بيت و65 من الموساد. من اشهر هؤلاء يكوف بوكاي 
الذي أعدم في الأردن عام 1949 بعد أن تسلل من خلال خط وقف إطلاق النار متخفيا مع أسرى 
الحرب العرب الذين أطلق سراحهم. وهناك ماكس بينت وموشي مرزوق اللذان ماتا في سجن مصري 
في أواسط الخمسينات بعد انكشاف شبكة تخريب إسرائيلية كبيرة في إطار قضية لافون. وهناك أيضا 
كوهين الجاسوس الخرافي الي اخترق أعلى المستويات في الحكومة السورية وأعدم شنقاء ونقلت وقائع 
إعدامه على شاشة التلفزيون في دمشق عام 1965. وباروش كوهين وهو من عملاء الموساد. أراده 
مسلح فلسطيني في مدريد عام 1973. وكذلك موشي غولان وهو ضابط أمن في الشين بيت قتله 
مخبر من الضفة الغربية داخل منزله في إسرائيل عام 1980. وياكوف بارسيمانتوف وهو من رجال 
الموساد الذي اغتيل قبل أسابيع من الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وفكتور رجوان وهو من 
عناصر الشين بيت والذي قتله مسلحون إسلاميون في غزة قبيل الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 . 
وهناك مجموعة من 


202 


رحال المخابرات قتلوا في يونيو 1967» وعدد أكبر ماتوا بين أكتوبر وديسمبر 1973 وبمجموعة أحرى ماتوا في نوفمبر 1983 عندما فجر انتحاري شيعي 
مبنى الشين ببت في صور حيث قتل 30 إسرائيليا من بينهم 5 ضباط أمن. 


نتيجة للحاجة الماسة للأمن بالنسبة لقيام وتأسيس وال محافظة على إسرائيل فقد كونت 
جيشا بارعا من الجواسيس والقتلة والذي تدرب ممبادئ وتقنيات علم النفس الدقيقة المبرمجة. وبعد 
تثبيت الدولة فكان هناك فائض من رجل ونساء الأمن ونتيجة لذلك فقد تم تصدير مجموعة من 
الجواسيس لحماية رؤساء الدول الأخرى ولحفظ الأمن فيها. وتم تدريب أجهزة الاستخبارات في كثير 
من الدولء خاصة الأفريقية والآسيوية ودول أمريكا اللاتينية بأساليب الموساد المختلفة. وأصبحت 
هذه الأساليب شائعة الاستخدام. فكثير من الدول تطلب عمليات التدريب لقواتها الخاصة من قبل 
الموساد. لقد دربت إسرائيل قوات للجيش الحكومي في سريلانكا كما دربت في نفس الوقت قوات 
تابعة للمعارضة التاميلية» إضافة إلى الهنود الذين أرسلوا إلى هناك لحفظ النظام. كما دربت إسرائيل 
عناصر الشرطة السرية المحلية في تشيلي ودربت كذلك وحدات مختلفة مثل عناصر جهاز السافاك 
الإيراني وقوات أمنية من كولومبياء والأرجنتين وجنوب أفريقيا والشرطة السرية في عهد عيدي أمين 
في يوغنداء والشرطة السرية لانويل نورييغا في بنما. كما تقوم الموساد بتنفيذ عمليات القتل نيابة 
عن الدول كما حدث في اغتيال المعارض المغربي بن بركة. ولقد نجحت الموساد في بعض العمليات 
وأخفقت في البعض الآخر كما في محاولة اغتيال خالد مشعل. 

إن موضوع اخفاقات الموساد والهزائم أو والكوارث الكبيرة التي منيت بها قد يساعد في 
طرح التساؤل القائل بأن السلاح الأمني والحرب الساخنة ربما لا يكون مفيدا في كل الأحوال. بالرغم 
من الاستخدام الذي مهارات وقدرات الإنسان وبالرغم من الحيطة والحذرء وبالرغم من التقنيات 
الكبيرة التي تستخدمها الموساد. وعمليات التخطيط والبرمجة م يمنع ذلك من قهر الأسطورة 
الموسادية. لقد رأينا المهارات العالية التي يتم بها انتقاء الجواسيس الإسرائيليين وتدريبهم ومع ذلك 


مني هؤلاء بالفشل. ومن ناحية 


203 


سيكولوجية هل الفوبيا الإسرائيلية من الفناء أو التدمير هو السبب الرئيسي في البحث عن علاج أو 
مخرج؟ هل يا ترى يمكن المؤازرة ما بين "الحرب الساخنة" و"الحرب الباردة" في العلاقة مع العرب؟ 
أو بين تطبيقات "علم النفس الحري" و"علم نفس السلام" في نفس الوقت؟ هل وصلت إسرائيل 
مفترق الطرق ما بين "الحرب" و"السلام"؟ 
علم نفس السلام وال مخابرات 

هناك عدة أبحاث سيكولوجية تعلقت بموضوع الصراع العربي الإسرائيلي منها "العقل العربي" (باتايء 
72)» والبعد السيكولوجي للصراع في الشريق الأوسط (كابلويتزء 1976). وحل الصراع العربي 
الإسرائيلي (كوهين وكيلمان. 1977): واعتمدت هذه الأبحاث على علم النفس الاجتماعي كطريقة 
تحليل أساسية (بنجامين» 1972). ويستخدم علم النفس بصورة تطبيقية في دراسة العلاقات بين 
العرب واليهود (بن عريء وعميرء 1986) . وتعرض المغربي ( 1981. أحمد. 1990) للأدبيات التي 
تعتمد على علم النفس الاجتماعي كأداة أساسية في التحليل. ويعد المنهج الذي يعرف باسم تحليل 
الشخصية القومية مفتاح تلك الأبحاث. وقد تضمنت موضوعاته عددا كبيرا من المجالات, الإسلام» 
العقل الإسلامي: العقل العربيء تاريخ العرب, الثقافة» الحضارة: أنماط تنشئة الأطفالء والمواقف إزاء 
السلطة. ومن بين الموضوعات التي نوقشت في السنوات الأخيرة دور علم النفس في حل الصراع 
وإرساء دعائم السلام وتبعا لذلك تطور فرع جديد هو "علم نفس السلام". 

هناك عدة أفرع لرابطة علم النفس الأمريكية من بينها الفرع رقم 48 وهو 
"قسم علم نفس السلام" الذي تأسس عام 1990 . ويرحب القسم بكل المهنيين وطلاب علم النفس 
الذين لهم رغبة في المساهمة في موضوع السلام. ويهدف الفرع بصورة محددة إلى (أ) تشجيع 
البحث السيكولوجي والتربية والتدريب على القضايا المتعلقة بموضوع السلام» وحل الصراع بصورة 


غير عدوانية» وا مصالحة. ومنع الحرب وبقية أشكال الصراع المدمر 


204 


(ب) دعم تنظيم يعزز عملية الاتصال بين الباحثين والأساتذة والممارسين الذين يعملون في قضايا 
السلام (ج) تطبيق معارف ومناهج علم النفس في تقدم عملية السلام . ويصدر الفرع "مجلة علم 
نفس السلام" كما يصدر كذلك "نشرة علم نفس السلام". ويشمل الاجتماع السنوي للفرع عدة 
أنشطة منها ندوات وحلقات نقاش وورش عمل. ويتم استدعاء بعض علماء نفس السلام للتحدث 
عن تطبيقات علم نفس السلام في مجال الأمن القومي. وغالبا ما يستخدم هذا الفرع من علم 
النفس في حالة عدم جدوى فرض الحلول "العدوانية". ووفي كثير من الأحيان هو عمل استخباراتي 
بالدرجة الأولى. 
ولفرع علم نفس السلام علاقات قوية مع بعض أفرع رابطة علم النفس 
الأمريكية منها "لجنة العلاقات الدولية". و"جمعية الدراسات السيكولوجية للقضايا الاجتماعية"” 
و"قضايا الأقليات العرقية". وهناك عدة مجموعات عمل ترتبط بدراسة موضوع السلام والصراع 
والعدوان. منها الأطفال والأسر والحربء والعرقية والسلام, والأنثوية والسلامء والسلام والتعليم» 
والخدمة الاجتماعية: والتحالفات العالمية. وحل الصراع في المستوى المحلي والعالمي. السلام 
والروحانية والتي تسعى لتحديد القيم التي تجعل العام أكثر سلاما وأقل عدوانيةء والعسكرية ونزع 
السلاح وسن القوانين المانعة لذلك. ويرحب الفرع بأي مساهمات في مجال اصل العدوان» وعلاج 
الآلام» وخلق عملية السلام في كل المستويات. يقول ماي رئيس الفرع لعام 96-95 نحن كعلماء نفس 
سلام هدفنا منع العدوان والصراع المدمر وبناء ثقافة السلام في المجتمع العالمي. 
وغير فرع علم نفس السلامء تضم "جماعة علم النفس الراديكالي" أعضاء يحملون جنسيات 
من عدة دول وتشير الوثيقة الرئيسية للجماعة إلى أنها تعبر عن "علماء النفس الذي يعارضون 
استخدامه ضد سياسات القهر والاستغلال ويساندون المقهورين ويستخدمون معرفتهم استخداما 
إيجابيا للعمل من أجل التغيير الاجتماعي اللازم لخلق مجتمع أفضل (حفنيء. 1998). يبدو أن سوء 
استغلال علم النفس من بعض الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات حدا ببعض علماء النفس إلى 
محاولة تغيير استخدامات علم النفس للأغراض السلمية أكثر من الأغراض التدميرية. فعلم النفس. 


ايد الك كن 


205 


استخدامه من قبل القديسين أو المجرمين. أي أن اليد الواحدة أو المؤسسة الواحدة تقوم 
بكل من الدورين. 

وتقوم لجنة العلاقات الدولية التابعة لرابطة علم النفس الأمريكية بدور خطير في رسم 
سياسة علم النفس في العام. مثلاء تقوم بدعم قرارات الأمم المتحدة العادلة والجائرة منها. وتدعم ما 
يسمى بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات والتي في كثير من الأحيان تكون أداة قمع وسيطرة لبعض 
الدول التي لا تسير في الخط. وقامت اللجنة بتبني مشروع لترقية علم النفس مع المنظمات القومية 
والعالمية. والعمل على التحاور والتبادل بين علماء النفس اليورو-أمريكيين وعلماء النفس في الأقليات 
العرقية وعلماء النفس الوطنيين في كثير من الدول وذلك لتطوير نوعا من التفاهم الثقافي. وحددت 
اللجنة أهدافا محددة لترقية (1) عالمية علم النفس وذلك بخلق وتشجيع الفرص للمشاركة الأصلية 
في المستوى النظري والبحث وا ممارسة (2) تحول علم نفس الولايات المتحدة وذلك بترقية الأفكار 
من علوم النفس العاطية في المناهج في كل المستويات (3) ارتباط علماء نفس الولايات المتحدة في 
عملية الفهم والاستجابة وتحديات عمليات التحول العالمي. 

وواحدة من المبادرات التي توضح جهود لجنة العلاقات الدولية هو الحرب الإثنية 
السياسية. ولقد عبر مارتن سيلقمان وبيتر سويدفيلد الأول رئيس الرابطة النفسية والأمريكية والثاني 
رئيس الرابطة النفسية الكندية. عن سيطرة الصراع الإثني السياسي في العام. ونتيجة لتلك الجهود 
فقد عقدت لجنة العلاقات الدولية في علم النفس مؤتمرين. كان الأول في جامعة الستر في آيرلندة 
الشمالية في يوليو 1998 وكان موضع المؤتمر عن اختبار الثقافة الموجودة لأسباب الحرب الإثنية 
السياسية وعلاجها. وكان المؤتمر الثاني في أغسطس 1999 في معهد الشؤون العالمية في ساليبوري 
بالولايات المتحدة. ولقد طورت مجموعة من علماء النفس في العام طرقا لتحليل الصراع؛ والتدخل 
النفسي الاجتماعيء وبناء عملية السلام. وتتم الآن عملية مراجعة لأعمال ا مؤتمر وتحريرها في عام 


0 لي تتزامن مع شعار الأمم المتحدة بنشر "ثقافة السلام" (علم النفس العالمي. خريف 1999). 


206 


وفي حرب الخليج الثانية» قام علماء نفس السلام بأمريكا كذلك ببعض المبادرات لإيقاف 
الحرب (حجارء 1991). مثلاء حاولت فريدا فلينت. عالمة نفس السلامء إقناع الرئيس بوش برأي 
هؤلاء العلماء المعارض للحرب. وقدم علماء نفس السلام بعض المحاضرات عن السلام. كما قاموا 
بإرسال رسائل للجنود الأمريكيين المرابطين في الخليج والسعودية ومطالبتهم بعدم استخدام السلاح 
كما وجهوا رسائل أخرى إلى محرري الصحف بأهمية تجميد التصريحات الخاصة باستخدام الأسلحة 
النووية التي لوحت أمريكا باستخدامها. ووضعت خطة من قبل علماء نفس السلام لتحريك وعي 
الشعب الأمريي حول منزلقات الحرب وإمكانية فتح حوار مع صدام كما أرسلت خطابات لأعضاء 
الكونجرس الأمريكي بهذا الخصوص. وأرسل عالم نفس السلام رالف واينت مقالا إلى مجلة نيويورك 
تامز ومجلة الأطلسي تناول فيها بدائل الضربة العسكرية. كما أرسل رسالة للكونجرس بعنوان "لماذا 
يخسر المعتدون عندما تندلع الحرب؟ ونشرت الرسالة كذلك في مجلة علم النفس السياسي. وتناول 
رالف في رسالته تحليل 30 عملية عسكرية رئيسية تمت في القرن العشر_ين حيث باءت معظمها 
بفشل الغزاة المعتدين لأسباب نوعية. 

ويستخدم علم النفس السلام المعزز بالمخابرات بصورة عملية في تغيير سلوك أو نوايا الأفراد 
الذي يودون القيام بأعمال إرهابية ومدمرة ضد الإنسانية أو ضد أهداف استراتيجية. مثلا يستخدم 
في إجراء المفاوضات مع خاطفي الطائرات إلى أن ينهاروا أو يستسلموا للأمن. لقد سلم مغربي يبلغ 
من العمر 45 نفسه للشرطة الأسبانية في مطار البراد في برشلونة بعد أن خطف طائرة مغربية على 
متنها 79 راكبا وأفراد طاقمها التسعة . وكانت الطائرة في رحلة من الدار البيضاء إلى تونس في 26 
أغسطس 1999 وطلب الخاطف من قائد الطائرة التوجه إلى فرانكفورت في أمانيا. وأعلن في مطار 
البراد حالة الطوارئ وتجمع فيه أكثر من 200 شرطي. وهدد الخاطف بقتل بعض الركاب إذا لمم تنفذ 
رغبته في الهجرة إلى فرانكفورت. وبقى الخاطف بضع دقائق في الطائرة مع قائدها قبل أن يستسلم 


للشرطة دون مقاومة. وحم يرتكب أي عنف خلال عملية الخطف. 


207 


وشارك علماء النفس في المفاوضات مع الخاطف كما تابع وزراء داخلية أسبانيا وا مغرب 
وأمانيا هذه المفاوضات التي استمرت خمس ساعات وانتهت بالاتفاق مع الخاطف بتسليم نفسه 
للشرطة (أنظر الشرق الأوسطء 1999). 

ويعمل علماء نفس السلام في خفض التوتر بين المجموعات المختلفة وقد يرتبط بذلك في 
كثير من الأحيان عمليات غسل الدماغ. ويمكن أن نقدم مثالا رائعا عن كيفية تنظيم المخيمات لهذه 
المجموعات وتهيئتهم لعملية السلام من خلال منظمة "بذور السلام" الإسرائيلية التي تعقد لقاءات 
مكثفة بين الشباب الإسرائيليين والعرب. ولقد تكشف في عام 1993 مشروع هذه المنظمة والذي 
يقوم به مركز بيريز للسلام في تل أبيب والذي كتب عنه فهمي هويدي (2000) مقالا مطولا في 
المجلة. ويرعى ويدعم هذا المشروع الولايات المتحدة ووفرت الحكومة النرويجية التمويل اللازم 
للقيام بالمشروع بغرض تهيئة الأجيال العربية القادمة للتطبيع مع إسرائيل ولقبول التعايش السلمي 
مع شعبها اليهودي. وشرحت ال منظمة أهدافها من خلال نشرتها على شبكة الانترنيت أن أهداف 
معسكراتها الصيفية يعد خطوة مهمة لتهيئة أجواء التفاعل الإيجابي بين الفتيان العرب والإسرائيليين 
مما يخدم هدف السلام في المنطقة ويضع أسسا راسخة لضمان استمراره. ومن الأنشطة اللافتة للنظر 
"الخدمة الدينية" وبمقتضاها يؤدي الفتيان المسلمين صلاة الجمعة مثلا ويدعون أقرانهم اليهود 
وا مسيحيين لحضور المشهد., لكي يتعرفوا على طقوسهم ويستمعوا لشرح لها والشيء نفسه يحدث مع 
الآخرين حيث يدعى المسلمون إلى صلوات اليهود يوم السبت وصلاة المسيحيين يوم الأحد. وتقول 
أحد الفقرات قررنا هنا في "بذور السلام" أن نصنع السلام على مائدة المفاوضات وليس في ميادين 
القتال وقد دلنا على ذلك قادتنا مناحيم بيقن وأنور السادات. 

وتتم هذه التهيئة للسلام من خلال تنظيم معسكرات يلتقي فيها الجميع. وبدأت المنظمة 
بخمسين مشاركا من دولتين فقط هما مصر وإسرائيل ثم واصلت توسعها التدريجي بحث أصبحت 
معسكراتها وأنشطتها تضم المئات من الشباب العربي إضافة للإسرائيليين والأمريكيين. ففي صيف 
9 كن العرب المشاركين في معسكرات 


208 


"بذور السلام" صبيانا و بناتا من مصر وفلسطين والأردن وتونس والمغرب وقطر واليمن. وأقيمت 
الرحلات والمعسكرات وتنقلت بين عدة دول ومدن منها تل أبيب والقدس وشرم الشيخ وقبرص 
وأسبانيا وسويسرا. وبلغت المؤتمرات المتكررة حوالي 18 مؤتمرا خلال الفترة من يناير 1998 وحتى 
يوليو 1999 بمعدل لقاء في كل شهر. وتخطط منظمة "بذور السلام" لحلقة أخرى في مشروعها بحيث 
تنتقي من الفتيات والشبيبة من تراه أكثر تجاوبا وصلاحية لضمان إلى ما أطلقت عليه مشروع 
"القادة الشبان" وهؤلاء هم الذي يعدون ليتبؤو مواقع متقدمة في الحياة العامة في مستقبل الشرق 
الأوسط ونشر ثقافة السلام. 

ووفقا لهويدي (2000) تتم في تلك المعسكرات عملية غسل الأدمغة من خلال الأنشطة 
المشتركة التي أعدها نفر من المحللين النفسيين والاختصاصيين الاجتماعيين . كما تتم عملية التدخل 
في صياغة ال مستقبل العربي من خلال ترقية ا متحمسين والمؤهلين من الشبان لشغل مواقع القيادة في 
أقطارهم. ويكشف كل ذلك قدرة إسرائيل على التخطيط وإسرائيل كانت أمنية وأصبحت حقيقة. و 
ينبغي النظر بموضوع التخطيط ومقاصده. وتسعى إسرائيل من وراء كل ذلك محو الذاكرة العربية 
والإسلامية. وتسعى جاهدة لأحياء ذكرى محرقة اليهود في ظل النازية حية في أذهان العاط؛ لا اليهود 
وحدهم. ونظم المؤتمر الدولي للمحرقة في السويد وشاركت فيه 40 دولة. وأصبحت قصة المحرقة 
مقررة على الطلاب في السويد في مقابل ذلك تعتبر إسرائيل أن أي حديث عن محرقة الفلسطينيين 
نوعا من إذكاء نوازع البغض والكراهية. وتذهب إلى اعتبار صلاح الدين الأيوبي وقصة انتصاره على 
الصليبيين صفحة يجب أن تمحى من الذاكرة العربية. بل ذهبت بهم الجرأة إلى الاعتراض على بعض 
آيات القرآن والضغط على حذفها من المقررات الدراسية. واستجابت بعض الدول العربية على هذه 
الضغوط وحذفت هذه الآيات. 

علم النفس والدبلوماسية 


أجريت في السنوات الأخيرة عدة أبحاث عن علاقة علم النفس بالدبلوماسية من 


209 


بينها مثلا "علم النفس والدبلوماسية: مساهمات علم النفس في المفاوضات العالمية وحل الصراع 
والسلام العالمي" (كريستينين وآخرونء 22000). الثقافة وا مفاوضات (بريتء 22000)؛ المفوضات 
والتوسط (كارنيفال وبريوت. 1992)؛ الأبعاد الاجتماعية- النفسية للصراع العالمي (كيلمان. 1997)؛ 
علم نفس حفظ السلام (لانغولتز. 1998)؛ العدالة والصراع الاجتماعي (ميكيولا ووينزيل, 2000)؛ 
الطبيعة الإنسانية والسياسة العالمية (تيتلوك وجول دجير. 2000)؛ الأبعاد السيكولوجية والتغيرات 
البيئية الكونية (ستيرن. 1992). وتوضح هذه الأبحاث السيكولوجية بأن السلام العالمي يتهدد 
بواسطة مجموعة من العوامل من بينها : انتشار الأسلحة النووية» وتجارة السلاح» والإرهاب العالمي» 
والصراعات الإثنية-السياسية. والمذابح الجماعية: والتطهير العرقيء واللاجئينء وا مجاعات والفوارق في 
الثزوات. وتشكل كل هذه العوامل البذور الحقيقية للحرب. وتعتبر الحرب قضية اجتماعية ولذلك 
تتطلب تدخلات غير حكومية في مائدة المفوضات. 

ويقدم علم النفس مساهمة هامة للدبلوماسية ترتبط بتوفير أدوات لمنع الصراع العالمي» 
وا مفاوضات, والتوسطء والمصالحة. وتهيئة الأجواء لجلسات ما قبل ا مفوضاتء ومجالات التعاون بين 
المجوعات المتحاربة. ويمكن تعريف الدبلوماسية العالمية بأنها استخدام الوسائل السلمية لمنع أو 
استقرار أو حل الصراعات. وبهذا فإن الدبلوماسية هي امتداد للعمليات السياسية. وفي هذا المنحى 
يجب التمييز بين تصنيفات مختلفة من الدبلوماسية العالمية حسب مراحل الصراع. وحسب دراسة 
تيتلوك وقولدجير (2000) فإن أي مدخل للدبلوماسية لا يتضمن العوامل السيكولوجية فهو مدخل 
غير شامل. ومن بين هذه العوامل السيكولوجية سوء التقديرات, والإخلاص للمجموعاتء والتحيزات 
الإدراكية. كما تركز الأبحاث السيكولوجية في مجال المفوضات على موضوعات مثل دور العوامل 
المعرفية في حل الصرباع؛ والخصائص الشخصية والثقافية: والعوامل ال مرتبطة بالدافعية (أنظر 
كريستينسين وآخرونء: 2000). 

ويرصد ال مغربي أنه منذ عام 1970 وما تلاه. ظهر في الولايات المتحدة العديد من الأعمال في 


مجال علم النفس الاجتماعي» ويستخدم على نحو مكثف في لقاءات مع 


2300 


عرب وإسرائيليين . وتركز هذه الدراسات على التغيير المؤقت والسلوك والفهم.ء وإساءة 
الفهم, والإمكانيات الجديدة للحوار . ويذكر المغربي أنه فيما يتعلق بنظرة الإدارة الأمريكية للنزاع 
العربي - الإسرائيليء يمكن للمرء أن يصف عقد السبعينات كعقد "علم النفس السياسي" فقد وضع 
كلا من العرب والإسرائيليين على الأريكة في محاولة لاكتشاف طريق لإدارة نزاع يبدو عسيرا . ويربط 
الكاتب بين ما ظهر في الخطاب السياسي الأمريي نحو تأكيد الأبعاد السيكولوجية في النزاع كمظهر 
لتغيير في المواقف مع بدايات العقد. وبروز انفتاح في الوطن العربي للمبادرات الأمريكية الخاصة 
باعتراف العرب بحق إسرائيل في الوجود في نطاق حدود عام 1967. 

وتبرز في عملية حل الصراعات دبلوماسية الخط الثاني التي تحصل قبل التفاوض الرسمي أو 
اثناءه لتكون إحدى الوسائل ال مفيدة في مدرسة التفاوض وحل النزاعات. إن أول من استخدم تعبير 
دبلوماسية الخط الثاني عام 1981 هو مونتفيل. وهذه الدبلوماسية غير رسمية تقوم على المبادرة بين 
الأفراد والمؤسسات التي تسعى إلى معالجة الصراعات السياسية أو التأثير فيها. وقد يقوم بها 
سياسيون ومتقاعدونء أو رجال أعمالء أو ممثلوا تيارات سياسية» أو أساتذة جامعات. أو طلاب . 
وهي نمط من الدبلوماسية التي تساهم في تهيئة الجو على صعيد الرأي العام والإعلام والمدرسة 
والجامعة: فتغير الصورة عن جماعة محددة أو فئة أو طائفة أو دولة أخرىء مما يمهد لتطبيع 
العلاقة أو تمهيد الطريق للسلام. ويرى مونتفيل أن الهدف هنا هو استبدال النظرة العدائية بأخرى 
اكثر تقبلاء مما يسمح ببلورة السلام والعلاقات الطبيعية. وهذا المنهج قد ينطبق على الفلسطينيين 
والإسرائيليين وقد ينطبق على الصراع العربي الإسرائيلي (أنظر الغبراء 1993). وقد استخدمت 
دبلوماسية الخط الثاني في ا مفاوضات السررية بين الإسرائيليين والفلسطينيين في لقاءات أوسلو 
بالنرويج. 

يذكر هيكل بأنه ليس هناك انفصال بين الدبلوماسية والقوة ا لمسلحة: لأن الدبلوماسية 
ليست مباراة على مائدة ا مفاوضات بين رجال مهذبينء وإنما هي حوار بين مصالح متعارضة تستند 


كل منها إلى رادع حقيقي يحميها ويفتح طريقهاء ولابد من التوفيق 


2301 


بينها. وقد عبر عن ذلك كيسنجر بقوله : هناك زواج بين الدبلوماسية والقوة ا لمسلحة 
وليس بينهما طلاق (انظر نوفلء 1986) . ويطرح هذا تساؤلا يتمثل كيف تكون من ناحية 
سيكلوجية, دبلوماسيا وعسكريا في ذات الوقت ؟ كيف تحفظ سيكولوجيا التوازن بين الحرب 
والسلم ؟ وبكلمات أخرى. كيف تكون ملاكا وإبليسا في ذات الوقت ؟ وكيف يتم التعامل مع 
دبلوماسية ولقاءات ومفاوضات متأصلة في علم النفس الاستعماريء والامبريالي» والاستخبارات ؟ 
وكيف يمكن هضم واستيعاب الكيفية التي يتم بها إدارة الحوار؟ وكيف تفهم الطريقة التي تجرى 
بها المشاهدات المنظمة: والملاحظات الدقيقة ؟ إن الملاحظة هي نقطة البداية في علم النفس. وقد 
تكون المقابلات والمفاوضات نوعا من المغازلة العاطفية تعقبها معركة نفسية حامية الوطيس تكون 
الغلبة والانتصار لمن يفهم تقنيات واستراتيجيات الحوار والتفاوض وخلخلة التوازن العقلي والنفسي 
للطرف الآخر . 

يرتبط موضوع الدبلوماسية وعلم نفس السلام ارتباطا شديد بعملية التفاوض. ويقع 
التفاوض في قلب علم النفس الاجتماعيء أو بلغة أكثر تحديدا علم النفس السياسي. وأصبح اليوم 
كما يقول كامل (1994) من أخطر العلوم التي تجد تطبيقات عديدة في السلم والحرب والاقتصاد 
والسياسة والبنوك والشركات وإقامة المشرروعات وفتح الأسواق فهو ضرورة حياتية في عالم دائم 
التغير. ويمكن النظر لمفهوم التفاوض باعتباره عملية اتصال بين طرفين أو أكثر بشأن الوصول إلى 
اتفاق أو منفعة أو تسوية تقبلها الأطراف المتفاوضة مستخدمين جميع أنواع وأدوات وأساليب 
الإقناع وكافة وسائل الإثبات والدحض. ويعني ذلك أن نجاح التفاوض يتوقف على مهارات فريق 
التفاوض الإتصالية: مهارات بدأ الحوار. ومهارات طرح الأفكار ومهارات إجهاض فكرة وإظهار أخرى. 
ومهارات المراوغة. هذا بالإضافة إلى المهارات الأساسية للاتصال مثل تحديد الرسالة بدقة وتحديد 
الوسط وشفرة الرسالة وفك الشفرة تم تجهيز الرد. وفي حالة المواجهة بين الطرفين. فإن الفريق 


الفائز هو الذي يتدرب قبل الجلوس للتفاوض على جميع أنواع تلك المهارات. 


302 


تكتسب المفاوضاتء كما يعبر الغبرا (1993): بعد مهما في أدبيات حل النزاعات. فالتفاوض 
عملية دائمة نمارسها في كل وقتء أحيانا بنجاحء وأحيانا بفشل. إننا نفاوض من أجل بناء نظام جديد. 
أو تجديد عقدء أو لإنهاء صراع. ونتفاوض لأننا نتنافس على القيم نفسهاء أكانت موارد أو وقتاء أو 
مالا أو نفوذاء أو حقوقا. فنحن نواجه أحد أمرينء أما أن يكون التنافس على القيم مليئا بالعنف. 
وإما أن يكون قائما على التعديل والتغيير والتوزيع بوسائل سلمية. وكلما اقتربنا من لجم العنف 
وتحديده نكون قد اقتربنا من التوجهات السلمية التي تؤسس أدبيات حل النزاعات. إن التفاوض 
هو طريقتنا الوحيدة السلمية للإقناع» وذلك للوصول إلى اتفاق جديدء لتغيير سلوك جماعة أو تيار 
أو دولة. 

وفي اتفاقية كامب ديفيد عندما تأكد لدى الإسرائيليين بأن السادات سيكون الرجل المفاوض 
عن طريق الأمريكيين تمت دراسة سيكولوجية مفصلة لشخصيته عن طريق اسحاق رابين (1993). 
وعمل رابين كجندي في ميدان القتال كما عمل دبلوماسي ورئيس وزراء. ويبكل هذه المناصب 
المختلفة كان يهتم بالبعد السيكولوجي في معرفة الخصم. وواصل رابين دراسته لشخصية السادات 
والتعرف عليها بعمق كما تمت دراسة جميع الخطب العلنية التي ألقاها وتم جمع كل ما نشر عنه 
وكذلك جميع الانطباعات التي قيلت عنه. مثلا وصف أحد الأمريكان السادات بهذه العبارة "أن 
الخوف متغلغل في أعماق نفسه". وذكر أمريي آخر أجتمع بالسادات بأنه رجل يتصف بالغدر 
واكتشف رابين على حد تعبيره بأنه من خلال تصرفاته السابقة قاعدة ثابتة لعدم الوفاء والتقلب. 
ففي عام 1971 وقع السادات على اتفاق صداقة مع الاتحاد السوفيتي رغم أن الرئيس عبد الناصر 
رفض التوقيع» وبعد مضي عام قام بطرد السوفيت واتجه نحو الولايات المتحدة. وذكر رجال أعمال 
بآن من السهل مع السادات التوقيع على صفقات تجارية ولكن من المشكوك به أن ينفذ مساهمته 
فيها. 

وتعمل بعض الاستراتيجيات في خفض عملية التوتر بين الأفراد أو بين الدول. وفي دراسته 


الرائعة عن "بدائل الحرب أو الاستسلام", لقد وضح بروفسر اسجود 


303 


(1962): عام النفس الاجتماعي الشهيرء بعض هذه الاستراتيجيات. وعلى الشخص أو 
المجموعة التي تطلب عملية السلام إعلان إشارات التعاون وحمل هذه الإشارات بصورة واضحة 
(ليندسكولد. 1979). وعلى المجموعة التي تطلب السلام أن تكون مهيأة حمل هذه الخطوات حتى 
في حالة عدم حمل الطرف الآخر لها. وتعمل هذه الاستراتيجيات في العلاقات الدولة. ومن بين 
تطبيقات هذه الاستراتيجيات في علاقة مصر بإسرائيل. فقد احتفل أنور السادات وجيمي كارتر 
ومناحيم بيقن بعقد اتفاقية السلام بالرغم من أن هناك عدة قضايا في الصراع مازالت عالقة. ومهما 
يكن فإن ا مفاوضات المصرية الإسرائيلية تقف كخطوة إيجابية في خفض التوتر بين الدولتين. وربما 
تقود الاستراتيجية لتبادلات في عملية السلام في المستقبل وتحل عملية الصراع (قيرقين وقيرقين» 
1). 

وانعقد في مدينة استكهوم بالسويد في الفترة بين 28-23 يوليو 2000 ال مؤتمر العالمي أل 27 
لعلم النفس والذي نظمه الاتحاد الدولي للعلوم النفسية. وشارك في ا مؤتمر أكثر من 5 ألف عام نفس 
من جميع القارات. وبعض الدول الصغيرة أتت بوفود لا تقل عن 100 عام نفس. ولا يتراوح عدد 
الحاضرين من جميع أقطار العام العربي 15 عام نفس. وقدم جميع علماء النفس العرب المشاركين 
في المؤتمر 5 أوراق بحثية شفاهية بينما قدم عالم نفس إسرائيلي واحد هو شلوم شوارتز من الجامعة 
العبرية بالقدس 5 أورق. وحضر أحد أوراق شوارتز عن "علم النفس والدبلوماسية" ما لا يقل عن 2 
ألف عام نفس بينما لا تتجاوز عدد الحاضرين لأي محاضرة قدمها عام نفس عربي على 50 فرد. 
ويلاحظ بعض كبار علماء النفس العرب الحاضرين الغائبين يقضون معظم وقتهم في المقهى بلا 
مشاركة ليس في النقاش وإنما مجرد الاستماع با يقال عن الشرق الأوسط. وم يشاهد أحد علماء 
النفس العرب إلا في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر المنعقد في بلاد الشعر "البلندي". 

وقدمت في المؤتمر أهم ورشة عن "علم النفس والدبلوماسية: مساهمة العلوم النفسية 
للمفاوضات العالمية ومنع الصراع والسلام العالمي". وألقيت في هذه الورشة 32 محاضرة عن علم 
نفس السلام أو الدبلوماسية وعلم النفس قدمها علماء نفس كبار ودبلوماسيون ووزراء خارجية 


وجواسيس, وكانت هناك 10 أوراق رئيسية في الورشة 


304 


غطت موضوعات مختلفة. ومن ا موضوعات الأخرى التي تم علاجها "الطبيعة الإنسانية 
والسياسية العالمية: الإدراك والهوية والتأثير", و"اتخاذ القرار والتبادل", و"الصراع الاجتماعي» 
والتوسط والعدالة الاجتماعية", و"الصراع بين المجموعات: الأسباب النفس اجتماعية والتدخل"”, و" 
القيادة السياسية", و"العمليات الثقافية المتداخلة", و" اتخاذ القرار العالمي البيئي", و"مستقبل 
مشهد الدبلوماسية وعلم النفس". ولقد حضرت معظم هذه المحاضرات المتعلقة بعلاقة علم النفس 
بالدبلوماسية. 

قدم جان الياسون. وزير الخارجية السويدي. المحاضرة الافتتاحية للمؤتمر العالمي لعلم 
النفس. واستمعت لهذه المحاضرة الشيقة التي كانت بعنوان "الدبلوماسية وحل الصراع وعلم 
النفس". ولا يقل عدد الحضور على 2 ألف من علماء النفس والدبلوماسيين وربما الجواسيس. لقد 
مارس المتحدث العمل الدبلوماسي المتشبع بالبعد السيكولوجي في الصومال والبلقان والعراق وإيران 
والسودان وجميعها من المناطق الملتهبة في العالم. وقدم الوزير مصطلح "الأمن الإنساني" الذي أصبح 
مركز الاهتمام بعد الحرب الباردة. ويذكر الوزير أن المشاكل لا تصبح مشاكل إلا بعد وقوعهاء 
واقتبس حينها قول الشاعر اليوت: "ما بين الانفعالات والاستجابات تقع الظلال". ويقول الوزير يجب 
الذهاب لجذور الأزمات المتمثلة في الفقرء وحقوق الإنسانء» وغياب الدمقراطية وهي البني التحتية 
وليس الأعراض. وأضاف المتحدث ضرورة قيام جهاز للتحذير المبكر وحضور العيون والآذن العالمية 
وليس بالضرورة أن تكون عسكرية إنما مدنية. فضلا عن تطبيق نظام العزلة والعقوبات لضرر.ب 
القادة وليس الشعوب. كما طالب الوزير علماء النفس بدراسة الأثر السيكولوجي لنظام العقوبات. 
وهناك ثلاثة أسئلة متعلقة بالتوسط وحل الصراع تتمثل في القيام بوساطة مبكرة منع الصراع وخلق 
الثقة بين الأطراف المتنازعة وأهمية دراسة الدين واللغة والمعاني. 

وروى وزير الخارجية السويدي أحد مهماته الإغائية في السودان إذ أنه ذهب للخرطوم 
وتحدث مع حكومة الإنقاذ ولكن رفضت مقترحاته ثم رجع للفندق ونظم ورشة لعصف الذهن وتم 


الخروج منها بمقترح "الأمن الإنساني" وعندما رجع لمفاوضة 


305 


الحكومة قبلت هذا المبدأ الإنماني. ويذكر الوزير هنا علماء النفس أهمية اختيار المعاني المناسبة 
واللغة المستخدمة في الحوار . ويضيف أنه ذهب كذلك لقابلة زعيم حركة المتمردين في جنوب 
السودان جون قرنق بمبدأ الإنسانية والذي قبله كذلك. وأضاف ومن يرفض هذا المبدأ. ويقول الوزير 
إن الدين والعرق لا يؤديان أنفسهما للصراع وإنما استغلال الدين للوصول للسلطة هو الذي يؤدي 
للصراع. واختتم محاضرته بأربعة مقترحات لدراستها من قبل علماء النفس وهي توفير مناهج 
جديدة لترجمة التحذيرات المبكرة ومعرفة العوامل السيكولوجية قبل وقوع الأزمات. وثانيا تحديد 
الأسباب السيكولوجية لكيفية حل الصراع وسيكولوجية الدبلوماسية. وثالثا فهم كيفية إجراء الحوار 
ومهاراته عبر الثقافية وكيفية إحداث التوفيق. ورابعا كيفية تطوير نموذج للتعايش الديني في 
مجتمع متعدد الأطراف المتصارعة. ومن التحديات التي تجابه الشعوب في القرن الواحد والعشرين 
هو كيفية قبول التنوعات الثقافية والدينية والتحرر من الخوف أو تقليله المجموعة كبيرة من الأفراد 
والجماعات في العالم. وأهمية فك الحدود بين العلوم وجمع ا معرفة بصورة كلية. وعلى علماء النفس 
تقديم حلول عملية تطبيقية لا سيما فا مؤتمر المنعقد هو عن علم النفس التطبيقي. 


المخابرات الإسرائيلية ونوايا السلام العربية 
ترى إسرائيل منذ إنشائها عام 1948 أن مستقبلها يتوقف على حاجتها إلى معرفة اتجاهات أعدائها 
والتنبؤ بنواياهم وإحباط مخططاتهم (بلاك وموريسء 1992). ولعلم النفس ثلاث أهداف رئيسية 
هي الفهم والتحكم والتنبؤ (هلقارد واتكنسون واتكنسونء 1969). وواحدة من الموضوعات التي 
شغلت علماء النفس الاجتماعيين هو موضوع الاتجاهات. لقد عرف عدس وتوق (1986) الاتجاه 
بأنه يمثل حالة أو وضعا نفسيا عند الفرد يحمل طابعا إيجابيا أو سلبيا تجاه شيء أو موقف أو فكرة 
أو ما شابه مع استعداد للإستجابة بطريقة محددة مسبقا نحو مثل هذه الأمور أو كل ماله صلة بها. 


إن كلا من الوضع النفسي والاستعداد المذكورين لهما مظاهر عاطفية ودافعية وعقلية» ويمكن أن 


306 


تكون في بعض أجزائها لا شعورية. إن الاتجاهات كعوامل هامة في بناء الشخصية لا يمكن فصلها عن 
الأشياء أو الحوادث أو المواقف الموجودة في الجو الاجتماعي ذي صلة: فمثلا في حالة الشخص الذي 
يكون متوافقا مع الجماعة فليس من الضروري أن يكون من النوع المحافظ اجتماعيا. أي أنه من 
الضروري عند تفسير الاتجاهات أن يتم ربطها بالمواقف الخاصة بها أو المثيرة لهاء وليس إطلاقها 
بوجه عام. نحاول في الجزء اللاحق من الدراسة أن نتابع توظيف إسرائيل لعلم النفس الاجتماعي» 
خاصة موضوع الاتجاهاتء في فهمها لسيكولوجية العرب. 

ويقارب موضوع الاتجاهات في علم النفس موضوع دراسة النوايا في المخابرات. ولكن هناك 
صعوبة في مسألة تحديد نوايا الأعداء مثلا مقارنة بتحديد الاتجاهات. وهنا يجب التمييز كذلك ما 
بين استخبارات النوايا واستخبارات القدرة التي تعمل في مجال تطورات مستمرة يمكن متابعتها بلمدة 
طويلة. إذ أن التغيرات التي تطرأ على القدرة هي إضافية بطبيعتهاء وإن الأخطاء في تقدير القدرة 
تكون بشكل عام تقديرات مستوىء وليست جوهرية» ويكون هناك الوقت الكافىئَ لجمع معلومات 
أخرى يمكن بواسطتها تصحيح الخطأ . لكن هذا لا ينطبق على استخبارات النوايا. فمن طبيعة النوايا 
أن تتغير أسرع من القدرة. وتكون التغيرات متطرفة. وليست اضافية. والأخطاء في تقديرات النواياء 
قد تكون أخطاء مبدئية وليست نسبية. وفي ضوء هذه الصعوبات» تعتبر استخبارات النوايا بنظر 
بعض الخبراء استخبارات تعتمد على الخطأء مقابل استخبارات القدرة التي تعتبر أكثر ضمانا (انظر 
لنين 1986). 

بعد أربع سنوات من حرب أكتوبر 1973: على حسب قول بلاك وموريس (1992). فشلت 
ا مجموعة الاستخبارية الإسرائيلية في تأمين تحذير مسبق حول حادثة كان لها وقع الزلزال. كانت 
الحادثة هذه المرة في عدم التنبؤ بمبادرة الرئيس السادات السلمية التي أدت إلى التوقيع على 
اتفاقيات كامب ديفيد في سبتمبر 1978: وبدء المفاوضات لحل المشكلة الفلسطينية ومعاهدة السلام 
المصرية الإسرائيلية في مارس 1979 التي أنهت حولي ثلاثين عاما من النزاع المسلح بين الدولة 


اليهودية وأقوى وأكبر 


307 


أعدائها العرب. في أوائل عام 1976 بدأ رئيس "أمان" شلومو غازيت يقلق من أن 
الإسرائيليين لن يلاحظوا التحول في العام العربي من النوايا العدوانية إلى السلمية. ولقد تم التساؤل 
هل كانت أجهزة استقبال أمان متناغمة مع التحركات العربية تجاه السلام؟ ماذا ستكون إشارات 
التغيير في القلب العربي؟ وفي سبتمبر 1976 بدأ غازيت يفكر بجدية حول هذا الموضوع وتقرب من 
أجهزة استخبارات أجنبية عديدة -وبصورة أساسية وكالة المخابرات ال مركزية الأمريكية- وسأل عن 
آرائها بشأن هذه الدلائل: لكن إجاباتها لم تكن مفيدة. وعندها تحول غازيت إلى هيئة دراسات 
الشرق الأوسط الأولى في إسرائيلء وهي مؤسسة شيلوخ في جامعة تل أبيب وسأل الأكاديميين عن 
عدة مؤشرات. وأخيرا أعد ضباط أمان والأساتذة سؤالين: (1) هل هناك تغير في المقولات الشعبية 
العربية حول إسرائيل؟ (2) هل هناك تغير له معياره في الموقف العربي إزاء إسرائيل وفكرة السلام؟ 
لقد استندت أمان على هذه الخطوط العامة وبدأ قسم الأبحاث بالعمل وتوصل في أكتوبر 1977 إلى 
نتيجة أنه لا يوجد أي تغير في العام العربي فيما يتعلق بالموقف إزاء إسرائيل . كان قسم الأبحاث 
يعتقد أن السادات قد وصل إلى مفترق الطرق وأن أمامه خيارين الحرب أو السلم. 

ويعتقد رابين (1993) كذلك إن احتمالات السلام ستبدو في الأفق عندما ستهتز وحدة العام 
العربي ويغيب عبد الناصر وتكف مصر عن أحلامها بتزعم العالم العربي وتوجه جهودها نحو الداخل 
لحل مشاكلها الملحة. وعند ابتعاد السادات عن الاتحاد السوفيتي وإضعاف الجيش المصرري نتيجة 
إغلاق مستودعات الأسلحة السوفيتية أمامه واتساع رقعة الخلاف بين مصر وسوريا وهكذا دخل 
السادات في طريق مسدود لا يوجد به سوى مخرج واحد: الحل السياسي . ويضيف رابين بأن 
السادات جاء إلى إسرائيل بهدف مزدوج: نسف أسوار الشك والحواجز النفسية التي كانت قانمة في 
إسرائيل إزاء نواياه وإرغام الولايات المتحدة على تغيير سياستها في الشرق الأوسط. ومن ناحية 
سيكولوجية لقد نجح السادات في تبديد بعض ال مخاوف العميقة الراسخة في قلوب الإسرائيليين 


عندما أعلن "أنا أدرك حاجتكم إلى الأمن ولا أدرك حاجتكم إلى المناطق 


308 


المحتلة". وعموما لقد كان التأثير النفسي لزيارة السادات هائلا وكذلك الفجوة بين موقفي 
الجانبين المصري والإسرائيلي ولكن ظهوره أمام الكنيست أرغم حكومة إسرائيل على إعادة النظر في 
شروط السلام وعلى قيام مناحيم بيجن بالإعلان عن مشروعه السلمي الذي تضمن موافقة إسرائيل 
ولأول مرة على إعادة السيادة المصرية على شبه جزيرة سيناء وكذلك تضمن فكرة الحكم الذاتي. 

يقول سفير الولايات المتحدة في مصر "إن اتجاهات العرب نحو إسرائيل قد تحولت منذ عام 
7 وزادت عملية التحول بعد حرب 1973. وبزيارة السادات الدرامية لإسرائيل فقد خلق ذلك 
جوا سيكولوجيا جديدا مما يساعد على تقدم عملية السلام بين إسرائيل وجيرانها (اثيرتون 1978). 
وصل السادات القدس في 19 نوفمبر وتكلم أمام الكنيست وفتح الطريق أمام المحادثات المصرر_ية 
الإسرائيلية» واتفاقيات كامب ديفيد والبحث غير المجدي عن "الحكم الذاتي" الفلسطيني في الضفة 
الغربية» وأخيرا معاهدة السلام وعودة سيناء إلى السيادة المصرية. بقى غور الذي حيا الزعيم الممصري 
على أرض مطار بن غوريون وقال فيما بعد "لقد اعتقدت حقا أنها خطة خداع على مستوى 
استراتيجي عال. م أفكر في أن الرئيس المصرري كان ينوي أن يبدأ الحرب خلال الزيارة أو بعدها 
مباشرة. ثم أعني هذا النوع من الخداع. بل الخداع بمعنى تحضير جاد للحرب عام 1978. بينما كان 
السادات يلقى كلمته أما الكنيست,ء أرسل عزرا وايزمن ملاحظة إلى رئيس الأركان تقول "باشر 
بالاستعداد للحرب". 

وبعد أكثر من خمسين عاما على إنشاء دولة إسرائيلء مازال العمل الأساسي لأجهزة 
إستخباراتها هو تقدير النوايا والإمكانيات العسكرية العربية. وتقوم أمان بمعظم هذا العمل 
وتستخدم أحدث التكنولوجيا الموضوعة تحت تصرفها. ومازالت حرب إسرائيل السرية مستمرة. ومع 
ذلك فإذا كان هناك درس من هذا التاريخ ا لمضطرب. فهو أنه ممكن اللمْبالغة في تقدير أهمية 
الاستخبارات» إلا أنها. ليست أكثر من أداه -يجري تحديد إمكانياتها وحدودها بدقة من قبل 
مستخدميها- وهي ليست أيضا بديلا عن السياسة. وفي العالم الثالث تستخدم معرفة الأعداء من 


أجل محاولة إقامة سلام معهم: وحتى 


23209 


ذلك الوقتء أي عندما يصبح العا مثالياء مازال للجواسيس في إسرائيل وبقية البلدان 
أيامهم الخاصة. 

وجابهت المخابرات الإسرائيلية معضلة كبيرة في تقدير النوايا الحقيقة لياسر عرفات أهي 
نوايا نحو السلام أم نحو الحرب؟ ولذلك قررت المخابرات أن تضع حدا لتلك المعضلة. ففي تقرير 
رسمي وسري للغاية لكنه تسرب لصحيفة "معريب" الإسرائيلية طرحته المخابرات على ارييل شارون 
إذ أن من مصلحة إسرائيل التخلص من الرئيس الفلسطيني ياسر عرافات و "إن الفوائد التي تعود 
على إسرائيل من ذلك أكبر بكثير من الأضرار". ويتألف التقرير من ثلاثة فصول على النحو التالي: أولا: 
يتحدث عن الفوائد من عرفات وهي: اعترافه بإسرائيل وإطلاق مفاوضات السلام معها (في مؤتمر 
مدريد ثم أوسلو»» التزامه بمسيرة السلام» مكانته الرفيعة في صفوف الشعب الفلسطيني وكونه 
صاحب قرار وقادرا على صد التيار الأصولي» وقدرته على التصدي للنفوذ السوري- الإيراني ومن ثم 
غيابه قد يخلق فوضى عارمة تؤدي إلى تعاظم الإرهاب. وثانيا: يتحدث التقرير الاستخباراق عن 
الأضرار التي يمثلها عرفات وهي أنه قائد خطير من شأنه أن يجر الساحة إلى حرب شاملة بين 
إسرائيل والدول العربية» يهدد بتدمير الكنز الكامن في السلام بين إسرائيل ومصرٍ والأردنء يهدد 
الاستقرار في أنظمة الحكم في الدول المجاورة: ما زال يرى في العنف والإرهاب أداة شرعية: ولم يقبل 
بعد بداخله واقع دولة إسرائيلء ولا يرغب في التوصل إلى حلول وسط في القضايا الأساسية مثل 
القدس واللاجئينء وينجح في لعب لعبة مزدوجة إذ يقنع العام بنايته الصادقة تجاه السلام وفي 
الوقت نفسه ما زال محاربا مقاتلاء يزيد من عداء ا مواطنين العرب في إسرائيل لدولتهمء. وفنان في 
السيطرة وتوجيه الإعلام» ويحول كل هزهة إلى نصر. 

وثالثا يتحدث التقرير الاستخباراقي عن وضع ما بعد عرفات. ربما ينشأ صراع داخلي حول 
السلطة الفلسطينية ويحتمل أن يسيطر على الحكم تحالف العسكريين والسياسيين العلمانيين: لأن 


قوتهم العسكرية أكبر من قوة الأصوليين. وينشغل 


310 


الفلسطينيون بأنفسهم لفترة طويلة» وتتفرغ السلطة الجديدة لتثبيت حكمها. وبما أنه لا 
يوجد وريث جدي أو بارز لعرفات» فمن المتوقع أن تضعف مكانة القيادة الفلسطينية في العام. 
وسيتعاظم تأثير مصر والأردن على الفلسطينيين. وتكون القيادة الجديدة أكثر براغماتية وأقل تدينا 
وأكثر شبابية وانفتاحا وأكثر استعدادا للتنازل» فإن قيادة كهذه ستحارب الأصولية بشكل أنجع. ويزاد 
الخطر في نشوب حرب أهلية فلسطينية. وسيضعف الدعم العالمي للفلسطينيين وسيضعف تأثيرهم 
على العرب في إسرائياي. فهل نتيجة لهذه المعضلة التي تواجه إسرائيل في تعاملها مع تقدير نوايا 
عرفات تضع حدا له وذلك بتصفيته وفقا لتقرير المخابرات؟ ربما لا يستطيع أحد التكهن بماذا 
ستكون الخطوة القادمة (أنظر الشرق الأوسطه يوليوء 2001). 

ربما يتم التساؤل هل تتراجع أبحاث علم النفس وأبحاث النوايا في أمان» والشين بيتء 
والموساد وتراجع ملفاتها وممارساتها في ظل اتفاقيات السلام المبرمة مع مصر والأردن ومنظمة 
التحرير الفلسطينية. وحتى بعض الدول شديدة العداء لإسرائيل مثل العراق أو السودان ربما تكون 
هناك بعض رياح التغيير التي تهب في هذا الاتجاه؟ وهل يتم تصفية أو تقليل نشاط هذه الأجهزة؟ 
وأين يذهب علماء النفس كاملي الدوام با مخابرات الإسرائيلية؟ لقد اقتطف بلاك وموريس (1992) 
قول يهو شافات هاركابي-الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية»ء وهو يعتبر من الحمائم- 
أنه يعتقد أن تغييرا جذريا قد حدث في المواقف العربية تجاه إسرائيلء وأن ال مسئولية تقع على 
الجانب الإسرائيلي في قبول هذا التحدي. هذا ويصر هاركابي وآخرون على أن "معرفة العدو" تتضمن 
معرفة أن العدو بصدد التحول إلى عدو "غير محارب". 

تعتقد عدة جماعات في إسرائيل أن البلاد في خطر دائم: فالجيش القوي لا يضمن السلامة. 
وتواجه إسرائيل أعظم تهديد في تاريخها. وهو أمر لا يمكن السيطرة عليهء وفي إسرائيل يواصلون 
ضرب الفلسطينيين» ويقول شامير بهذا الصدد :أنهم يجعلون منا قساة. وهم يجبروننا على ضرب 
الأطفال" هذا هو ما يحدث بعد سنوات من السرية» وبعد سنوات من سياسة "نحن على حقء فنكن 


عاق نهر كلف اللمو ا تفيل 


311 


تضليل المسؤولين» وتبرير العنف والوحشية عن طريق الغشء أو كما يقول شعار الموساد 
"عن طريق الخداع". أنه مرض بدأ يسري في الموساد وانتشر في الدوائر الحكومية وامتد في العديد 
من قطاعات المجتمع الإسرائيلي. وهناك العديد من العناصر داخل المجتمع الإسرائيلي تعارض هذا 
ا منزلق» إلا أن أصواتهم لا تسمع. ومع كل خطوة إلى اسفلء تصبح مواصلة النزول اسهلء والتوقف 
اصعب بكثير (استروفسكي وهويء 1990). 

إن السمعة المخيفة للاستخبارات الإسرائيلية ليست مهمة. ومن الواضح أنه مازال في البلدان 
العربية إيمان راسخ بأن إسرائيل لها ذراع طويلة وخطيرة يحكمها عقل خبيث بارع. ولقد حولت 
الموساد إسرائيل إلى بلد يشك كل شخص في كل شخص آخر., وبكل شيء طوال الوقت. إن السؤال 
الذي يطرح نفسه بأن هناك فرع قوي هو علم النفس الحربي أو العسكري. ولعب هذا الفرع أدوارا 
كبيرة في تعزيز الحرب الإسرائيلية-العربية ويقابل ذلك فرع لعلم نفس السلام. إنها لمفارقة 
سيكولوجية كيف يمكن فهمها في ظل التحكم العالمي؟ علم نفس عسكري يحمل الل مدفع ويبطش 
بقوة وقسوة بلا رحمة من جانب وعلم نفس يحمل غصن الزيتون ويدعو للسلام والرحمة! صحيح 
جدا بأن الموساد سبقت بسبب تطبيقاتها الهائلة لتقنيات علم النفس العسكري الآخرين بخطوة 
للأمام نحو تحقيق شعارها "عن طريق الخداع سوف ندخل الحرب" فهل يا ترى تتبنى شعارا آخر 
وتسبق الآخرين خطوة للأمام بتطبيق مبادئ "علم نفس السلام”"؟ أم لم تغير الموساد من شعارها 
ولكن تغير من أساليبها ولكن بمخالب حادة مخفية مع عملية السلام؟ 

شرح شلومو غازيت رئيس أمان أن سياسة السلام التي بادر بها السادات هي "نتيجة قرار 
شخصي. قرار لم تجر مناقشته وم يقبل به أو يتفحصه أي منبر في الدوائر الحكومية في القاهرة. إنه لا 
يستند إلى أي إجماع عربي عريض". إن ما عبر عنه غازيت يحيلنا إلى طرح بعض الأسئلة: إذا كانت 
"سياسة السلام العربية-الإسرائيلية" هي "نتيجة قرار شخصي" هل يفهم من ذلك أن "سياسة السلام 
الإسرائيلية-العربية" هي م تكن نتيجة قرار شخصي إنما نوقشت وقبلت وفحصت من قبل الدوائر 


الإسرائيلية 


312 


في تل أبيب بإسرائيل وغيرها من المراكز اليهودية أو الصهيونية في دول الشتات؟ هل هناك 
أي هيئة دراسات سيكولوجية في العالم العربي تلجأ إليها وزارات الخارجية العربية أو المخابرات 
العربية معرفة بعض النوايا أو المؤشرات الهامة في السياسية الخارجية؟ ومن ناحية سيكولوجية. هل 
كانت هناك محاولات سابقة لدراسة رد الفعل العربي لموضوع السلام؟ وما هي مساحة البعد 
السيكولوجي في الصراع العربي الإسرائيلي؟ وهل هناك أي دور لعلم النفس في التفاوض السلمي لحل 
الصراع؟ إن هذه الأسئلة وغيرها تحيلنا لبعض التطبيقات الهامة والاستراتيجية لعلم النفس والتي 
سبقت مفوضات السلام بخطوات. 
ورش علم النفس ومفوضات السلام العربية-الإسرائيلية 
هناك عدة أبحاث عن العلاقة بين المتغيرات السيكولوجية والسياسات الخارجية (الموند, 41950 
بريشار. 1972؛ دي ريفيراء 1968؛ ليتسء 1953؛ كابلويتزء 1973؛ 1975؛ هاركابيء 1971). ويؤكد 
الرئيس الأمريي كلنتون في محاضرة عن الشرق الأوسط في باريس أن المشكلة بين الفلسطينيين 
والإسرائيليين ليست مشكلة سياسية أو عسكرية أو قانونية ولكنها مشكلة نفسية في المقام الأول 
(الأيام. يونيو 2001). ونتيجة لذلك درست بعض المتغيرات السيكولوجية الخاصة بالصراع العربي 
الإسرائيلي من خلال بعض الورش في أقسام علم النفس الغربية. ومن ناحية تاريخية. بدأ أسلوب 
الورش وفق منهج حل المسائل على يد برتون في لندن عام 1965. وقد طور برتون مع أكاديميين 
أمريكيين مثل كيلمان هذا الأملوب في ورش لاحقة. ويقوم الأملوب على إعطاء أطراف النزاع فرصة 
الالتقاء بعيدا عن مفاوضات رسمية على شكل ورشة عمل مدة أيام عدة, فيتناقشون ويستكشفون 
سويا أبعادا في الصراع م يكونوا تنبهوا إليها في السابق. 

فهذه الدراسات في إطار دبلوماسية الخط الثاني تسعى إلى كسر الجدار النفسي بين 
المتصارعين. وفي هذه المرحلة يتم العمل لبناء جسور الثقة بين الجماعتينء كما يتم إعطاؤهم جميع 


الفرص للتعبير عن خلافهم وغضبهم ومشاعرهم ومخاوفهم 2 جلسات 


313 


طويلة تخصص لإبراز عناصر الصراع العاطفية. كما الواقعية أيضا. وهذا النوع من التنفيس 
النفسي يساعد كل طرف على الشعور بالراحة. مما يسمح للطرف العقلاني بأن يأخذ مجراه في 
جلسات أكثر هدوءا في اليوم الثاني والثالث من الورشة. وقد اشتهر كيلمان بالورش التي كان يقيمها 
في قسم علم النفس بجامعة هارفارد الخاصة بالصراع العربي -الإسرائيلي حيث كان يأتي ممثلون عن 
الطرفين لمدة ثلاثة أيام, بينما يكون طلبة كيلمان يراقبون الحوار ويسجلون مشاهداتهم. أما كيلمان 
فلا يتدخل إلا عند الضرورة لإثارة سؤال أو توجيه النقاشء ما عدا هذا فا مشاركون من الجانبين لهم 
كل الوقت للتحدث عن خلافاتهم ولمحاولة الوصول إلى صيغة مشتركة (أنظر الغبراء 1993). 

كما تم إجراء بعض الأبحاث الميدانية عن الاتجاهات والادراكات التي توجه السلوك 
السياسي بالنسبة لطرفي النزاع. مثلا قام كابلويتز (1976) بمقابلات مكثفة لمئات الساعات مع 50 من 
العرب و28 من الإسرائيليين أثناء عامي 1971-1970. وكان أغلبهم من القادمين للولايات المتحدة 
للدراسات العليا. وتم تدعيم المقابلات باستبيان ذو الأسئلة المفتوحة صمم ليس فقط لمعرفة الآراء 
حول قضايا معينة ولكن لتشجيع معرفة أسباب الصراع بين العرب والإسرائيليين. وأظهرت نتائج 
الدراسة بأن هناك مجموعة من العرب تقبل بصورة واضحة عملية التفاوض مع إسرائيل. وتشمل 
هذه المجموعة العرب ال محيطين بإسرائيل منهم بعض الأقباط ا مصريينء واللبنانيين والفلسطينيين من 
الضفة الغربية. وبصورة عامة تنعكس اتجاهات تلك المجموعة مع آراء بعض القادة العرب الذين 
لهم قبول بالنسبة لإسرائيل (حوراني» 1967؛ شهادة. 1971؛ شاميرء 1971). كما أظهرت نتائج الدراسة 
بآن مجموعة من العرب استجابت بعدم التفاوض مع إسرائيل و ليس لديها أي استعداد للاتفاق 
وبأي صورة من الصور. وتنعكس اتجاهات تلك المجموعة في موقف العراق وليبيا وسوريا حتى 
حرب 1973 والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. 

وتعتبر ورش حل المشكلات للصراعات العالمية (بيرتون. 1968؛ دوب» 1970؛ كيلمان. 1972؛ 


كيلمان وكوهين. 1967) محاولة لإيجاد نظريات وتقنيات بواسطة علماء 


2314 


النفس كأداة لحل الصراع وتتح هذه الورش فرصة فريدة للدراسة ولملاحظة للتفاعل 
بالنسبة للمجموعات المتصارعة (كوهينء وكيلمان. وميللر. وسميث. 1977). وعقدت ورشة 
استطلاعية شملت بعض الفلسطينيين والإسرائيليين مع فريق من علماء النفس لمناقشة موضوع 
الصراع في الشيق الأوسط. وعقدت هذه الورشة عام 1971 كجزء من حلقة نقاش للمدخل 
الاجتماعي-السيكولوجي للعلاقات الدولة. وحاضر في السمنار كل من كيلمان وكوهين كما شارك فيه 
ميللر وسميث كطلاب. وصممت الورشة أساسا لتوضيح ديناميات الصراع ومحاولة الكشف على 
الجوانب التطبيقية وحدود الأفكار النظرية التي تم التوصل إليها من أعمال الورش مع المجموعات 
الصغيرة, وأبحاث التأثير الاجتماعي. ونظريات القومية فضلا عن أبحاث الصراع والسلام. وقدمت 
تلك الورشة فرصة نادرة لملاحظة مشكلات التواصل الثقافي والذي يشمل مجموعتين ليس بينهم 
صراع فحسب. وإنما يتفاعلون مع بعض كذلك عبر مسافات ثقافية ولغة ليست لغتهم الأم. 

وأظهرت نتائج أحد جلسات ما قبل الورشة بأن ال مصريين قد عرفوا الصراع من خلال الخلاف 
حول الحدود المغتصبة عام 1967.: بينما عرف الفلسطينيون بأن الصراع المركزي هو الاعتراف بحق 
الشعب الفلسطيني وحقوقهم لفلسطينء بينما رأي الإسرائيليون بأن الصراع ناتج عن رفض العرب 
لقبول الحقوق الشرعية للدولة اليهودية. وعبر المصريون والفلسطينيون عن معاناتهم من استمرارية 
الصراع» بينما يرون بأن الإسرائيليين قد استفادوا من التماسك الداخلي الذي خلقه الصراع. وبالنسبة 
للإسرائيليين» فإن استمرارية الصراع هو مصدر استمرار بمعاناتهم من غير أي فوائد. واتفقت الأطرف 
الثلاث فقط على عملية الإدراك بأن الفلسطينيين هم أكثر المجموعات معاناة من استمرارية الصراع 
(كوهين وكيلمان وميللر وسميث. 1974). 

وفي بداية النقاش في الورشة أثارت المجموعة الفلسطينية قضية شرعية القومية في جنوب 
أفريقياء كما استخدموا هذا النقاش العام كمدخل للهاجمة شرعية القومية الإسرائيلية. ولكن قبلت 


المجموعة الإسرائيلية المشاركة في الورشة شرعية القومية 


315 


الفلسطينية. وبناءا على ذلك طلب أحد الفلسطينيين أثناء تبادل الحديث من الإسرائيليين بأن يوقعوا 
بيانا للاعتراف بالادعاء الفلسطيني. ولقد اتضحت بعض التغيرات السيكولوجية في مواقف بعض 
ا مشاركين من خلال الورشة ولكن يصعب التأكد تماما بأن هذا التغيرات كانت من خلال خبرة 
الورشة. ويقول ا منظمون للورشة بأنه بعد انقضاء عدة سنوات ظل بعض المشاركين في اتصال معهم 
ويتذكروا جيدا خبرة تلك الورشة كمصدر لتبصرات هامة. وعبر ا مشاركون الفلسطينيون والإسرائيليون 
عن إحساسهم بأن فرصا مشابهة للحوار يمكن أن تحدث في المستقبل. كما عبر بعض الفلسطينيين 
عن خبرات تلك الورشة لزملائهم من الفلسطينيينء كما بدأ بعض الإسرائيليين للنظر للقضية 
الفلسطينية كقضية مركزية في الصراع وأكثر صعوبة في حلها خلافا للكيفية التي كانوا يفكرون بها 
سابقا. 

لقد رسم أحد الفلسطينيين المشاركين في الورشة رمزا في السبورة أثناء فترة استراحة ما بين 
الجلسات يتضمن الصليب والهلال ونجمة داؤود. ونظر لهذا الرمز بأنه يمثل رؤيته لفلسطين 
المستقبل التي يعيش فيها ا مسيحيين وا مسلمين واليهود في سلام وانسجام. ووصف الإسرائيليون الرمز 
بصورة مؤكدة با في عقلية الفلسطينيين بالنسبة لإسرائيل. وكما رأى الإسرائيليون بأن الرمز يمثل 
إسرائيل (نجمة داؤود). مطوقة أو محاطة بالعالم العربي (الهلال) مع الخنجر (الصليب) الذي يلج 
القلب. ويقدم هذا النوع من التفاعل أو المناظرات صورة واضحة حول الفوارق الإدراكية والتي 
تتصف بها عادة الجهات ذات العلاقة بالصراع (كوهين وكيلمان وميللر وسميث, 1974). وعموما 
كانت النظرة الفلسطينية للرمز ودلالاته نظرة سلمية بينما النظرة الإسرائيلية كانت نظرة عدائية 
حتى في ظل ورشة سيكولوجية سلمية لحل صراع قاتل ومدمر. 

صحيح جدا بأن ا لمجموعات المصر-ية والفلسطينية والإسرائيلية من المشاركين في الورشة 
ليسوا شخصيات مركزية في القرار السياسي في بلدانهم لكي يقدموا مشروعا فعالا لحل الصراع العربي 
الإسرائيلي كما لم يتبلور كذلك مشروعا محددا من خلال هذه الورشة. ولكن بالرغم من ذلك قدمت 


الورشة نموذجا لتقنيات حل الصراع. وركزت 


316 


الورشة على التنظيمات أو البناءات اكثر من تركيزها على المشاكل الشخصية أو بين 
الشخصية. ونظر المشاركون للمنهج المستخدم بأنه ثرا وجادا وليس كمباراة مصطنعة. وقدمت 
الورشة كذلك نموذجا ممتازا لقيمة البحث الأكاديمي السيكولوجي الذي يتح هذا الإطار للحوار 
وللتفاوض. فإن الأفراد المرتبطين بصراع قاتل ربما يفكروا في احتياجهم لهذا الإطار للتحرك نحو حل 
الصراع. 

بوسعنا القول بأنه من أروقة علم النفس في الجامعات الغربية عقدت هذه الورشة البحثية 
والتي قدمت معلومات ثرة عن كيفية إدارة الحوار وكيفية فهم اتجاهات وادراكات الخصم.ء وكيفية 
بناء الاتصال واختيار المجموعات المشاركة في التفاوض. يبدو أن علماء النفس في إسرائيل وعلماء 
النفس الإسرائيليين أو اليهود في الجامعات الغربية قد استوعبوا جيدا الكيفية التي يساهموا بها 
كعلماء أو يرسموا بها السياسات المعينة لفرق التفاوض الإسرائيلي مع العرب في مفاوضات كامب 
ديفيد ومدريد. وأوسلوا وواي ريفر. 

لقد تم تنظيم الورشة الاستطلاعية أعلاه عن الإسرائيليين والفلسطينيين في جامعة هارفارد, 
أعرق الجامعات الأمريكية. بواسطة واحد من علماء النفس الاجتماعين الكبار وهو هربرت كيلمان 
و عام نفس من مؤسسة فان لير بالقدس وهو استيفن كوهين. وذكر في البحث بأنه مول جزئيا من 
قبل منحة من المعهد القومي للصحة النفسية. ولكنا نتساءل هل تمت هذه الورشة من أفكار 
انبثقت تماما من قسم علم النفس بجامعة هارفارد؟ أم كان خلف هذه الورشة دبلوماسيون أو 
عملاء أو جواسيس للمخابرات الأمريكية أو الإسرائيلية؟ ولقد ذكر بأن البحث مول "جزئيا" من 
المعهد القومي ويا ترى من أين جاء تمويل الجزء الآخر من البحث؟ وما هي علاقة مؤسسة فان لير 
بالقدس بهذه الورشة؟ وما حجم دعمها للورشة؟ وما هي طبيعة العلاقة بين هذه المؤسسة وبين 
قسم علم النفس في جامعة هارفارد من جهة ومن جهة أخرى طبيعة العلاقة بين كوهين وكيلمان؟ 

هل يا ترى قام علماء النفس العرب في جامعات دول المجابهة في القاهرة ودمشق 
والجامعة الأردنية والجامعة اللبنانية بإجراء أي نوع من الدراسات الميدانية السيكولوجية التي 


تساعد نتائجها ف 3 فهم 00 الخصم والتفاوض معه؟ هل قام علماء النفس 


317 


العرب خاصة المشهورين منهم في دول الشتات مثل أمريكا وبريطانيا وكندا واستراليا 
وفرنسا بإجراء أي نوع من هذه الورش باستضافة مجموعات من العرب والإسرائيليين كما فعل 
رصفائهم هناك؟ أم أن هؤلاء العلماء العرب محسوبون للغرب أكثر من العام العربي؟ أم قام الطلاب 
العرب المبتعثين من الجامعات العربية والعاملين خاصة في مجال علم النفس السياسي أو الاجتماعي 
أو العسكري بعمل أي نوع من الدراسات المتعلقة بالبعد السيكولوجي للصراع العربي الإسرائيلي؟ 
هل قامت الوفود العربية المشاركة في اتفاقيات السلام المتعددة مع إسرائيل بالاستفادة من نتائج أي 
دراسة سيكولوجية قام بها أحد علماء العرب في كيفية معرفة رد الفعل الإسرائيلي عند أول لقاء؟ أو 
كيفية تفريغ الكراهية وتجاوز التنميط ولو بصورة مصطنعة؟ أو كيفية تحديد نقاط الضعف والقوة 
في الوفد المشارك؟ أو كيفية طرح أو ابتدار القضايا المركزية أثناء المفاوضات؟ هل قامت أحد 
المؤسسات العربية بتبني أي نوع من هذه الورش؟ أو قامت أحد ال مخابرات العربية بدعم مشروع 
بحثي عن سيكولوجيا التفاوض مع إسرائيل؟ أو قامت أقسام علم النفس بأي أبحاث سرية 
استراتيجية؟ يبدو أننا نترك هذه الأسئلة مفتوحة لأجوبة من علماء النفس العرب الذي يطبقون علم 


النفس بالقطاعي. 


315 


الفصل السادس 


علماء النفس العرب والتحكم بالقطاعي 
مفهوم التحكم عند علماء النفس العرب 


تؤكد كتب علم النفس ف المكتبة العربية بأن لعلم النفس ثلاثة أهداف رئيسية هي: الفهم, والتنبؤء 
والضبط (أحمد. 1992؛ جابر, 1976؛ حمزةء 1982؛ راجح, 1987؛ سليمان والمليجي وبديويء 1994؛ 
سويف. 1978؛ الطويل وعليء. 1991؛ عبد الخالق. 1991؛ عبد الخالق ودويدار. 1993؛ عبد الستان 
5؛ عدس وتوقء 1986؛ نجاق, 1980). ولا تختلف تلك الأهداف في شكلها العام مما هو موجود 
في كتب علم النفس الأجنبية. وسوف نوضح لاحقا اختلافها في المضمون من جهة, ومن جهة أخرى 
درجة ونوعية التحكم بالجملة والتحكم بالقطاعي أو بالمفرق. وبإمكان كل عام نفس أن يراجع 
الصفحات الأولى من كتب علم النفسء. خاصة تلك الموسومة بالمقدمات وال مبادئ وال مداخل 
والموجودة في أرفف المكتبات العربية العامة منها والخاصة فيجد تثليث الفهم. والتنبق والضبط. 
وسأحاول إيضاح تلك النقطة من خلال عرض وانتقاء بعض الأمثلة من هذه الكتب العربية مع 
التركيز خاصة على مفهوم "التحكم". 

اهتم الإنسان بذاته كثيراء وحاول جاهدا أن يعرف نفسه. وأن يجد إجابات عن أسئلة كثيرة 
تتعلق بسلوكه (جابرء 1976)» وإن بؤرة الاهتمام المركزية لعلم النفس في كلا من مجالي البحث 
والتطبيق السيكولوجي هي سلوك وأنشطة الناس (أحمد. 1992). ويساعد علم النفس بصفة عامة 
على دراسة وفهم وحل الكثير من الأزمات والمشكلات والصعوبات والانحرافات التي يعانيها الإنسان 
(الطويل وعلي. 1991). وإن الغرض 


319 


الأماسي للبحث العلمي (عاقلء بلا تاريخ) ليس مجرد وصف الظاهرات بل تخطي ذلك إلى 
تفسيرها. ولا يقنع العلماء بمجرد تفسيرات الظواهر بل يريدون أن يتنبؤوا بالطريقة التي يعمل 
التعميم وفقها في المستقبل. والعالمم الحق لا يكتفي بالتفسير والتنبؤ كهدفين للعلم بل يتجاوزهما إلى 
محاولة الضبطء وهو التحكم في العوامل الأساسية التي تسبب حادثا ما لكي تحمله على التمام أو 
تمنع وقوعه. كما يقول عبد الخالق (1991) فإن لعلم النفس أربعة أهداف هي: الوصفء والتفسيرء 
والتنبؤ. والضبط. فالوصف هو تقرير عن الظواهر القابلة للملاحظة وبيان علاقاتها ببعض. أما فيما 
يختص بضبط السلوك أو التحكم فيه فإن عام النفس يروم تعديل السلوك الذي يحتاج إلى تعديل. 

ولخص حمزة (1982) كذلك أهداف علم النفس بأنها فهم السلوك وتفسيره. والتنبؤ بما 
سيكون عليه السلوك. وضبط السلوك والتحكم فيه بتعديله وتحويره وتحسينه. وأعطى مثالين 
للضبط هما "حرمان الطفل من عطف الوالدين"”, و "استعداد الطالب للدراسة الأدبية وعدم 
استعداده للدراسة العلمية". بينما أعطى عيد الزهار (1991) مثالا للتحكم في ظاهرة النجاح في 
الدراسة على أساس التوجيه التعليمي بالكشف على استعداد الفرد للنجاح في دراسة معينة . ومن 
أمثلة الضبط عند نجاقٍ (1980) أثر التسميع في الحفظء وعند عبد الستار (1985) دراسة تأثير العين 
على انقباض العين . ويعني الضبط بالنسبة لسليمان والمليجي وبديوي (1994) تحديد الظروف 
والملابسات التي تحدد وتتحكم في حدوث الظاهرة التي نحن بصدد دراستها. ومكن على سبيل 
المثال التحكم في التفوق الرياضي في لعبة معينة عن طريق عمليات التوجيه والاختيار السليم . 

إن عام النفس يروم تعديل السلوك الذي يحتاج إلى تعديل كتعديل سلوك ال مريض النفسي- 
بعلاجه. وضبط (تعديل) سلوك المراهق الذي يدأب على قضم أظافره (عبد الخالق» ودويدارء 1993) 
. وإن فهم الظاهرة ومعرفة أسبابها وخصائصها يعين على التنبؤ بحدوثها وعلى ضبطها والتحكم فيها. 
وهذان هدفان عمليان من أهداف العلم» كل علم وإذا عرفنا استعداد فرد للهنة أو دراسة معينة, 
وعدم استعداده طهنة أو دراسة أخرىء تسنى لنا أن نجنبه الفشل في إقحامه في مهنة أو دراسة ليس 


مؤهلا لها (راجح, 


200 


7. وإذا كانت الروح العلمية للسيكولوجيا الغربية الحالية هي روح تطبيقية بالدرجة 
الأولىه حيث صار من الضروري توظيف نتائج أبحاثها في شتى المجالات التنموية. وبشكل خاص في 
مجالات التوجيه التربوي والاختيار المهني والتشخيص العيادي. فمن حقنا أن نتساءل عن المهام 
التطبيقية ما يتداول عندنا من أبحاث ودراسات سيكولوجية؟ ومن واجبنا أيضا أن نتساءل عن 
الأبعاد التطبيقية لنتائج هذه الأبحاث وعن احتمالات استثمارها في مجال خدمة القطاعات التنموية 
الحيوية داخل المجتمع العربي ( أحرشاو 1994). 

وفي دراسته الميدانية عن الصورة الشائعة عن علم النفس الحديث. وجد سويف (1978) 
أن بعض أفراد عينة دراسته ذكروا موضوع الاستفادة العملية من تطبيقات علم النفس. إلا أنها 
اقتصرت على ذكر ميدان واحد من ميادين التطبيق وهو ميدان العلاج من الاضطرابات النفسية, 
وذكر أربعة أشخاص من 500 فقط ميدان الصناعة» وأربعة آخرون أشاروا إلى تطبيقات علم النفس 
في ميدان الجرية» وثمانية أوردوا ذكر ميدان التربية. ويمكننا أن نلاحظ بأن دراسة سويف شملت 
عينة بلغت 500 فرد و يتم أي ذكر لدور علم النفس في المجال العسكري أو الحربي أو في أغراض 
الدفاع الأخرى أو في الدبلوماسية أو المفاوضات أو في المخابرات. 

وسوف نكرر القول بأن كتب علم النفس في المكتبة العربية تتفق بأن هناك ثلاثة أهداف 
رئيسة لعلم النفس هي الفهم والتنبؤ والضبط . ومن أمثلة الضبط والتحكم الممذكورة في الكتابات 
العربية السابقة الاستعداد الدراسي والمهني» والتحكم في ظاهرة النجاح في الدراسة. وتعديل سلوك 
المريضء وضبط سلوك ال مراهق والجانح: والتحكم في التفوق الرياضيء والتحكم في الجريمة . إن 
الهدف النهائي للعلم هو هدف تطبيقي ويا ترى هل نجح علم النفس في العالم العربي في تحقيق 
هذه الأهداف الخاصة بالتحكم الفعال ؟ ودعنا نتساءلء من غير تهكم. هل أن هدف علم النفس 
فقط هو التلميذ المسكين في المدرسة؟ أو المريض المشفق على حاله في العيادة النفسية؟ أو الأصم 
والأبكم والكفيف والمتخلف عقليا أو حركيا في معاهد الرعاية الخاصة؟ إنها نظرة تقليصية تجزيئية 


على أية حال . 


2321 


وقد تكون الكتب العربية التي تعالج علم النفس بهذا المنظور هي مجرد اقتباسء أو 
ترجمة للكتب الغربية . ولكنها إقتباسة» أو ترجمة "مايكروية" تركز على جوانب محددة من علم 
النفس أي ما أسميه "علم النفس بالقطاعي" أو "علم النفس بال مفرق". هل حتى في حالة التحكم 
بالقطاعي استطعنا حقيقة وفعلا أن نتحكم في التلميذ والمريض والمعاق والعامل ؟ وهل يشعر علماء 
النفس العرب أن علم النفس الذي يدرسونه في قاعات الجامعات له ارتباط حقيقي بقضايا ا مجتمع 
الواقعية ؟ أم أن علماء النفس العرب لا يسألون أنفسهم هذه العينة من الأسئلة المحرجة؟ 

هناك عدة وظائف هامة لعلم النفس في مجال التحكم والتدريب والتأهيل في مختلف 
قطاعات المجتمع الصناعي والعلاجي والتربوي. ولكن في نفس الوقت إن جزءا ليس باليسير من 
حقيقة علم النفس الغربيء أو الأوربي» و اليورو-أمريكي هي حقيقة استعمارية» وإمبريالية, 
واستخباراتية ويمثل ذلك الأهداف الكبرى لعلم النفس كما وضحنا سلفا . ولكن عندما يستجيب 
علماء النفس العرب للعلم المستورد فانهم يدركون بصورة تجزيئية الأهداف الصغرى لعلم النفس» 
أو علم النفس بالقطاعي كما أفضل أن أسميه. وربما تكون هناك غفلة في متابعة التطبيقات الكبرى 
لعلم النفس المكشوف والمستور منهاء وغفلة أخرى في مواكبة الإسهامات العالمية لعلم النفس من 
اللاغرب وكيفية استجابة علماء النفس فيه لفهم آلية التلاعب التحكمي في علم النفس. والسؤال أين 
علماء النفس العرب من هذا السياق العالمي لعلم النفس ؟ وماذا لا يوجد علماء نفس عرب عظام 
يعبرون عن الحقيقة السيكولوجية في "زمكانها"؟ و كيف ممكن قراءة علم النفس بصورة ذكية ؟ 
والسؤال الأهم لماذا هناك أهداف طموحة لعلم النفس في الكتب العربية لتسلق قمة افرست في 
التحكم ؟ ولكن ماذا يبدو أن محاولة التسلق هذه لم تتجاوز خطوات سلحفاة كسيحة في قاعدة 
الجبل؟ والسؤال الأهم ماذا مم يولد علم النفس في العام العربي بأي مخالب؟ 

إن عنوان هذه المحاولة البحثية هو "علم النفس والمخابرات". ونحن ندرس ما هو "علم 


نفس" من جهة و ما هو "مخابرات" من جهة ثانية وكيفية الانتقال من علم النفس 


2322 


للمخابرات. ولكن يبدو أن النسق سوف يتخلخل في الفصل الرابع من هذه الدراسة. 
ويعزى السبب في ذلك بأن هناك علم نفس كسيح في العالم العربي بلا مخالب لعدم تطبيقه بعد في 
الأغراض الدفاعية أو في المخابرات العربية. لذلك سوف نركز الحديث عن "علم النفس" وتأسيسه 
التربوي وبعض قضايا علم النفسء ومعوقات وتوطين البحث السيكولوجي والتجزئة في البحث 
ودعوة لاستقالة أو انتحار علماء النفس العرب. 

بوسعنا التساؤل لماذا كان مفهوم علماء النفس العرب للتحكم "مفهوما بالقطاعي" وم يكن 
أبدا "مفهوما بالجملة"؟ وماذا كانت نظرة علماء النفس العرب نظرة مايكروية لعلم النفس ولم تكن 
أبدا نظرة ماكروية؟ وماذا لا يفكر علماء النفس العرب بصورة استراتيجية في علم النفس؟ ولماذا طم 
يتأسس علم النفس في مؤسسات الدفاع العربية بمخالب حادة؟ أو تدعم المشاريع البحثية من قبل 
امخابرات العربية؟ يبدو أن هناك صعوبة في عملية وجود إجابة محددة لهذه الأسئلة الهامة. وربما 
يحتاج ذلك لخبراء استخطاطيون ولكن نحاول مجرد الاجتهاد في تقديم بعض التفسيرات المحتملة. 
بوسعنا الافتراض بأن تأسيس علم النفس في العام العربي كان تأسيسا تربوياء وتأسيسا غير تجريبيا. 
وكان علم النفس تابعا لا مؤسسا ولا موطناء وعلم نفس خارج الحاجة العربية» والنظرة البحثية هي 
نظرة تجزيئية ضيقة وتقليصية» وعلم نفس غير معاصر للتطورات العلمية الهائلةء وعلم نفس خارج 
الإطار الثقايء وعموما هناك مستويات ضعيفة لاختيار طلبة علم النفس مما يؤدى بدوره لباحثين 
التأسيس التربوي لا الدفاعي لعلم النفس 
أجريت قرابة الأربعين عاما الماضية دراسة حول "نشاط العرب في العلوم الاجتماعية في مائة سنة" 
تضمنت معلومات عن نشاط علماء النفس العرب في كل من مصر (مراد. 1965)» والعراق (البسام, 
5 »2 وسوريا (عاقل. 1965) ولبنان (ديابء 1965). وتضمنت المساهمات المقدمة من هؤلاء 


الرواد في أقطارهم أنشطة مختلفة عن تأسيس علم 


223 


النفسء و الكتب السيكولوجية أو الكتب العامة التي احتوت على معلومات عن علم النفسء وعن 
ا مقالات المنشورة في تلك الفترة» والمقاييس السيكولوجية المستخدمة. والبعثات الخارجية للتخصص 
في علم النفسء ونماذج لرسائل الماجستير والدكتوراه في علم النفسء وعلاقة علم النفس بالجانب 
الاكلينيي. ووضعية معامل علم النفس في تلك الفترة. ومشكلات المصطلح السيكولوجيء وتأثر 
الأبحاث العربية بالأبحاث الأجنبية. وعدم وجود جمعيات وروابط سيكولوجية لعلماء النفس 
العرب. وتتفق جميع الآراء على تأسيس علم النفس في معاهد المعلمين أو كليات التربية لاحقا وجزء 
في أقسام الفلسفة. كما تتفق الآراء على هامشية علم النفس التجريبي أو علم النفس الصلب. 

وفي مصرء كان إنشاء أول قسم لعلم النفس التربويء وتعين أول بروفسر لعلم النفس عام 
9 (أبو حطبء 1997). وكانت المقررات التي تدرس في كليات التربية تتضمن مقدمة في علم 
النفس و علم نفس النمو وعلم النفس التربوي وعلم النفس الاجتماعي و الصحة النفسية والقياس 
والتقويم (أبو حطبء 1992). وكان أول كتاب استرعى انتباه يوسف مراد في تأريخه لعلم النفس وبه 
بعض المعلومات السيكولوجية هو كتاب الطهطاوي "كتاب المرشد الأمين للبنات والبنين", والكتاب 
الثاني هو كتاب البيداجوجيا العلمية للشيخ حسن توفيق . ومن الكتابات الأخرى كتاب "علم النفس 
وآثاره في التربية والتعليم" لمصطفى أمين وعلي الجارم, بالإضافة لكتاب أمين قنديل " أصول علم 
النفس وأثره في التربية والتعليم". 

إن هذه الكتب المتعددة توضح بلا شك الارتباط الوثيق بين علم النفس والتربية في العام 
العربي. وإن تجربة مصر العريقة مع علم النفس التربوي قد انتقلت إلى دول عربية أخرى وذلك من 
خلال تدريس علم النفس بواسطة علماء النفس من مصر أو بوساطة الكتب المصررية أو بوساطة 
المقررات التي تطورت في مصر. ويذكر كينج إن حولي 9070 من مجموع علماء النفس الذين يدرسون 
أو يمارسون علم النفس في الدول العربية تم تدريبهم في مصر (كينج, 1984)» ونتيجة لعدم تأسيس 
جامعات مبكرة في بقية العالم العربي فكانت هناك حاجة لعلماء النفس المصريين وتعتبر هذه أكبر 


عملية هجرة أدمغة 


2324 


في تاريخ مصر (أبو حطبء 1992). ولعل السؤال الذي يتبادر للذهن ما هي إيجابيات 
وسلبيات التجربة ا مصرية المطبقة في بقية العام العربي؟ 

وفي لبنان» كانت نصف الأطروحات التي كتبت في دائرة علم النفس دارت حول نظريات 
التعلم: أما النصف الآخر فتشمل موضوعات مثل انحراف الأحداث والفصام وقياس روائز الذكاء 
وحوافز التحصيل وأنماط تربية الأطفال . وأما الأطروحات التي كتبت في دائرة التربية فتشمل مشاكل 
التكيف الاجتماعية والعائلية» ومشاكل التكيف للطلبة ومشاكل الأطفال العاطفية ودراسة أسباب 
الرسوب في الفيزياء والتعليم المختلط في لبنان (ديابء. 1965). وفي العراق» نشأت الدراسات 
النفسية في دور المعلمين والمعلمات وا معاهد العالية وتحتوي على تدريس علم النفس التربوي وعلم 
النفس التكويني. وقد يضاف إليهما الصحة العقلية والقياسات النفسية باعتبارهما من الموضوعات 
الاختيارية. ويدرس علم النفس العام وعلم النفس الاجتماعي في فرعي الفلسفة والاجتماع من كلية 
الآداب. وكانت معظم الدراسات العلمية المنجزة عن علم النفس التربوي وعلم النفس التكويني 
(البسام, 1965). 

وفي سورياء حتى الحرب العابلية الأولى مم تكن الدراسات السيكولوجية شيئا مذكورا. وكان 

قسم الفلسفة وعلم الاجتماع في جامعة دمشق (الجامعة السورية سابقا) عام 1946 يهتم 
بالدراسات السيكولوجية وكذلك كلية التربية (معهد عال للمعلمين سابقا). وفي السودان تأسس علم 
النفس في معهد المعلمين العالي (كلية التربية.ء جامعة الخرطوم) ومن بعد كلية الآداب. وفي البحرين 
وعمان وقطر هناك أقسام لعلم النفس في كليات التربية . بينما في الكويت والإمارات والسعودية 
هناك أقسام لعلم النفس في كليات التربية وأخرى في كليات الآداب أو العلوم الاجتماعية. وبوسعنا 
القول بأن الاتجاه التربوي هو الذي يسيطر على معظم أقسام علم النفس في العام العربي. 

وكانت معظم اللادة المنشورة عن علم النفس في الربع الأول من القرن العشرين هي مادة 
فلسفية ودينية. وإن تجارب معمل لايبزج: و تجارب مدرسة ويرزبيرج أو فرنسيس جالتون» 


وجيمس كاتل ... خارج نطاق البحث (أبو حطب, 1992). وفي 


225 


سورياء لم يكن للدراسات التجريبية سبيل . فإن الدراسات السيكولوجية كانت ومازالت 
ملحقة بالدراسات الفلسفية أو التربوية» ومنها عدم توافر المختبرات . ولا تضم سوريا إلا مختبرا 
واحدا لعلم النفس موجودا في كلية التربية بجامعة دمشق وهو مختبر ناقص وفقير ومهمل (عاقل, 
5). وفي السودان: هناك بعض الأدوات القليلة والقديمة الخاصة بعلم النفس وضعت مثيلاتها في 
متحف علم النفس بالغرب. وفي بعض أقسام علم النفس التي شاهدتها أدوات أو معامل لا بأس بها 
لعلم النفسء ولكنها موجودة "ديكور في القسم". 

وبوسعنا التساؤل بصورة واضحة كم من علماء النفس العرب من يجري تجاربه على 
الفئران» والقطط والقردة والحمام ؟ وكم مطبوعة قدمت عن علم نفس الحيوان أو علم النفس 
المقارن في الدوريات العربية أو الأجنبية. وإذا كان ذلك صعبا هل من علماء النفس العرب من حاول 
دراسة الذكاء عند الخيول العربية التي يفتخر بها العرب؟ أو دراسة الذكاء عند الطيور حادة البصر 
مثل صقور الصيد التي يتباهى العرب بتدريبها؟ وعندما كتبت مخطوطا عن "علم نفس الحيوان في 
التراث العربي الإسلامي" تم رفضه من قبل ثلاث دوريات عربية. وم يتم قبوله إلا في المجلة العربية 
للعلوم (الخليفة, 1999). وكان سبب الرفضء في تقديري. هو عدم التهيئة النفسية لمحرري هذه 
الدوريات أو محكميها بقبول علم نفس الحيوان كفرع من أفرع علم النفس. وفي السودان. كان 
هناك عاطم حيوان متحمس لعلم النفس بصورة غير عادية ومن ثم تحول من كلية العلوم إلى قسم 
علم النفس بكلية الآداب» ولقد تم التساؤل من قبل الكثيرين ما علاقة علم الحيوان بعلم النفس؟ 

أريد أن أسال نفسي وأسال علماء النفس العرب عندما يتحدثون عن التحكم: هل استطعنا 
إدخال القرد. أو الكلبء أو الحمامة, أو حتى الفأرة في المعمل حتى نتحدث عن الفهم. والتفسيرء 
والتنبق والتحكم؟ ربما تكون الإجابة بنعم عند الرجعة أو العودة أو النكصة أو الارتداد للتراث. 
فأمام الانكسار النفسي. كما يقول غليون (1990).: يصبح الإهان بالنصر التاريخي تعويضا عن 


الهزيمة. ويقول بدري (1979) أن مدربي الصقور 


326 


من قدماء العرب اسكناريون لآلاف السنوات قبل أن يولد اسكنر. يمكن أن نتأمل إن العرب 
قاموا بتدريب الصقور بينما قام اسكنر بتدريب الحمامء فكان تدريب الصقور لمتابعة الصيد بينما 
كان تدريب الحمام لتوجيه القنابل لأغراض الدفاع أثناء الحرب العالية الثانية. ويمكن أن نعيد النظر 
مجددا ما بين قصر النظر وطول النظر, وما بين التفكير في البطن والتفكير في التحكم, ما بين التحكم 
بالقطاعيء والتحكم بالجملة. وهذه المقابلة اللعينة قد توضح طبيعة المأزق الذي يجابه علم النفس 
في العام العربي» وبكلمات أدق المأزق الذي يجابه علماء النفس العرب في فهم مغزى قصة علم 
النفس المعقدة. علم نفس من جهة يطور مخالب حادة وعلم نفس آخر يقلع هذه المخالب! 

يلاحظ في العام العربي أنه م يتم الاهتمام بعلم النفس "الصلب" كما كان الاهتمام به في 
الدول الأخرىء وليس له ارتباط بالتكنولوجيا وحم تكن هناك ترجمات للموسوعات العلمية. فتأسست 
ملامح علم النفس كما وجدنا سابقا في رحاب معاهد المعلمين سابقا أو كليات التربية لاحقا. ولم تكن 
هناك أية روح علمية صارمة وصلبة لعلم النفس في العالم العربي في مخابر الفيزياء. أو معامل 
الفسيولوجياء أو أقفاص الزولوجيا كما تأسس علم النفس في أمانيا وبريطانيا وأمريكا وإسرائيل 
واليابان . وبوسعنا القول بأن النزعة العامة لتأسيس علم النفس في العالم العربي هي نزعة "تربوية" 
وتبعا لذلك يمكننا أن نطلق على علم النفس بأنه "علم نفس الطلبة" خلافا لفئات العمال والفنيين 
والمهنيين المدروسة. 

وغالبا ما تستخدم الاستمارات والاختبارات السيكولوجية الورقية بالنسبة للطلاب في العاط 
العربي. وتبعا لذلك يمكن أن نصف علم النفس ثانية بأنه "علم نفس الورقة والقلم" خلافا للنزعة 
التجريبية الصلبة والصارمة لعلم النفس. ويمكن أن نطلق عليه كذلك "علم نفس الفرض الصفري" 
وذلك لبناء الافتراضات من غير قاعدة صلبة من أدب علم النفس ومن غير تبرير كاف لتلك 
الافتراضات. أو يمكن أن نطلق عليه "علم نفس الصدق والثبات" وذلك لسوء استخدام الإحصاء في 
الأبحاث السيكولوجية واستخدام هذه الأدوات في استمارات لا تساوي تمن الحبر الذي كتبت به. 


وبوسعنا 


2327 


القول ثانية بأن الاتجاه العام لعلم النفس في العام العربي هو اتجاه غير تجريبي أو غير 
"صلب" إنما هو اتجاه "رخو". 

انعقدت "الندوة العملية الأولى لأقسام علم النفس بجامعات دول مجلس التعاون لدول 
الخليج العربية" في الدوحة بقطر من 13-11 مايو 1998 . وكان موضوع الندوة الرئيسي ‏ هو "علم 
النفس وآفاق التنمية في دول مجلس التعاون". وكانت هناك خمسة أهداف طموحة للندوة وهي: 
(1) تحديد الدور الذي يمكن أن يلعبه علم النفس في مجالات التنمية المختلفة. (2) إلقاء الضوء على 
العوامل والظروف النفسية التي يمكن أن تسهم في بناء الإنسان وتنمية مهاراته وتؤدي إلى تحقيق 
أفضل مستويات من التنمية في دول مجلس التعاون. (3) التعرف على المعوقات النفسية 
والاجتماعية التي يمكن أن تحول دون تحقيق التنمية البشررية المتكاملة في دول مجلس التعاون 
وتحديد وسائل تشخيصها وطرق التعامل معها. (4) طرح تصورات علمية وعملية لاستثمار الطاقات 
البشرية في إطار الدور التنموي لعلم النفسء وتوجيه هذه الطاقات لخدمة عملية التنمية في دول 
مجلس التعاون. (5) تبادل ا لمعلومات والخبرات بين أهل الاختصاص في مجالات علم النفس المختلة 
بما يؤدي إلى إثراء الحركة العلمية النفسية في العالم العربي. 

وانعقد في اليوم الأخير للندوة مائدة مستديرة عن "علم النفس في العالم العربي". فكان 
هناك نقاش من قبل علماء نفس من دول عربية مختلفة عن قضايا ومشكلات علم النفس. وكان 
حديث البعض منصبا عن أهمية ارتباط علم النفس بالجانب التربوي. ويريد هؤلاء أن يتقوقع علم 
النفس فيما أسمه ب "علم نفس الطلبة" مهمشا لكل ما سواه من استخدامات لعلم النفس. و 
قدمت رؤية مغايرة بضرورة ارتباطه بالمؤسسات الدفاعية وأجهزة المخابرات. وذكرت يجب أن 
يقتحم علماء النفس هذه المؤسسات. فاندهش البعض كيف أتحدث بهذه الجرأة عن اقتحام 
وزارات الدفاع وأجهزة المخابرات العربية من قبل علماء النفس. فكان هناك تسجيل بالفيديو 
للمائدة ال مستديرة. فتوقف مدير الجلسة مذكرا بأن كل النقاش والحوار مسجل. فهل أريد أن يسجل 


حديثي عن اقتحام علماء النفس لوزارات الدفاع ولكن لم أتردد في أهمية تسجيل تلك النقطة. 


2328 


وذكرت هذه الحادثة بمفاجأة البعض عن تطبيق وسوء تطبيق علم النفس في مجال 
المخابرات. وسألني أحد هل صحيح أن علم النفس يطبق في هذه المؤسسات؟ فقلت له وأكثر من 
ذلك بصورة فظيعة. لذلك اذا لا يساهم علماء النفس العرب في مجال هام مثل مجال الدفاع ؟ 
ومن المعروف بأن دول الخليج تنفق مبالغ كبيرة من ريعها في بند الدفاع ولكن نتساءل هل هناك 
علماء نفس لهم اهتمام بهذا البند. لقد وجد الفارس (1993) إن مجموع ما أنفقه الوطن العربي 
على المؤسسات العسكرية وشراء السلاح في عقدي السبعينات والثمانينات يزيد على ألف مليار 
دولا حيث يمثل ذلك حوالي نصف ما أنفقته الدول الأوربية الأعضاء في حلف شمال الأطلسييى- 
وثلاثة أضعاف الإنفاق العسكري لدول الجوار الرئيسية (إيران وتركيا وإثيوبيا وإسرائيل). وضعف 
الإنفاق العسكري لكل من قارق أفريقيا وأمريكا الجنوبية مجتمعين. 

وكانت الندوة المنعقدة بجامعة قطر 1998 بعنوان "الندوة العلمية الأولى لأقسام علم 
النفس في جامعات مجلس التعاون". ولكن كانت المساهمات المقدمة فقط من أقسام علم النفس 
بكليات التربية وم تشمل أقسام علم النفس في كليات الآداب أو العلوم الاجتماعية. عموما هناك 
جفوة في العالم العربي بين أقسام علم النفس بين ما هو "تربوي" وما هو "أدبي". إن النظرة الفاحصة, 
لا تخطئ إذ | قلنا يتنافر علماء النفس العرب. من هم في كليات التربية ومن هم في كليات الآداب. 
ويمكن التساؤل هل قال علماء النفس العرب في الآداب خلاف ما قاله علماء النفس العرب في 
التربية؟ 

و عقدت "الندوة العلمية الثانية لأقسام علم النفس بجامعات دول مجلس التعاون لدول 
الخليج العربية" في رحاب قسم علم النفس بجامعة السلطان قابوس. وحددت الجهة المنظمة 
للندوة أربع أهداف رئيسة هي: (1) تحديد الدور الذي يمكن أن يقوم به علم النفس في مجالات 
الحياة المختلفة وتوظيفه في خدمة المجتمعات الخليجية في المستقبل (2) الوقوف على المشكلات 


النفسية والاجتماعية التي تواجهها دول مجلس التعاون 


2329 


الخليجية وطرق معالجتها (3) تبادل الآراء والأفكار والخبرات ومناقشة المشاريع البحثية 
بين الباحثين والمتخصصين في مجالات علم النفس المختلفة في دول مجلس التعاون الخليجية (4) 
تشجيع اتجاهات التطوير في الأبحاث النفسية والتربوية لغايات المستقبل في دول مجلس التعاون 
الخليجية. كما حددت الجهة المنظمة للندوة أربعة محاور أساسية هي: (أ) دور علم النفس في 
خدمة المجتمع الخليجي (ب) علم النفس في العملية التربوية (ج) علم النفس وذوو الحاجات 
الخاصة (د) علم النفس والإعلام الخليجي (ه) علم النفس والمشكلات النفسية والاجتماعية (و) 
علم النفس والتطوير المهني (ي) علم النفس وقضايا الأسرة الخليجية. 

وما يهمنا في برنامج الندوة الثانية هو المحور الأول والخاص ب "دور علم النفس في خدمة 
المجتمع الخليجي" والذي يغطي أربعة موضوعات هي توظيف علم النفس في التعامل مع البيئة 
ومشكلاتهاء وعلم النفس والتنمية الاقتصادية والتجارية والصناعية. وعلم النفس وطموحات الشباب 
وأخيرا "علم النفس والخدمات الأمنية". ولقد قدمت ورقة للجهة المنظمة للندوة تعالج موضوع 
الإبداع والذكاء والموهبة وأخرى تعالج موضوع علم النفس والأمن وال مخابرات. فالورقة الخاصة 
بالإبداع والذكاء والموهبة هي من موضوعات علم النفس التربوي بينما الثانية من موضوعات علم 
النفس الدفاعي. وبلغة أخرىء الأولى من موضوعات علم النفس بالقطاعي والثانية من موضوعات 
علم النفس بالجملة. وأن الورقة الثانية تعالج موضوعات مهما في الندوة "علم النفس والخدمات 
الأمنية". فلا أدري ما هي نوعية الموضوعات أو الأطروحات التي يمكن أن تعالج في هذا المحور؟ أي 
علم نفس والخدمات الأمنية تريد الجهة المنظمة للندوة؟ 

خلافا للتطور التربوي لعلم النفس في العام العربي لقد كشفنا سابقا عن تطور علم النفس 


في كثير من الدول الغربية في ظل المؤسسة العسكرية وكانت مؤسسات الدفاع هي التي أصدرت 


الأوامر بضرورة تطبيقات علم النفس في المجال الحربي. فمثلاء أصدرت وزارة الخروية في ألمانيا عام 
0 قرارا بتطبيق علم النفس وتبعا لذلك تم تأسيس أول مركز للأبحاث السيكولوجية في نفس 
السنة. وأصدرت نفس الوزارة قرارا عام 1927 يتطلب من كل الضباط المرشحين أن تطبق عليهم 
الاختبارات السيكولوجية. وفي الاتحاد السوفيتي. أبرزت الحرب العالمية الثانية أهمية دور علماء 
النفس في الأغراض 


2330 


الدفاعية وفي الانتصار في الحرب. وأسست الحربية الروسية مراكز علم النفس الجديدة في 
تلبيسي وأولاس. 
وفي أمريكاء تم إنشاء قسم الاختبار عام 1939 لتطوير عملية التصنيف العام للجيوش 


المشاركة في الحرب وفي نفس العام تم تأسيس لجنة الطوارئ في علم النفس كما تأسس برنامج لعلم 
النفس في قوات الدفاع الجوية للمساعدة في اختيار الطيارين: والملاحين» وقاذفي القنابل ومراقبي 
الرادار ومهندسي الطيران. كما ساعدت أبحاث علم النفس في رسم السياسات الحربية. وفي إسرائيل. 
تكونت وحدة الأبحاث السيكولوجية في قوات الدفاع الإسرائيلية ووحدة أخرى لعلم النفس في 
الموساد. نريد أن نقول بذلك بأن البدايات الحقيقية والتطورات الهائلة لعلم النفس كانت في المجال 
الحربي ومن بعد انتشرت تطبيقاتها في الحياة المدنية وفي سائر أفرع علم النفس الأخرى. وعموما 
تعتبر عملية الدفاع مقياسا حقيقيا لقدرات ومهارات الأمم وتتطلب هذه العملية تعبئة روحية 
وعقلية ومادية. ونتيجة لذلك لعب علم النفس دورا أساسيا في تعزيز عملية العدوان في الحرب وفي 
معرفة سيكولوجيا الأفراد الذين يقومون بتشغيل التقانة العسكرية من الطائرات والدبابات والسفن 
وقذف المدافع. 

في تقديريء وحسب ملاحظاقي» إن كليات التربية في العالم العربي تكون في آخر قائمة التقديم 
بالنسبة لمجموعة كبيرة من الطلاب. وبذلك تجذب هذه الكليات ضعاف الطلاب الذين يدرسون علم 
النفس ونادرا ما يدرس المتفوقون من الطلاب في كليات التربية. وتبعا لهذا المنطق يكون أداء هؤلاء 
الطلاب ضعيفا مقارنة مع رصفائهم في كليات أخرى. وتبعا لهذا الضعف يعين خريجو علم نفس 
ضعاف في مستواهم الأكاديمي وربما في تكوينهم الفكري والبحثي ليكونوا أساتذة أو بحاثة في علم 
النفس لا يتجاوز "الطلبة" و"الورقة" و"القلم" و"الفرض الصفري". إن كل ذلك يؤدي إلى تخريج 
علماء نفس غير ملتزمين مهنيا واجتماعيا ويكون أداؤهم أدني من المتوسط في علم النفس مما يكرس 
عملية الإنتاج السيكولوجي البحثي ال منخفض في جانبه التطبيقي والعلمي ويؤدي ذلك بدوره لعدم 


331 


المجتمع العربي. ولا يبدو أن الأم العربية تفضل بأن يكون ابنها عاما للنفس إنما تفضله بأن 
يكون طبيبا أو مهندسا. وقد لا ينضم علم النفس لقائمة هذه المهن الرفيعة قريبا. إن صورة علم 
النفس في العالم العربي والتي رسمنا ملامحها العريضة تختلف تمام الاختلاف في صورته في أطانيا 


وبريطانيا وأمريكا واليابان وإسرائيل. إنه علم نفس كسيح بلا مخالب؟ 


بعض قضايا علم النفس في العام العربي 
هناك مجموعة من الأبحاث التي ناقشت قضايا علم النفس الكبرى في العالم العربيء يمكن حصرها 
حسب الأسبقية الزمنية: "مشكل أخصائي النفس المسلمين" (بدري. 1989)؛ و"مشكلات علم النفس 
في العالم الثالث: حالة الوطن العربي" (أبو حطبء, 1993)؛ "تحليل المعرفة النفسية في الدول غير 
المصنعة" (مزيان» 1993). "علم النفس في العام العربي: من الواقع الراهن إلى المشرروعية الوظيفية" 
(حجازيء 1993). "واقع التجربة السيكولوجية في الوطن العربي" (أحرشاو. 1994). "نحو سيكولوجيا 
عربية" (النابلسي, 1995). "مأزق علم النفس اليورو-أمريكي في ثقافة غير غربية" (الخليفة. 1997أ). 
"إمبريالية علم النفس اليورو-امريكي في ثقافة غير غربية (الخليفة. 1997ب). "دور علم النفس في 
خدمة التنمية البشرية" (أبو حطب. 1998). "علم النفس في الدول العربية" (أحمد وجيلين, 1998). 
"علم النفس والتنمية البشرية في دول مجلس التعاون الخليجي" (حجازيء 1998). "توطين علم 
النفس في العام العربي" (الخليفة. 1999أ). في تقديريء لقد نظر علماء النفس العرب لقضايا علم 
النفس من مناظير وزوايا متعددة حسب توجهات أو اهتمامات هؤلاء العلماء. وتختلف هذه 
الدراسات في عمقها وسطحيتهاء وفي قوتها وضعفهاء وفي مركزيتها وهامشيتهاء وفي كليتها وتجزيئيتها. 
ومع اختلاف المناظير والزوايا لكن هناك اتفاق عام عن أزمة أو معضلة أو مشكل أو مأزق علم 
النفس في العام العربي . 

إن مقولة علم النفس يجابه قضايا كبرى ربما يعنى بأن هذا العلم كان في حالة من عدم 


المجابهة لهذه القضايا وربما وصل إلى قمة محددة ثم جابهته مشكلات وأزمات 


332 


ومعضلات ومحن ومآزق . نحن نقصد أن علم النفس منذ بداية استيراده وتبنيه واستزراعه 
قد جابه "مشكل", و"أزمة", و"معضلة"” و"محنة" و"مأزق" في العالم العربي. واكتسب علم النفس 
أرضية واسعة في العام الغربي والمتقدم صناعيا بعد مرور هذا المجتمعات بعمليات التغير والتي 
تحتاج لأبحاث التكيف والتأقلم والتعايش . وتحققت كثير من شعارات علم النفس . فيا ترى لماذا طم 
يكتسب علم النفس هذه الأرضية في العالم العربي؟ وهناك تغيرات سريعة وهائلة في العالم العربي 
عامة ودول الخليج العربي خاصة: فالسؤال هل استجاب علم النفس أو بالأحرى علماء النفس لهذه 
التغيرات بالفهم والتحليل والتنبؤ والضبط؟ 

صحيح جدا بأن هناك ضعف في النمو الاقتصادي في كثير من الدول العربية حال دون نمو 
علم النفس ولكن زيادة الدخل القومي في بعض الدول العربية» مثلا دول الخليج العريء لم يساعد 
على نمو علم النفس لكي يتوافق مع البيئة المحلية. في تقديري. هناك أهمية لدراسات كبرى لاحقة 
لتعميق وتوسعة الدراسات الموجودة ولدراسة قضايا أخرى كالتغيرات السيكولوجية ال مؤثرة في 
التأسيس العلمي لعلم النفسء وقضايا البحث السيكولوجي المحليء وقضايا النشر في الدوريات 
العالمية. وقضايا التجمع السيكولوجيء وقضايا تجذير علم النفس في التراث العربي الإسلامي. وفوق 
كل ذلك قضايا "تبيئة" أو "بستنة أو "استزراع" أو "توطين" علم النفس في العام العربي. 

ويمكن أن نقدم مثال لقضية تبعية علم النفس من خلال مجال المقاييس السيكولوجية 
والتعامل مع مفهوم وممارسات الشذوذ الجنسي في العالم العربي. بخصوص القياس النفسي لقد كان 
لعلماء النفس في اليابان وإسرائيل مثلا قدرة فائقة في استيعاب وتهجين وتجديد وتقنين مقاييس 
الذكاء المستوردة من الغرب ومن ثم تجاوزها بعمل مقايبس مماثلة من واقع البيئة المحلية اليابانية 
أو الإسرائيلية مقابلة تماما للمقاييس الأجنبية. فكثيرا من المقاييس المستخدمة تم تمثيلها وتطويرها 
خلال سلسلة من المراحل وخاصة مرحلة التبني» والتكييفء والتأصيل و التناغم. تم استيراد مقاييس 
الذكاء للعالم العربي منذ مرحلة مبكرة . ولقد اهتم القباني بصفة خاصة بإعداد الاختبارات لقياس 


الذكاء وإليه يرجع الفضل 


233 


في حركة القياس السيكولوجي . ويعتبر القوصي رائدا لحركة دراسة القدرات العقلية الذي 
يرتبط اسمه في الأوساط العلمية في الخارج بمجموعة الباحثين الذين اكتشفوا عن القدرات المكانية 
(مراد. 1965). وفي العراق» ترجم زريق مقياس تيرمان-استانفورد للذكاء في عام 1928 . وقام النحاس 
بتحرير مقياس ستانفور-بينيه للهجة العراقية عام 1946 (البسام. 1965). وكان أول تطبيق 
لاختبارات الذكاء في مصر عام 1928 فلقد استخدم القباني مقياس بلالارد للذكاء ومقياس رسم الرجل 
(أبو حطبء 1992). ولعل السؤال الذي يطرح نفسه اذا لم تكن لدى علماء النفس العرب قدرة 
فائقة في استيعاب وتجديد وتهجين المقاييس السيكولوجية؟ 

جرت عدة محاولات بخصوص تطبيقات مقاييس وكسلر للذكاء لفئات الراشدين والأطفال 
وأطفال مادون الدراسة وبطبعاتها المختلفة في العام العربي. مثلاء قام إسماعيل ومليكة عام 1956 
بتقنين مقياس وكسلر-بلفيو للذكاء وتم نشر مقياس وكسلر لذكاء الأطفال عام 1961 . وفي السودان» 
تمت عملية ترجمة وتكييف مقياس وكسلر لذكاء الراشدينن-المعدل عام 1987 ومقياس وكسلر لذكاء 
الأطفال-المعدل عام 1988. وفي المغرب» قام أحرشاو بتقنين مقياس وكسلر لذكاء الراشدين عام 
8 ففي الأردن قام الكيلاني بإعداد صورة أردنية من مقياس وكسلر لذكاء الراشدين عام 1979. 
وفي سوريا قام أحمد عنبر بتكييف مقياس وكسلر لذكاء الأطفال عام 1981. وفي الكويتء قام أبو 
علام بتقنين مقياس وكسلر لذكاء الأطفال عام 1973, ومقياس وكسلر لذكاء الأطفال- المعدل عام 
3. وفي السعودية. قام عبد الله النافع وآخرون بتقنين مقياس وكسلر لذكاء الأطفال-المعدل عام 
8. وفي البحرين قام الخليفة والمطوع بترجمة وتكييف مقياس وكسلر لذكاء الأطفال-الطبعة 
الثالثة ومقياس وكسلر لذكاء الراشدين-المعدل عام 2000. وفي العراق» قام العاني بتكييف مقياس 
وكسلر لذكاء الراشدين وذكاء الأطفال مادون الدراسة وتجرى حاليا مشاريع بحثية لترجمة وتكييف 
مقاييس وكسلر للذكاء في دول عربية أخرى. 


كتب أحرشاو (1994) مؤلفا ممتازا عن "واقع التجربة السيكولوجية في الوطن 


334 


العربي" ووجد أن اهتمام علماء النفس العرب بالأساليب القياسية في أبعادها النفسية 
والعقلية والتربوية قد تجلى في 87 محاولة. 40 محاولة في مجال ترجمة المقاييسء و25 منها تمت في 
مجال التعديل. و 22 تمت في مجال الإعداد. ويعني هذا أنه وعلى امتداد ما يقارب نصف قرن كامل 
من العمل السيكولوجي في الوطن العربي. وبشكل خاص في جمهورية مصر العربية التي تشكل 
النموذج القائم الذات في هذا المضمارء فإن عدد المحاولات التي تحققت في مجال الإعداد المحلي 
لأدوات قياسية تتساوق مضامينها وخصوصيات الواقع العربي قد وصل إلى 22 محاولة : 6 منها 
لقياس الذكاء العام و 8 لقياس الاستعداد والتحصيل 29 لقياس التدهور العقلي و6 لقياس الشخصية. 

والحقيقة, كما يقول احرشاو (1994: 88). أن هذا العدد وإن كان يبدو هاما من الناحية 
الكمية فهو غير ذلك من ناحية التوظيف والاستعمال. وبالتالي فإن هذه المحاولات لم تحظ 
بالاستخدام الواسع ولا بالمصداقية العلمية التي اكتسبتها بعض المقايبس الواسعة الانتشار, وفي 
مقدمتها مقايبس بينيه ووكسلر للذكاء ومقاييس ثرستون وبنيت للاستعداد والتحصيل ومقياس 
بندر- جشطالت للتدهور العقلي ثم مقياس رورشاخ وسترونج وموراي للشخصية. ومرد هذا القصور 
على حسب تعبير أحرشاو (1994) "هو استمرار واقعة افتقارنا في العام العربي إلى مشروع 
سيكولوجي هادف" . 

وفي تقديريء إن فترة 70 عاما منذ أول تطبيق لمقاييس الذكاء في العام العربي عام 1928 في 
مصر والعراق كان ذلك كافيا بتطوير أقيسه سيكولوجية من واقع البيئة العربية كما كانت 11 سنة 
فقط كافية بتقليد وإنتاج أول قطار في اليابان. ويمكن أن نلاحظ الفرق ما بين المقياس السيكولوجي 
وما بين القطار. فيا ترى ما السبب الذي جعل علماء النفس في اليابان وإسرائيل يتميزون بروح 
"التماثلية المبدعة" للإنتاج السيكولوجي في حين يفتقرها علماء النفس العرب؟ 

خلافا ما هو سائد في العام العربي كانت تطبيقات علم النفس هائلة في الأغراض الدفاعية 
في كثير من الدول وهناك عدة ملامح لهذه التطبيقات. لقد تطورت الاختبارات السيكولوجية 


الموقفية والتي تشابه مواقف الحياة العادية, وكانت ملاحظة سلوك 


3235 


المفحوص أثناء الاختبار أهم من الدرجات التي ينالهاء وكانت هناك نظرة شمولية متكاملة 
للمفحوص. وعادة ما يتخذ القرار النهائي لصلاحية ا لمفحوص بواسطة مجموعة من الخبراء. وعموما 
كانت النظرة شمولية ومتكاملة للمفحوص. وقام الروس بتطوير أبحاث الذكاء العمليء والأل مان 
الاختبارات الموقفية» والأمريكان الأدوات الإحصائية. وبالدعم السخي لأبحاث علم النفس تطورت 
الأبحاث الرائعة والمروعة في القياس النفسي وفي التنويم المغناطيسي وفي غسيل الدماغ. وأظهرت 
النتائج بأنه ليس هناك ظاهرة سرية عن أعين علماء النفس أو تكون بمثابة لغز تهرب من البحث 
من قبل علماء النفس بامخابرات. ولقد ساهم رجال المخابرات في بناء مدراس علم النفس الجديدة 
وموت القديمة أو كانوا على الأقل سباقين في إبتدار هذه المدارس. بوسعنا القول» بأن مساهمات علم 
النفس الكبيرة في المجال الحربي عامة وفي مجال الاستخبارات خاصة تنفي وجهة النظر التي تشك في 
دور علم النفس ليس في الحياة العسكرية فحسب وإنما في الحياة المدينة كذلك. 

لاحظنا في الفصل الثالث الخاص بتطبيقات علم النفس بأن هناك توظيف كبير للمقاييس 
السيكولوجية في الأغراض الدفاعية والمخابراتية مثلا مقياس وكسلر الذي تم اعتباره من العضلات 
التحتية للمخابرات الأمريكية واختيار رورشاخ في المخابرات الإسرائيلية والاختبارات الموقفية في 
الاستخبارات الأمانية. لعلنا نتساءل عن المحاولات العربية الكثيرة التي تمت بخصوص ترجمة أو 
تكييف أو تقنين مقايبس وكسلر هل كانت لها أي تطبيقات في مجال اختيار وتدريب الجواسيس 
العرب؟ أو دراسة القادة العرب؟ أو الأجانب؟ أو المتعاونين مع المخابرات العربية؟ أو العملاء 
المزدوجين في المخابرات العربية؟ أو حتى ضباط الشرطة العرب؟ أو ضباط السجون العرب؟ أو ضباط 
الحربية العرب؟ أو العاملين في شركات الأمن العربية؟ أو الملاحين في الطيران العربي؟ أو قاذفي القنايل 
في العسكرية العربية؟ 

يبدو أن الإجابة غالبا ما تكون بالنفي للأسئلة أعلاه . ولكن بالتاكيد تكون تطبيقات 


مقاييس وكسلر للمتخلفين عقليا وللصم والبكم والعصابين والذهانيين 2 


336 


العالم العربي. ومن غير تهكم هل يا ترى خلقت وصممت هذه المقاييس لهذه الفئات 
المشفق عليها أو المغلوب على أمرها؟ يبدو أن تلك المفارقة بين التطبيقات بالجملة لمقاييس وكسلر 
للذكاء في المجالات المخابراتية كما في أمريكا والتطبيقات بالقطاعي بالنسبة لفئات الشفقة والرحمة 
توضح جانب من تهميش هذه المقاييس الهامة للذكاء في العالم العربي. 

وواحدة من القضايا التي تجابه الباحثين العرب هو كيفية التعامل مع علم النفس الغربي 
أو اليورو-أمريي أو علم نفس الولايات المتحدة عندما يطبق في التربة المحلية. وكيف يمكن فهم 
الإطار القيمي الذي أنتج مفاهيم ونظريات وتقانة علم النفس في الغرب. ويمكننا أن نوضح ذلك من 
خلال المأزق الذي يجابه علماء النفس العرب مع التعامل مع القضايا الجنسية. لقد أتاحت الثورة 
الجنسية الهائلة في الغرب حرية الاختيار والتفضيل الجنسي- بالنسبة للأفراد والجماعات . وظهرت 
جماعات الضغط من اللوطية والسحاقيات واهتم علماء النفس. خاصة اللوطية منهم,: بهذه 
الجماعات . وتمتد عضوية الرابطة النفسية الأمريكية إلى مدى واسع من الثقافات والمجموعات 
المختلفة . ويشكل علماء النفس في الرابطة أقساما جديدة لي تكون صوتا معبرا بالنسبة لهم . وتتيح 
هذه الأقسام الفرصة للأعضاء لطرح القضايا الثقافية والاجتماعية بصورة موسعة. ومن بين هذه 
الأقسام القسم رقم 44 والخاص بالسحاقيات واللوايطة وثنائي الجنس والذي تكون عام 1985. 
وعندما قامت رابطة الطب النفسي الأمريكية عام 1973 بعدم تصنيف الشذوذ الجنسي- "الجنسية 
المثلية" كمرض عقلي فإن العلاج النفسي الإيجابي "للوايطة" أصبح أكثر سهولة إذ يساعد الأفراد لتقبل 
حياتهم الجنسية دون تغييرها . لذلك كان القسم رقم 44 بمثابة دار بالنسبة للوايطة والسحاقيات 
وثنائي الجنس في الرابطة النفسية الأمريكية (بيرنت, 1997) . 

وقد أعلنت الرابطة النفسية الأمريكية في صحيفتها الشهرية يونيو 1997عن الترشيحات 
للجنة اللوايطة والسحاقيات وثنائي الجنس. ويجب أن يكون للمرشح خبرة في التغيرات المجتمعية, 


والسكانء والمؤسسات الاجتماعية. ومن واجبات اللجنة دراسة 


337 


وتقييم كيفية طرح قضايا عالمات النفس السحاقيات وعلماء النفس اللوايطة من الذكور 
وثنائي الجنسء وتشجيع البحث في المجالات المذكورة أعلاه. وللجنة ستة أعضاءء ثلاث نساء وثلاثة 
رجال. ومن يأنس في نفسه الكفاءة عليه ترشيح نفسه على أن يرسل خطابا يتضمن اهتماماته 
ومؤهلاته مع سيرته الذاتية إلى لجنة ترشيحات اللوايطة والسحاقيات وثنائي الجنس بالرابطة النفسية 
الأمريكية (أي, بي أي مونتر. 1997 ). ويمكن من غير تحرج التساؤل هل هناك أحد علماء النفس 
العرب من يأنس في نفسه الكفاءة ويقوم بترشيح نفسه على الأقل لتمثيل الشواذ جنسيا في العالم 
العربي في هذه القسم؟ أو هناك من هو عضو جهرا أو سرا في القتسم 44؟ وما هي رؤيته لمفهوم 
الشذوذ الجنسي؟ هل على الطريقة الأمريكية ويعتقد في العلاج الإيجابي للوايطة بأن يتكيفوا مع 
شذوذهم الجنسي؟ أم محاولة إرجاعهم للجنسية الغيرية؟ وما رأيه في مفهوم "التفضيل الجنسي-" 
الذي يشغل مساحة من علم النفس المعاصر: أي أن للفرد كامل الحرية في تفضيل الجنس الذي 
يحبه ويرتاح له: ذكر؟ أم أنثى؟ أم ذكر وأنثى في نفس الوقت؟ 

تقوم كل من الرابطة النفسية الأمريكية. ورابطة السحاقيات واللوايطة وثنائي الجنس في 
أورباء والجمعية النفسية الإسترالية بتنظيم مؤتمر عالمي مشترك عن "التوجهات الجنسية وحقوق 
الإنسانء والصحة النفسية": نحو علم نفس عالمي" في أغسطس 10-8 عام 2000 في واشنطون. وتمت 
الدعوة لممثلين من الجمعيات القومية لعلم النفس بالإضافة لعلماء النفس ذوي الخبرة في مجال 
التوجهات الجنسية وحقوق الإنسان والصحة النفسية. ويعمل ا مؤتمر على تعزيز التعاون عبر الثقافي 
بين الباحثين والمماسين لعلم النفس وذلك من خلال (1) زيادة المعرفة في علم النفس والممارسة عن 
دور حقوق الإنسان في صحة اللوايطة والسحاقيات وثنائي الجنس والآخرين الذي يودون ارتباط 
بعلاقة جنسية مع أفراد من جنسهم (2) ترقية فهم عالمي وتشجيع جمعيات علم النفس الوطنية 
للعمل في أقطارهم وذلك للتقليل من مفهوم الاضطرابات النفسية للجنسية المثلية ومعالجة قضايا 
التوجهات الجنسية في الحماية من الايدزء والتدخل في العدوان وتقدم المرأة (3) تعزيز رباط عالمي 


بين باحثي علم النفس وممارسي الصحة النفسية وواضعي سياسة الصحة 


3238 


وحقوق الإنسان (4) بناء شبكة عاطية لعلماء النفس لنشر المعرفة العلمية والعملية عن 
التوجهات الجنسية وحقوق الإنسان والصحة النفسية. وعلى علماء النفس المهتمين بتمثيل 
جمعياتهم القومية في ا مؤتمر العالمي عليهم الاتصال باللجنة المنظمة (علم النفس العالمي. خريف 
29. لعل الواحد يتساءل ما هو موقف جمعيات وروابط علم النفس العربية من هذا المؤتمر 
العالمي؟ هل ترسل هذه الجمعيات ممثلين لها لحضور المؤتمر؟ وما هو موقف علماء النفس العرب 
من قضية الشذوذ الجنسي وعلاقته بحقوق الإنسان؟ م يكن قصدي في طرح هذه الأسئلة ا محرجة 
دعوة للتحرر الجنسي ولكن ألفت النظر بأن هناك قضايا كثيرة في أروقة علم النفس لم يحدد علماء 
النفس العرب موقفهم منها سرا أو علانية. 

معوقات وتوطين علم النفس في العام العربي 

أجريت بعض الدراسات حول معوقات البحث العلمي في العام العربيء مثلاء (النبهان وأبوحسان» 
6؛ هاني وحماد. 1996) وعن الإنتاج العلمي العربي (زحلان, 1985): والعلم والسياسة العلمية 
في الوطن العربي (زحلان. 1981)؛ مساهمة علماء النفس العرب في الدوريات العالمية (الخليفة, 
9 ج) توطين علم النفس في العالم العربي (الخليفة, 1999أ). وأوضحت الدراسات بإن معظم 
الباحثين العرب يفتقرون إلى الحد الأدنى من الدعم امالي لإنجاز أبحاثهم (ضاهرء 1996). و9680 من 
أفراد العينة يعتقدون أن عدم توفر الحوافز المادية للباحث من عمله العلمي يشكل عائقا أمام 
عملية البحثء و75 96 لعدم توفر التمويل الكافي للمشاريع العلمية. ومن المعوقات الاجتماعية 
للبحث العلمي الالتزامات الاجتماعية مثل الاستقبال والجلسات في الأوقات المخصصة للبحث. 
والالتزامات العائلية غير المنتظمة. وعدم أخذ المجتمع بالبحث العلمي بشكل جاد, أو عدم اقتناع 
عضو هيئة التدريس بجدوى البحث العلمي (هاني وحماد, 1996). 

وعند مراجعة النتائج الوصفية والاستدلالية التي حصل عليها هاني وحماد (1996: 115) 


وجدا أن معوقات البحث العلمي تنحصر في أربعة عناوين رئيسة وهي: المعوقات 


339 


الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية. وباستخدام النموذج القياسي الخطي وتقدير 
علاماته بواسطة المربعات الصغرى الاعتيادية. وجد أن لعوامل الرتبة الأكادممية والساعات المخصصة 
لأغراض البحث والمطالعة وتوفر الأجهزة العلمية المناسبة آثارا إيجابية في عدد الأبحاث العلمية 
المنجزة» في حين أن لعوامل سنة تخرج عضو هيئة التدريس (الحصول على الدكتوراه). ومتوسط 
العبء التدريسي وعدد سنوات الانشغال في الإدارة الجامعية أثارا سلبية في البحث العلمي. وعموما 
بغض النظر عن معوقات البحث العلمي ليس هناك اهتمام بثقافة البحث أو انتاجية علماء النفس. 

اقتصر التطور السياسي للأقطار العربية على الاقتصاد الريعي وم يتعده إلى الاقتصاد 
السياسي الصناعي. ومن المعروف أن في الاقتصاد الريعي تأتي الانتاجية والكفاية والعلوم والتقانة في 
أدنى سلم الألويات (زحلان: 1991: 17). يقول جون ديكسون فالمجتمعات الخليجية مثلا لا زالت 
تنظر إلى البحث العلمي كنشاط هامشي, لا كعنصر أصيل في تكوين الثروة وتحقيق تنمية ذاتية 
شاملة. فهي لم تخلق البيئات المناسبة ولم تقدم الحوافز الملموسة والمادية؛ ولم توفر الخيارات 
العديدة ولا الفرص المعقولة للتقدم المهني للمشتغلين بالبحث العلمي والتنمية التجريبية.. ناهيك 
عن ما توفره الخيارات الوظيفية الأخرى من امتيازات يفتقر إليها الباحث العلمي في وظيفته 
(الرميحي: 1991). 

إن عدد البحوث العلمية المنشورة بدولة الكويت والمملكة العربية السعودية في تزايد 
مستمر. ولكن إن أعداد كبيرة من هذه البحوث هي نتاج علماء عرب من خارج منطقة الخليج. 
إضافة إلى إنتاج العلماء الأجانب. وهذا ليس بالأمر ا مستغرب على هاتين الدولتين الخليجيتين أصبحتا 
بحق مراتع خصبة تستقطب الأدمغة العربية والكفاءات المتميزة والتي هاجرت إلى العواصم 
الغربية. لكي نكون لها بمثابة الرحم الذي تخصب فيه أعمالهم وتؤدي ثمارها وتعود بالنفع العميم 
على هذه الأمة . إن مشكلة النوعية لا تقل أهمية في أمرها عن الكم وإن م تتفوق عليه. ومن 
الملاحظ أن هناك اعترافا وتسليما واسع الانتشار يهيمن على المنطقة كلهاء فحواه أن المستويات 
المتوفرة من الأطر البشرية ليست با مستوى المطلوبء وإنه يستوجب رفع كفاءتهم وتوسيع مستوى 


خبراتهم. ومن 


310 


الجدير بالذكر أن مشكلة الأطر البشر_ية تشكل المأزق الحرج والعائق الرئيسي لجهود 
التنمية بدول مجلس التعاون الخليجي" (الرميحي, 1991). 

ولابد من القولء كما يقول زحلان» بأن محاولة تعليم الأفراد العاديين اسهل جدا من محاولة 
ربط نخبة من العلماء بمجتمعهم: لأن توحيد جماعات متفاوتة في التفكير أمر صعب التحقيق 
للغاية» ا يتطلبه من حنكة سياسية ودقة في المعالجات كان من المتعذر توفرها في الوطن العربي 
سابقا (زحلان. 1991: 4). ويخيل إلى فريق من الناس أن العلم هو مجموعة من المعارف والنتائج 
يمكن اكتسابها ونقلها من مكان إلى آخرء أما بأقصر الطرق» وذلك بنقل أصحاب الخبرة أنفسهم., وأما 
بإرسال البعثات إلى مكان الخبرة لتأتي بها. ويكفي أن نقف على النتيجة نفسها التي لا تدع مع 
الأمف. مجالا للشك. وهي أن هذه الطرق م تنجح في توطين العلم في الوطن العربي (راشد., 1985: 
45). 

وإن الكوادر العلمية التي يجري تأهيلها في الدول المتقدمة. وبعد عودتها إلى الأوطان الأم, 
قد تسيطر على الأغلبية من أفرادها حالة من الاستلاب الثقافي (الاغتراب) (محرم: 1984: 68). فعلى 
الرقم من أن عملية إيفاد البعثات لدراسة علم النفس في الجامعات الغربية قد شملت تقريبا جميع 
الأقطار العربيةء بدءا بمصر في أواسط الثلاثينات من هذا القرن وإنتهاءا بدول الخليج العربي حالياء 
على الرغم من ذلك لم يبرز من بين باحثينا ولا واحد يعكس قوة وأصالة في الإنتاج السيكولوجي 
(أحرشاوء 1995: 55). و يأتي بعض الطلاب بطموحات كبيرة ومشاريع بحث سرعان ما تجابههم 
عقبات حقيقة في العام العربي قد يرتد بعضهم للغرب ويصبح علم النفس مجرد لقمة عيش. 
وواحدة من الاشكالات التي تجابه الباحثين العرب هو كيفية التعامل مع علم النفس الغربي أو 
اليورو-أمريكي أو علم نفس الولايات المتحدة عندما يطبق في التربة المحلية. وكيف ممكن فهم الاطار 
القيمي الذي أنتج مفاهيم ونظريات وتقانة علم النفس في الغرب. ويمكننا أن نوضح ذلك من خلال 
المأزق الذي يجابه علماء النفس العرب مع التعامل مع القضايا الجنسية. 


وهناك غياب للبرامج للتدريب البحثي في علم النفس عبر الثقافي بالنسبة لعلماء 


3241 


النفس العربء خاصة الشباب منهم. وهناك عدم استفادة من الهبات وا منح المقدمة من 
التجمعات السيكولوجية العالمية وعدم الاستفادة من برامج الدكتوراة العليا في علم النفس وبرامج 
الزمالة. بالإضافة لذلك هناك عدم استفادة من التمويل الممنوح لحضور التجمعات السيكولوجية 
العالمية. كما يلاحظ البعد عن التحريك العالمي لقرارات هذه التجمعات السيكولوجية. وهناك غياب 
للدوريات السيكولوجية العربية الصادرة بالإنجليزية مقارنة باليابان وإسرائيل والهند والفليبين وقلة 
الدوريات السيكولوجية الصادرة باللغة العربية. ولعلنا نتساءل اذا لمم تتم استضافة أي مؤتمر عالمي 
لعلم النفس في الدول العربية؟ وحتى في دولة عريقة في علم النفس مثل مصر م تتم فيها استضافة 
أي تجمع عالمي لعلم النفسء من قبل الاتحاد الدولي لعلوم النفسء أو الرابطة العالمية لعلم النفس 
عبر الثقافيء أو المجلس العالمي لعلماء النفسء أو الرابطة العالمية لعلم النفس التطبيقيء أو المجلس 
العالمي للأطفال الموهوبين والمتفوقين. وم تصبح أي عاصمة عربية مركزا لفرع من أفرع علم النفس. 
والسؤال الهام لماذا لم يترك علماء النفس العرب "بصمات واضحة" في خارطة علم النفس العالمي كما 
ترك رصفائهم في أحزمة ثقافية أخرى من العالم؟ يبدو أن "البصمة الواضحة" تحتاج لمخالب حادة 
فكيف تكون لعلماء نفس بلا مخالب؟ 

إن أحد قضايا معوقات توطين علم النفس في العالم العربي هو عدم المعاصرة. لقد حرر 
أحمد وجيلين (1998) كتابا هاما باللغة الإنجليزية عن علم النفس في الدول العربية. ومن عنوان 
الكتاب يتوقع أن يغطي كل موضوعات أو أفرع علم النفس كما يغطي علم النفس في كل أو معظم 
الدول العربية, ولكن م يتم ذلك. فمثلاء الموضوعات التي تم علاجها تشمل قضايا النموء والتربية 
والإيداع» والشخصية: وعلم النفس الاجتماعي والتنظيميء علم النفس البيولوجي والتجريبيء والمرض 
النفسي والقضايا العلاجية» وعلم النفس في السياق الثقافي. ويلاحظ عموما في العالم العربي عدم 
متابعة علماء النفس العرب لما يجري في علم النفس في العام. ويمكننا أن نتابع أقسام علم النفس في 
الرابطة النفسية الأمريكية لي نلاحظ عدم المواكبة أو المعاصرة لكثير من الموضوعات أو الاهتمامات 


البحثية. فمن الموضوعات التي لا تجد اهتماما من علماء النفس العرب, مثلاء 


202 


علم الأعصاب السلوي وعلم النفس المقارنء علم نفس الفنونء علم النفس الحرييء علم 
النفس التجريبي التطبيقيء: وعلم النفس الهندسيء علم نفس المستهلك. علم النفس النظري 
والفلسفيء التحليل التجريبي للسلوك, تاريخ علم النفسء. علم النفس الصيدلانيء التنويم 
المغناطيسي: علم النفس الإنسانيء علم النفس النيورولوجي الاكلينيي, علماء النفس في التطبيقات 
الحرة» الدراسة السيكولوجية لقضايا الأقليات العرقية. علم نفس الإعلام, علم النفس السكاني وعلم 
النفس البيئي» علم النفس الرياضيء علم نفس السلام؛ علم نفس المجموعاتء علم النفس العالمي» 
والدراسة السيكولوجية للوطية والسحاقيات وثنائي الجنس. 

إن كل المحاولات السيكولوجية البحثية الحالية في الحزام العربي بمختلف اتجاهاتها مثل 
بعض المحاولات الجادة غير المحددة باسم معين (أبوحطب,1992, 1993, 1998؛ أحرشاو. 1988؛ 
4 1995؛ حجازي, 1986, 1993).: والمحاولات المسماة بتوطين علم النفس (الخليفة, 1999أ, 
9 ب). أو علم نفس عربي (زيعور, 1977 النابلسي. 1995). أو علم نفس إسلامي (بدريء 1979؛ 
29 أو علم نفس الأمة (الخليفة. 1997بء الخليفة وعشررية, 1996). أو علم النفس في التراث 
العربي الإسلامي (طه. 1995) يصعب تجذيرها في التربة المحلية بأن تكون علم نفس وطني أو 
يصعب تبنيها وتكيفها بأن تصبح علم نفس مستزرعء كما يصعب بأن تكون جزءا أو تيارا في علم 


النفس العالمي من غير نقاش عبر ثقافي. 


البحث السيكولوجي والتجزئة 

إن أحد الموضوعات الكبيرة والتي تحتاج للدراسة من قبل علماء النفس هو عملية التجزئة 
للموضوعات السيكولوجية المدروسة في العالم العربي. ولقد قدمنا في الفصل الثاني من هذا الكتاب 
مفهوم علماء النفس العرب والتحكم بالقطاعي في الفصل الخامس ومفهوم علم النفس والتحكم 
بالجملة في الفصل الثاني. وأن هناك نمة علاقة ما بين التجزئة في البحث السيكولوجي ومفهومي 


الجملة والقطاعي. كلما زادت درجة التصنيع 


213 


وحداثته وتغريبه كلما كان هناك حاجة إلى أبحاث تجزيئية ذرية في علم النفس وبال مقابل كلما كان 
المجتمع أقل تصنيعا وأكثر تقليدية كان في حاجة أكبر لأبحاث كلية وشمولية. إن ازدياد عملية 
التخصص هي واحدة من مظاهر المجتمعات الحديثة وإن مجال علم النفس كبقية الأنشطة 
الإنسانية أصبح أكثر تخصصا ودقة من خلال التخصصات الجديدة وأفرع علم النفس التي تتولد 
باستمرار (هيرنشاوء 1987). وتشكلت عملية ازدياد التخصص في علم النفس بصورة أساسية بطبيعة 
القضايا المطروحة في الولايات المتحدة: أو في العالمم الأول والأمم الصناعية الأخرى. وهناك أثر أقل 
لهذه العملية في العام الثاني بينما لها أثر قليل جدا في العام الثالث. وإن التخصص في علم النفس 
يجب النظر إليه من منظور واسع للتصنيع وتقسيم العمل الذي تطور في هذه المجالات (مقدم, 
9 ب). 

وإن محاولة نقل دور الباحث المتخصص من دول العام الأول إلى دول العام الثالث يجابه 
عدة تحديات. و لا يرجع السبب في ذلك إلى أن بنيات المؤسسات التي تساعد على القيام بهذا الدور 
هي بنيات ضعيفة في مجتمعات العا الثالث ولكن يعزى ذلك إلى أن هذه المجتمعات م تطور بعد 
أدوات لتمثيل منتوجات البحث المتخصص. وتساءل بعض الباحثين عن فعالية النظام الحالي في دول 
العام الأول والثاني والذي من خلاله قد تدربوا على عملية التخصص الدقيق (مقدم وتيلر. 1987). 
وإن علماء النفس من دول العام الثالث الذين اتبعوا نفس عملية التخصص الدقيقة هذه يواجهون 
تحديات جديدة عندما يرجعوا إلى مجتمعاتهم. وكمجابهة لتلك التحديات غالبا ما يتجهوا نحو 
اللاتخصص وتقود هذه العملية بدورها إلى قلة التجزئة للموضوعات المدروسة وإلى نماذج شاملة 
للسلوك الإنساني (مقدم, 1989ب). 

قد يتم التساؤل إلى أي مدى يركز البحث السيكولوجي التجزيئي على متغيرات كبرى أو 
السلوكيات الاجتماعية التفاعلية أو المتغيرات البنائية الاجتماعية أكثر من عملية التركيز على 
المتغيرات الصغيرة وعملية القياس بواسطة الورقة والقلم بالنسبة للعمليات العقلية المعزولة وكل 
ذلك يعبر عن مظاهر مهمة لتحديد تطبيقات نتائج البحث في الثقافة ال مدروسة (أدير وآخرون» 


3 إن البحث السيكولوجي لا يمكن تطبيقه لحل 


244 


المشاكل الاجتماعية في دول العام الثالث إلا إذا خاطب متغيرات الكتلة الاجتماعية الكبيرة 
أكثر من عملية قياس السلوك الفردي (سنهاء 1986). ويتساءل الكثير من علماء النفس أمام تجزئة 
ميدانهم: أليست وحدة علم النفس في درب الزوال حيث أنه تم الإجماع على الإقرار بأن المسائل 
الإنسانية هيء في أساسهاء مسائل توليفية تركيبية يمكن أن تحل فقط بتكاتف جميع العلوم 
الإنسانية؟ (زيعور 1983). 

إذا تم النظر لاهتمامات علماء النفس البحثية في الغرب وموضوعات السمنارات وال مؤتمرات 
والقضايا التي تعالج في الكتب وفي المقالات والتقارير غالبا ما تكون قضايا تجزيئية ذرية. ففي 
محاضرات وسمنارات علم النفس بجامعة نيوكاسل ببريطانيا حيث كنت أعد رسالة الدكتوراة كنت 
أحس بالل وتبعا لذلك النوم أثناء السمنار وذلك لبعد القضايا المطروحة من قضايا الواقع العربي أو 
ليس هناك تطبيق لما اسمعه في مجتمعي وثقافتي. ويرجع السبب في ذلك للجزيئيات أو الذرات 
المعالجة في علم النفس مثل أبحاث حركة العينء والحساسية الجلدية: وحتى المتعلقة بالجانب 
النيورولوجي وأبحاث الفئرانء والأرضةء والنمل . صحيح جدا بآن هذه العينة من الأبحاث تساعد 
على تطور علم النفس ولكن في ذات الوقت هناك أهمية أولى لأبحاث عن تطور المجتمع. لذلك 
كنت غالبا ما أجد نفسي في سمنارات لشعب أخري أو أنشطة طلابية تطرح بعض القضايا الثقافية 
عن العام الثالث. 

يجابه علماء النفس العرب قضايا كبيرة مثل الأمية والتنمية والتحديث والعشائرية 
والتجزثة» والبيئة والحروب والصراع العرقي والطائفي والفقر في بعض الدول العربية. فضلا عن 
الهمينة السيكولوجية والاقتصادية والتكنولوجية (الخليفة, 1997ب). وهناك أهمية خاصة لأبحاث 
خصائص الاتصال وبناء المجموعات والدافعية وفوق كل ذلك أهمية دراسة القيادة وأنواعها 
ووظائفها والتي تقع في قلب المشاكل الكبيرة في الحزام العربي. إن هذه المتغيرات يصعب دراستها 
من خلال علم النفس الذري الذي يركز على نقاط جزئية صغيرة جدا في السلوك الإنساني الفردي. 
وإن الحقيقة الإجتماعية في الحزام العربي يجب أن تدرس في إطارها الديني والبدوي والقبلي 


2145 


تفقد هذه الحقيقة خصوصيتها وتأثيرها القوي على سلوك الأفراد والجماعات. وإذا ما تم 
النظر إليها بصورة مجزءة ربما تبقى كحمامة اسكنر في صندوقها أو قرد ثرنديك في غرفته. إن الحمامة 
والقرد ربما تأثروا بالفردانية والانفصال والاستقلال هناك ولهذا تمت دراستهم بصورة ذرية. أما في 
الحزام العربي فهناك أهمية لدراسة الفأرة والحمامة والقرد في إطارهم الاجتماعي والثقافي والروحي 
والأخلاقي. 

في البلدان المتقدمة نجد أن البحث العلمي ليس متكاملا بين مؤسساته فقط وإنما بينه وبين 
مؤسسات المجتمع الأخرى أيضاء فالصناعة مثلا كمؤسسة اقتصادية لا تعمل منفصلة عن البحث 
العلمي: ولكن نتائج البحث العلمي أولا تغذي تطوير الصناعة, والصناعة ثانيا هي التي تحدد 
متطلبات البحث العلمي والمشكلات التي يهتم بها العلماء سواء في هذا الميدان أو غيره وهذا شيء 
غير موجود في البلدان العربية (عمارء 1990): وفي حالات عديدة, أن البحوث والدراسات لا تجرى 
وتنفذ بصورة عملية وموجهة بحيث ينتج عنها نتائج ناجعة فعالة ذات ارتباط عضوي بالواقع 
المحلي (الرميحي, 1991: 56). ولا يهتم علماء النفس بأبحاث ترتبط بسياسة الدولة القطرية أو 
سياسات العام العربي كما في إسرائيل التي يرتبط علماء النفس فيها با مؤسسات الاستراتيجية مثل 
الدفاع والمخابرات والصناعة (الخليفة» 1999ج). وقد تكون معظم الأبحاث ورسائل الدكتوراه في 
العالم العربي هي للترقية ونيل الدرجة العلمية ووضع حرف د. قبل الاسم وفوق كل ذلك مصدر رزق 
وأكل عيش وم تكن التزاما علميا صارما أو التزاما اجتماعيا أو قوميا أو آيدولوجيا. ويعتبر البحث 
السيكولوجي عبارة عن تركيب وتجميع وليس تصنيع. ونحن نستورد أدوات علم النفس ونقوم 
بمجرد تركيبها فقط لا تصنيعهاء تماما كما نستورد السيارة التي نعرف نقودها ولا نستطيع اكتشاف 
قطع غيار لتصليحها. وفي تقديريء يندر أن تجرى الأبحاث في العام العربي خارج الإطار الجامعي. 
ومعظم الأبحاث يجريها أساتذة الجامعات. 

إن علم النفس ليس هو مجرد فهم وتفسير تجزيئي للجوانب السلوكية والعقلية للفرد إنه 


منظومة كبيرة يجب أن تتكامل مع المنظومات الأخرى الثقافية والاجتماعية 


2316 


والسياسية والاقتصادية. لذلك فإن تطور علم النفس في العام العربي يرتبط ارتباطا قويا 
بتطور العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى. إذا ركزنا بصورة ضيقة على علم النفس في الحزام العربي 
ربما نعزي لعلم النفس مظاهر واشكالات يشترك فيها مع سائر العلوم الشبيهة والمجاورة. في تقديري, 
هناك أهمية خاصة لعلوم النفس الكبرىء أقصد علم النفس الاجتماعي وعلم النفس الانثروبولوجي 
وعلم النفس البيئي وعلم النفس الأسري وعلم النفس السياسي وفوق كل ذلك علم النفس عبر 
الثقافي. يبدو أننا نحتاج لدراسات كلية أولا ولكن بمجرد دراسة هذه القضايا الثقافية الكبيرة ربما 
تكون هناك حاجة للمدخل الذري والتجزيئي. وفي هذه الحالة ربما يتم النظر للمدخل التجزيئي 
الذري وا مدخل الكلي كمكملين لبعض في عملية فهم سلوك وتفكير الأفراد والجماعات في الحزام 
العربي. وربما تكون في النهاية هناك أهمية لتجميع العناصر الذرية في فهم أكبر للتفكير والسلوك. في 
تقديريء إن ا لمشكلات الثقافية والاجتماعية التي تجابه علم النفس في الحزام العربي مثل الجمعوية 
والفردانية» والريفية والحضرية. والحداثة والتقليدية» والكلية والتجزيئية: والتحكمية والتحللية قد 
تجابه بقية العلوم الاجتماعية. ولذلك فإن "علم النفس عبر الثقافي" سوف يتوقع بأن يقدم فهما 
أفضل لسلوك وتفكير الأفراد والجماعات في العالم العربي خارج الحدود التقليدية أو الأرزوذكسية 
لعلم النفس الغربي أو الحديث أو اليورو-أمريي. 

بوسعنا القول بأن القضية ال مركزية في العالم العربي منذ أكثر من خمسين عاما هي بدون 
شك الصراع العربي الإسرائيلي. وهي ذات القضية المنسية أو المهمشة في أروقة علم النفس في العام 
العربي. إن السياسة والدبلوماسية والصحافة والتجارة والعلم لا مكن فهمها جيدا من غير فهم 
العمليات المستورة التي تحتها. وبتعبير آخر فإن قمة جبل الجليد تساعدنا أحيانا على رؤية ما يخفى 
تحت السطح. كيف يمكن أن يضع علماء النفس العرب أسسا سيكولوجية لجمع ال معلومات من 
الأعداء والخصوم في أو قات الحرب والسلام. وكيف يمكن أن يضعوا أسسا عملية منهجية لعمل 


الاستخبارات العربية؟ وكيف يمكن تدريب علماء نفس عرب لهم حس قوي بأهمية تطبيقات علم 


217 


النفس في الاستخبارات. ولهم حساسية التنبؤ بمواقيت الحرب والسلم. لماذا لا يتصرف علماء 
النفس العرب بصورة ذكية أو جيدة أو على الأقل متوسطة في التعامل مع علمهم في حالة استخدام 
في الوظائف الكبرى. وهل يا تري يمكن أن يسود مجرد إحساس باستخدام جديد لعلم النفس مع 
العلم بآن الإحساس -كما عبرنا- باب هام من أبواب علم النفس العام. نريد علماء نفس لا يخجلون 


من توظيف علمهم كما يوظف علماء نفس آخرون علمهم بالجملة والقطاعي. 


لا علم نفس في العام العربي من غير علم نفس عبر ثقافي 
من وجهة نظر عبر ثقافية» يمكن انتقاد علم النفس العام من زاويتين: "المصداقية الداخلية" 
و"المصداقية الخارجية". ونقصد بالأولى مصداقية مفاهيم ونظريات ومناهج علم النفس في داخل 
الحزام الثقافي-اجتماعي الذي أنتجهاء بينما نقصد بالثانية مصداقية علم النفس عندما يستورد من 
حزام ثقافي-اجتماعي غربي ويطبق في حزام ثقافي-اجتماعي آخر (الخليفة. 1997أ). والذي يهمنا في 
هذه الدراسة هو المصداقية الخارجية لعلم النفس عندما يطبق في الحزام الثقافي-الاجتماعي العربي 
تحديدا. إن مشكلة علم النفس العام (يمكن حصرها في قصة الأعمى والمقيد) بأنه "أعمي ثقافيا" 
و"مقيد ثقافيا". إنه أعمى ثقافيا لأنه لا يبدي اهتماما واضحا بالنسبة للنسق الثقافي الذي تجذر فيه 
أو لبعض العوامل الثقافية البارزة التي تؤثر على السلوك الإنساني. وإنه مقيد ثقافيا لأن كثير من 
نظرياته ونتائجه لا يمكن تعميمها للثقافات الأخرى (كيم وبريء 1993). إن مشكلة المصداقية 
الخارجية لعلم النفس قد تم نقاشها من قبل مجموعة من المهتمين في داخل حزام الثقافة الغربية 
وفي خارجها. ولقد أكدوا على تبعية وقصور علم النفس عندما يطبق عبر الثقافات المختلفة. وحاول 
البعض تطوير علوم النفس الوطنية أو المحلية في أحزمتهم الثقافية والاجتماعية تجاوزا لمشكلة 
التبعية (الخليفة. 1997أ). وإن هذا التطوير هو علاج رئيسي- بالنسبة "للعماء الثقافي" و"القيد 


الثقافي" لعلم النفس العام (كيم وبري 1993). 


218 


في تقديريء هناك نوعان من التبعية بالنسبة لعلم النفس المستورد من العام الغربي للعاط 
العربي وهما: "التبعية الكبرى" و"التبعية الصغرى". وتعني الأولى عدم القدرة من الانفكاك من الأسر 
الغربي لمفاهيم ونظريات ومناهج علم النفس اليورو-أمريكيء بينما تعني الثانية بأن علم النفس لم 
يستطع القدرة على الانفكاك من الأقلية في القطاع الحديث والحضري في العالم العربي وليس لهذا 
العلم علاقة بمجموعة كبيرة من الأفراد والجماعات في القطاع التقليدي والريفي والبدوي. إن واحدا 
من مآزق علم النفس في العالم العربي أنه علم تابع للنموذج الغربي ولا يستطيع الانفكاك منه 
والأسوء من ذلك عدم شعور مجموعة كبيرة من علماء النفس العرب بتبعية مفاهيم ونظريات 
ومناهج علم النفس للغرب. إن مفهوم "التبعية الكبرى" الذي نقدمه في هذه الدراسة يمكن مناقشته 
من خلال عدة قضايا لعلم النفس تشكل عائقا أمام حركة نموه في العالم العربي. فإن أي محاولة جادة 
ترتبط ببستنة أو استزراع أو توطين علم النفس في العالم العربي ترتبط بمناقشة هذه القضايا الكبرى. 

ونشرت بعضت المساهمات البحثية العربية في "دورية علم النفس عبر الثقافي" أنظرء مثلاء 
(الزهار وهوسيفرء 1991؛ هيدج ويوسفء. 1992؛ وساندبيرج و لاتكن و سعود. 1991؛ وشاكليتون 
وعلي. 1990؛ الشيخ وكلاسزانسكي, 1993؛ ويوسف وكورقء 1995). وتعتبر هذه المساهمات الست 
هي المساهمات العربية الوحيدة بين 1995-1990. وفي تقديريء إن هذه المساهمات هامة وخطوة 
في الاتجاه الصحيح لاختبار مفاهيم ونظريات علم النفس العام في الحزام العربي. وناقشت هذه 
الإسهامات بعض الأبعاد الثقافو-اجتماعية لعلم النفس عبر الثقافي مثل "المروة" أو "سلوك المساعدة" 
و"مسافة القوة" و"التجنب" و"اختبار القلق" و "التوتر" و"الملل" . ولكن يلاحظ في كل هذه 
ا مساهمات اشتراك الباحث العربي مع باحث أو بحاثة أجانبء غالبا ما يكونوا ا مشرفين على رسالة 
الدكتوراه. ومع أهمية هذه الدراسات السابقة لكنها لمم تتناول الأبعاد الثقافية-الاجتماعية الكبرى في 
الحزام العربي من وجهة النظر عبر الثقافية البحتة (الخليفة. 1999ج). 


لعلي أتساءل هل هناك قسما واحدا لعلم النفس في العالم العربي يدرس مقررا في 


349 


علم النفس عبر الثقافي؟ أو هناك قسما لعلم النفس الثقافي كما في جامعات متعددة في 
أحزمة غير غربية؟ وهل هناك اهتمامات بحثية متخصصة وجادة بعلم النفس عبر الثقافي؟ وهل 
هناك مشاركات في المؤتمرات العالية "للرابطة العالمية لعلم النفس عبر الثقافي"؟ في تقديريء ليس 
هناك مخرج أمام علماء النفس العرب في التأسيس العلمي والتوطين المتناغم لعلم النفس إلا 
بالاهتمام بمفاهيم ونظريات ومناهج وتقنيات علم النفس عبر الثقافي. ويبدو أن علماء النفس 
العرب محتاجون للكشف على الأبعاد الثقافو-اجتماعية لسلوك الأفراد والجماعات في الحزام العربي. 
ومحتاجون حاليا لنقاش سيكولوجي لتميبز متغيرات الحداثة والحضرية والفردانية والتحللية 
والتجزيئية من التقليدية والريفية والجمعوية والتحكمية والكلية. فهل هذه المتغيرات مستقلة عن 
بعض أم مكملة لبعضها؟ وهل يتم التركيز على الخصوصية الثقافية والاجتماعية للأفراد والجماعات 
في الحزام العربي أم على الكونية والعولة؟ أما أهم الأسئلة هل أن الجمعوية حتما سوف تحل محلها 
الفردانية والريفية محلها الحضرية والتقليدية محلها الحداثة والتحكمية محلها الانحلالية والكلية 
محلها الذرية؟ 

إن التداخل المعقد بين هذه المتغيرات يرتبط بعملية التعقيد في فهم سلوك الأفراد 
والجماعات في الحزام العربي في ظل الحدود التقليدية لعلم النفس الغربي أو الحديث. فعلماء النفس 
العرب مطالبون كما فعل رصفائهم في أحزمة ثقافية أخرى باختبار مفاهيم ونظريات علم النفس 
"المستورد" و"التابع" في الحزام الثقافو-اجتماعي العربي من جهة. ومن جهة أخرى بحصر وكشف 
وتجديد المفاهيم السيكولوجية المتجزرة في الثقافة العربية الإسلامية وإبرازها ضمن ال منظور العاممي 
للسلوك والتفكير. ولتجاوز مشكلة "التبعية الكبرى" والتبعية الصغرى" ومشككلة "العماء الثقافي" 
و"القيد الثقافي" لعلم النفس فهناك أهمية لمناهج كبرى ومتداخلة العلوم ويتطلب ذلك مقارنات 
عبر ثقافية. إن التجزئة والذرية تحتاج لكسر الحدود مع أفرع علم النفس الكبرى ومع العلوم 
الاجتماعية المجاورة. وبذلك ربما يمكننا الحديث عن علم نفس مناسب يستجيب للحساسية الثقافو- 


اجتماعية للأفراد والجماعات في الحزام العربي. 


330 


في تقديريء إن العلاقة بين علم النفس في الغرب وعلم النفس الوطني (الملائم) قد تأخذ 
مناح مثل التبني والتكييف والتوطين والتفاعل. وربما تكون المرحلة الأخيرة هي التفاعل وليس 
التكامل لاستمرارية عطاء أي حزام ثقافي بمفاهيم ونظريات ومناهج جديدة تواكب روح العصر 
واحتياجات الإنسان في ذلك الحزام. إن علم النفس العالمي هو الذي يتكون من المجموع الكلي 
لعلوم النفس التي تطورت في الأحزمة الثقافية المختلفة في العالم. فقد قدمت بعض الأحزمة الثقافية 
مساهمات كبيرة في خارطة علم النفس عبر الثقافي مثلاء الحزام الثقافي للولايات المتحدة وكنداء 
والحزام الثقافي في أورباء والحزام الثقافي في أمريكا اللاتينية» والحزام الثقافي في جنوب شرق آسيا 
والحزام الثقافي في جنوب أسيا. ولعلنا نتساءل أين موقع الحزام العربي من هذه المساهمات؟ كل ما 
قدمه علماء النفس العرب هو 6 مساهمات بين 1995-1990 في "دورية علم النفس عبر الثقافي" 
بينما هناك مثلا في نفس الفترة وفي نفس الدورية أكثر من 20 مساهمة إسرائيلية! فعدد العرب 
حوالي 250 مليون بينما عدد الإسرائيليين حوالي 5 مليون! 


من وجهة نظر عبر ثقافية» لقد تركت الكثير من أنشطة علماء النفس خارج الحزام العربي 
أثرا في اختبار مفاهيم ونظريات ومناهج علم النفس المستورد في هذه الدول كما ساهمت في تصدير 
بعض المفاهيم والتقنيات المحلية لعلم النفس العالمي. وتبعا لذلك القولء لقد ترك بعض علماء 
النفس من هذه الدول بصمات واضحة في خارطة علم النفس. وفرض بعض علماء النفس من 
اللاغرب رؤاهم في علم النفس العالمي وتركوا علامات مميزة, أو بصمات بارزة مثلا كجتسباشي من 
تركياء وأزوما من اليابان» وكيم من كورياء وسنها من الهند. ولاقمى من الفلبين. ومقدم من إيران» 
شوارتز من إسرائيل. وكان هؤلاء العلماء موضع احترام عام في الغرب لأنهم استوعبوا جيدا كيف 
يقرؤًا ويعيدوا قراءة علم النفس في بلدانهم. وهناك عدة رؤساء للروابط والمجالس السيكولوجية 
العالمية من اللاغرب ومن دول العالم الثالث ولكن لم يكن هناك أي رئيس عربي لجمعية سيكولوجية 
عالمية. وهناك قلة من علماء النفس العرب في اللجان التنفيذية لهذه التجمعات السيكولوجية 


3531 


العالمية. وم تنتج الأمة العربية من المحيط إلى الخليج عالما واحدا في علم النفس على 
المستوى المحلي والإقليمي والعالمي. 
هناك عدة علماء نفس من الغرب واللاغرب من هم خبراء في الشئون السيكولوجية 


في العالم العربي. ويبلغ عدد خبراء الشرق الأوسط 37 خبيرا . ولكن ليس من بين هؤلاء 
الخبراء من هم من العام العربي. لذلك فإن غير العرب يمثلون العرب في قضايا علم النفس عبر 
الثقافي. أو قضايا تأثير الثقافة في سلوك الأفراد والجماعات في العالم العربي. فالشخص الخبير المسئول 
عن العام العربي بين 1998-1994هو إسرائيلي "شلوم شوارتز" من الجامعة العبرية بالقدس. ويرجع 
السبب في ذلك إلى نشاط الإسرائيليين في مجال الأبحاث عبر الثقافية وقدرتهم على التجمع وتوجيه 
ا مؤتمرات والجمعيات لأهداف الصهيونية بالجملة. بالمقابل يرجع السبب إلى كسل علماء النفس من 
المشاركة العاطية المؤثرة أو حتى الفردية الفاعلة. فلماذا الصمت! ولقد ذكرت سابقا بأن شوارتز هذا 
قدم 5 أبحاث في المؤتمر العالمي لعلم النفس المنعقد في السويد بينما قدم كل علماء النفس العرب 
المشاركين 5 أوراق! 

ومنذ عام 1994 عندما كنت عضوا في هذه الرابطة أحس بالتوتر والضيق من تمثيلي في 
هذه الرابطة بواسطة عاط النفس الإسرائيلي شوارتز. فيصعب عليه الاتصال بعلماء النفس في الإقليم 
الذي بمثله وفي ذات الوقت يصعب اتصال علماء النفس العرب به. فقد قمت بعملية "لوبي" مع 
بعض أعضاء الربطة وبالفعل لقد ترشحت ضده في عام 1998 ولقد فزت بعضوية المجلس التنفيذي 
للرابطة العالمية لعلم النفس عبر الثقافي وأصبحت تبعا لذلك ال ممثل الإقليمي لشمال أفريقيا والشرق 
الأوسط في الرابطة. ولكن من المشاكل التي تواجهني عزوف علماء النفس العرب من الاهتمام بهذا 
العلم الهام مقارنة بإسرائيل مثلا والتي وظفته بصورة ممتازة وأنتجت واحدة من أكثر وأميز أو أقوى 
الأبحاث في العالم. وبالمقابل انتج العالم العربي أقل الأبحاث وربما أضعفها. ورغم المجهود الذي قمت 
به في الاتصال وقناع البعض بضرورة علم النفس عبر الثقافي لكن حقيقة أحس بخيبة أمل من عدم 


استجابة علماء النفس العرب لصوق الذي رفعته بالانضمام 


352 


والمشاركة في أنشطة الرابطة العايمية لعلم النفس عبر الثقافي. ونتيجة لكثرة الإحباط ربما 
أوجه دعوة لعلماء النفس العرب ليس للاستقالة فحسب وإما للانتحار. 
اذا لا يستقيل أو ينتحر علماء النفس العرب 
هناك أكثر من 50 قسم لعلم النفس في العام العربي وأكثر من 50 مجلة تنشر أبحاثا عربية في علم 
النفس وأكثر من ملايين الدولارات تصرف وأكثر من ألف أستاذ كما تقول بعض التقديرات. مع ذلك 
الكم لماذا لم تنجب الأمة العربية من المحيط إلى الخليج عالما واحدا في علم النفس على المستوى 
المحلي والإقليمي والعالمي؟ وإن أقسام علم النفس في العام العربي قامت كأقسام علم النفس في 
الغرب وربما على نفس الهيكل. وتحتوي بعض مكتبات الجامعات العربية على كم هائل من 
الدوريات يفوق ذلك الموجود في بعض الجامعات الغربية. بالإضافة لذلك تتفوق بعض الجامعات 
العربية على الجامعات الغربية في إمكانيات الكمبيوتر وسهولة سبل الاتصالات. ويحمل أساتذة 
علم النفس العرب نفس درجات الأساتذة العلمية في الغرب. وربما رواتب بعض علماء النفس العرب 
أعلى من رصفائهم في بعض الجامعات الغربية. وقد يكون راتب البعض ضعف راتب زميله في أعرق 
الجامعات البريطانية أو حتى بعض الأمريكية كذلك. والسؤال لماذا هناك أقسام تنتج المعرفة 
السيكولوجية وأقسام أخرى تستهلكها ؟ أقسام تبدع وتحترم المبدعين وأخرى تحترم الاتباع وتتبع. 
وبوسعنا التساؤل مع غليون (1990) اذا كانت الجامعة الحديثة العربية التي تدرس مناهج علمية 
حديثة. وتتضمن كل الفروع لا تقدم للمجتمع نفس الإبداعات العلمية والبحوث والتجديدات التي 
تقدمها في الغرب؟ 

من المناسب في هذا المقام أن استعير مصطلح "البداوة" من سعد الدين إبراهيم (1985) 
فقد قسم علماء النفس العرب أنفسهم إلى قبائل وحمائل وفصائل وعشائر. منهم التحليليون. 
والسلوكيون. والجشطالت. والوجوديون والمعرفيون. وكل قبيلة سيكولوجية جرى تقسيمها إلى 


عشائر (مثلا فريديون وفريوديون جدد. سلوكيون 


253 


وسكلوكيون جدد) وهذه التصنيفات ليس لها وجود الآن في الغرب. ولعل أكبر قبيلتين 
بدويتين لعلم النفس هما قبيلة علم النفس في "كليات التربية" وقبيلة علم النفس في "كليات 
الآداب". فالعلاقة بين القبيلتين في بعض الأحيان كعلاقة مضارب بني تميم وبني هلال كما يحلو 
لأستاذنا حجازي أن يقولء وقد تصل لعلاقة داحس والغبراء. ومن المناسب أن أصف قبيلة علم 
النفس التي تكتفي بالحصول على الدكتوراة بأنها قبيلة "الدكترة" أو "الدكترومانية" ويا ترى هل كل 
من يحمل الدكتوراة هو عامم نفس؟ هناك غياب لوجود انتلجنسيا من علماء النفس بل هناك 
موظفين. إن النشطين من حملة الدكتوراة ربما يؤلفوا بعض المقدمات أو ال مداخل أو المبادئ أو 
الأسس في علم النفس أو كتابة أوراق باهتة في المؤتمرات أو مقالات ساذجة في الدوريات التي تنشر 
لعلماء النفس. هناك ندرة في الاسهامات المنفعلة بقضايا علم النفس أو بقضايا المجتمع العربي من 
خلال علم النفس. فشهادة الدكتوراة هي الغاية وهي المنتهى في علم النفس وغالبا ما يحتمي بها 
هؤلاء وتكون مصدرا للرزق فبقدر ا مرتب ربما يكون العطاء. فقد يحمي مجموعة من علماء النفس 
العرب ضعفهم بكتابة د. أو أ.د. قبل الاسم لأنهم علماء نفس بلا مخالب. 

يمكننا التساؤل عن الكيفية التي تتبع في نشر الأوراق السيكولوجية في الدوريات العربية, 
والكيفية التي يعلق بها المحكمين على المخطوطات. والكيفية التي يتم اتباعها في انتقاء المشاركين في 
الندوات وا مؤتمرات. وعن الكيفية التي يدير بها علماء النفس النقاش والحوار في المحاضرات 
والندوات أو حتى التي يديرون بها أقسام علم النفس أو يديرون بها تحرير المجلات الناشرة لعلم 
النفس أو التي يدعون بها علماء النفس للمشاركة في ا مؤتمرات أو في تحكيم الأبحاث؟ في كثير من 
الأحايين تلعب العلاقات الشخصية دورا كبيرا في عمليات الاختيار وتكون الانطباعات هي العامل 
الأساسي لا الفكر السيكولوجي ولا الإسهام الحقيقي. وحسب هذا الفهم يمكن إقصاء أكثر علماء 
النفس أصالة وإنتاجا بأسباب أنه "غير مريح" أو "غير مستلطف" أو ليس "حبيبي" . وخلق بعض 
علماء النفس العرب أصناما تعبد في علم النفس والتي تحولت لديناصورات متحجرة وعمل بعضها 


على تعهر علم النفس أو "عهرنته". ولأسباب تاريخية قد لا 


354 


يرجى من بعض الدول أن تقدم إسهامات في اللمؤتمرات أو المجلات . وتبعا لذلك يدعى 
ويساهم علماء نفس نكرات فقط بسبب عمليات الاستلطاف. كما نلاحظ عملية عبادة بعض أصنام 
علم النفس والتي يكون بعضها أشبه بالديناصورات المتحجرة. وفي نفس السياق فإن كبار السن هم 
الأقدر إسهاما والبروفسر هو السلطة الدائمة والرئيس هو الذي لا يعصى له أمر. 

بوسعنا التساؤل ما هو الفرق بين الكيفية التي تدار بها "القبيلة" في المجتمع العربي 
والطريقة التي تدار بها "قبيلة علم النفس" في المؤتمرات والمجلات والأقسام؟ يبدو إن الرابط الذي 
يجمع الاثنين هو التسلط والاتصال الرأسي وليس الأفقي كما يتسلط علماء النفس الكبار على الصغار 
ويريد أن يكبر "شيخ" علم النفس مع تحجيم غيره من "مريدي" علم النفس. أو هو نوع من 
الاستبداد. حسب تعبير الكواكبي (1975). الموجود في البناء السيكولوجي لبعض أصنام علم النفس 
في العام العربي. إن الاستبداد والعلم ضدان متغالبان» فكل أداه مستبدة تسعى جهدها في إطفاء نور 
العلم. ربما تحتاج هذه الأصنام لرجل من قريش لكيما يحطمها أو يدخلها في أجحارها أو قبورها. 
لقد نبه بروفسر مالك بدري (1989: 123) في كتابه النقدي الرائع "مشكل أخصائي النفس المسلمين" 
كل الذين في جحر الضب من أخصائيي النفس المسلمين ألا يظلوا قابعين في أجحارهم "فإن مجموعة 
من علماء النفس القدامى ستظل تقاوم الخروج من أجحارها. لقد ظلوا قابعين في اجحارهم مدة 
طويلة فاكتسبوا بذلك أوضاعا مميزة ... لقد نموا وأصابتهم السمنة لدرجة جعلتهم غير قادرين على 
مغادرة اجحارهم القذرة . وليس بمقدور المرء إلا أن يترك مثل هؤلاء يمموتون في اجحارهم المقبرة 
وقبورهم غير المباركة التي اختاروها لأنفسهم". 

وبوسعنا التساؤلء بصورة جريئة وربما موجعة للبعضء أولآ: لماذا لا يحس علماء النفس 
العرب كما أحس علماء النفس في العالم بضرورة التأسيس العلمي الصارم لعلم النفس؟ مع العلم بأن 
"الإحساس" باب هام من أبواب علم النفس العام! وثانيا: مماذا لا يفكر علماء العرب كما فكر علماء 


النفس في بقية الدول بالتأسيس الدفاعي لعلم 


3255 


النفس؟ وثالثا: وإذا لم يحس أو يفكر علماء النفس العرب كما أحس وفكر علماء النفس في 
بقية الدول اذا لا يستقيلوا بصورة جماعية من كل مناصبهم العلمية والبحثية والعلاجية والإرشادية 
والاستشارية وغير ذلك؟ وإذا مم يحسوا أو يفكروا وحم يستقيلوا طواعية اذا لا يفصلوا من جميع 
مواقعهم؟ 

ونستمر في طرح التساؤلات ماذا يحدث للأفراد والجماعات في العالم العربي بدون علماء 
النفس أو بدون "علم نفس الطلبة" و"علم النفس الرخو" و"علم نفس الورقة والقلم" و"علم نفس 
الفرض الصفري" و"السيكوغرافيا" ؟ وإذا لم يحدث شيء اذا لا يفكر علماء النفس العرب في عملية 
انتحار جماعي؟ ففي اليابان» مثلاء ينتحر الأفراد في حالة إخفاقهم أو تدهور كفاءتهم المهنية كجزء 
من بناء سيكولوجيا الشرف. ولكن إذا كان قتل النفس محرم في الثقافة العربية الإسلامية يمكن 
لعلماء النفس العرب إعادة النظر في فلسفة وجودهم ال مهني وذلك ببناء مشروع سيكولوجيا علمية 
وموطنة لعلم النفس ليس مجرد مقرر يوصف بصورة باهتة ويقرر في أقسام علم النفسء وكتب 
مترجمة أو مكررة أو مسروقة أو سيئة التأليف. وأساتذة موظفون ومقلدون وتابعون والجامعة 
بالنسبة لهم مصدر لقمة عيش ويتقاضى بعضهم مرتبات عالية.ء وطلاب حفظة ومرددونء وشهادات 
بكالريوس وماجستير ودكتوراة تمنح: وتمويل خرافي لبعض الأبحاث الضعيفة. ولقب د. أو أ. د توضع 
قبل الاسم. في تقديريء إن مشروع السيكولوجيا العلمية والموطنة يجب أن يضع في خلده قصة علم 
النفس الحقيقية. 

ربما يمكن القول بأن هناك حاجة لمراجعة علماء النفس لإسهاماتهم الحقيقية أو الواقعية 
في تطبيقات علم النفس في مجال التنمية أو المجال الدفاعي. ويبدو أنه في حالة عدم المراجعة ربما 
يعبر ذلك عن حالة عدم المبالاة عند البعض وربما تكون أعراض لحالة من فقد الاهتمام وهي عرض 
من أعراض الاكتئاب على أية حال. ربما تكون هناك حاجة لعلاج جماعي لعلماء النفس العرب 
لإخراجهم من حالة النوم والسبات أو حالة اللامبالاه أو حالة الجمود والتكلس أو حالة الرتابة 
والاجترار المتصلب والمنقطع عن الواقع. نأمل أن تجد هذه الصرخة تجاوبا من أهل الكهف من 
علماء النفس العرب. ربما 


356 


يكون أحد الاحتمالات هو الرفض الدفاعي تحت شعار الحقد والتجني. أو يكون احتمال 
آخر بأن كل شيء على ما يرام كما يعبر البعض في الرسائل أو نحن بخير وعافية كما يعبر البعض 
الآخر. 

من ال مناسب قبل نهاية هذه الدراسة أن نرجع بمقدمتها. لقد ذكرت بأني تحدثت في 
محاضرة بالأردن عام 1997 عن تاريخ علم النفس وعلاقته بالاستعمار. والحرب الساخنة والحرب 
الباردة: والمخابرات كمقدمة أساسية للمحاضرة. وعلى ما يبدو لم تعجب تلك المحاضرة الشخص 
الذي قدمني للحضور وهو عبد الرحمن عدس عام النفس الأردني الشهير. وعلى ما يفهم من إدراك 
عدس بأنه لا مأزق لعلم النفس. ولعلني أؤكد لعدس أن "علم النفس في العالم العربي في مأزق" وأني 
"ثم أخرج أبدا عن الأصول". وم تكن تطبيقات علم النفس في الاستعمار والحرب الباردة والمخابرات 
من " بالقشور" كما يدرك عدس. وأجدد التساؤل أولا بالنسبة لعدس "أين اللباب في علم النفس"؟ 
هل هي "علم نفس الورقة والقلم" و"علم نفس الفرض الصفري"؟ وأجدد التساؤل ثانية هل القشور 
هي الاكتفاء بكتابة "المقدمات" أم "النهايات". "المداخل" أم "المخارج" في كتب علم النفس؟ يبدو أننا 
نذكر عبد الرحمن عدس.ء بأن علاقة علم النفس بالاستعمار والإمبريالية والحرب الساخنة والحرب 
الباردة يجب أن تبقى درسا أساسيا في ذاكرة علماء النفس العرب من جهة. ومن جهة ثانية على 
علماء النفس العرب إدراك وجهي عملة تطبيقات علم النفس بالجملة وبالقطاعي. ربما كان في خلد 
عدس بأن مشروع دراسة "علم النفس والمخابرات" مشروعا غير مجديا من الناحية العلمية أو 


العملية ولكن سوف تمر سنوات أو عقود قليلة قبل أن يتم إدراك عدس أنه كان إدراكا خاطنا. 
لا مخابرات من غير علم نفس 


رأينا في الفصل الثاني من الدراسة كيفية تطبيق علم النفس من خلال التحكم بالجملة ويتمثل ذلك 


في علاقة علم النفس بالاستعمار في أمانيا وبريطانياء واستخدام العلوم 


3537 


الاجتماعية في عمليات الهيمنة. وكيفية تطبيق علم النفس في المجال العسكري في أطانياه وتطبيقات 
علم النفس في الحرب الساخنة في الاتحاد السوفيتي وفي أمريكا بمخالب حادة. كما رأينا المحاولات 
الجنونية لاسكنر في عملية تدريب الحمام لتوجيه القنابل في الحرب العاطية الثانية لزيادة حدة 
مخالب علم النفس. وكيف تأسست أولي تطبيقات علم النفس في مكتب الخدمات الاستراتيجية 
وعلاقة ذلك المستقبلية بالمخابرات وبالحرب الباردة. وفي الفصل الثالث درسنا تطبيقات علم النفس 
في المخابرات البريطانية والمخابرات المركزية الأمريكية من خلال غسيل الدماغ؛. وضحايا غسيل الدماغ 
في غرفة النوم» وعلاقة الجنس بال مخابرات» ودراسات الباراسيكولوجياء و تطبيقات الحرب النفسية في 
حرب الخليج الثانيةء وأبحاث القياس النفسي وعلم النفس المخاراتي وتقييم العقول الخطرة, 
وتجارب التنويم المغناطيسي وتقانة التجسس التي تدعم الحواسء ودعم المخابرات الأمريكية 
للبحث السيكولوجيء وتجاوز الحدود الأخلاقية. 

وفي الفصل الرابع رأينا المخالب الحادة لتطبيقات علم النفس في المخابرات الإسرائيلية من 
خلال دور علم النفس في اختيار وتدريب الجواسيس والقتلة, واختيار طاقم الغواصة دولفين, 
والحرب النفسية عن طريق الخداع» وسيكولوجيا الإرهاب. واستغلال الجمعيات السيكولوجية في 
خدمة إسرائيلء وتنميط الشخصية العربية في الدعاية الإسرائيلية وعمليات الاستجوابء وتطبيقات 
علم النفس الاجتماعي في سياسة فرق تسد أو عدو عدوي صديقيء والموساد والعلاقات السودانية - 
الإسرائيلية وكيفية تخطيط وتنفيذ "عملية موسى" و"عملية سباً" لنقل اليهود الفلاشا من السودان. 
وتطبيقات علم النفس في الاغتيالات التي تمت بواسطة الموساد. والاخفاقات والكوارث في صفوف 
الموساد وأخير كيفية تحول تطبيقات علم النفس من مجال الحرب للسلام وربما بمخالب مخفية. 

يبدو أننا في العالم العربي عندما ندرس نظرية بافلوف الشهيرة نتحدث عنها كفعل منعكس 
وتشريط. ولكن عندما اهتم بها السوفيت والأمريكان نظروا على أنها أداة غسل الأدمغة. والتحكم 
في الآخرين بذات الكيفية التي درب بها بافلوف كلابه عندما 


3256 


بحث في كيفية استجاباتها الفسيولوجية. وبذلك كان بافلوف يبحث عن مخالب أكثر حدة 
لكلبه الشهير في المعمل. وعندما ندرس نظرية اسكنر العملاقة في التعلم الاجرائي نتحدث عنها كعلاقة 
بين مثير واستجابة. ولكن عندما اهتم بها الأمريكان وظفوها في تكنولوجيا السلوك. وتصميم 
الثقافة. ومحاولة تدريب الحمام لتوجيه القنابل. وبالرغم من وداعة الحمام ورمزه للسلم كان اسكنر 
يبحث عملية نشوء وتطوير مخالب له في البيئة الجديدة التي يزمع برمجتها. 

وعندما ندرس المقابلة كمنهج لجمع المعلومات في علم النفس نهتم بها في إطار القطاعي في 
مقابلة التلميذء أو المريض, أوالمعاقء أو العامل ولكن عندما تطبق في الغرب وفي إدارة الصراع 
العربي-الإسرائيلي تستخدم بالجملة في الحرب النفسية؛ والاستجواب» ومقابلة الأسرى, والتعامل مع 
السجناءء وفي كل المحاولات التي تحتاج لقدرة عالية من الذكاء الاجتماعي كاللقاءات الدبلوماسية, 
وا مفاوضات. وعندما نستخدم الاختيارات السيكولوجية نتحدث عن الصدق والثبات وعن الفرض 
الصفري ولكن استخدمت هذه المقاييس كعضلات تحتية ومخالب حادة في أجهزة المخابرات وفي 
اختيار الجواسيس وفي تدريبهم. وعندما ندرس التنويم المغناطيس في أروقة الجامعات ربما نستمتع 
بمشاهدة الخبير النفسي يتلاعب بالأفراد على خشبة المسر.ح بينما تستخدم في الغرب استخداما 
استراتيجيا في تجارب القاتل المبرمج وفي محاولة خلق "إنسان منشوريا" الذي يقوم بعملية اغتيال في 
أي ركن في العام وعندما تنتهي مهمته لا يعرف من أمره بذلك. وتختفي مخالبه عن الأنظار بصورة 
مستورة. 

إن مستوى طلبة علم النفس وتبعا لذلك مستوى علماء النفس وعملاء المخابرات كان رفيعا 
في كثير من الدول. ففي أطانياء مثلاء كان يتم اختيار علماء النفس بصورة صارمة وهناك معايير مهنية 
عالية للاختيار أثناء السنوات الأولى من مشروع علم النفس الحري. وفي روسياء كان علماء النفس في 
قيادة كثير من المشاريع البحثية وعندما اقترحوا عملية تمويه مباني لينينجراد اتبعهم علماء الأحياء 
والمعماريون وفنيو الكهرباء. وفي بريطانياء كان المتخرجون من جامعات أكسفورد وكيمبردج غالبا ما 


يعملون في 


3539 


مجال المخابرات. وفي إسرائيل هناك انتقاء صارم لطلبة علم النفس في جامعة تل أبيب 
حيث يقبل طالب واحد من بين كل 15 مرشح لقسم علم النفس. كما تتم عملية اختيار العملاء في 
المخابرات بعناية بحيث يكون متعدد ا مواهب ويجب أن تكون للعميل الميداني القدرة على 
استخدام المهارات المتخصصة لتدريب الآخرين وأن يكون كميمون ومعناها بالعبرية "الأول بين 
الأكفاء". وربما كان عاط النفس ممثابة جدعون البطل الذي ورد اسمه في العهد القديم الذي أنقذ 
إسرائيل من قوات أكبر حجما باستخدام "ذكائه" أحسن استخدام. وفي أمريكاء هناك معايير صارمة 
لاختيار عملاء المخابرات من علم النفس. وعندما دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى 
اجتمع حينها عدد من علماء النفس "المشاهير" لمناقشة كيفية مساهمة علم النفس في جهود الحرب 
مثل عمليات الاختيار والدافعية. وكان واحد من أربعة من علماء النفس المشاهير يرتبط بعلم 
النفس العسكري والمخابراقي. 

وتشمل قانئمة علماء النفس بال مخابرات الأمريكية وعلماء النفس بالمؤسسات التابعة 
للمخابرات وعلماء النفس المتعاونين مع المخابرات تعاونا تاما أو جزئيا عددا من علماء النفس 
"المشاهير" و"الموهوبين" و"المؤثرين". منهم جتنقر عالم نفس كامل الدوام با مخابرات الذي طور 
نظام الباص» وكوجيتس التي تعمل في تقييم العقول الخطرة التي تهدد سلامة القادة. وولف رئيس 
جمعية البيئة الإنسانية وموراي الذي طور أبحاث الشخصية. وموريس آلان في مجال التنويم 
ا مغناطيسيء وجوتيب في مجال التحكم في العقولء وهيب في غسيل الدماغ. وروبرت هايد في تأثير 
الكحول في الذكاء والشخصية: ومارتن أورون في تطوير مفضاح الكذب. وجيمس كهدر الذي طبق 
مقياس وكسلر على الممرضة التي نذرت جسدها لخدمة وطنهاء وديفيد سوندرز الذي بحث علاقة 
نماذج الدماغ ونتائج اختبار المدى العددي. 

كما تشمل القائمة كذلك ادوار تومانء وديفيد كريشء واجيرتون بالاثي وثيودور نيوكومب 
والذين طوروا علم النفس الاجتماعي التجريبي بعد الحرب. وتضم كذلك قائمة الذين وجدوا دعما 


ماديا من المخابرات بصورة مباشرة أو غير مباشرة بروفسرات 


2360 


عظام مثل اسكنر وروجرز واسجود وايزنك كما شملت القائمة من علماء السلوك مظفر 
شريف التري الأصل في أبحاثه عن سلوك العصابات. وحسن عزيمة الإيراني الأصل في أبحاثه عن 
العلاج بالنوم. هذه الكوكبة من علماء النفس هي التي طورت المخالب الحادة لعلم النفس 
وتطبيقاته في المخابرات. بوسعنا القول بأن فرص نمو علم النفس المتأسس في المجال الحربي أو 
الدفاعي كما في الغرب أكبر بكثير من ذلك الذي تأسس في المجال التربوي كما في العام العربي. 

وبوسعنا التساؤل. هل هناك أي محاولة من قبل عام نفس عربي واحد بتطوير مخالب 
لعلم النفس؟ أو بالقيام بمشروع كبير وخطير في علم النفس يطبق في مجال الدفاع؟ أو حتى أي 
مشروع استراتيجي وهام في مجالات تطبيقية استدعى أن يستخدم رمزا لهذا المشروع؟ أو شارك 
علماء النفس العرب في التخطيط أو التنفيذ في أي عملية سرية تخص العاط العربي؟ نلاحظ بأن هناك 
عدة مشاريع بحثية قام بها علماء النفس في كثير من الدول في مجال الاستخبارات لها أسماء رمزية 
مثل "مشروع بلوبيرد" أو "العصفور الأزرق". ومشروع "مولكترا", و"مشروع الحمامة" و"مشروع 
البجع". و"مرشح منشوريا"” و"نظام الباص" و"غرفة النوم". إن هذه الرموز ا مستعملة في مجال علم 
النفس أشبه ببعض الرموز التي حاول بها بعض الكتاب الكتابة عن المخابرات بصورة روائية. ويظهر 
ذلك في بعض الأعمال مثل "البائعة المتجولة". و"عملاء البراءة" و"عملية سفينة اليورانيوم". وكلتا 
المشاريع البحثية مع الأعمال الروائية لها علاقتها الوثيقة بأعمال ال مخابرات أو التجسس. كما تحمل 
العمليات المخابراتية أسماء رمزية كذلك مثل "عملية موسى”, و"عملية سبأ", و"عملية عنتبي" 
و"عملية ربيع الشباب" و"عملية أبو الهول" التي قامت بها بعض المخابرات الإسرائيلية مثل 
"الموساد" و"الشين بيت" و"أمان". نريد أن نقول بأن هناك علاقة وثيقة ومحكمة بين تطبيقات علم 
النفس وبين أعمال ال مخابرات في شكلها وفي مضمونها. فالسؤال هل هناك أي أمثال لهذه التطبيقات 
عند علماء النفس العرب؟ 


فيما مضى كان الخطر الخارجي مصدر لوحدة إسرائيل وعندما وقعت اتفاقية السلام 


361 


تلاشي جزء كبير من ذلك الخطر. وربما يخلق الوضع الجديد لإسرائيل تصدعا سيكولوجيا 
داخليا بإثارة الخلافات العرقية والثقافية فكيف ممكن توظيف ذلك التصدع من قبل علماء النفس؟ 
ومن ناحية سيكولوجية. يخاف اليهود بصورة غير عادية من عصاب الدمار ويميلون لإرعاب أنفسهم 
فهل استفاد علماء النفس من هذه السمة؟ وكذلك يبدو أن الضعف العربي والإهمال العربي وليس 
القوة الإسرائيلية واليقظة الإسرائيلية هي العامل الحاسم في الأوضاع التي وصل لها العالم العربي في 
صراعه مع إسرائيل. فكيف يمكن لعلماء النفس توظيف هذه الجوانب في موضوع الصراع العربي 
الإسرائيلي. وفي ظل الحرب الباردة اشتهر "جواسيس كيمبردج" بالموهية والحس الأمني وبخدمة 
الحكومة البريطانية لأنهم كانوا الذراع الخارجية لها ولكن بدلا من ذلك بدؤوا يدمرونها من الداخل 
خلال تعاونهم مع الاتحاد السوفيتي. وربما يكون هناك جواسيس إسرائيليين خاصة من الشرقيين لهم 
علاقات قوية ببلادهم التي هاجروا منها فإلى أي حد تم استقطاب هؤلاء؟ 

هناك حاجة للسلطات العربية وأصحاب القرار إلى توظيف الخدمات النفسية خاصة 
الاستراتيجية منها. ولكن يبدو أن علماء النفس دفعوا أنفسهم إلى الموقع المهمش من تطبيقات علم 
النفس ورما يمكن القول كذلك بأن السلطات ساهمت من زيادة هذا التهميش بالنسبة لهم. 
فالمعرفة أو الخدمات التي يقدمها علم النفس ليست من متطلبات أجهزة الدفاع أو المخابرات أو 
القرار السياسي في العام العربي. وتبعا لذلك ليس هناك تمويل لأبحاث علم النفس خاصة الاستراتيجية 
منها. لذلك عملت مجموعة كبيرة من علماء النفس العرب في حبس أو سجن الذات ضمن أسيجة 
ضيقة. ورما يمكننا التساؤل هل مسؤولية علماء النفس العرب هي محاولة تطبيق علم النفس في 
المجالات الدفاعية والاستراتيجية أم مسئولية الحكام وأجهزتهم التي تستعين بهذه الخبرات وتمويلها 
كما يحدث في الغرب وإسرائيل. وهل يمكن لعام النفس العربي أن يدخل في خدمة جهاز المخابرات 
في السودان أو الأردن أو السعودية أو البحرين أو تونس بمبادرة منه فقط؟ أو مجرد بأن يتصل 


بجهاز المخابرات بأن لديه مشروع أو استراتيجيات لتدريب 


362 


الجواسيس العرب أو لزيادة فاعلية عمل المخبرين. يبدو أننا نترك هذه الأسئلة بلا جواب. 

هناك جامعات عريقة في العام العربي ومؤسسات بحثية كبيرة وتصرف ملايين الدولارات أو 
الدينارات أو الريالات أو الدراهم في المشاريع البحثية من قبل المنظمات والمؤسسات والسؤال اذا م 
ترقي هذه الأبحاث علم النفس كما كان في أطانيا وروسيا وبريطانيا وأمريكا وإسرائيل واليابان؟ 
ارتبط علماء النفس الذين لهم علاقات مباشرة أو غير مباشرة بأغراض الدفاع وبالمخابرات بأشهر 
المؤسسات البحثية من الجامعات والأكاديميات. ففي أمانيا مثلاء تم تأسيس أول مركز لتوجيه 
الأبحاث السيكولوجية عام 1920 في "جامعة برلين" برئاسة بروفسر ريفيارت كما استخدمت الجامعة 
كمركز لاختيار وتدريب الضباط. وفي روسياء لعبت الجامعات الموجودة في موسكو ولينينجراد الدور 
الأساسي في إعداد علماء النفس ال مرتبطين بالمؤسسة الحربية. 

وف بريطانياه لعبت أقسام علم النفس في جامعات اكسفورد وكيمبردج دورا أساسيا في 
ترقية علم النفس ال مرتبط بعمليات الدفاع. إن أول ا معامل البحثية والذي كان له علاقة بالمشاريع 
البحثية في فترة الاستعمار كان معمل جامعة كيمبردج. وتم دعم أبحاث ايزينك عن الدافعية في 
جامعة لندن من قبل جمعية البيئة الإنسانية. وفي أمريكاء تم تشكيل لجنة علم النفس برئاسة 
روبرت باركيس في الأكادمية القومية للعلوم عام 1916. وجاء جتنقر من جامعة أوكلاهوما وروجرز 
من جامعة ويسكونسون وجون وايتهورن من جامعة جونز هوبكينز. ومن جامعة هارفارد الشهيرة 
جاء هنري مورايء ومارتن أورون. وفي إسرائيل» هناك مجموعة من الباحثين في مجال علم النفس 
العسكريء وحل الصراع والإرهاب والعدوان السياسي في جامعة تل أبيب والجامعة العبرية وجامعة 

إن المؤسسة الاستخبارية مؤسسة أساسية في تطور علم النفسء. لذلك سوف نجازف في طرح 
بعض الأسئلة الحساسة والتي تبلورت من خلال هذه الدراسة» وربما تكون هذه الأسئلة غير 


مطروحة: ولكنها أسئلة استراتيجية على أية حال . وقد يتساءل أحد 


363 


كم من علماء النفس العرب في المخابرات العربية؟ كم عدد المشتغلين في أقسام الحرب 
النفسية ؟ وكم عدد ال مشتغلين منهم في الحرب المضادة ؟ هل هناك متخصصين في كيفية تحطيم 
معنويات المقاتل الإسرائيلي؟ أو هناك من يهتمون باستغلال التناقضات داخل المجتمع الإسرائيلي؟ 
كم معملا لعلم النفس الحربي في العالم العربي ؟ وما طبيعة الأدوات والتقنيات المستخدمة في هذه 
المعامل؟ هل هناك مقايبس مناسبة للذكاء والشخصية والقدرات والمهارات ؟ وكم متخصصا في 
القياس النفسي في مجال الاستخبارات ؟ أو في التنويم المغناطيسي.؟ أو في غسيل الدماغ سواء على 
الطريقة البافلوفية أو الاسكنارية ؟ كم عدد علماء نفس السلام في المخابرات العربية أو في أقسام 
علم النفس؟ كم عالم نفس عربي يعمل في دراسة العقول الخطرة التي تهدد القادة العرب؟ وهل 
الخدمات السيكولوجية المقدمة من علماء النفس العرب محط تقدير للقادة العرب؟ أو هناك 
مجرد تأكيد إلى أهمية هذه الخدمات؟ أو مجرد عملية التفكير في أهمية سن وحد مخالب حادة في 
علم النفس؟ أو مجرد تمويل للبحث السيكولوجي الدفاعي أو المخابراقي؟ 
مخالب علم النفس 
بوسعنا القول في صيغة متقابلات بأن هناك "علم نفس عسكري" و "علم نفس سلام"”, و"علم نفس 
القوة" و"علم نفس الضعف” و"علم نفس حرب ساخنة" و"علم نفس حرب باردة". و"علم نفس 
صلب" و"علم نفس رخو" و"علم نفس موقفي" و"علم نفس الورقة والقلم” و"علم نفس مكشوف" 
و"علم نفس مستور". و"علم نفس الفظاعة" و"علم نفس الشفقة". و"علم نفس يراعي الحدود 
الأخلاقية" و"علم نفس خارج الحدود الأخلاقية". فضلا عن "علم نفس بالجملة". و"علم نفس 
بالقطاعي". ويطبق جانب من علم النفس ذو المخالب الحادة في وزارات الدفاع» وأوكار الجواسيسء 
ومحطات البوليس, والمعتقلات» وبيوت الأشباح. بينما يطبق جانب آخر من علم النفس والذي بلا 
مخالب للطالب المسكين في المدرسة» والمعاق في معاهد التربية الخاصة» والمريض المشفق على حاله 


في ا مصحات النفسية. إن تكنولوجيا السلوكء كما 


364 


يعبر اسكنر. هي محايدة يمكن تطبيقها من جانب القديسين أو من جانب المجرمين. ويعتمد الأمر 
في عينة الأفراد الذين يقومون بتطبيق مفاهيم ونظريات ومناهج وأدوات علم النفس. إن السؤال 
الهام كيف نعي مخالب علم النفس خاصة الحادة منها؟ 

إن قصة مخالب علم النفس في حقيقتها كحقيقة وجهي العملة. يحي أحد أوجهها قصة 
الاستعمارء والإمبريالية» والمخابرات؟ وأنها قصة الإرهابء والقمع: والخضوع. والاستسلام؛ وأنها قصة 
الترويع» والهلع» والتمويه» والمراوغة, والخداع: والتعذيبء والقتل وفوق كل ذلك قصة التحكم 
بالجملة. بالاضافة لذلك هي القصة الدرامية للعمليات الاستخبارية التي تطبق فيها تقنيات علم 
النفس مهارة فائقة في العمليات متعددة المصطلحات كالعمليات في الظلام» والعمليات الوطوطية؛ 
والعمليات ال مستورة. والعمليات السررية. والعمليات التحتية. والعمليات المبهمة. والعمليات 
الغامضة. والعمليات المباغتة. والعمليات الملتوية: وربما العمليات الابليسية . إن أعمال الستر الأكثر 
شيوعا بالنسبة لعلماء النفس هي أروقة الجامعاتء ومخابر علم النفسء وقاعات المؤتمرات. وأنشطة 
الجمعيات والروابط السيكولوجية. وقصة علم النفس هي قصة وجود أفراد دقيقي الملاحظة: أو كما 
عبر آنغلتون بوجود "أشخاص خارقي القدرة في العمل في الظلام" . 

وقصة علم النفس في الوجه الآخر من العملة هي قصة الذكاء. والقدراتء والمواهب. 
والمهارات. وهي قصة المغامرة» والمخاطرة» والمجازفة» كما هي قصة الحسابات, والمعادلات» والدقة 
المتناهية. والمأزق الذي يجابه علماء النفس العرب هو : كيفية التعامل أو الجمع بين هذه 
المتقابلات» أو التضاداتء أو الطباقات. وهي التي تغذي وتنمي علم النفس. وفوق كل ذلك هي 
التي تولد وتطور وترقي مخالب حادة لعلم النفس. وبلغة أخرىء كيف يمكن التعامل مع علم 
النفس بهذه الصورة ال معقدة وكيف يمكن فك رموز العلاقات المزدوجة في علم النفس؟ و كيف يمكن 
لعلماء النفس العرب التفكير برؤية جديدة في التزاوج أو التلاقح أو قبول التعامل مع وجهي العملة: 


الصورة والكتابة؟ أو أداء الفرائض والنوافل؟ أو حد المخالب وتقليعها في نفس الوقت! 


3265 


لقد حكينا قصة مخالب علم النفسء فكيف تكون الاستجابة المناسبة لها ؟ وبوسع المرء أن 
يطرح بعض التساؤلات عن كيفية التعامل مع مخالب علم النفس الذي فعل فعلته. الحسنة منها 
والنكراءء والتي خلق علم النفس من أجلها والتي خلقها عندما شق قدره بنفسه . أنحكم علي علم 
النفس بأنه علم جاسوس وعميل ؟ أم أنه علم كافر أو ملحد كما عبر أحد علماء النفس العرب؟ 
أيمكن اعتباره من "المريبات والمشككات والمكفرات"؟ حسب تعبير أبو ديب؟ و أن علينا بتره كما تبتر 
العاهة من جسم الإنسان؟ ومن ثم يجب علينا أن نتعقم,» ونتوضاء بل نغتسلء ونتبرأ منه؟ وفوق 
كل ذلك تقليم مخالبه؟ أم نحاول علاجه بقدر الإمكان؟ ونتناول مصلا واقيا منه في حالة هذه 
المعالجة ؟ هل نحاول التأقلم, أو التعايشء أو التكيف معه كما تقتضي- الضرورة التطورية أو 
النشوئية؟ 

في تقديريء إن عينة الأحكام المتعسفة السابقة تحتاج لإعادة الملاحظة- والملاحظة هي 
نقطة البداية في علم النفس. ولكيما اشبع حب الاستطلاع بالنسبة للقارئ: ما هو الموقف المناسب 
من مخالب علم النفس في وجهة نظر الباحث؟ ويمكننا أن نعيد طرح كيفية التساؤلات السابقة 
بصورة أكثر إيجابية: كيف يمكن فهمه؟ وهضمه؟ واستيعابه؟ ومن ثم تفجير الروح الخلاقة الكامنة 
فيه من مفاهيم ونظريات ومناهج وتقانة؟ وكيف يمكن تجاوز النظرة التقليصية ال مايكروية لعلم 
النفس إلى نظرة استراتيجية عملاقة وحكيمة ؟ وكيف يمكن لعلماء النفس تدعيم علم نفس يمكن 
بواسطته أن يصاغوا بهء ويصيغوا به الآخرين في حالة من الكرامة والكبرياء الحقيقية؟ وكيف يمكن 
أن ينطبق على علماء النفس قول جورج أورول بأنهم "داخل جوف الحوت وخارجه في آن واحد"؟ 
إن إمكانية الدخول والخروج تعبر بدقة متناهية عن علاقة علم النفس بالحرب الباردة. خاصة 
بالمؤسسة الاستخبارية التي رعت هذه الحرب بحثا عن تقنيات لحرب غير تقليدية» أو غير اقتتالية ! 

وكيف يفكر علماء النفس العرب بصورة استراتيجية في مستقبل علم النفس بصورة عامة؟ 


وهل هناك علماء نفس عرب غامضون يثيرون الشكوك في من حولهم؟ ويا ترى 


366 


كم تشمل قوائم المشكوك فيهم من علماء النفس العرب؟ وهل هناك باحثون 
سيكولوجيون منخفضو الصوت والحركة والانفعالات إلا عند الضرورة؟ وهل هناك عالمات نفس 
عربيات مرعبات أو حتى مسالمات انضممن إلى أعمال الاستخبارات العربية؟ وهل هناك من نذرن 
أنفسهن لخدمة أغراض جمع ال معلومات لأهداف دفاعية بحتة؟ أني أتساءل فقط ويجب أن نميز ما 
بين التساؤل والدعوة! أو علماء نفس لهم عقلا حسابيا أو رياضيا؟ وهل هناك علماء لهم حس أمني 
في تعاملهم مع أعداء البلاد؟ وهل هناك من يخطط أو ينفذ عملية اغتيال لعدو لدود؟ أم ليس 
هناك مقدرة لحفظ الأمن حتى في دورات اطياه؟ أو علماء نفس لهم قدرة دقيقة على التنبؤ بدور 
فعال لعلم النفس في الأغراض الدفاعية والمخابراتية؟ هل هناك علماء نفس يساهمون في اختيار 
وتدريب الجواسيس العرب بمخالب حادة؟ أو يزيدون من فاعلية أو حتى قذارة عمل المخابرات؟ 
لأن لا مخابرات بلا قذارة. 
و نستمر في طرح التساؤلات: كم عدد علماء النفس الذين يشاركون في المفاوضات الدولية التي 
تخص العام العربي؟ هل هناك من مؤيدي الحرب من علماء النفس العرب؟ أو من مؤيدي السلام؟ 
من يتابع تطبيقات علم النفس في بناء وإدارة الدبابات والطائرات والغواصات التي يشتريها العرب 
من الغرب؟ ومن يتابع التطور الهائل لعلم النفس الدفاعي أو المخابراتي في إسرائيل أو في أمريكا ؟ 
من يواجه القرارات العالمية التي تخص العام العربي في أروقة الجمعيات والمنظمات السيكولوجية ؟ 
كيف يتساءل علماء النفس في حالة إحساسهم بفجوة في التفكير السيكولوجي الاستخباراق في العاط 
العربي ؟ قد لا نجد إجابة صريحة لهذه الأسئلة من قبل مؤرخي علم النفس أو مؤرخي عام 
ال مخابرات و ذلك لأن طبيعة الموضوع وحساسيته يحول دون ذلك. 

ومن المناسب أن نتذكر ما قاله ياسيتيفتش عندما رفض إجراء مقابلة مع جون ماركس 
(1979) بخصوص كتابه امثير "البحث عن مرشح منشوريا: ال سي. آي. أي والتحكم في العقل " 
ذاكرا "أنا مهني ولذلك لا أتحدث عن هذه الأشياء . هناك أشياء كثيرة لا تتناسب مع العامة وليس 


لهذا علاقة بالديمقراطية, إنما لها علاقة بالبديهة 


367 


العامة" . أو كما عبر كل من بن عري وعمير (1986) عندما أجريا دراسة عن علم النفس 
في إسرائيل توقفا عن ذكر الأبحاث الواسعة التي يجريها قسم الأبحاث السيكولوجية في قوات الدفاع 
الإسرائيلية قائلين "ولأسباب واضحة, ليس من ا ممكن توضيح نوعية الأبحاث السيكولوجية التي 
تجرى في هذه الوحدة” أو كما عبر هاميتء رئيس الموساد: هناك أمورا من الأفضل أن تكون سرا كما 
كانت.. 

ولكن ربما يمكن مجرد التفكير في هذه الأسئلة أو المشابهة لها من قبل علماء النفس أو من 
قبل ال مفكرين الاستراتيجيين في الدول العربية. إن الإجابة عن هذه الأسئلة قد تساعد في شق 
الطريق لطبيعة علم النفس أو طريقة التفكير الاستخطاطي الذي نحتاج إليه في العالم العربي. أهو 
علم نفس بالجملة وبالمخالب الحادة على الطريقة الألمانية: والروسية: والبريطانية» والأمريكية, 
والإسرائيلية؟ أم علم نفس بالقطاعي وبلا مخالب على حسب الطريقة العربية؟ أيتفق علماء النفس 
العرب مع سياسة حكوماتهم ؟ أم هم من ال معارضين لهذه السياسات؟ أم هم مع الاثنين معا؟ أم لا 
مع هذا ولا ذاك بل مهتمين بتقدم علمهم فحسب؟ أم هم مجرد موظفين يعملون بقدر أجورهم؟ 
فلا بحث يجرى إلا بغرض الترقية ولا حضور ممؤتمر إلا بدفع نفقاته كاملة؟ ولا بحث في موضوع 
غامض ومستور كالمخابرات. إنهم مع من يدفع أو مع من بيده السلطة أو مع الإثنين؟ 

ويبدو أن علماء النفس سيكونون في وضع مماثل للعلماء الأ مان المتخصصين في القذائف 
الموجهة. أولا قد عملوا بإخلاص مع هتلر لتدمير الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة . وأخيرا يعتمد 
الأمر على من ألقي القبض عليهم: لقد عملوا بإخلاص مع الاتحاد السوفيتي لتدمير الولايات المتحدة, 
أو عملوا بإخلاص مع الولايات المتحدة لتدمير الاتحاد السوفيتي . وإذا كان علماء النفس مهتمين 
كلية بتقديم علومهم فيحتمل أن يخدموا أي مجموعة تملك السلطة . أن علماء النفس مطالبون 
بالتقدم في أبحاثهم واكتشاف الجديد, وكلما زادت درجة التحكم في نوعية تكنولوجيا علم النفس 
المنتجة فإن قرار استخدامها سيكون خارج يد علماء النفس . ومن الصعب الآن وضع تكنولوجيا 


التحكم في السلوك والتفكير في صندوقها . ولقد انتشرت هذه التكنولوجيا في رئاسة 


365 


ومحطات الاستخبارات في العالم» وفي المؤسسات العسكرية وأقسام الحرب النفسية» وفي 
البعثات الدبلوماسية» وفي الفرق الإعلامية. وفي السجون. والمعتقلات. وأوكار الجواسيس, وبيوت 
الأشباح: والشقق الآمنة. وفي محطات البوليسء وفي ا مستشفيات العسكرية. 

وفي تقديريء أن السلاح النفسيء خاصة ذو المخالب الحادة في الوقت الراهن ربما يكون 
أهم من السلاح النوويء أو البيولوجيء أو الكيميائي. فقد انهار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرر.قي 
بتكنولوجيا الحرب الباردة» وهي حرب نفسية في المقام الأول . وبانتهاء هذه الحرب الباردة, كما 
يقول ادوراد سعيد. "برزت الولايات المتحدة بوصفها آخر القوة العظمى" وحولت هذه القوة 
العظمى بفضل الحرب النفسية جزء | كبيرا من العالم من عام ثاني إلى عالم ثالث وأصبحت السيطرة 
لأقلية متحكمة بالجملة» وأغلبية ساحقة محكومة لا يسمح لها بالتعبير ولو بالقطاعي . ويمكننا 
التكهن بأنه سوف تستمر عملية التخطيط الدقيقء والبرمجة المنظمة بصورة استراتيجية لزيادة 
تقنيات السيطرة أو التحكم في علم النفس. وفي إطار ما يسمى بالعورلة. خاصة. سوف تكتمل بذلك 
الحلقة بين علم النفس الذي يهدف للتحكم بصورة علنية: والمخابرات التي تستهدف التحكم بصورة 
مستورة. وهدف ما يسمى بالنظام العالمي الجديد في التحكم بالجملة بمخالب أكثر حدة. 

وفي تقديريء أنه في ظل الاستخدامات الهائلة لعلم النفس بواسطة المخابرات من جهة. وفي 
ظل تجاهلء أو إهمالء أو إغفال أو رفض الجذور التاريخية: والاستعمارية» والاستخبارية لعلم النفس 
سوف يخضع علماء النفس العرب أنفسهم لزيد من التهميش ومزيد من السيطرة البغيضة من 
جانب عملية التلاعب التحكمي بعلم النفس اللعوب نفسه وعبر تطبيقاته بالجملة. ربما يرى أحد 
أن الحديث عن علم النفس بهذه الصورة المتضخمة هو نوع من الدعاية لعلم النفس أو دعاية 
للمخابرات» أو تأكيد لنظرية المؤامرة أو نوع من الهستيريا بالقوي الخفية التي تتحكم في العام وأن 
من يتحدث عن علم النفس بهذه الكيفية إنما هو انفصامي بالدرجة الأولى لأنه يبالغ في تعزيز نوع 


من جنون 


369 


العظمة لعلم النفس وتطبيقاته بالجملة. وربمما يكون دور علم النفس عند هؤلاء أشبه 
بدور جيمس بوند أكثر من دور حقيقي كبير لعلم النفس في المخابرات. وربما لا تتجاوز حقيقية علم 
النفس في العام العربي اللعبة أو الخديعة التي بمارسها بعض علماء النفس العرب الدجالين لخداع 
الأفراد والجماعات بدور وأهمية علم النفس. أو ربمما يرى آخر أن منظاري كالحاء أو رؤيتي تشاؤمية 
للتطبيقات الهامشية لعلم النفس في العام العربي. 

ولكن مع كل ذلك يبدو أن هناك أمل بأن القوى التي بيدها السيطرة الحالية لن تكون 
مسيطرة للأبدء وربما تستمر عملية السيطرة البغيضة لفترة من الزمنء وحتما ستكون هناك إمكانية 
مفتوحة للانعتاق من هذه السيطرة. ولكن هذه الإمكانية مشروطة بحالة الوعيء واليقظة, 
والإنتباهة وبوجود علماء للنفس يلاحظون علمهم بالدقة البالغة كدقة المجهر الحساسء وأن تكون 
ملاحظاتهم لما يجري حولهم ملاحظة دقيقة بعينين حداقتين. وعلماء نفس أذكياء لهم أنوف وآذان 
العلماء في أجهزة الدفاع والمخابرات. وبمراعاة هذه الدقة المطلوبة نتكهن بأن تكون هناك بداية 
لتقدم دال في اتجاه جديد. فيا ترى كيف ستكون الاستجابة المناسبة من قبل علماء النفس ومن قبل 
الاستخطاطيين الاستراتيجيين في تطبيقات علم النفس؟ وعلى أية حالء ومهما تكن نوعية الاستجابة, 
هناك أهمية بالغة لتعلم بعض الدروس والعبر من تطبيقات علم النفس الحادة في المجال 
الاستراتيجيء ربما في بادئ الأمر بقصد حماية الذات من مزيد من حالة الغيبوبة» أو من مزيد من 
حالة الإنجراح النفسي أمام الآخرين الذين يستخدمون ليس مخالب علم النفس الحادة فحسب 


وإنما بالجملة كذلك. 


2300 


امراجع العربية 
أبو حطبء فؤاد (1993). مشكلات علم النفس في العام الثالث: حالة الوطن العربي . في : علم 
النفس 
. وقضايا ا مجتمع المعاصر (31-9). الرباط : جامعة محمد الخامس . 
أبو حطبء فؤاد (1998). دور علم النفس في خدمة التنمية البشرية. ورقة قدمت للندوة العلمية 
الأولى 
لأقسام علم النفس بجامعات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية "علم النفس وآفاق التنمية 
في دول مجلس التعاون الخليجي". كلية التربية. جامعة قطر والمنعقدة في الفترة بين 13-11 مايو 
8. 
أبو عجمية. محمد (2000). سرحان بشارة سرحان. العرب اليوم, الثلاثاء 12 سبتمبر 2000 
أبو غنيمة: زياد (1984). السيطرة الصهيونية على وسائل الإعلام العالمية. عمان: دار عمان . 
أحرشاوء الغالي (1994). واقع التجربة السيكولوجية في الوطن العربي. بيروت: المركز الثقافي العربي 
أحرشاوء الغالي (1995). الخصائص ال معرفية للمحاولات السيكولوجية العربية. الثقافة النفسية 6, 
0- 56. 


أحمد. أحمد (1991). النظام العربي وأزمة الخليج» مجلة العلوم الاجتماعيق 19, (4-3). 


3/1 




















احمد. رفعت (1990). علماء وجواسيس: التغلغل الأمريكي-الإسرائياي في مصر. لندن: رياض الريس. 
أحمد. رفعت (1995). وكر الجواسيس في مصر المحروسة. القاهرة: مكتبة مدبولي. 

أحمد, محمد الحسن (يونيوء 1996). وآخر الكلام..كلام غازي في "الرأي الآخر". صحيفة "الخرطوم"”, 
الأحد 2 يونيو 1996 العدد 1204. 

أحمد. نعيمة (1992) . أسس علم النفس . الإسكندرية : دار الفكر الجامعي. 

إدارة الخدمة النفسية (1992). انعكاسات الغزو العراقي الغاشم على الحالة النفسية للطلبة 
والطالبات الكويتيين في المرحلة الثانوية وكيفية مواجهتها. الكويت: وزارة التربية. 

إدارة الخدمة النفسية (1993). أثر الغزو العراقي الغاشم للكويت على بعض السمات النفسية لدى 
طلبة التعليم العالي. الكويت: وزارة التربية. 

أدونيس (1983). الثابت والمتحول: بحث في الاتباع والإبداع عند العرب. الطبعة الرابعة. بيروت: دار 
العودة. 

أسرة دار الجيل (1986). أزمة الاستخبارات الإسرائيلية. تأليف تسفي لنير. عمان: دار الجيل. 

اسكنر. ب (1980) . تكنولوجيا السلوك الإنساني . ترجمة عبد القادر يوسف . الكويت : عاط المعرفة 
الأشهب. محمد (2001). وفاة غامضة في أسبانيا لعالم ذرة مغربي. الحياة. الخميس 12 أبريل 2001 
العدد 13906. 

أمين» سمير (1993). بعد حرب الخليج: الهيمنة الأمريكية إلى أين؟ ا مستقبل العربيء 16 (170). 4- 


21 


272 























أمينء محمد (1991). صدام حسين الإرادة العربية والإسلامية. عمان. 

الأنباري» عبد الأمير (1997). نظام عقوبات الأمم المتحدة: حالة العراق. المستقبل العربيء 19 (215)» 
2- 38. 

الأيام البحرينية (مارسء 2000). ندوة تضامن مع فنانات اتهمن بالتعامل مع إسرائيل. صحيفة الأيام 
البحرينية. عدد 4017 الجمعة 3 مارس 2000. ص. 28. 

الأيام البحرينية (مارس 2000). الفنانات المصريات يدفعن ثمن الرفض العربي لإسرائيل. صحيفة الأيام 
البحرينية. عدد 4035 الثلاثاء 21 مارس 2000. ص. 26. 

الأيام البحرينية (يوليو 2000). عملاء الموساد يهددون بالإضراب. الأيام البحرينية: الخميس 6 يوليو 
0 العدد 4142. 

الأيام البحرينية (يونيو» 2001). مليون دولار لكلنتون نظير إلقاء محاضرة. الأيام البحرينية 8 يونيو 
1 العدد 4479. 

ايكلمان. ديل (1990) . الكتابة الانثروبولوجية عن الشرق الأوسط . ا مستقبل العربيء ل 39 - 61 . 
بارونء خضر (1993). الاضطرابات النفسية والجسمية الناجمة عن العدوان العراقي عند المراهقين 
الكويتيين.مجلة عاط الفكر, 1,22. 

الباشا. عبد الرحمن (1983) . الصيد عند العرب . بيروت : مؤسسة الرسالة و دار النفائس . 

البسام, عبد العزيز (1965). العراق (ص. 371-394). في: نشاط العرب في العلوم الاجتماعية في مائة 
سنة. سلسلة العلوم الشرقية» الحلقة الثالثة والأربعون. بيروت: جامعة بيروت الأمريكية. 


بدريء مالك. (1989). مشكل أخصائ النفس المسلمين. الخرطوم: شركة الفارابي للنشر. 


313 














بركات. حليم (1984) . المجتمع العربي المعاصر . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية . 

برهوم. محمد (1995). صورة العرب في نظر الصهاينة والإسرائيليين. المستقبل العربيء 18 (189)» 
29-8. 

بزازء عبد الكريم (1991). علم الاجتماع في كتب التدريس-تحليل نقدي. المستقبل العربيء 94.4- 
102 

بلاك. ايان.. وموريسء بني (1992). الحروب السرية للاستخبارات الإسرائيلية 1992-1936. ترجمة 
الياس فرحات. بيروت: دار الحرف العري. 

بلوشء جوناثان .. و جيرالد, باتريك (1987) . الاستخبارات البريطانية وعملياتها السر-ية في أوربا 
وأفريقيا والشرق الأوسط . ترجمة عفيق الرزاز . بيروت : مؤسسة الأبحاث العربية. 

بوستء جراهام (1990) . تقنية التجسس . ترجمة الياس فرحات . بيروت : دار الحرف العربي . 
البيان (يوليوء 2000). حملة لاجتذاب عملاء الموساد. البيان الإماراتية, الاثنين» 31 يوليو 22000 العدد 
8. 

البيان (أكتوبر 2000). بندقية ضوئية استعملتها المخابرات لاغتيال ديانا. البيان الاماراتية. الخميس 
9 أكتوبر 2000 العدد 7823. 

بييت» بيفرلي (1986). تقرير عن المؤتمر الدولي بشأن الإرهاب. "لوس انجيلوس تاهز" 9 أبريلء 
6. 

تشومسكيء ناعوم (1990) . الإرهاب الدولي الأسمطورة والواقع . ترجمة لبنى صبريء وتقديم مصطفى 
الحسيني . القاهرة : سينا للنشر . 

توماس, جوردون (1999). جواسيس جدعون: التاريخ السري للموساد. ترجمة الشرق الأوسطء أنظر 


العدد 7509, الأحد. 20 يونيى 1999. 


214 


























توماسء جوردون (2000). الموساد يوقظ "العملاء النائمين" لتنفيذ اغتيالات. الشرق الأوسط الاثنين 
0 أكتوبر 2000, العدد 8007. 

الثقافة النفسية (1999). الجمعية العالمية للطب النفسي: إعلان مدريد. الثقافة النفسية: 10, 80- 
2. 

جابرء عبد الحميد جابر (1976) . مدخل لدراسة السلوك الإنساني . القاهرة : درا النهضة العربية. 
الجاحظء أبي عثمان بن بحر. كتاب الحيوان. تحقيق عبد السلام محمد هارون (1969). القاهرة: 
مصطفي البابي الحلبي . 

الجماليء محمد (1991). بعد مأساة الخليج: دعوة لرأب الصدع في الصف العريي. المستقبل العربيء 
14 (148).: 151-148. 

الحبابي» محمد عزيز (1987) . تعقيب 1. مجموعة مؤلفين : التراث وتحديات العصر في الوطن 
العربي . ص 110-99. بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية . 

حجارء محمدء (1991). ماذا كان دور السيكولوجيين الأمريكيين خلال أزمة الخليج. الدفاع العربيء 
60-8. 

حجازي. مصطفى (1986). سيكولوجية الإنسان المقهور. بيروت : معهد الإنماء العربي. 

حجازي. مصطفى (1993). علم النفس في العام العربي: من الواقع الراهن إلى المشروعية الوظيفية. 
في: علم النفس وقضايا المجتمع المعاصر (ص 57-33). الرباط: جامعة محمد الخامس. 

حينء جما .. وفتوحيء لؤي (1995). الباراسيكولوجيا بين المطرقة والسندان. بيروت: دار الطليعة. 


الحفني, عبد المنعم (بلا تاريخ). موسوعة أعلام علم النفس. القاهرة: مكتبة مدبولي. 


3215 























حفنيء قدري (1988) . الإسرائيليون من هم ؟ دراسة نفسية . القاهرة : مكتبة مدبولي . 


حفنيء. قدري (1998). علم النفس السياسي والصراع الدولي. الثقافة النفسية. 9. 11-9. 
حمزة. مختار (1982) . مبادئ علم النفس . جدة : دار البيان العربي . 

حنفي. حسن (1985) . موقفنا الحضاري . المستقبل العربيء 6): 61 -91. 

الحياة (مارسء 1999). سكوت ريتر ل "الحياة" عودة المفتشين إلى العراق مستحيلة والحل في يد 
صدام. صحيفة الحياة: الثلاثاء 30 مارسء 1999, عدد 13170. 

الحياة (يوليوء 1999). وفاة مفاجئة لعام لبناني في الفيزياء النووية في باريس تثير قلقل في بيروت» 
صحيفة الحياة. الخميسء 8 يوليوىو 1999 عدد 13270. 

الحياة (نوفمبر 2000). إسرائيل تصعد حربها النفسية والإعلامية على الانتفاضة الفلسطينية. الحياة, 
الخميس 2 نوفمبر 2000 العدد 13749. 

الحماديء عبدالله وآخرون (1993). التغيرات السلوكية للأطفال الكويتيين بسبب الاحتلال العراقي 
الغاشم. المؤتمر الدولي للآثار النفسية والاجتماعية والتربوية للعدوان العراقي على دولة الكويت. 
مكتب الإنماء الاجتماعي. 

الخازن. جهاد (2000). عيون وآذان. الحياة الجمعة 4 أغسطس 2000 عدد 13659. 

خشيمء مصطفى (1992). أزمة الخليج بين الإرادة الشعبية ومصالح الحكومة. الوحدة, 8 (88): 36- 
9 

الخليفة. عمر (1997). مأزق علم النفس في العالم العربي. بحث غير منشور قدم بجامعة العلوم 
والتكنولوجيا بالأردن ضمن مهرجان الفائزين بجوائز مؤسسة عبد الحميد شومان للباحثين العرب 
الشبان 1996. 

الخليفة. عمر (1999أ). ندوة علم النفس وآفاق التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي: معلومات 


وآراء. دراسات عربيق 235 124-119. 


326 

















الخليفة. عمر (1999). ملامح علم نفس الحيوان في التراث العربي. المجلة العربية للعلوم, 2, 97- 
0 . 

الخليفة. عمر (1999ج). ملاحظات حول نشاط علماء النفس العرب في الدوريات العاطية. المستقبل 
العربي. قيد النشر 

الخليفة. عمر (2000). علم النفس والتحكم: نظرة للحرب الباردة. عاطم الفكر 28, 365-295. 
الخليفة. عمر والمطوع. محمد (2000). الترجمة والتكييف البحريني لمقاييس وكسلر. بحث غير 
منشور. قسم علم النفس, جامعة البحرينء البحرين. 

خيرء مروان (يناير 1991). مصداقية الإعلام العراقي في المعركة. الدستورء الأردن بتاريخ 26 يناير 
1. 

الدباغء فخري (1970). غسيل الدماغ. ال موصل: جامعة الموصل. 

الدباغ. مصطفى (1993). الخداع في حرب الخليج. عمان: مكتبة الرسالة. 

الدباغء مصطفى (1995). الحرب النفسية الإسرائيلية. عمان: مكتبة المنار. 

الدباغ» مصطفى (1997). الإقناع فن أم حرب؟ عمان: دار الإسراء. 

الدباغء مصطفى (1998أ) الحرب النفسية في الإسلام. عمان: وزارة الأوقاف. 

الدباغ. مصطفى (1998ب). المرجع في الحرب النفسية. عمان: دار الفارس للنشر والتوزيع. 

الدجانيء أحمد (1991). قضية فلسطين والصراع العربي-الصهيوني بعد حرب الخليج. المستقبل العريء 
14 (148). 85-72. 

درويشء. مصطفى (1985). الصهيونية في السينما. مجلة الهلال, أبريل 1985. 

دومبء ريزا (1985). صورة العري في الأدب اليهودي 1948-1911. ترجمة عارف عطاوي. عمان: دار 


الجليل للنشر. 


377 























دياب. لطفي (1965). لبنان (ص. 334-306). في: نشاط العرب في العلوم الاجتماعية في مائة سنة. 
سلسلة العلوم الشرقية, الحلقة الثالثة والأربعون. بيروت: جامعة بيروت الأمريكية. 

الديبء أميرة (1993). حرب الخليح وأثرها على بعض الجوانب النفسية والاجتماعية للطلبة 
الكويتيين. مجموعة بحوث اللؤتمر الدولي الأول. الكويتء الديوان الأميري. مكتب الإنماء الاجتماعي. 
رابين» إسحاق (1993). مذكرات إسحاق رابين .القسم الثاني» الطبعة الأولى. عمان: دار الجيل للنشر. 
راجح عزت (1987) . أصول علم النفس . القاهرة : دار المعارف. 

رايتء بيتر (1988). صائد الجواسيس. ترجمة عماد القسوسء عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع. 
ربيعء حامد (1974) . الحرب النفسية في المنطقة العربية . بيروت : المؤسسة العربية للدراسات 
والنشر. 

الرحمانيء اقبال (1994). أبعاد الخسائر البشرية والبيئية لحرب الخليج الثانية. المستقبل العربيء. 16 
(179): 48-33. 

الرزازء عفيف (1987) . مقدمة المترجم لكتاب الاستخبارات البريطانية وعملياتها السرية في أوربا 
وأفريقيا والشرق الأوسطء لكاتبيه جوناثان بلوش . وباتريك جيرالد . بيروت : مؤسسة الأبحاث 
العربية . 

الرشيديء بشير (1994). الخريطة النفسية والاجتماعية للشعب الكويتي بعد العدوان العراقي. 
مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية, 74. 

الرشيديء بشير (1995). سيكولوجية جماعات العمل الكويتية أثناء العدوان العراقي. مجلة التربية, 


جامعة الأزهي 65. 


316 























الرشيديء بشير (1995). الحرب النفسية المرتبطة بالعدوان العراقي ضد الشعب الكويتي. مجلة 
الرشيديء بشير (1995). مؤثرات الإحباط وأساليب التكيف المرتبطة بمعوقات إشباع حاجات المواطن 
الكويتي أثناء العدوان العراقي. المجلة التربوية-جامعة الكويتء 36. 
الرشيديء بشير (1998). علم النفس وإعادة بناء الإنسان الكويتي بعد الصدمة. ورقة قدمت لندوة 
علم النفس وآفاق التنمية في دول مجلس التعاون الخليجيء الدوحة. قطرء 13-11 مايو 1998. 
الرميحيء فؤاد (1991) . القدرات العلمية والتقنية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي . 
التعاون.»24 13- 71 . 
روكلنء موريس (1983) . تاريخ علم النفس . نقله إلى العربية علي زيعور . بيروت : دار الأندلس. 
زحلان: انطوان (1981). العلم والسياسة العلمية في الوطن العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة 
العربية. 
زحلان: انطوان (1985). الإنتاج العلمي العربي. المستقبل العربيء 8. ص. 35. 
زحلانء انطوان (1991). التحدي والاستجابة: مساهمة العلوم والتقانة العربية في تحديث الوطن 
العربي. 
المستقبل العريء 4. 17-4. 
الزغلء عبد القادر (1991) . حرب الخليج والبحث عن المسافة الللائمة . المستقبل العريء 2147 23- 
31. 
زندرء موشي (2000). وحدة دورية الأركان. تعليق توفيق أبو بكر. الأيام» الاثنين 18 سبتمبر 2000 
العدد 4216. 


زيعورء علي (1977). تحليل الذات العربية . بيروت: دار الطليعة. 


2379 




















زيعورء علي (1978). الدراسة النفسية الاجتماعية بالعينة العربية . بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية. 
زيعور. عليء في مقدمة المترجم: روكلن» موريس (1983). تاريخ علم النفس . بيروت: دار الأندلس. 
سعيد, ادوارد (1991) . الاستشراق . نقله إلى العربية كمال أبو ديب . مؤسسة الأبحاث العربية . 
سعيد, ادوارد (1997) . الثقافة والإمبريالية . نقله إلى العربية وقدم له كمال أبوديب . بيروت : دار 
الآداب. 

السعيد. محمد (1959) . فصول في علم النفس العسكري . الشركة العربية للطباعة والنشر . 

سعيد. محمد (1984) . نظرية التبعية وتفسير تخلف الاقتصاديات العربية . مجموعة مؤلفين : 
التنمية العربية 9 والواقع الراهن وا مستقبل (ص. 133- 165) . بيروت : مركز دراسات الوحدة 
العربية . 

سليمانء عبد الفتاح (1995). مفكرون إسلاميون يبحثون قضايا التسوية والتطبيع في الخرطوم. 
صحيفة "السودان"الاثنين 27 نوفمير 1995 العدد 55. 

سليمان» علي.. المليجي. حمدي.. و بديويء. احمد (1994). مدخل في علم النفس. القاهرة: مكتبة 
عين شمس. 

السهيمي. سعد (2000). 700 فيلم أنتجتها هوليود لتشويه صورة الإسلام. الشرق الأوسط السبت 19 
أغسطس 2000 العدد 79935. 

سويف. مصطفى (1978). علم النفس الحديث: معالمه ونماذج من دراساته. القاهرة: مكتبة الانجلو 
المصرية. 

الشرق الأوسط (1999). من أجل صديقته خطف مغربي طائرة ركاب. الشرق الأوسطء الجمعة 27 


أغسطس, 1999, العدد 27577 ص. 21 3. 


23630 




















شرابيء هشام (1981). المثقفون العرب والغرب : عصر النهضة. بيروت : دار النهار. 

شرابيء هشام (1990). النقد الحضاري للمجتمع العري في نهاية القرن العشرين. بيروت: مركز 
دراسات الوحدة العربية. 

الشرق الأوسط (أبريل 1999). كيف استغلت سي آي إيه "انسكوم" وأصبحت أفضل حلفاء صدام 
حسن. الشرق الأوسطء_7433, الإثنين» 5 أبريل 1999: ص. 10. 

الشرق الأوسط (نوفمبر 2000). العفو الدولية تندد بوحشية الشرطة الإسرائيلية. الشرق الأوسطء 
السبت 22 نوفمبر 2000 العدد 8019. 

الشرق الأوسط (مايو 2001). 1000 خبير تكنولوجي إسرائيلي يتجاوبون مع الموساد. الشرق الأوسطء 
الأحد 6 مايو 2001, العدد 8195. 

الشرق الأوسط (يوليوء 22001). المرافق الخاص لفيصل الحسيني: لا أستبعد عملية اغتيال بطريقة 
علمية غير مسبوقة على أيدي الموساد. الشرق الأوسط 7 يوليو 2001 العدد 8257. 

الشرق الأوسط (يوليوء 2001). المخابرات الإسرائيلية: عرفات قائد خطير على إسرائيل قد يجرها إلى 
حرب شاملة مع العرب. الشرق الأوسطء 7 يوليو 2001 العدد 8257. 

الشيخ» عبد السلام (1992). علم النفس الاجتماعي. الإسكندرية: دار الفكر الجامعي. 

شيرونين» فياتشيلاف (1998). خبايا الانهيار: المخابرات الأمريكية والسوفيتية ونوابض البيريسترويكا 
الخفية. ترجمة يوسف الجهماني وجمال الأسعد. دمشق: دار حوران للطباعة والنشر والتوزيع. 

صايغ» يزيد (1991). أزمة الخليج وإخفاق النظام الإقليمي» ا مستقبل العربيء 14 (149). 20-4. 


ضاهرء مسعود (1996). ا مؤتمر العامي الثاني حول: "منهجية البحث العلمي الغربي في 


351 




















العلوم الإنسانية والاجتماعية عن البلاد العربية وتركيا". المستقبل العريء 8, 169-165. 

الطويلء عزت ٠.‏ وعليء علي عبد السلام (1991) . محاضرات في علم النفس العام . الإسكندرية : 
المكتب الجامعي الحديث. 

طه. الزبير (1995). علم النفس في التراث العربي الإسلامي. الخرطوم: دار جامعة الخرطوم للنشر. 
طه. فرج (1995). الميثاق الأخلاقي للمشتغلين بعلم النفس في مصر. دراسات نفسيةء 5 196-181. 
عابدين. حمدي (2000). الشخصية الإسرائيلية والمثقفون العرب. الشرق الأوسطء السبت 5 مايو 
0 العدد 8194. 

عاقلء فاخر (بلا تاريخ) . أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية . بيروت : دار العلم للملايين . 
عاقل. فاخر (1965). سورية (ص. 335- 371) . في: نشاط العرب في العلوم الاجتماعية في مائة 
سنة. سلسلة العلوم الشرقية: الحلقة الثالثة والأربعون. بيروت: جامعة بيروت الأمريكية. 

عالمم الجواسيس (1991) . مجموعة من المؤلفين . بيروت : دار الحسام. 

عبد الخالق. أحمد (1991) . أسس علم النفس . الإسكندرية : دار المعرفة الجامعية. 

عبد الخالقء احمد.. ودويدارء عبد الفتاح (1993). علم النفس أصوله ومبادئه. الإسكندرية: دار 
ا معرفة الجامعية. 

عبد الستار, إبراهيم (1985) . الإنسان وعلم النفس . الكويت : عام المعرفة . 

عبد العزيز. محمد و أبورنات. هاشم (1993). أسرار جهاز الأسرار: جهاز الأمن السوداني الفترة من 


1985-9. لندن: دار الأمين للنشر والتوزيع. 


3562 


























عبد الله. عبد الخالق (1991). أزمة الخليج: خلفية الأزمة دور الإدراك والإدراك الخاطئ. المستقبل 
العريء 14 (148): 71-64. 

عبد الله. هشام.؛ والكياليء ماهر.. و خوريء جورج (1990). عن طريق الخادع: صورة مروعة 
للموساد من الداخل. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر. 

عبيدء رءوف (1990). آفاق جديدة في الباراسيكولوجي. القاهرة: عام الكتب. 

عدسء عبد الرحمن.. وتوقء محي الدين (1986). المدخل إلى علم النفس. نيويورك: جون وايلي 
وأولاده. 

عكاشة, أحمد (1986). علم النفس الفسيولوجي. القاهرة: دار المعارف. 

عمرء ماهر (1999). الإرشاد النفسي المدرسي. دير بورن: أكاديمية ميتشجان للدراسات النفسية. 

عنيرء أحمد (1981). رائز وكسلر لذكاء الأطفال. رسالة ماجستير غير منشورة. جامعة دمشقء كلية 
التربيةء سوريا. 

عنصرء العياشي (1990) . أزمة أم غياب علم الاجتماع . المستقبل العريء 7, 37- 48. 

العو محمد (1991). العرب والشورى بعد أزمة الخليج. ا مستقبل العربيء 14 (148): 55-48. 

عيد الزهار, نبيل (1991) . علم النفس العام . القاهرة : مكتبة عين شمس . 

الغبرا شفيق (1993). النزاعات وحلها: إطلالة على الأدبيات وال مفاهيم. المستقبل العربيء 16 (171)» 
99-1. 

غليون» برهان (1990) . إغتيال العقل . الجزائر : موفم صاد . 

غليون» برهان (1991). حرب الخليج والمواجهة الاستراتيجية في المنطقة العربية» المستقبل العربيء 14 


3 


.22-4 :)148( 


353 























الفارس, عبد الرزاق (1993). السلاح والخبز: الإنفاق العسكري في الوطن العربيء 1990-1970. 
بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية. 
الفاروقي, اسماعيل (1979). صياغة العلوم الاجتماعية صياغة إسلامية. مجلة المسلم المعاصي 5 


.41-5 


فرج» عبد اللطيف حسين ٠.‏ وعطية. عز الدين (1987) . علم النفس العسكري . جدة : دار الشروق. 
فلوجلء ج (1988) . علم النفس في مائة عام . نقله إلى العربية لطفي فطيم . بيروت : دار الطليعة . 
فودة. يسري (2000). برنامج "سري للغاية". عدة حلقات. قطر, الدوحة: تلفزيون الجزيرة. 

فولكمانء ارنست (1999). الجواسيس عملاء غيروا مجرى التاريخ. ترجمة مصطفى الزر. القاهرة: 
مكتبة مدبولي. 

القسوسء عماد (1988). مقدمة المترجم. كتاب صائد الجواسيس لبيتر رايت. عمان: دار الشر.وق 
للنشر والتوزيع. 

القصيميء. عبد الله (1977). العرب ظاهرة صوتية. باريس: انتر كمبوز مونتمارتري. 

قلابء صالح (أبريل. 1996). الأمين العام للمؤتمر الوطني السوداني في جلسة حوار في عمان. الشرق 
الأوسط الأحد 28 أبريل 1996 العدد 6361. 

كاملء عبد الوهاب (1994). سيكولوجيا السلوك الاجتماعي والاتصال. القاهرة: مكتبة النهضة 
امصرية. 


كرا صلاح الدين (مارس 2000). مقابلة شخصية. سفارة السودان» البحرين بتاريخ 2 مارسء. 200. 


354 























كلايدمانء دانييل (2000). هل يرغب أحد في العمل جاسوسا؟ النيوزويكء العدد العاشر, 15 
أغسطسء 2000,. ص 29-28. 

الكواكبي» عبد الرحمن (1975). الأعمال الكاملة . عبد الرحمن الكواكبي. تحقيق محمد عمارة. 
بيروت:المؤسسة العربية للدراسات والنشر. 

كوهينء أدير (1988). وجه قبيح في المرآة. ترجمة غازي السعدي. عمان: دار الجليل للنشر. 

الكياليء ماهر (1990). مقدمة الناشر. أوستروفسكي وهوي (1990). عن طريق الخداع: صورة مروعة 
للموساد من الداخل. ترجمة هشام عبد الله وماهر الكيالي وجورج خوري . بيروت: المؤسسة 
العربية للدراسات والنشر. 

لكلركء جيرار (1990) . الأنتروبولوجيا والاستعمار . نقله إلى العربية جورج كتورة . بيروت : المؤسسة 
الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع . 

لنين تسفي (1986). أزمة الاستخبارات العسكرية. ترجمة قسم الدراسات بدار الجيل. بيروت: دار 
الجيل. 

لوبيزء انطونيو (2000). اعترافات جاسوس. باريس : فايار 

محرمء محمد رضا (1984). تعريب التكنولوجيا. ا مستقبل العربيء 6): 62- 81 . 

مجموعة من المؤلفين (1990). جيش الليل: أربعون عاما من جرائم وكالة الاستخبارات المركزية 
الأمريكية. ترجمة محمود شفيق شعبان. دمشق: دار دمشق للطباعة والنشر والتوزيع. 

مجموعة من المؤلفين (1991). عام الجاسوسية. بيروت: دار الحسام. 

مراد. يوسف (1965). مصر (ص. 491-427). في: نشاط العرب في العلوم الاجتماعية في مائة سنة. 


سلسة العلوم الشرقية. الحلقة الثالثة والأربعون. بيروت: جامعة بيروت الأمريكية. 


355 














مرهونء عبد الجليل (1997). أمن الخليج بعد الحرب الباردة. بيروت: دار النهار للنشر. 

مرهونء عبد الجليل (1999). "ثعلب الصحراء" واتجاهات السياسة الأمريكية: المستقبل العريء 21 
(242): 21-6. 

مزملء غانم (1986). الشخصية العربية في الأدب العبري الحديث. عمان: دار الجليل للنشر. 

مزيان» محمد (1993). تحليل المعرفة النفسية إلى الدول غير المصنعة: حالة الجزائر. في: علم النفس_ 
وقضايا المجتمع المعاصر (ص 59- 68). الرباط: جامعة محمد الخامس . 

المستقلة (أغسطس, 1996). خبير سوداني يقترح تصورا مفصلا لصفقة مائية مع إسرائيل تحبط 
مخطط العزلة وا لمحاصرة التي تقودها مصر. صحيفة "المستقلة"” الاثنين» 19 أغسطس 1996 العدد 
9. 

المشعان. عويد (1993). الشخصية وبعض اضطراباتها لدى طلاب جامعة الكويت أثناء العدوان 
العراقي. مجلة عام الفكر. 22 6. 

مكتب الإنماء الاجتماعي (1995). القلق لدي الكويتيين بعد العدوان العراقي. الكويت: الديوان 
الأميري. 

المطوع, مروانء والعلي» إبراهيم (1992). الآثار النفسية والاجتماعية للغزو العراقي على المواطن 
الكويتي. الكويت: مؤسسة المركز الإعلامي الكويتي للنشر والتوزيع. 

ميرغنيء عثمان. ومجلي, نظير (1996). اتصالات في 3 عواصم بين السودان وإسرائيل. الشرق الأوسطء 
الأربعاء 15 مايو 1996 العدد 6378. 

النابلسي» محمد (1995). نحو سيكولوجيا عربية. بيروت: دار الطليعة. 


ناصرء نديم (1984). تحليل رواية الحاج» مجلة المجلة, 2234 10 آبء 1984. 


356 


























النبهان. موسى و أبوحسانء زيدون (1996). البحث العلمي بين الضرورة والحصانة القومية. 
امستقبل العربيء 0 107-99. 

نتنياهوء بنيامين (1997) . محاربة الإرهاب . ترجمة عمر السيد وأمن خالد . القاهرة : الأزهار. 
نجاق. محمد عثمان (1980) . علم النفس في حياتنا اليومية . الكويت : دار القلم . 

نصرء صلاح (1988) . الحرب النفسية : معركة الكلمة والمعتقد . الجزء الثاني . ؟ : الوطن العربي. 
النصرء علي سيف (1993). الصحوة الإسلامية المعاصرة والعلوم الإنسانية» المستقبل العرييك 116- 
132. 

النقيب. خلدون (1991). العناصر البنائية الدائمة في كارثة حرب الخليج. المستقبل العربيء 14 
(148): 29-27. 

نهيان» شمة (1999). تداعيات حرب الخليج الثانية على قضايا الأمن السياسي والاجتماعي داخل 
دول مجلس التعاون الخليجي. المستقبل العري. 22 (246), 57-49. 


نوفل, احمد (1986) . الحرب النفسية . إربد : دار الفرقان . 





هاديء فوزية (1996). تأثير العدوان العراقي في الجوانب الانفعالية والمعرفية للأطفال. في: الأبعاد 
النفسية لآثار الغزو العراقي على دولة الكويت (ص. 187-153). الكويت: مركز دراسات الخليج 
والجزيرة العربية. التربيةء جامعة الكويت. الكويت. 

هانيء عبد الرزاق و حمادء خليل (1996). المعوقات الاقتصادية والاجتماعية للبحث العلمي: دراسة 
وصفية قياسية لحالة من الجامعات الأردنية, المستقبل العربيء 210 115-108. 

هويديء فهمي (2000). إنهم يلحون على محو ذاكرة الشباب العري. المجلة. العدد 1046 بتاريخ 4 


مارس 2000 ص. 25-24. 


357 

















يسينء السيد (1981). الشخصية العربية بين صورة الذات ومفهوم الآخر. بيروت" دار التنوير 
للطباعة والنشر. 

يسينء السيد (1991). التحليل الثقافي لأزمة الخليج. المستقبل العريء 14 (148). 47-30. 

يسينء السيد (2001). الأسطورة الصهيونية والانتفاضة الفلسطينية. القاهرة: مركز ميريت للنشر- 


وامعلومات. 


356 





61120121 .(.805) ,صتدعه] .[ ع8 ,ردماعء5 .17 2[ .أمرروظ .(1992) .2 ,رطم د81 ادام 
.15 1112514 01 تواذوتاءكنصتآ :مامعصنآ .170110 عططلا امت دمع وسوعنك؟ عبوم1مطاءتووم 
لدع ةتأمصصظ :رع 10مطء :زوم 01 منغ تمعع1201 .(1993) .81 يمقتطه؟ ع8 ,.8 ممقطنظ ,.[ تتهلم 
28 توج 25711010 01 0171231[ 2210221 تعتص] .لاءتمعوء1 مسمتلص] طنز دوع 1م710 01 اداع صتردوء255 
.1499-1-68 
2 :11120112 .115 ]تاك طفتلث عطا صز روه 1[مطء روط .(1998) .لآ ,معاعا0 ع6 .1 ,لعتقتطم 
5 10215761517 
عطلا غه لعأمعوعام عجره .ترو010ء9وصط تتتة )اط صا مدامتاعع نل دعل .(أكتاونتث ,1987) .8 ,أمتتطالثف 
011لآ ع1 مهكد ك4550 لمعتعه10مطء رو ممع تتع دس عط 1ه عستاععحط 
ه1120 عناملا ه81 .عناوم تواء101 224 عاممءم تتمعتزع دسم عط ]' .(1950) .© ,لتمسطلمف 
.5212 
26021 قعص .اعة15 ص براعكه5 لصهد تروم[مطء :رو .(1981) .1 تلك -صعظ ع8 ,.لآ رتتسم 
.2239-7 ,16 ,بع 010 ء257 014 10111221 
.418-50 ,2-3 مفكلتع2»0280 نتإهكاواء507 .عع 2ع 1اءعمعتء عقرعاع0 عط معط .(1943) .8 ,اعتمفسم 
370-22 .38 مقتنا ل[لماظ لمعتعه1مطعروو2 .برع 10مطاء:7وم تتةغتلتصط سمممصعءي .(1941) .11 متعطموطكنسم 
.44-48 ,1011112149 تتأطتقكط[ عط]: .اع 015 ذأهداط عطا عستاءعاء5 .(1941) .>1 ,وامطء اا .11 متعطمداموسم 
01087طء:7257 ته للتصط مسمصتء0 01 5اعءم25 عصذوكهم 220 عصتادة.] .(1949) .11 متعطموطكسم 
3301-2 ,12 ,17 أ5001012 
عط .(.80) ععتككوس]ا .1 ص[ .وستكنا كه تجوور لك :روه1مطءروط .(1974) .11 منتعطموطكسم 
15157 لآ 024010 املا موع81 .(3-50 .مم ,2 .1701) وغوذع 10م جاعتووم 
.9 ,28 ,(1997) :امغ[مهكل/8! ذخطم 
12357 لتحت كذ غقطكلآ (.18:0) مستمة .[ ص[ #ترع10مطاءتووم توتمغتلتدط ك1 غقطنة1 .(1980) .[ يقتلم 
5200 2م2056 513721 نكن ,لإعنتعغطه21 .(1-4 .رم) وعستلءءء10م متتازومم مرك #روم1متاعتووم 
05 ملأ ك2نا11500ه1ى 1170114 عط مغ اععءم5 .ووعء10م ععوعم أمدظ 8/1001 عطكا .(1978) .ةل ,دمأتعطام 
.8 ,15 ع2[ مقتدةمكتلهن ,وعاعع طم 
.اع طائناطن2 2111711 :هنمآ .5وأدتعه1م.راعتإوم تتتاك 81 1ه 2تصتصطع نل عط]'.(1979) .21 .تتمدظ 


359 



































2117004ع01) :نا0 جاو 117 .نوع 10ملك577صط غأع5011 012 5تلكعل؟ عدود .(1962) .1 تعناوظ 
1507 .501616 1611551212 ا قتع اهم لمعتع ه10 مطعتووم لتنة لهكه5 .(1983) .8 .14ه1تك8 


لقتتصصك .اع2ة:15 4ه عمق عغط1' :راعكه:5 عستمماء0ه0 2 صذ رو م1مطاء:روط .(1986) .لا تتنسة ع8 ,1 ,تتخحدعء8 





-17 ص37 ,تع 10مطء :رو 1ه ملاع ع1 

أمظ 2110016 عط ص تمتتقطعط لمهت لصته تتعاع تمك 621 ج81 .(1972) تسطهلله1] ااعظ8 ,صستسته زمعظ 
.19-28 ,2 ,65105 '1' 210121 تتعقس] .'اتلمصه5معم طفع عط إه عقي ع1" 

47 ]2010515ك:2977 تفع تتع صم .ت5أطعل0ناد 12[1ماء00 تمعتتعسم 5غلصن11 .(1992) 21 اء بآ ,صتسته زمعظ 
-123 

-447 .23 ,أوذع 2572010 مع لع تقظ_. رع 1010ء:257 ندع مهتا 220 مدع تعس .(1968) . 0[ ,عمتجاميعظ 
15 .(.1]05) توتقءظ .[عة متكا .لآ م1 .هل 2صدت 1ه لصتهة صذ تروم1ام حك :رزو .(1993) .[ ,توضعظ 

.5286 :2211 تجتناطاتوع81 .عع ادم لهتتكلتاء صا عمسمعتمعمعت باعتوعوع18 :وعنوم1مطاع ووم 

1 ملآ ه81 .1225101ع6 11112211 01 01 2[نامتصفحمط عط .(1961) .11 تعصتساتعة ,لخ ,سمصمع 81 
15 177لاأتاعن -تاماء امرحم عملا وآ .نوع 10مطءأووم 2[1غ121ء7تتعمعت 01 تجتمأعنطى .(1957) .8 روستتمظ 
ططه[ علاملآ ع1 .تع 10مطكء :زوم 01 كه 2لصتامظ .(.مل8) .(1948) .11 ,11710 .11 ,10ء281هآ ,.ظا روسمتمظ 
11711 

15 عمطهد .(.1:0) تتعنتوظ .11 ص[ .معمللاتطك طغتك علده؟1 لمعتستك لصهة طاععوءوع5 .(1962) .لآ ,للتطاعاعوظ8 
.0162770001 :01 جزاوء 117 .رو 010 طاعتووم أع11ه50 جاه 

7أو1ءكلطنآ «مأععصلمط :[81 ,ومأعءعسصلوط .لطع 20م بجتفكتلتدم ممه بوه امطعرووط .(1948) .0 روهظ 
نت 4 

طمعتتعمسط .ع5ن عتمعاعل +10 «متكقطاغط تصتمتصتط 2ه #رو0[مصطاءعء) 2 لجوبوه1' .(1962) .0 ررإورظ 
527-17 ,17 ,أقأع 10م روط 

#إأذوتاء كندتآا علهلا نمع حدط ]8 .أع1512 01 تتطعؤوروة تإعتامم مواء10 عط .(1972) .81 متعطاعع م8 
.97-14 ,35 ,توم 010 ء2577 01 1221ناه[ 601231 2تع ص1 .هت جتامعع2 ته عتتطلتت .(2000) .[ أأعرظ 

لتته أسمع سام ماء7ع0 واتلمده5اعم 01 و5عنل ند غأع5013 .(1962) .لآ متعصمء ءطمعكمممظ 

.5 01612517004 :011 جزأوء 117 .تر 010 ماع تووم غأع5011- 02 ولاعت مود .(.18:0) اعنوظ .1 مآ 


مع اع ططخم .011202 اهتعلط 01 امتعغصم عطا صذ طعنتوعوع1 عتقهةط 01 هاه تالة87 .(1972) .© ,فورظ 


.947-0 ,27 ,]5ع 2572010 


2320 












































.0 ,28 ,1مأنده]7 خطذ عط] .ءغ1ه؟ 2 1165م تتم عكاع كمممأكتكتل و'قطكم .(1997) .8 ,رعأاعصتناظ 
11121261012تلقططه0 02101160 04 م115 112 :121261012القتصام 20ة غاعتكصمت .(1968) .[ ,طم تنظ 
2 ندهلده]آ .كممتهماء؟ لمدم تن همصتعاسز 

.وو عتططع لمعى عناملا مآ .مع صم امناعة 1 _ عط .(1971) .10 ,عمحرظ 

7 1170114 220 دأذتع010ل2ء:57م لماع صتف نطء 7221 عط جره عجوم امطاء روط .(1986) .[ ,تعطومهن 
ر5615716 10101122101 هم خخهامء10155 11111 .فتصه؟اتإخصمةط 04 #واذوتء تلصتا ,طه6ة2ه0155 12016121 .11 
.54 ,211 نت هطق سك اددهم 2د نعام] ممسلقم 18/1 انو تملا 

لهدهزووء101م لطة 11 ننه117 1770114 نعم كاعد 1ه 01م عط]' .(1992) .8 ,لهم 1ن ع8 ,.[ ,لع طومهت 
1120 .1 ,.ماععة5 .ا ,.قصطه؟8 .1 2[ .مامكصودقة لمعتوه[مطءرو2 ممعتمع مم عغطا صذ مسرمقءم 
-149 .مزم) عتاناعع موي21 18115011621 لل :02 مكعصومخ لمعنعه1[مك:7؟25 مسمعترعسم عط -جوعم 100 (.5ل8) 
انلمع 2572010 تمع اع تلظ :ن0آ ,نامأعوصنتطمه 117 .(175 

,43 ,ع 10مطاء:رو2 01 1716 امتاصصكة .دم غهنلع72 20د متم مامعع721 .(2000) .0آ بأختبطط ,.ط علدلع مهت 
531-02 

.3- 214 .1 ,تاتعتمع8] لمعنعه1مطءئرة2 . صم تغههوودمة لمعتع10مطء:257 ممعتتعسم عط" .(1894) .[ مللععهتن 
مث :دم أتااموعء؟ أعتاكدمء 101 دع تاوتصطءعا نامع -تعاصذ عسمتام؟8 .(1977) 11 بسفمصاع؟]آ ,.ك ,معطامت 
.165-59 .33 .وع1551 [دك50 01 لمطتتاه[ .ممطوعآ:ه1 سمتصتاوع1 22 -ناع ه151 

2611126115 51211375135111128 للرآن) غطا 04 560177 116 :تمه «ععاة عطا ص[ .(1988) .ى ,كستلامت 
675١‏ اع م01 ع8 تاعأوع.] :0غ1'01051' .022202 

101 لقت 11مأقنط صخ .(1942) 21105 أكمععنة 01 وصنتصتهة1' محمد دملععاء5 دده ععاغتستصدمت 
لعصناهن طعتوعوع]1 81210221 :)10 .دمع ستطمه117 .(4 810 روجع خ]) بو م1مطاعتووم ممتهتكة 

: لخن رععلطء17 .مع1تع مم صا مده غهنءم0 لطتمط شان :الاعصتصع مع لمتطمة؟ .(1997) .لل ,عستاصدافممت 
.عاط لوءء]1 

7711 عناملا ع8 .تووم 1مطاء روم 1ه 12لعدمماء عمط .(.80) .(1984) .1 ,متستوئدمت 

,25 مأوذع10مطاء2و2 متمعتاع سكم .”رع 10مطء روم لمتعدعع لحته رع 10مصطء :زوم توتمغتلتلاطا .(1970) .11 ,10م اكه 01 
.3285-6 

ء متدطآط عاتملا موعآ8 .عستاوء) لمعتو ه1مطاعتووم 01 كلمتصوووظ .(1949) .آ اعوط ممين 

عط 01 تإامأونا8 عط 4ه لفصتتاه[]_. اخلصد18 04 مه نامع 6غ15 لومم عط]' .(1979) .1 متعم اخصهدآ 
.295-50 .15 ., وععمعك5 1201م تتقطاءظ 


321 


















































طمعغظ . عنعوم1مطء روم ععكلاه؟ 5غلصن11 4ه وعامعصةم عذقوط لمصهة كصنعو02 . (1983) >1 تع أخصهدآ 
303 ,22 ,توج 10هاء2رو2 لم50 04 لممتتامل 

: 1.0200 . عتتتاعع متعم 1121ألتكء وومتك لل نوع 1تااعام 220 قالع ]26م , قدمتكتد 11 .(1980) .[ , كاز جمعع2ء0آ1 
عنتمع هعم 

15 :قتاطصنامن .تعتامم تعاء101 01 2مأوطعحطتل لمعنوهامطء روم عطهط .(1968) .[ ,ع8 عدآ 
لووك 

ف 1277ة1طتء 0 خضل مسكتلمتدمامء ممه رومامطء :رو .(1996) غومه:< .2 بإ6 01160 .(1912) .8 ,وتتتاطصتءدآ1 
.15-18 ,37 .أذذأع 10م طكء:257 60221 تعنم[ .210تتتصعسط]' لتمطعن1 

علهلا :مععدآط بوعل .«مطوعكلته11آ 2لعصطيعظ ع1" :معنكف طاذ غعناكصمء عستحاموعظ .(1970) ..آ ,طهمدآ1 
5 10215761517 

4ه 5دمعهمعتامصة طعتتوعوع1 :#وتمغتلتحمه عط لصة برعم1مطءءووط.(1989) .8 ,لدعأددده[ل0 ع8 ,.[ ملاععاوةودآ 
.43-4 ,44 ,أذذعه1مطء :257 متمعتتع حمطن .كلمع 

أونتاتمء ننه ذوع 1د صا 7211211 1تتغلددي .(1993) .2 ,امم روجع 1412 ع8 ,./3 بلعلتعطك ا 

-02055) 04 لقطكنام[ .ناقاع تجاك-تعصصاة لصه ,عل 1وتجتاصنامء ذممك-ع1001ص2 سمتامرووظ 01 هتدع ناودع ص1 مه 
.81-8 ص24 تروه1مء :رو ل1معتغلتات 

راع لعقطة أوعا صا وعع تع 111ل لمنعرءة 2ه 11 تلن .(1991) .0آ نتهمععء110 ,لا نتقطدت اك 

11م لنان)-01055) 04 221ئناه[_.د5ع562 لعغنصتآ عط سه ملتعدءظ ,أمرروظ اتلتطدئمامعة لصه بباعتحصة غتمعن 
.238-249 ,22 ,لإع010داء و2 

1 بأقاع010اء257 تتمعتمع حسف .11 11752 110110 وستممك رو10مطاعووم لعتانزجة فصعي .(1946) .2 ,نااط 
151-17 

6021 2عنل8 1ه تاعتععظ .وعع101 لعصتقة عط صذ طاعتوعوء لمعنع0[مطء :روط .(1948) .[ ,ممعت صدا18 
5228-4 ,18 بمطاعتوعوع11 

01 7إاأواءكتمتآ نى2 بطعختاط16 .تإعمعع عدي 1701104 عغطا) صذ بومامطلءووط .(1952) .[ ,مهدعفصفماط 
5١‏ لاع نط )زط 

-170 ,21 ,تروص 10مطء؟رة2 260221 جتاعع0 .#وتأكوتتلصا صذ ملتههط تامتاععاءة عمتوا-معآ8 .(1946) .[ تعموعط 
.178 

1 سآ برو هامطعتووم لمتندتمصة ممه لهدمت6معملء غ501 نه كصملنهرءوط0 .(1962) .18 يسممسطئتعاط 





000 (اتتطعع01) :11و جزاوء 117 .تإع010تاعتروم غأ5011 012 5تلع1؟ عددهد_.(.80) “تعنصو 

-652 ,26 متتتاء لد لمعنعه1مطعئرو2 .1250120115 لمعتع10مطاء:57م متمعتع مسط 1ه أدتآ .(1929) .0 ,تو كتهه 
660 

نم1122 همل" بع 81 .برو 1متاعتووم لهكه5 .(1981) .141 رمعوناء0 ع8 ,ك1 رمعو نع 


202 












































.ع متامك015 عط 4ه عللمعم لك :11 عدتاآ 1170114 ععصزة وم 1مطء نووم سممعتتعسة .(1982) .١خ‏ ,دععلته 
.ع 000 لطع 01 :01 ,اناه جزاوء 117 

057710107 22م 1ع نطق له أعتتدهد .(1996) .لآ كلتصةع01 ...لا ,101650692 ,.ل ,معع011 ,لى ,صعع011 
.5 3161217004 :1020011 .11 117 170110آ عستممكل 

.13,9-18 كأه010610 مع[ .تإء اوم معن 101 ذاعة:15 1ه عتتتالتهة؟ عط]' .(1970) .]8 مسهحم 1ه 

01 أوء تنآ 01010 :024010 .لقح عط 0 امنتصدم صم 00104 عط]' .(1989) .] ,تقتمعء‎ [7 ١١ 
115 ملآ ]1 . الجاع 1ع 772 مهاد عط .(1928) .5 ناء‎ ١ 

0117 ذل ممسستلمتدمامء لصهة رعه1[مطء ىرو .(1996) .6وطمع2 .2 بإ6 عزن .(1985) .181 .ع لصتن 
.15-18 ,37 ,قاع 10مططآء:257 260221 طاتعتص] . 10دتصعسط]' لتمطعت1 

01 21تتامل[ .صتى 1201م لمتتكلتكء أع1512 عط اوتامغقط عءءة مسمتصتاوعله2 عط" .(1987) .لى نملتد18 
.68-6 ,16 ,56110165 326)وع221 

0617 طذ لسموتلهتدم1مء له بوم1امطء :رو .(1996) ؤوطمع< .2 بإ 0عئغتن . (1911) .آ ,دمالتسمط 
.15-18 .37 ,أقاع10هتء:رة2 210521 طتعغم] .10متصصسطظ]' لممطع كت[ 

734 5ع0اأناغث .(.80) 7زمللخ .0 صآ .أعناكصم عط كه برىم1مع10 طوعى .(1971) ,تطدء ه11 

مذ ععوء2 101 هخود ك4550 عنددع لمع ى مدعتتاع سخ عاعمل"ا ببع[8 .11م طوعمة عط صذ 0مهطاعغهةة بامتوعل 
غ825 811001 عط 

تقطاعصت]1 علرملا موعلا .تو ه1مطءتووم لمتأكسلس] .(1949) .1 ,للءضماط1 

2117 ه650 06 221تتتاه[ .قتتهم «رنطسملصعتة غدعءوع1ه20 علنا -لدء؟ صذ واتمملتسزد .(1978) .0آ ,اعلصدك1 
306 ,31 ترع10مطء:ر57و2 لمكه5 له 

صدوع! لطه ع10110608 :مه0ل هآ .ترو10مطعتووم تتتع7200 014 عستمفطة عطلك .(1987) ..آ ككقطمصموعط 
.22101 

كل :ؤوع تلن ماعط جه أدمء 220 ,إعصعع تنا ,ه512 موطكن كه 5اعع81 .(1992) .لا كأكدهل" 8ه ,.ى ,عقلء11 
-01055) 01 10111221 .50222 عط ممه متملعسمةك]1 لعغتصنا عط معوصاعط ومكعةمصصم لمتتطلته-وومن 
1071-7 ,23 ترعه1ماء:رو2 121تغلنات 

812 اأتتامء:1121 الآ ع8 .7إع1115ة 2[1ع11مأققط لل :معتتعمة ص بوه 1مطء روط .(1987) .8 ,لتدعالط1 
| 

عملا وولح الم ار 10 1210011102 .(1969) .1 متاممص الى ,1 ,رامكص على ,.ظ ,لدع 1111 
1م1121 

معتامجف .رو10مطع روم عكاتصومء لعناممة كه تإتمغاقتط كعلوط لح .(1992) .>1 تعطعوطصع 12 ,.آ مهماما[ 
.1-48 ,6 ,توه 1مطاء :روط عكتاتمومت 


مذ وعتتتلعء10م امتاععاء5 :عه 101 عله 220 تإمتته زه كم ته كتعوط0 .(1944) .2 ,مصكامه11 


223 
























































.31-7 ,17 تع 10متاء :رو لعناممة 4ه لمصتناه]_.سصنتاءعظ لط غأدعءم02ماظ ,مجاه 1" 

3-1 ,30 امعط .عتاعه210ذل أمدظ 1110016 2 101205" .(1967) .ن ,ته 1ناه11 

أعناكدهن 04 لمصتتاه[ .أعتاكصمء أمدظ ع211001 عط 4ه مده امسعصستل لمعنعه1مطء روط .(1976) .]8 ,توه 1صه]1 
.27/9-7 ,20 .1111012موع1]1 

5 1ل0116تآ عطا صا وخصعلن1غ؟ ذاعج15 لحته طوعة 1ه دعت ختقعة .(1973) .آ رتختوده1اصف]1 

طلبطط .أعناقصمء 21دم د صعغصا 2ه ترلمذد لمعغتامممطء :ووم لل نعغناموتل ذاعة152 طوعخث عغطا عصتلهمعء: 





أواء كلطنآ وأطستسامنت ,مهفي و5تل 

عط 04 عققء ع1 :كطمهاء1 106610220221 01 قدمأسصعصطتل لمعنعوه1مطءبووط_.(1975) .21 ,توه 1صه]1 
لاع دستومء0آ ععدعك5 لدع ناتاه ,وعاععصك دمآ غ2 منص مكتلدن 1ه تطتوضمء كتنصت] .أعتكصى غمدظ علللخصر 
ممعتكطف .51020 اعنامغطا اع152 مغ مطمد81 سماممتطاظ عط 4ه عسناععتتصدهد عط]' .(1991) .لل ,وهل ]1 
.24-49 .90 ,5 كنواكف 

.(.18:0) أختتتعطة .1 دآ .ممناناموء؟ أمتاكصمء طذ ممطكلته1 عصتكاه5-صعاطه:م عغط]' .(1972) .11 بسممساعكر 





.6 و15ذه0ط1!!1 04 تاوت عنصنآ نمصوطءت] .دع تامم 12622260221 از هتمع طن حرمت 

لدعتعه10مطءتروم-21ن50 لك :ممطىعآ1ه1 عصتحاهة5-دسعاطه:م عغط]' .(1976) .5 ,سصسعطم؟] 6ه .11 ,سممصساعكر 

.13,:79-90 مطاعنتوءوع]1 ععوعء2 01 281تتاه[ .ذاء نأكطمء 7260221 معغصة 1ه «امتساموعء؟ عط مغ معد طتتاممء» 

عامصسع]! بدتطماعلشلنطط .توم1مطعتووم ‏ طمع1200 014 25م تخهملصتده1 لمعةهمامنط .(1987) .28 نع لالمعر 

1021571517 5 

11مغلناء ذا عمعمع ممعت 220 جاعءنتوعوع]1 :وعنع 010 علوم 15امطعع1993(._1201) [ , تتتتءظ ع8 ,.لآ رسكر 

.5285 كانه تجتناطاتم ]8 . غمتعامامء 

طوعظ عطلا 1ه عم عطا!' :ووعصلع لاع لصه ععمعع خ[اعغخصا ,توا تكتاوعتك جه جاءتوعوع8 .(1999) .0 ,واعء 1م ك1 

.21-9 ,14 22041ل1ع )ص1 لعتصعله1' سه لمكت .110مجور 

.ع 1تاألتاء لاتعاو 20119 2 قل برع 75772010 تتمعتاع حسة -1110ظ 01 اطع حم 1101م عط1' .(19972) .0 بواعء 1م ]1 
29-4 ,3 ,توعه1مطاء روط 7011لا 

3 2 12 تإع 2577:1010 ندع تع سخ - متنا 01 طاى1لهتاء محصة ع1" .(19971) .0 ,واعء لم1 

.44-69 ,14 موعع ع5 لدك50 عتدطتها؟[ 01 0111221[ متمعتاع ممم عط]' .عتتكلته مترعاوه 11- 

عكتأهادء) عدتنآا :عناونحطد[ة]1 علصممطم ع1 ء عنعه[مصطءعامطء ووم هآ .(1996) .1 ميمتتطئق عت ,.0 ,واءء 121 

.233-22 ,14 منتتتط'1110هزناث حنتدادآئ]آ .طم تادمتمعع نلصذ"! ومع 

لدتتكلنء-وووك لكل :وععمعك5 لوك50 320 عتتكلته 01 أمععطم عط]' .(1995) .1 يمتتطدة 8 ,.0 رواءء لقط] 


17. 112011116615. 1, 53-3 





3024 






































نانك طزا ععسعتميعمعت 220 لاعتتوعوع8 :وعاع010اء57م 15امطعع1993(._1201) [ ,ع8 ع8 ,.لا بسكر 
.5285 كانه تجتناطاتم ]8 . غمتعامامء 

.7-8 .25 ]25772010815 2601221 تعتط].أمرعوظ8 4ه عناطنامعظ8 طمعمة عط صذ برو 10م روط .(1984) .0آ رعصك]1 
2 :02002]آ .عمتطاعهحط عطا صا )سو 0ه عطظط .(1967) .ل ,تعلاوءم]1 

24 7وع10223م01آ .(2000) 21 رقلاعووء 17 ,.ظ اع ستمسمطمععاظ ,.0 ,معلهقط0 ,1 معمصعائتي] 

له امتغخصع رهم أعناقدمء ,ركطه 2 مم2 200221 لتعغصة مغ مدم عن اطتاصم لمعزعه[مطء ىرو :رع ه1مطء تووم 
.81-6 ,35 ملإع10مطء7و2 04 221تتناه[ 221ه0 ته صنعغم] .ععدعم 1104م 

.اع8 12 :2002م]آ .وستمععءاءعوءم 1ه وع10مباع تووم عط]' .(1998) .(.8:0) .11 ,اامطعصهآ 

1 تلك تتتطعة عطا مذ مومع 0م طاععممعوعء؟ برع 10م طع تووم دمتغشتكة عط زه معتعع8 .(1949) .آ متعتصم1 
499-77 ,46 .ناء1[تاظ لمعنعه1مطاء روط 

0 ععتاعاعاع 21[ماء 7211 لاختن؟ مقستصمء 22 دوع51 1ه بوه 1مطاء تووم ع1 .(1975) .1 ,1223105 

أطع ادن زلخ لطه ووع5 لمعتع10[مطكء7و2 جه ععصع نع كدمن 0221م أهسمعام1 عطلا غه معحاع ووعء001خ5 .اعةرة1 
.+12221211512 لع2ط15[طتامطنآ ,1975 ,6-10 ,2211317[ راعة151] رحلحة أع1' .ععوء2 له د11 01 وعطناةط' مذ 
.وو م116 عأاولا لا[ .1و تتعط8015 01 :09نذد ىم .(1953) .]8 روغااع.[ 

0 201 1ع دمء لم26 1امططه حأعنامقط) أعتاكصمء وستعهصه]/3 .(1979) .5 ,10معاولصنآ 

01 0107عتإوم لمقكهة عط1' .اعطاعءرهكة1آ .5 ع8 صتامسة .117 ص[ .واعدصق جتمامتلماء طغتمد لععاعوط 
.001 /ك1[ه810 كتلهه ,نوع تع 1/0 .كم تداع متامتواعصا 

-1055ن) 01 01111221[ .1970-1979 ,002)[ :توم 10مطءئزوم 121تألتء-وومك 01 علمعع0 ل .(1980) .117 متعصصم1 
1187-4 توه 1مطاء روه لمعتغلتات 

4 :5لمة2 .امامو نئل حمزووع دمن .(2000) .ل , 2ع مم1 

مطناء للجا8 لمعتعه1مطكء :رو .ععتكتعة نه 102 وأواع 10م طءووم 01 دمن دجتلتطاممم عط]' .(1944) .10 ,متناومهل/13 
411469-3 

02101 تحط عط حصه شان عط "!' :"02201102 تمتتتتطعصدكلط" عط +151 لاعقوءة عط . (1979) .[ ,تعكلتة/1 
.20015 طتتتاعدء :2002م.آ 

01 تإأذوتاءتنطتآ :نطهلدمآ لطه علاغدء5 .عه مسمعتيعمعت عاعداط عط لمحتة عتتطالده 18120114 .(1974) .لل ,تتتجد131 
.5 013]ق تتنطكة 117 

:102002 .لوعتكث مطاوممكء 0م 1هع1الء ع7 لطة دعتلهت؟ لمعغتا[ه .(1978) .لل ,17/122111 


112101 عادولا تو[ .توه 1مطاء تووم 'جتمغتلتلط .(1943) .]ا تعنعكة 


205 












































ر7وع 257010 01 1221نا0[ 1220221عام1] .أعناكصم لهكه5 له ععتاكن[ .(2000) .24 ,اععصء 11 ,.0 ,دلتكلنك13 
-35,126 

لهكهنص1آ كتمتت عط بإ6 0عئعع21ء* 5ه 17011045 ععقطا عط صذ رومامطءىرووم .(1987) .1 ,تسمللهاوه13/1 
25772010 تتمع تع صم ."ع0 1مطعرزوم 1701214 لختطا كتاممعع نلصة 01210 عامط عط له برو م1مطءووم 
.42,912-0 

5 ]اء8 10171 :رع 010لء:9وم قد ممتاخدعة تلعموع0 تنه مناه تلم ععم5 .(1989) .1 ,سملل جداعوه/13 
.103-16 ,24 رع ه1هداء:7ة2 01 0101221[ لقطمة م متعغم] .1701105 ععقطا عط ص 

17مصتمط عاطائة؟ 101 حدمتعدءلناء ةا [نامم 01 ومتسدعمم عط" .(1987) .10 نضعانوه]' عه ,.18 ,دسمللهحاوه/13 
-121 ,19 ,ععطعك5 11م تكقاعط 01 10111221 21201212 .ه88 ممع تمتسا 

11مخلناء-وومظقء طز تروم1متاعتووم لهقكهذ5 .(1993) .5 طخطعة11 ع8 ,.0آ ,تماتته1' ,.1 ,تمل لقطعه131 
2177 طون 220 تمصمععع] .8 .117 عارملا موعلا .عكتاععمميعم 

.68-8 ,3 ,01121117 5عن1 لهند طمعكث .لناهة عطا صذ ترعه[مصطءع] لمعتغتامم ى .(1981) .1 ,تطمتطعته/13 

,29 :81021101 .وتعلدع1 11.5 وصتاءع اهعم 15 ع1ه؟ وأأوتع10مطء ىرو .(1998 .نت معام 5) .8 ,خملا 





5 05 101111121[ .[ع125022ءعم 055 01 اتعتطووعوقة .(1946) .10 ,تام صسصتاعد]8 .81 ,ك3 
.76-0 ,10 ,تإع010اءرو2 

8١ 7.‏ .161126101131 موه 1مطعتووط .(1997) .11 وكلتم نهلك 

.5001 تع ه117 املا ع1 .191 لدع؟ عط 1 .(1980) .1 ,ممعرتاح 

.5 2015خل!] 1ه ونع كنصتنآ نقصوطءت] .ع0 طع51111 01 71 0غ ع كتأقططع غ1[ مخ .(1962) .0 ,00مع05 
0111331-01[ .77قاء07دمء 251 عط مغ طعهم ممه لمعغتن لل تمدع لامععاة عكتووعنيع 2:0 .(1986) .[ متعسلوط 
29-4 ,50 ,برع 10مطاءتإوصة221 

حدم ذتلكء[ قطنه11 عط 4ه كنتلمت عط 1ه تاماه عط]' :وعدو810 وم هنعم 0 .(1985) .1 اعوط 

.هك1مء ذل ع8 10ءعلصعلكء 1177 :ده0دم.آ مهتم منتطاظ 

١١‏ 2011 8117 .0 تحط طوعخ عط .(1972) .1 ,ركوط 

.309-08 ,38 متتناء[لتاظ لمعاعه1مطاع روط .ع0 1مطعتووم تنه غ311 .(.80) (1941) .ن خوط 

2210221 .10ةتاتتتاططط' لتمطاعان] :توسمصصمع0 صذ موتلمتممامء لصة رعم1مطاء :رو . (1996) . 2 أوطمعط 


.15-8 .37 ,أ5ذأع10ملاع تروط 
.9 ,8 ,(1997) 10221 2 ضع م1 بوم 1مطء روط 


2326 






































.5-7 .طم ,10 ,(1999) 122610221ع س1 مروه1مطء روط 

هذ تإلمند خ : 1763-1833 مطوء طططا تدب طامتغتوظ عطا ص وممك تعتصهام عط غه لله عط .(1963) .آ رتتدعمآ1 
0 011لا و81 لإلامأقلط عتستمحمءء لطه لهمعمد 

-93 ,2 ,توع 25712010 01216122012177ب) .1950-1956 :(ع010طء:57م 1155132 اأمععع8 .(1957) .0 ,مه مم1 
.101 

.35-48 ,4 ,ععطعك5 121 متتقطعظ .رع 10هذ1ستجطام هطع تووم مصه برع ه1مطع روم أعذه5 .(1959) .0 ,مه مم1 
3222-0 ,38 متقتتاع[اناظ لمعاعه1مطعنوة2 .2متأمتحكة .(1941) .11 ,مه81 ع2 ,.0 ,مممنتمم1 

للعغداء له وستكاهد دصعاطه2م , عمتلصتط 01 كدملغدعتاوعمة غع5091 عدرمد .(1962) .117 ,ممصطاعى1 
1004القلع 01 :ناو جزاوء 117 نوع 010لاءزوصط 50716 زه وتكعل؟ عحطمد . (.80) اعنلوظ .1 مآ .كوعة 

1 دآ .رع10مطء:زوم غع5071 لصه عكنا غأع13ه50 .(1962) . بآ توطمقتك8 عه ,.© , وإطممدكة .لآ ,رممصسماعسط 
.5 016125170001 :11و جاو 117 .ترع 010 تاعتووم 5011 012 5تلاع1؟ عدرمد .(.80) تعنلو8ظ 

و1011 10 هخ 1لعمعتء لدعنعه1ه0صطم17تطاخطة عع#10طصدت عط كه ستتمصعظ" 12 .صماول؟ .(1901) .117 ,وع تل[ 
3 177وقء نلآا ع1108طسصدن : عع10اطصصدب .(.80) ستتعحت8 .117 . "نمياد 

1 توع10مطء 29,7 04 11221ا0[ مامتكترظ .160025' عط 1ه وعقدءة عط زه كمه كتعوط0 .(1905) .117 ,روتتع تل[ 
.321-67 

4 ,غ18 ,«إلناز ,عتاطتام مع عتتنو مسر شان .(1974) عدماد وستلام]1 

عل81100 101 اعأخمعن تتهتوة0آ1 عغطوه]8 عط" تحتلعة ع1 .صملن5 عطا طنز عو لتحزت .(1995) .لآ ,معصم]1 
تدع تك له غامد 

أقد8 210014 .(80) دملهتوة .ىم 12 .(ضهل0ن1-5[ة غ2 تإتوتتتتطصصيز) صملجدك .(1992) .لآ ,معصم][ 
111001 101 تتعأخمعن تتدتوة0آ عطوه]8 عط]' تحتحة اع'1' .(702-722 .مم) 2171 .1701 .تإعكتتاة 37ل012 م اع امام 
1ع ]1 تلكث اع'!' ,عأتختاكصآ طدملنطذ عط" .وع 01د سمعتتى ممه ممعاأمدظ 

أقد8 210014 .(80) دملهتجة ىم 12 .(طهل0ن1-5[ة غات تإوتتتتطصصيز) صحلجيك .(1990) .لآ ,معصم][ 
ع111001 101 تتعأخدعن متدتوة0آ عطوه]8 عط]' تحتحة اع'1' .(630-648 .مزم) 22117 .1701 .تإعتكتتاة 0121م معامامء 
تنمت تلكط اع'!' ,عأتختاكصآ] طدملنطكذ عط]ط' .وع لهند سمعتتى له ممعامدظ 

.لع1512 ,4 810 ,أخطسول110 متتكاك .هه 11توة تباط عط 4ه مهدع عغط]' .(1985 38/1277) .لآ معصم1 

-تعصصة تغط ص غءء زطانة ودتوعن[ه2 ععوء2 ممتاأمرعوظ عطلا 1012205 دمغتومم واصمل0ن5 .(1980) .لآ ممعصم1 
.قاع كتمتنآا حلحة اع'!' :حلحة أع1' .وممتاماء لوجم 


2327 



































1112201 صخ :رو10ماءنزوم 01 كنطهاد له اأسمعصصطمماءمع0 صذ ملصعم1' .(1982) .121 ,ماءجمعوم]1 
.117-140 .17 رع 1مك :و25 01 1221تاه[ لهم أهمتتعتم1] .ع حتاعءم وعم 

54ت] عطا صذ رع م1مطء :روم 4ه امعصدمماءع0 عط ممه كستوتره عنتع تل عط]' .(1994) .251 ,ماءجمعوم1 
.739-66 ,29 توج 25711010 01 11221اه[ ‏ 21م نه طتعان]1 

م امه 2011 ه181 .2و 1لدخصع 012 .(1978) .1 ,53010 

غ116 1نةه لآ 817 .0عاعء:11لقتمطة برو ه1محخاءءروط .(1981) .5 ,2ه530125 

.8001 2د :ه20ه.آ .0 صتحط عط :نم1 علخدظ .(1963) .107 بأصمع 521 

3200-7 ,33 توج 02125772010 01 10111321 .ع تتتطع فص 2 طاختتنر عأوع) ععصهد روم تتتتمان .(1969) .81 المتسصطعة 
07 هلآ 1187 .1211117ع 111285 متتطوأة عط]' .(1928) .© روعل1ء5 

.ل للته وطهوتى 31202856 عع3م5 1[هدهدطء2 .(21.)1985 ,8112201213 ,.لآ علكلهآط ,.[ ,رؤتمع20ة5 
.13-1 ,20 ,ترج 010لاء2572 04 0111221[ لقصم هط ع1 

عل6ئ11015ع 01 أوعا لل :15ء2222328 01 5عتال2؟ 0ع غهاء 11701211 .(1990) لل ,تلخ ع8 ,./آ ,دمغعلاء قاد 
.109-11 .21 ,ترع10مطاء ,257 161121[نان)-1055ن) 01 لقطتتام[ .[ع1/100 

.501155 :وع0[11م 51102256 طذ 1ماع 12 عتصطاء غط]' .(1988) .لا رمعصه8] لمعه .181 ,ملعكلقطة 

2/1016 طا عغهأ5 عط 220 مدقتام تق نسطاظ ‏ رمل8) طعت« مسصتطهظ8 .1 ع6 متفصصوظ .84 م1 .اماد 
:2ه2هم.1] 

عط لصة اعدية]1 .(.180) تتعستعة .5 12[ .ععمعئأكسداصة طوعكة 4ه طتتزمط عغط]' .(1971) .5 تتستقطك 
١١‏ .غ5 املا ]18 .212 1طتاوع 21 

44 1165 ممعقطد اعتعة و8 .ممتقطد اعتمة 6ه رموه تطامانه غط]' تمتعد17؟ .(1989) هلل ,ممعمقطد 
ا ]كتاء5 220 متاك لمم" مآ .11م قطان 

0 4ع تنه 220 ,عع قناز رععوعءم 101 15 تع تمتسنوء221 عط]' .(1971) .لى باعلمقطتطك 

ا ,اكد 111001 اغا .201 15 عأمتامعوع0 مغ عمصنا عط -اعة15 طغختهر 15 عكتاهتائما عطلا-ووعم مع زط 
.20-2 

5 [اذأوتاء نالآ 5221010 :5221010 .متنا أعتتته5 عط صز ووه 1مطعنووط .(1957) .(.80) .2 ,لام صزة 
1:1ه0آ7]17 .عع 7عتاعمعتء 10132 عط]' :تجتاصنامء 1170114 لخنط1' 2 طذ ترووه1[مطء روط .(1986) .0آ يقطستة 
506 

طم للتصسع ةج عاعمل"ا مع]8 .مط معللدك11آ .(1948) .8 نتعممكاك 

.221-33 ,11 مأقأعه1ه0طاكء:257 تتدعتاع سخ .لمطغأعطة عتكتاسمعك5 صا وتماقتط عمدء ى .(1956) .8 ماعمسكلة 


228 









































343-77 ,45 ,5ع ك5 تدع تاع سم .1م تكقطعط 1ه 5أوولقطتة لمأادع دستعميت عغط]' .(1957) .8 متعمستكالة 
.94-99 ,13 ,انع 25772010 تمع تتع متف .100337 أمعصعءء1مكسصتع8] .(1958) .8 ماعمسكلة 

.28-7 ,15 مأنأع010تاآء:57صم تامعتتع طم .سدعنتاء2 طذ مدمعع خط .(1960) .8 متعمسكلة 

.50015 تدعنتاء2 : صملده]آ .تجنتصعئنك حصد ستملعع لممعظ .(1974) .8 تعسممكاك 

1941-5 05 ةكاآ عنأ110ة2 غدع1 عغطا عستتتدل 5أنتاصعك5ة 24م صتصعط .(1966) .© ,رع[امطه5 
0٠‏ 1/10560117-1 

-1890 ,طمتاهك0ووق لمعنع10ماء:ر25 ممعتتعصسة عط 4ه دوعر تولههء 20ة صنو0 .(1992) .321 ملهكاهك 
111-12 ,47 .أنتعه2010ءئرة2 تمعتتع سمخ .1906 

.05 12200 11ملآ بوع[8 .نوو 10[مطكء :زوم ص معنطااظ .(1985) .© , تعطءهم ]1 عق ,. , اعوعامة 

05 57ع971ع11 [قتاصصة .عع صدحك لمغامع صم هتحص لهوطاماع 1ه وطمتفصع صتل لمعتعه1[مطءءرو< .(1992) .2 ,معد 
2269-0 ,43 ,لإع10مطاء تروط 

لمصتناهر[ .أعتاكصمء تاعهة15 طمعة عطلا صذ مممصردع7 5د دعم 7أمع2عغ]5 21مم ج81 .(1974) اعقطء 8/1 رسممساعء انك 
109-11 ,3 ,5610165 عصتاوع له 01 

620 :201015 92011115 د حده8010 .(1991) .[ ,52010 ع8 .نك كلاه[ ,.11 رعنتء طناك 

.209-23 ,22 ,توع 2577121010 1611131نان-01055) 01 101111321 .1150125 مطامء 1هتتلتكه 0ه 

0112717000 .11و جزاوء 117 .روه أ راعتووم 01 2115 ممع 1ل لمعنتطاممموماظ .(.80) .(1984) ..آ ,عدمناك 
ععطته 01 تاماءعاء5 عط صذ 0مطاعمط «منكدحتءوطه 2مخه زد «رتاممع 04 ع5تآا .(1948) .1 155 
587-04 ,32 ,ترج 10هدك :257 لعنامصخ 01 1221ناه[ .دوعتت ناعععيء 

.(223-305 .مم ,1 .101) .7015 2 ,170115 0عاعع1ء5 ص1 .مع لدع1 تجتمغتلتحمط 1ه لصتمم عط]: .(1985) 8 ,تتمامع1]' 
1107م 

5 ,5610165 و21 01 لمصتناه[ .طوعمى 1017210 5ع610غة أمتصدمات .(1976) ععنطهة[ ,توت 1" 

هته 7اأناصع10 ,دمغتصعه0 :دعتتاهم 1770110 220 ع تاناهد تفص .(2000) .[ تتعع 6010© ,.2 كاءملاء1' 
.87-6 ,35 ,وى 10مطء:2577 04 1221ناه[ 200281 مع س1 .ععمع كص 

:1020012 .تع12010ء7 و0212 12 1150 قمتتتع 01 تجتددوماع ل .(1984) .151 ,عصعنهط21ط1' 
لعأهاء؟ لخته وطتومعاعا مغصذ طاعتتوعوع1 21اتع مطتمءمعت 01 لومم أمعوعم عط" .(1942) .1 ,دوع 1 نامط]' 
.1-9 ,42 ,تاءتوعوع8] لمعتط رو 101 تإاأع 50 عط 1ه وعصتلععءء210 .2معصره سعغطام 


.49 .14 .ق1اكتالث .111265 .لآ .آل [.صمصش] .تعادعء خل22ه5ءم جنا أع5 0غ واتويء علصلا .(1949) دعستل" 


3029 


















































.(1155 8190 ختاموصعظ) 1977 مغ 1917 تإتطتقة عط طتز أمتعه1مطاعتووم طعنتوعوع عط .(1977) .[ متعسقلطل1 
.5ع ع تع ك5 لدك50 20ة 0121 1كتقطاءظ عط 101 عأتكتامم1] اءتمعوع] تإصتحة 115 ,100 ,دمأعسصتطمه117 

,65.885 وعطلةط' عط]' .ماأعءصكناة #متترعا زه لعتكتاكنز ععنله1 01 عدن ممتتقك أعميو1 .(1997) ,تعكللة117 
.5 .5 .1997 ,"9 رتوهلم8 

(كذ]آ) 02أ2ك0ودكث لمعذعه10[مك50 2600221 طتعغصا_ياأوء عط لصه أوء؟11 عط" .(1997) .11 ,رصاع ئعومع 11711 
٠.‏ .72 .نع 1لتاظ 

متتعامد8 2110016 ص1 .تإتمصه نت ط[ممة مععاممة501-5 :صملج5 عط 04 أطمعن]' .(1995) .0 ,وختاطاعة117 
سوعتكة لصه متعامد8 13/110014 101 تعامعن صوتوة[ عغطوهك]8 عط" تحلحة [ع1' .عم0 .10آ2 .نع متاءع1 
نك 

ممع امدظ ع81001 .كدمتهاء؟ لممعغدلتط صذ عله5امء حك :اع1512 له طنملن5 عط" .(1992) .0 ,عغتاط1ة117 
.3385-6 ,28 ,56110165 

.0131232 .126025ء1 عوع5022 سمتامرعظ8 ص علزاط عط]' .(1991) .0 ,وتتاطعة117 

لصة عتصطاء صذعء01نازعام ته جمتاعة باعد8 نصهلند عطا صذ جاتاسصعل1 لهسمنقدل< .(1990) .0 ,وتتاطعة11 











.1512 ,دكتهآ1 01 #اذوتء017تآ ,151-202 ,24 ,5610165 تتدعتكة 220 سمتمخ .مصطمتكهاء؟ منامتوئنتاء1 

-1983 ,1551055اء12ءم1 2120 7120002عتطء[مصدطآ1 :صملن5ك صذ حتتقطذك عط" .(1990) .0 ,وغختاط2ه117 
.6624-7 ,0111:221.144[ غ125 1989.811 

8 ,56110165 تنوع كم أده حط1ه810 .املق ممه لهن]' تسملن5 عط صا تإعمهمحطءحج] .(1986) .© ,وختاط1هة117 
2-3 

(.1]05) تدوع غ5 .ن ع8 أعء2 .[ 12 .ه510 237115متنالا صذ عأهؤد له صهان1 .(1985) .© ,عتناط1ه117 

.715 [اأوتلءكتطلآ اعاأوعطاعصة]78 جتعاأوعطاعصة/8 .ممتقطدد عط كه ناهد سماذ] مملانممط 

.(.8:0) كتاتتان .1 ص[ اطتلدء؟ لصه طاتولة :وعتامم عدعصه0 1مك صذ عدفصة غط]!' .(1981) .0 ,وختاطاعة117 
7ااع حاو 117 اع10ناهظ8 .82516 111001 عا ص وعتانامم لمنه كنامنئناعك 

أكنلطد]8 عطا صذ تجتع كماد وصنلمميعء؟ ندم هع 0ذكمدمء لمعتاع هم لصه لمعتع10مع12 .(1981) .© ,وتتاطعة117 
تا5135 01 رع010ع10 عط" .(.8:0) 7إهز1.07آ .2 ص1 .1881-1918 نصهلهد سمتامرووظ-ماوصة عطاا سه عئغهؤد 
م نان عع52 .دعتكةف صا 

01 عتاأع ناو لدع اتاوم-مك50 عط صذ متطومعلدع1 لوطتن لصة حصهان1 عتقلنامه2 .(1974) .© ,وتتاطاعة117 
217 .170110 طوقة عط صا عتتاع تمد لمعتكتامم لصه باعك50 .(.80) ه8115 .21 مآ .صملنك ممع طترماد 
١‏ ون طنط ارملا 

سمنحظ .1914-1945 2هل0ناد عطا صا دعتانامم كنامتوناعظ] نممطتآا مغ تتدحصة ددم .(1973) .0 ,وتتاطعة117 
1512 ,دكته11 01 #اأواء تلصتا ,.9 561015 ممعتكم امد 





400 























2 :102002 .4صققصط ره عوككةا .(1978) .2 ,مهئة117 

نم6 25701081 عط" :قمعت 1" .1قنتصد]8 خ15-1ختلة!؟ . (1981) .(آ متعاقطلء117 

.021101 10124 01 كتتناعتاآ نشآن) عط) لطتة عجتكقتطيووط .(1990) .11 ,ستعائقصةء117 

عمال تطءترو2 تمعتتاء ملم 

+٠‏ 2 2 2111 011016101111185 ,812112151251:11285 :لصتحط 0ع121تامتسهمم عط .(1983) .10 ,سستتلآ 

.5 06128013 عط]!' :1020602 

7س لمعتطمهدهلتطط2 لهم موع81 .تووم1متاعتووم غ501 .(19612) .(.80) .1 ممستلا 

7 لمعتطمهدص[تطط علزاملا بوع[8 .مخدنآا أعتتته5 عط مذ بوممروع د مطعبوو2 .(1961) .(.80) .]1 ممسستكلآ 
و :1012655 1ع 2201 ,عتتغلنكء ,مهم أمختصدطء7] .(1995) .0 ,ع11م ك1 ع8 ,.لا كأوجامطلآ 

.474-489 ,26 ,ترج 25772010 1131 لناء-1055ن) 01 لقطقتاه[ .صهلن5 عط مصه لمماوصظ صا دعنلمذة لمتتغلنه- 

)و2212 04 لفطتناه[ .طانامو 1اعة151 01 55ع152امكقدمء عطا صا مسقتصناوع221 عط]' .(1975) .8 كلع مناد 

56110165, 6, 3-1 





401 























عام النمس 
المخايرات 


5 





1 
وا 1#تسدامي 


د يوي 


داكا 


هقاتطف ١‏ "7 اح اوك اتح 1ك 17 اة 
ل ع > اك رجا 


شاحكسى ب ا + يححبه اح جد 


عضن دب ١‏ أعاة العبيتية 153011 





المسلعة الاردنية الهاد 





ع 








6 مت ومممطم ةك يه انتج 
مل رتم8 موجطاهة ركنا 


ااا 


اطاال 


5655 8787